
18-07-2025, 12:06 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (794)
صــ 531 إلى صــ 540
إذا ذكر النار قال: أوّه.
17413- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمِّي، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب قال: كان إذا ذكر النار قال: أوّه. (1)
17414- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان قال، أخبرنا أبو عمران قال، سمعت عبد الله بن رباح الأنصاري يقول، سمعت كعبًا يقول: "إن إبراهيم لأواه" ، قال: إذا ذكر النار قال: "أوّهْ من النار" .
* * *
وقال آخرون: معناه أنه فقيهٌ.
* ذكر من قال ذلك:
17415- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "إن إبراهيم لأوّاه" ، قال: فقيه.
* * *
وقال آخرون: هو المتضرع الخاشع.
* ذكر من قال ذلك:
17416- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال، حدثنا شهر بن حوشب، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، قال رجل: يا رسول الله، ما
(1) الأثر: 17413 - "عبد العزيز بن عبد الصمد العمي" ثقة، مضى برقم: 3302.
وكان في المطبوعة والمخطوطة، "عبد العزيز، عن عبد الصمد العمي" ، وهو خطأ محض، وكان في المطبوعة وحدها "القمي" ، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.
و "أبو عمران الجوني" ، هو "عبد الملك بن حبيب الأزدي" ، ثقة، مضى برقم: 80، 13042.
و "عبد الله بن رباح الأنصاري" ، ثقة، مضى برقم: 48، 13042.
و "كعب" ، هو "كعب الأحبار" المشهور.
"الأوَّاه" ، قال: المتضرع، قال: "إن إبراهيم لأوّاه حليم" .
17417- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن عبد الحميد، عن شهر، عن عبد الله بن شداد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأوّاه" : الخاشعُ المتضرِّع ". (1) "
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، القولُ الذي قاله عبد الله بن مسعود، الذي رواه عنه زرٌّ: أنه الدعَّاء. (2)
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله ذكر ذلك، ووصف به إبراهيم خليله صلوات الله عليه، بعد وصفه إياه بالدعاء والاستغفار لأبيه، فقال: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه" ، وترك الدعاء والاستغفار له. ثم قال: إن إبراهيم لدعَّاء لربه، شاكٍ له، حليمٌ عمن سبَّه وناله بالمكروه. وذلك أنه صلوات الله عليه وعد أباه بالاستغفار له، ودعاءَ الله له بالمغفرة، عند وعيد أبيه إياه، وتهدُّده له بالشتم، بعد ما ردَّ عليه نصيحته في الله وقوله: (أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ، فقال له صلوات الله عليه، (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) ، [مريم: 46-48] . فوفى لأبيه بالاستغفار له، حتى تبيَّن له أنه عدو لله، فوصفه الله بأنه دَعّاء لربه، حليم عمن سَفِه عليه.
* * *
(1) الأثران: 17416، 17417 - "عبد الحميد بن بهرام الفزاري" ، ثقة، متكلم في روايته عن شهر بن حوشب. مضى مرارا. انظر رقم: 1605، 4221، 6650 - 6652.
و "شهر بن حوشب" ، ثقة، متكلم فيه، مضى مرارا.
و "عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 5088. وهذا مرسل.
(2) انظر ما سلف من رقم 17361 - 17368.
وأصله من "التأوّه" ، وهو التضرع والمسألة بالحزن والإشفاق، كما روى عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) = وكما روى عقبة بن عامر، الخبَرَ الذي حدَّثنيه:-
17418- يحيى بن عثمان بن صالح السهمي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن لهيعة قال، حدثني الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر: أنه قال لرجل يقال له "ذو البجادين" : "إنه أواه" ! وذلك أنه رجل كان يكثر ذكر الله بالقرآن والدعاء، ويرفَعُ صوته. (2)
(1) انظر رقم: 171416، 1717.
(2) الأثر: 17418 - "يحيى بن عثمان بن صالح القرشي السهمي، المصري" شيخ الطبري طعن عليه؛ لأنه كان يحدث من غير كتبه. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 175.
وأبوه: "عثمان بن صالح بن صفوان السهمي المصري" ، ثقة، متكلم فيه. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 154 قال أبو حاتم: "كان شيخا صالحا سليم الناحية، قيل: كان يلقن؟ قال: لا" .
و "ابن لهيعة" مضى مرارا، وذكر الكلام فيه.
و "الحارث بن زبيد الحضرمي المصري" ، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 283. وابن أبي حاتم 1 / 2 / 93.
و "علي بن رباح بن قصير اللخمي المصري" ، ثقة، مضى برقم: 4747، 10341.
و "عقبة بن عامر الجهني" ، صحابي، ولي إمرة مصر.
و "ذو البجادين" ، هو "عبد الله بن عبد نهم المزني" ، وهو مترجم في الإصابة، في اسمه هذا، وفي الاستيعاب: 349، في "عبد الله ذو البجادين المزني" ، وفي مثله في أسد الغابة 3: 123.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 4: 159، من هذه الطريق نفسها، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 369، وقال: "رواه أحمد، والطبراني، وإسنادهما حسن" . وخرجه الحافظ بن حجر في الإصابة قال: "وأخرجه أحمد، وجعفر بن محمد الغريابي في كتاب الذكر، من طريق ابن لهيعة. . ." وساق الإسناد والخبر.
وفي أمر "عبد الله ذي البجادين" ، إشكال هذا موضع عرضه مختصرا، وذلك أن صاحب الإصابة، ذكر في ترجمته أنه كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته، وذكر خبرا، رواه الهجري في نوادره (مخطوط) قال:
"قال عبد الله بن ذي البجادين المزني، وساق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ساندا في الغَائر من الرَّكوبة، من الأبيض، جبل العرج في مُهاجَره: تَعَرَّضِي مَدَارِجًا وَسُومِي ... تَعَرُّضَ الجوْزاء لِلنُّجُومِ"
هذَا أبُو القاسمِ فاسْتَقِيمي
وذكر الحافظ هذا الشعر في خبره، وذكر صاحب لسان العرب خبر دلالته لنبينا صلى الله عليه وسلم في مادة (بجد) ، وذكر الشعر في مادة (درج) ، و (عرض) ، وفيه خبر الهجري، و (سوم) .
والرجز يقوله لناقته، يقول لها: "تعرضي" ، أي: خذي يمنة ويسرة، وتنكبي الثنايا الغلاظ بين الجبال، وهي "المدارج" - و "سومي" من السوم، وهو سرعة المر، مع قصد الصوب في السير - "تعرض الجوزاء" ؛ لأن الجوزاء تمر على جنب معارضة، ليست بمستقيمة في السماء.
ويقال في سبب تسميته "ذا البجادين" أنه حين أراد المسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم قطعت أمه بجادا باثنين، فاتزر بواحد، وارتدى بالآخر. ويقال إنه لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله لأبيه: "دعني أدله على الطريق" ! فأبى، ونزع ثيابه عنه وتركه عريانا. فاتخذ بجادا من شعر وطرحه على عورته، ثم لحقهم، وأخذ بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشأ يرتجز، بما ذكرناه من رجزه.
والذي رأيناه في السير، أن دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجره هو: "عبد الله بن أريقط الليثي" ، و "عبد الله" هذا لم يكن مسلما، ولا وجد من طريق صحيح أنه أسلم بعد ذلك، وكان مستأجرا.
(ابن هشام 2: 136 / الروض الأنف 2: 28، ثم ترجمته في الإصابة وغيرها) . وهو بلا شك غير ذي البجادين، لأن ذا البجادين، مزني؛ ولأنه مات في تبوك، ولأنهم ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل في قبر أحد، إلا خمسة، منهم عبد الله المزني، ذو البجادين.
فإذا عرف هذا تباعد الإشكال الموهم أنهما رجل واحد، واحتاج أمر دلالة ذي البجادين، إلى إيضاح لم تذكره كتب السير.
ولذلك قيل للمتوجع من ألم أو مرض: "لا تتأوه" ، (1) كما قال المُثَقِّب العَبْدي:
إذَا ما قُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ (2)
ومنه قول الجَعْديَ:
ضَرُوحٍ مَرُوحٍ تُتْبِعُ الْوُرْقَ بَعْدَما ... يُعَرِّسْنَ شَكْوَى، آهَةً وَتَنَمَّرَا (3)
(1) في المطبوعة: "لم تتأوه" ، فعل ذلك لأن كاتب المخطوطة خلط في كتابه "لا" ، فاجتهد الناشر، والصواب ما أثبت.
(2) ديوانه: 29، المفضليات: 586، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 270 طبقات فحول الشعراء: 231، واللسان (أوه) ، ومر ذكره هذا البيت، في التعليق على بيت من القصيدة فيما سلف 2: 548 تعليق: 1. وعنى بذلك ناقته، تحن إلى ديارها وأوطانها.
(3) ديوانه: 33، 52، وجمهرة أشعار العرب: 146، والمعاني الكبير: 315، من قصيدة النابغة، التي سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، فلما بلغ قوله: بَلَغْنا السَّمَاءَ مَجْدُنا وجُدُودُنا ... وَإنا لَنَبْغِي بَعْدَ ذَلكَ مَظْهَرا
فقال له: أين المظهر يا أبا ليلى؟ فقال: الجنة! قال: أجل، إن شاء الله ثم أنشده ما فيها من الحكمة قال: "لا يفضض الله فاك" ، فبقي عمره أحسن الناس ثغرا، كلما سقطت سن عادت أخرى، وكان النابغة معمرا.
وقوله: "ضروح" ، أي تضرح برجلها، رمحت بها، أراد نشاطها وإبعادها في سيرها. ويروى "خنوف" و "طروح" = و "مروح" شديدة النشاط، من المرح. وقوله "تتبع الورق" ، هكذا في المخطوطة، ورواية ديوانه "تبعث الورق" ، و "تعجل الورق" ، وذلك أن تذعرها، فتجعلها عن التعريس، وهما روايتان واضحتا المعنى. وأما رواية التفسير، فإن صحت، فقد أراد أنها تتبع الشكوى والتأوه، فتنزعج فتذعر. و "الورق" عني بها القطا. و "القطا" ورق الألوان. وكان في المطبوعة "الودق" وهو خطأ. وقوله: "وتنمرا" ، كان في المطبوعة: "وتشمرا" ، وهو خطأ لا شك فيه، والمخطوطة غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. و "التنمر" الغضب. ورواية الديوان وغيره "وتذمرا" ، وهي أوضح وأبين. وقوله: "آهة" ، أي تأوهًا.
ورواية العجز في الديوان: "يعرس تشكوا آهة وتذمرا" ، والذي في المخطوطة مطابق لما في المعاني الكبير لابن قتيبة "شكوى" .
ولا تكاد العرب تنطق منه: بـ "فعل يفعل" ، وإنما تقول فيه: "تَفَعَّلَ يَتَفَعَّل" ، مثل: "تأوّه يتأوه" ، "وأوّه يؤوِّه" .
كما قال الراجز:
فَأَوَّهَ الرّاعِي وَضَوْضَى أكْلُبُه (1)
وقالوا أيضًا: "أوْهِ منك!" ، ذكر الفراء أن أبا الجرّاح أنشده:
فَأَوْهِ مِنَ الذِّكْرَى إذَا مَا ذَكَرْتُها ... وَمِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنَا وَسَمَاءِ (2)
قال: وربما أنشدنا: (فَأَوٍّ مِنَ الذِّكْرَى) ، بغيرها. ولو جاء "فعل" منه على الأصل لكان: "آه، يَئوهُ أوْهًا" .
* * *
= ولأن معنى ذلك: "توجَّع، وتحزّن، وتضرع" ، اختلف أهل التأويل فيه الاختلافَ الذي ذكرتُ. فقال من قال: معناه "الرحمة" : أن ذلك كان
(1) لم أعرف قائله. "ضوضى" ، ضجت وصاحت. وفي الحديث حين ذكر رؤيته صلى الله عليه وسلم النار، أعاذنا الله من عذابها: "أنه رأى فيها قوما إذا أتاهم لهبها ضوضوا" ، أي أحدثوا ضوضاء من صياحهم وجلبتهم.
(2) لسان العرب (أوه) ، لم أعرف قائله، وذكر اختلاف روايته هناك.
من إبراهيم على وجه الرِّقة على أبيه، والرحمة له، ولغيره من الناس.
وقال آخرون: إنما كان ذلك منه لصحة يقينه، وحسن معرفته بعظمة الله، وتواضعه له.
وقال آخرون: كان لصحة إيمانه بربِّه.
وقال آخرون: كان ذلك منه عند تلاوته تنزيل الله أحد الذي أنزله عليه.
وقال آخرون: كان ذلك منه عند ذكر رَبِّه.
= وكلُّ ذلك عائد إلى ما قلتُ، وتَقَارَبَ معنى بعض ذلك من بعض، لأن الحزين المتضرِّع إلى ربه، الخاشع له بقلبه، ينوبه ذلك عند مسألته ربَّه، ودعائه إياه في حاجاته، وتعتوره هذه الخلال التي وجَّه المفسرون إليها تأويل قول الله: "إن إبراهيم لأوّاه حليمٌ" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما كان الله ليقضي عليكم، في استغفاركم لموتاكم المشركين، بالضلال، بعد إذ رزقكم الهداية، ووفقكم للإيمان به وبرسوله، حتى يتقدَّم إليكم بالنهي عنه، فتتركوا الانتهاء عنه. فأما قبل أن يبين لكم كراهية ذلك بالنهي عنه، ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه، فإنه لا يحكم عليكم بالضلال، لأن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهيّ، فأما من لم يؤمر ولم ينه، فغير كائنٍ مطيعًا أو عاصيًا فيما لم يؤمَرْ به ولم ينه عنه = "إن الله بكل شيء عليم" ، يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما خالط أنفسكم عند نهي الله إياكم من الاستغفار لموتاكم المشركين، من الجزع على ما سلف منكم
من الاستغفار لهم قبل تقدمه إليكم بالنهي عنه، وبغير ذلك من سرائر أموركم وأمور عباده وظواهرها، فبيَّن لكم حلمه في ذلك عليكم، ليضع عنكم ثِقَل الوَجْد بذلك. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
17419- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون" ، قال: بيانُ الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه طاعتُه ومعصيته، فافعلوا أو ذَرُوا.
17420- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون" ، قال: بيانُ الله للمؤمنين: أن لا يستغفروا للمشركين خاصة، وفي بيانه طاعتُه ومعصيته عامة، فافعلوا أو ذَرُوا.
17421- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
17422- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: "وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون" ، قال: يبين الله للمؤمنين في أن لا يستغفروا للمشركين في بيانه في طاعته وفي معصيته، فافعلوا أو ذروا.
* * *
(1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.
القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله، أيها الناس له سلطان السماوات والأرض وملكهما، وكل من دونه من الملوك فعبيده ومماليكه، بيده حياتهم وموتهم، يحيي من يشاء منهم، ويميت من يشاء منهم، فلا تجزعوا، أيها المؤمنون، من قتال من كفر بي من الملوك، ملوك الروم كانوا أو ملوك فارس والحبشة، أو غيرهم، واغزوهم وجاهدوهم في طاعتي، فإني المعزُّ من أشاء منهم ومنكم، والمذلُّ من أشاء.
وهذا حضٌّ من الله جل ثناؤه المؤمنين على قتال كلّ من كفر به من المماليك، وإغراءٌ منه لهم بحربهم.
وقوله: (وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير) ، يقول: وما لكم من أحد هو لكم حليفٌ من دون الله يظاهركم عليه، إن أنتم خالفتم أمرَ الله فعاقبكم على خلافكم أمرَه، يستنقذكم من عقابه = (ولا نصير) ، ينصركم منه إن أراد بكم سوءًا. يقول: فبالله فثقوا، وإياه فارهبوا، وجاهدوا في سبيله من كفر به، فإنه قد اشترى منكم أنفسكم وأموالكم بأن لكم الجنة، تقاتلون في سبيله فتَقْتُلُون وتُقْتَلُون. (1)
* * *
(1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.
القول في تأويل قوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد رزق الله الإنابة إلى أمره وطاعته، نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين ديارَهم وعشيرتَهم إلى دار الإسلام، وأنصار رسوله في الله (1) = الذين اتبعوا رَسول الله في ساعة العسرة منهم من النفقة والظهر والزاد والماء (2) = (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) ، يقول: من بعد ما كاد يميل قلوب بعضهم عن الحق، ويشك في دينه ويرتاب، بالذي ناله من المشقة والشدّة في سفره وغزوه (3) = (ثم تاب عليهم) ، يقول: ثم رزقهم جلّ ثناؤه الإنابة والرجوع إلى الثبات على دينه، وإبصار الحق الذي كان قد كاد يلتبس عليهم = (إنه بهم رءوف رحيم) ، يقول: إن ربكم بالذين خالط قلوبَهم ذلك لما نالهم في سفرهم من الشدة والمشقة رءوف بهم = (رحيم) ، أن يهلكهم، فينزع منهم الإيمان بعد ما قد أبلَوْا في الله ما أبلوا مع رسوله، وصبروا عليه من البأساء والضراء. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17423- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا
(1) انظر تفسير "المهاجر" فيما سلف ص: 434، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "العسرة" فيما سلف 6: 28، 29.
(3) انظر تفسير "الزيغ" فيما سلف 6: 183، 184.
= وتفسير "فريق" فيما سلف 12: 388، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(4) انظر تفسير "رؤوف" و "رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة (رأف) ، (رحم) .
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (في ساعة العسرة) ، في غزوة تبوك.
17424- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: (في ساعة العسرة) ، قال: خرجوا في غزوةٍ، (1) الرجلان والثلاثة على بعير. وخرجوا في حرٍّ شديد، وأصابهم يومئذ عطش شديد، فجعلوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها، ويشربون ماءه، (2) وكان ذلك عسرة من الماء، وعسرة من الظهر، وعسرة من النفقة. (3)
17425- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ساعة العسرة) ، قال: غزوة تبوك، قال: "العسرة" ، أصابهم جَهْدٌ شديد، حتى إن الرجلين ليشقَّان التمرة بينهما، وأنهم ليمصُّون التمرة الواحدة، ويشربون عليها الماء.
17426- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) ، قال: غزوة تبوك.
17427- قال، حدثنا زكريا بن عدي، عن ابن مبارك، عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر: (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) ، قال: عسرة الظهر، وعسرة الزاد، وعسرة الماء. (4)
(1) في المطبوعة: "في غزوة تبوك" ، زاد من عنده، وليست في المخطوطة، وهي بلا شك غزوة تبوك.
(2) في المطبوعة: "ماءها" ، والذي في المخطوطة صواب أيضا.
(3) الأثر: 17424 - "عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي" ، منكر الحديث ليس بمتقن، لا يحتجون بحديثه من جهة حفظه. مضى برقم: 487، وانظر الخبر رقم: 17427.
(4) الأثر: 17427 - "زكريا بن عدي بن زريق التميمي" ، ثقة، مضى برقم: 1566، 15446، 16945. وكان في المطبوعة: "زكريا بن علي" ، والصواب ما في المخطوطة، ولكن لم يحسن قراءته.
"عبد الله بن محمد بن عقيل" ، سلف برقم: 17424.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|