عرض مشاركة واحدة
  #814  
قديم 18-07-2025, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,666
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يونس
الحلقة (814)
صــ 151 إلى صــ 160






17764- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: (ثم اقضوا إليّ) . (1) .
فقال بعضهم: معناه: امضوا إلي، كما يقال: "قد قضى فلان" ، يراد: قد مات ومَضَى.
* * *
وقال آخرون منهم: بل معناه: ثم افرغوا إليّ، وقالوا: "القضاء" ، الفراغ، والقضاء من ذلك. قالوا: وكأنّ "قضى دينه" من ذلك، إنما هو فَرَغ منه.
* * *
وقد حُكي عن بعض القراء أنه قرأ ذلك: (ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ) ، بمعنى: توجَّهوا إليّ حتى تصلوا إليّ، من قولهم: "قد أفْضَى إليّ الوَجَع وشبهه" . (2)
* * *
وقوله: (ولا تنظرون) ، يقول: ولا تؤخرون.
* * *
=من قول القائل: "أنظرت فلانًا بما لي عليه من الدين" . (3)
* * *
قال أبو جعفر: وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول نبيه نوح عليه السلام لقومه: إنه بنُصرة الله له عليهم واثق، ومن كيدهم وبوائقهم غير خائف (4) =وإعلامٌ منه لهم أن آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع، يقول لهم: أمضوا ما تحدّثون أنفسكم به فيَّ، على عزم منكم صحيح، واستعينوا من شايعكم عليّ بآلهتكم التي تدْعون من دون الله،
(1)
انظر تفسير "قضى" فيما سلف ص: 33، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
انظر بيان هذه القراءة في معاني القرآن للفراء 1: 474.

(3)
انظر تفسير "الإنظار" فيما سلف 13: 322، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
في المطبوعة: "من كيدهم وتواثقهم" ، وهي قراءة فاسدة، صوابها ما أثبت. والمخطوطة غير منقوطة. و "البوائق" ، جمع "بائقة" . يعني: غوائلهم وشرهم وظلمهم وبغيهم عليه.

ولا تؤخروا ذلك، فإني قد توكلت على الله، وأنا به واثق أنكم لا تضروني إلا أن يشاء ربي.
وهذا وإن كان خبرًا من الله تعالى عن نوح، فإنه حثٌّ من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على التأسّي به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرشاد فيما قلَّده من الرسالة والبلاغ عنه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) }
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نبيه نوح عليه السلام لقومه: (فإن توليتم) ، أيها القوم، عني بعد دعائي إياكم، وتبليغ رسالة ربي إليكم، مدبرين، فأعرضتم عمّا دعوتكم إليه من الحقّ، والإقرار بتوحيد الله، وإخلاص العبادة له، وترك إشراك الآلهة في عبادته، فتضيعٌ منكم وتفريطٌ في واجب حق الله عليكم، لا بسبب من قبلي، فإني لم أسألكم على ما دعوتكم إليه أجرًا، ولا عوضًا أعتاضه منكم بإجابتكم إياي إلى ما دعوتكم إليه من الحق والهدى، ولا طلبت منكم عليه ثوابًا ولا جزاءً = (إن أجري إلا على الله) يقول جل ثناؤه: إن جزائي وأجر عملي وثوابه إلا على ربي، لا عليكم، أيها القوم، ولا على غيركم = (وأمرت أن أكون من المسلمين) ، وأمرني ربي أن أكون من المذعنين له بالطاعة، المنقادين لأمره ونهيه، المذللين له، ومن أجل ذلك أدعوكم إليه، وبأمره آمركم بترك عبادة الأوثان. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير "التولي" و "الأجر" ، و "الإسلام" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) ، (أجر) ، (سلم) .

القول في تأويل قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فكذب نوحًا قومه فيما أخبرهم به عن الله من الرسالة والوحي = "فنجيناه ومن معه" ممن حمل معه = في "الفلك" ، يعني في السفينة (1) = "وجعلناهم خلائف" ، يقول: وجعلنا الذين نجينا مع نوح في السفينة خلائف في الأرض من قومه الذين كذبوه (2) بعد أن أغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، = يعني حججنا وأدلتنا على توحيدنا، ورسالة رسولنا نوح.
يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "فانظر" ، يا محمد = كيف كان عاقبة المنذرين "وهم الذين أنذرهم نوحٌ عقابَ الله على تكذيبهم إياه وعبادتهم الأصنام. يقول له جل ثناؤه: انظر ماذا أعقبهم تكذيبهم رسولَهم، فإن عاقبة من كذَّبك من قومك إن تمادوا في كفرهم وطغيانهم على ربهم، نحو الذي كان من عاقبة قوم نوح حين كذبوه. (3) "
يقول جل ثناؤه: فليحذروا أن يحلّ بهم مثل الذي حلّ، بهم إن لم يتوبوا.
* * *
(1)
انظر تفسير "الفلك" فيما سلف 12: 502 / 15: 55.

(2)
انظر تفسير "الخلافة" فيما سلف ص: 38، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "العاقبة" فيما سلف ص: 93، تعليق: 3، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بعثنا من بعد نوح رسلا إلى قومهم، فأتوهم ببينات من الحجج والأدلّة على صدقهم، وأنهم لله رسل، وأن ما يدعونهم إليه حقّ = (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل) ، يقول: فما كانوا ليصدّقوا بما جاءتهم به رسلهم بما كذب به قوم نوح ومن قبلَهم من الأمم الخالية من قبلهم = (كذلك نطبع على قلوب المعتدين) ، يقول تعالى ذكره: كما طبعنا على قلوب أولئك فختمنا عليها، فلم يكونوا يقبَلون من أنبياء الله نصيحتَهم، ولا يستجيبون لدعائهم إيّاهم إلى ربهم، بما اجترموا من الذنوب واكتسبوا من الآثام (1) = كذلك نطبع على قلوب من اعتدى على ربّه فتجاوز ما أمره به من توحيده، وخالف ما دعاهم إليه رسلهم من طاعته، (2) عقوبة لهم على معصيتهم ربَّهم من هؤلاء الآخرين من بعدهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الذين أرسلناهم من بعد نوح إلى قومهم، موسى وهارون ابني عمران، إلى فرعون مصر
(1)
انظر تفسير "الطبع" فيما سلف 14: 424، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) .

وملئه، يعني: وأشراف قومه وسادتهم (1) = (بآياتنا) ، يقول: بأدلتنا على حقيقة ما دعوهم إليه من الإذعان لله بالعُبُودة، والإقرار لهما بالرسالة = (فاستكبروا) ، يقول: فاستكبروا عن الإقرار بما دعاهم إليه موسى وهارون (2) = (وكانوا قومًا مجرمين) ، يعني: آثمين بربهم، بكفرهم بالله. (3)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (فلما جاءهم الحق من عندنا) ، يعني: فلما جاءهم بيانُ ما دعاهم إليه موسى وهارون، وذلك الحجج التي جاءهم بها، وهي الحق الذي جاءهم من عند الله = (قالوا إن هذا لسحر مبين) ، يعنون أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له (4) = (قال موسى) ، لهم: = (أتقولون للحق لما جاءكم) ، من عند الله = (أسحر هذا) ؟ .
* * *
واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله: (أسحر هذا) ؟ فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت فيه على الحكاية لقولهم، لأنهم قالوا: (أسحر هذا) ؟ فقال: أتقولون: (أسحر هذا) ؟
* * *
(1)
انظر تفسير "الملأ" فيما سلف 13: 36، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الاستكبار" فيما سلف 13: 114، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
قوله "آثمين بربهم" ، تعبير سلف مرارًا في كلام أبي جعفر، وبينته وفسرته فيما سلف انظر 12: 303، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "السحر" فيما سلف 13: 49، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وقال بعض نحويي الكوفة: إنهم قالوا: "هذا سحر" ، ولم يقولوه بالألف، لأن أكثر ما جاء بغير ألف. قال: فيقال: فلم أدخلت الألف؟ فيقال: قد يجوز أن تكون من قِيلهم وهم يعلمون أنه سحر، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته: أحقٌّ هذا؟ وقد علم أنه حق. قال: وقد يجوز أن تكون على التعجّب منهم: أسحر هذا؟ ما أعظمه! (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المفعولُ محذوفًا، ويكون قوله: (أسحر هذا) ، من قيل موسى، منكرًا على فرعون وملئه قولَهم للحق لما جاءهم: "سحر" ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قال موسى لهم: (أتقولون للحق لما جاءكم) = وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه = سحرٌ، أسحرٌ هذا الحقّ الذي ترونه؟ فيكون "السحر" الأوّل محذوفًا، اكتفاءً بدلالة قول موسى (أسحر هذا) ، على أنه مرادٌ في الكلام، كما قال ذو الرمة.
فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ، أَوْ حِينَ نَصَّبَت ... لَهُ مِنْ خَدَّا آذَانِهَا وَهْوَ جَانِحُ (2)
يريد: أو حين أقبل، ثم حذف اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، وكما قال جل ثناؤه: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) [سورة الإسراء: 7] ، والمعنى: بعثناهم ليسوءوا وجوهكم = فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه، في أشباه لما ذكرنا كثيرة، يُتْعب إحصاؤها.
* * *
وقوله: (ولا يفلح الساحرون) ، يقول: ولا ينجح الساحرون ولا يَبْقون. (3)
* * *
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 474.

(2)
مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 1: 327، تعليق: 2.

(3)
انظر تفسير "الفلاح" فيما سلف ص: 146، تعليق: 3، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال فرعون وملأه لموسى: (أجئتنا لتلفتنا) ، يقول: لتصرفنا وتلوينا = (عمّا وجدنا عليه آباءنا) ، من قبل مجيئك، من الدين.
* * *
= يقال منه: "لفت فلانٌ [عنق فلان" إذا لواها، كما قال رؤبة] : (1)
*لَفْتُا وَتْهِزِيعًا سَواءَ اللَّفْتِ* (2)
"التهزيع" : الدق، و "اللفت" ، اللّي، كما:-
17765- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (لتلفتنا) ، قال: لتلوينا عما وجدنا عليه آباءنا.
* * *
وقوله: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، يعني العظمة، وهي "الفعلياء" من "الكبر" . ومنه قول ابن الرِّقاع:
(1)
كان في المخطوطة والمطبوعة: "كما قال ذو الرمة" ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه ما أثبت، كما دل عليه مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 280، وأنا أرجح أن ذلك من الناسخ، لا من أبي جعفر، لأنه نقل عن أبي عبيدة. وانظر مثل هذا فيما سلف ص: 150، تعليق: 1: فوضعت الصواب بين القوسين.

(2)
ديوانه 24، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 280، اللسان (هزع) ، من رجز ذكر فيه نفسه، يقول قبله، مشبها نفسه بالأسد: فَإنْ تَرَيْنِي أَحْتَمِي بِالسَّكْتِ

فَقَدْ أَقُومُ بِالْمَقَامِ الثَّبْتِ
أشْجَعَ مِنْ ذي لِبَدٍ بِخَبْتِ
يَدُقُّ صُلْباتِ العِظَامِ رَفْتِي
و "الرفت" ، الدق والكسر. وقوله "سواء اللفت" ، أي "سوى اللفت" "سواء" (بفتح السين) و "سوى" (بكسر السين) ، بمعنى: غير.
سُؤْدَدًا غَيْرَ فَاحِش لا يُدَا ... نِيهِ تِجِبَّارَةٌ وَلا كِبْرِياءُ (1)
* * *
17766- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال: الملك.
17767-. . . . قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال: السلطان في الأرض.
17768-. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد قال: الملك في الأرض.
17769-. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال: الطاعة.
17770- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) قال: الملك.
17771-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17772- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
(1)
لم أجد البيت في مكان آخر، وكان في المطبوعة: "تجباره" ، ومثله في المخطوطة، أما ضبطه فقد شغلني، لأن أصحاب اللغة لم يذكروا في مصادر "الجبروت" سوى "التجبار" (بفتح فسكون) بمعنى الكبر. فكأن قارئه يقرؤه كما في المطبوعة والمخطوطة "تجباره" (بفتح فسكون) ، مضافا إلى الهاء. وظني أن الضبط الذي ذهبت إليه أجود، وإن لم يذكروه في المصادر في كتب اللغة التي بين أيدينا. ومصدر "تِفِعَّال" (بكسر التاء والفاء وتشديد العين) ، هو قياس التصدير في "تَفَعَّل" لكنها صارت مسموعة لا يقاس على ما جاء منها الشافية 1: 166) ، نحو "تِمِلَّاق" ودخول التاء في مثله في المصادر جائز في العربية. وبالضبط الذي ضبطته يستقيم وزن الشعر، فأخشى أن يكون هذا المصدر على هذا الميزان، مما أغفلته كتب اللغة.

17773- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد قال: السلطان في الأرض.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال كلها متقارباتُ المعاني، وذلك أن الملك سلطان، والطاعة ملك، غير أن معنى "الكبرياء" ، هو ما ثبت في كلام العرب، ثم يكون ذلك عظمة بملك وسلطان وغير ذلك.
* * *
وقوله: (وما نحن لكما بمؤمنين) ، يقول: "وما نحن لكما" يا موسى وهارون "بمؤمنين" ، يعني بمقرِّين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لقومه: ائتوني بكل من يسحر من السحرة، عليم بالسحر (1) = (فلما جاء السحرة) ، فرعونَ = قال موسى: (ألقوا ما أنتم ملقون) ، من حبالكم وعصيِّكم.
* * *
وفي الكلام محذوف قد ترك، وهو: "فأتوه بالسحرة، فلما جاء السحرة" ، ولكن اكتفى بدلالة قوله: (فلما جاء السحرة) ، على ذلك، فترك ذكره.
وكذلك بعد قوله: (ألقوا ما أنتم ملقون) ، محذوفٌ أيضًا قد ترك ذكرُه، وهو: (فألقوا حبالهم وعصيهم) = (فلما ألقوا قال موسى) ، ولكن اكتفى بدلالة ما ظَهَر من الكلام عليه، فتُرك ذكره.
* * *
(1)
انظر تفسير "السحر" فيما سلف ص: 155: تعليق: 4، والمراجع هناك.

= وتفسير "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما ألقوا ما هم ملقوه، قال لهم موسى: ما جئتم به السحر.
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) على وجه الخبر من موسى عن الذي جاءت به سحرة فرعون، أنه سحرٌ. كأن معنى الكلام على تأويلهم: قال موسى: الذي جئتم به أيّها السحرة، هو السحر.
* * *
وقرأ ذلك مجاهد وبعض المدنيين البصريين: (مَا جِئْتُمْ بِهِ آلسِّحْرُ) على وجه الاستفهام من موسى إلى السحرة عما جاؤوا به، أسحر هو أم غيره؟ (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأه على وجه الخبر لا على الاستفهام، لأن موسى صلوات الله وسلامه عليه، لم يكن شاكا فيما جاءت به السحرة أنه سحر لا حقيقة له، فيحتاج إلى استخبار السحرة عنه، أي شيء هو؟
وأخرى أنه صلوات الله عليه قد كان على علم من السحرة، إنما جاء بهم فرعون ليغالبوه على ما كان جاءهم به من الحق الذي كان الله آتاه، فلم يكن
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 475، وفيه تفصيل مفيد.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]