
18-07-2025, 04:01 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,423
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يونس
الحلقة (815)
صــ 161 إلى صــ 170
يذهب عليه أنهم لم يكونوا يصدِّقونه في الخبر عمّا جاءوه به من الباطل، فيستخبرهم أو يستجيز استخبارهم عنه، ولكنه صلوات الله عليه أعلمهم أنه عالم ببطول ما جاؤوا به من ذلك بالحق الذي أتاه، (1)
ومبطلٌ كيدهم بحَدِّه. (2)
وهذه أولى بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخرى.
* * *
فإن قال قائل: فما وجه دخول الألف واللام في "السحر" إن كان الأمر على ما وصفت، وأنت تعلم أن كلام العرب في نظير هذا أن يقولوا: "ما جاءني به عمرو درهمٌ = والذي أعطاني أخوك دينار" ، ولا يكادون أن يقولوا (3)
: الذي أعطاني أخوك الدرهم = وما جاءني به عمرو الدينار؟
قيل له: بلى، كلام العرب إدخال "الألف واللام" في خبر "ما" و "الذي" إذا كان الخبر عن معهود قد عرفه المخاطَب والمخاطِب، بل لا يجوز إذا كان ذلك كذلك إلا بالألف واللام، لأنّ الخبر حينئذ خبرٌ عن شيء بعينه معروف عند الفريقين، وإنما يأتي ذلك بغير "الألف واللام" ، (4) إذا كان الخبر عن مجهول غير معهود ولا مقصود قصدَ شيء بعينه، فحينئذ لا تدخل الألف واللام في الخبر. (5) وخبرُ موسى كان خبرًا عن معروف عنده وعند السحرة، وذلك أنها كانت نسبت ما جاءهم به موسى من الآيات التي جعلها الله عَلَمًا له على صدقه
(1) في المخطوطة: "ما جاؤوا به من ذلك الحق الذي أتاه" ، وأرجح أن ناسخ المخطوطة قد أسقط شيئًا من الكلام، ولكن ما في المطبوعة يؤدي عن معناه، وذلك بزيادة الباء في "بالحق" ، وإن كانت الجملة عندي ضعيفة.
(2) في المطبوعة: "بجده" بالجيم، والصواب بالحاء. و "الحد" الشدة والبأس والسطوة.
(3) هكذا في المخطوطة "لا يكادون أن يقولوا" ، وبعد "يقولوا" حرف "ط" دلالة على الخطأ، وليس خطأ. وقد عقد ابن هشام في شواهد التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح: 98 - 102، فصلا جيدًا في وقوع خبر "كاد" مقرونا به "أن" ، وذكر شواهده في الحديث وفي الشعر، واحتج لذلك أحسن الاحتجاج.
(4) في المطبوعة والمخطوطة أسقط "واللام" .
(5) انظر معاني القرآن للفراء 1: 475.
ونبوته، إلى أنه سحرٌ، فقال لهم موسى: السحرُ الذي وصفتم به ما جئتكم به من الآيات أيها السحرة، هو الذي جئتم به أنتم، لا ما جئتكم به أنا. ثم أخبرهم أن الله سيبطله. فقال: (إن الله سيبطله) ، يقول: سيذهب به، فذهب به تعالى ذكره، بأن سلط عليه عصا موسى قد حوّلها ثعبانًا يتلقَّفه، حتى لم يبق منه شيء = (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) ، يعني: أنه لا يصلح عمل من سعى في أرض الله بما يكرهه، وعمل فيها بمعاصيه. (1)
* * *
وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: (مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ) .
* * *
وفي قراءة ابن مسعود: (مَا جِئْتُمْ بِهِ سِحْرٌ) ، (2) وذلك مما يؤيد قراءة من قرأ بنحو الذي اخترنا من القراءة فيه.
* * *
(1) انظر تفسير "الإفساد" فيما سلف من فهارس اللغة (فسد) .
(2) انظر هاتين القراءتين في معاني القرآن للفراء 1: 475.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن موسى أنه قال للسحرة: (ويحق الله الحق) ، يقول: ويثبت الله الحق الذي جئتكم به من عنده، فيعليه على باطلكم، ويصححه = "بكلماته" ، يعني: بأمره (1) = (ولو كره المجرمون) ، يعني الذين اكتسبوا الإثم بربِّهم، (2) بمعصيتهم إياه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يؤمن لموسى، مع ما أتاهم به من الحجج والأدلّة (إلا ذرية من قومه) خائفين من فرعون وملئهم.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذرية في هذا الموضع.
فقال بعضهم: الذرية في هذا الموضع: القليل.
*ذكر من قال ذلك:
17774- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فما آمن لموسى إلا ذرّية من قومه) ، قال، كان ابن عباس يقول: "الذرية" : القليل.
17775- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) ، "الذرية" ، القليل، كما قال الله تعالى: (كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) [سورة الأنعام: 133]
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فما آمن لموسى إلا ذرية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل لطول الزمان، لأن الآباء ماتوا وبقي الأبناء، فقيل لهم "ذرية" ، لأنهم كانوا ذرية من هلك ممن أرسل إليهم موسى عليه السلام. (3)
*ذكر من قال ذلك:
(1) انظر تفسير "يحق الحق بكلماته" فيما سلف 13: 407، تعليق: 2، 3، والمراجع هناك.
(2) انظر بيان معنى "أثم بربه" فيما سلف ص: 155، تعليق: 3:، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "الذرية" فيما سلف 12: 127، 128، تعليق: 1، والمراجع هناك.
وانظر تفسير بمعنى "القليل" في معاني القرآن للفراء 1: 476.
17776- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله تعالى: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) ، قال: أولاد الذين أرسل إليهم من طول الزمان، ومات آباؤهم.
17777- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
17778- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
17779- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) ، قال: أولاد الذين أرسل إليهم موسى، من طول الزمان ومات آباؤهم.
17780- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم) ، قال: أبناء أولئك الذين أرسل إليهم، فطال عليهم الزمان وماتت آباؤهم.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما آمن لموسى إلا ذرية من قوم فرعون.
*ذكر من قال ذلك:
17781- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم) ، قال: كانت الذرية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل، من قوم فرعون يسير، منهم: امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون، وامرأة خازنه.
* * *
وقد روي عن ابن عباس خبرٌ يدل على خلاف هذا القول، وذلك ما:-
17782- حدثني به المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (ذرية من قومه) ، يقول: بني إسرائيل.
* * *
=فهذا الخبر، ينبئ عن أنه كان يرى أن "الذرية" في هذا الموضع، (1) هم بنو إسرائيل دون غيرهم من قوم فرعون.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية، القولُ الذي ذكرته عن مجاهد، وهو أن "الذرية" ، في هذا الموضع أريد بها ذُرّية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل، فهلكوا قبل أن يقرُّوا بنبوته لطول الزمان، فأدركت ذريّتهم، فآمن منهم من ذكر الله، بموسى.
وإنما قلت: "هذا القولُ أولى بالصواب في ذلك" ، لأنه لم يجر في هذه الآية ذكرٌ لغير موسى، فَلأن تكون "الهاء" ، في قوله: "من قومه" ، من ذكر موسى لقربها من ذكره، أولى من أن تكون من ذكر فرعون، لبعد ذكره منها، إذ لم يكن بخلاف ذلك دليلٌ، من خبرٍ ولا نظرٍ.
وبعدُ، فإن في قوله: (على خوف من فرعون وملئهم) ، الدليلُ الواضح على أن الهاء في قوله: (إلا ذرية من قومه) ، من ذكر موسى، لا من ذكر فرعون، لأنها لو كانت من ذكر فرعون لكان الكلام، "على خوف منه" ، ولم يكن (على خوف من فرعون) .
* * *
وأما قوله: (على خوف من فرعون) ، فإنه يعني على حال خوف ممن آمن من ذرية قوم موسى بموسى = فتأويل الكلام: فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، من بني إسرائيل، وهم خائفون من فرعون وملئهم أن يفتنوهم.
* * *
(1) في المطبوعة: "ينبئ عنه" ، وأثبت ما في المخطوطة.
وقد زعم بعض أهل العربية أنه إنما قيل: "فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه" ، لأن الذين آمنوا به إنما كانت أمهاتهم من بني إسرائيل، وآباؤهم من القبط، فقيل لهم "الذرية" ، من أجل ذلك، كما قيل لأبناء الفرس الذين أمهاتهم من العرب وآباؤهم من العجم: "أبناء" . (1) .
والمعروف من معنى "الذرية" في كلام العرب: أنها أعقاب من نسبت إليه من قبل الرجال والنساء، كما قال جل ثناؤه: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) ، [سورة الإسراء: 3] ، وكما قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ) ثم قال بعد: (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ) ، [سورة الأنعام: 84، 85] ، فجعل من كان من قبل الرجال والنساء من ذرية إبراهيم.
* * *
وأما قوله: (وملئهم) ، فإن "الملأ" : الأشراف. (2) وتأويل الكلام: على خوف من فرعون ومن أشرافهم.
* * *
واختلف أهل العربية فيمن عُني بالهاء والميم اللتين في قوله: (وملئهم) ، فقال بعض نحويي البصرة: عُني بها الذرية. وكأنّه وجَّه الكلام إلى: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، على خوف من فرعون) وملأ الذرِّية من بني إسرائيل.
* * *
وقال بعض نحويي أهل الكوفة: (3)
عني بهما فرعون. قال: وإنما جاز ذلك وفرعون واحد، لأن الملك إذا ذكر بخوفٍ أو سفر أو قدوم من سفر، (4) ذهب الوهم إليه وإلى من معه. وقال: ألا ترى أنك تقول: "قدم الخليفة فكثر الناس" ، تريد، بمن معه = "وقدم فغلت الأسعار" ، لأنك تنوي بقدومه قدوم من معه. (5)
* * *
(1) هو الفراء في معاني القرآن 1: 476.
(2) انظر تفسير "الملأ" فيما سلف ص: 155 تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3) في المطبوعة: "نحويي الكوفة" ، وأثبت ما في المخطوطة "."
(4) في المطبوعة: "الخوف" ، والصواب من معاني القرآن للفراء. أما المخطوطة فقد أسقط ناسخها وكتب: "لأن الملك، وقال: ألا ترى" .
(5) في المطبوعة ": لأنا ننوي بقدومه. . ." ، وفي المخطوطة: "لأنا ننوي بقدومه وقدوم من معه" ، وهو خطأ، وأثبت ما في معاني القرآن للفراء.
قال: وقد يكون أن تريد أن بـ "فرعون" آل فرعون، وتحذف "الآل" ، (1) فيجوز، كما قال: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) ، [سورة يونس: 82] ، يريد أهل القرية، والله أعلم. قال: ومثله قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، [سورة الطلاق: 1] . (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: "الهاء والميم" عائدتان على "الذرية" . ووجَّه معنى الكلام إلى أنه: على خوف من فرعون، وملأ الذرية = لأنه كان في ذرية القرن الذين أرسل إليهم موسى من كان أبوه قبطيًا وأمه إسرائيلية. فمن كان كذلك منهم، كان مع فرعون على موسى.
* * *
وقوله: (أن يفتنهم) ، يقول: كان إيمان من آمن من ذرية قوم موسى على خوف من فرعون = "أن يفتنهم" بالعذاب، فيصدّهم عن دينهم، ويحملهم على الرجوع عن إيمانهم والكفر بالله. (3)
وقال: (أن يفتنهم) ، فوحَّد ولم يقل: "أن يفتنوهم" ، لدليل الخبر عن فرعون بذلك: أن قومه كانوا على مثل ما كان عليه، لما قد تقدم من قوله: (على خوف من فرعون وملئهم) .
* * *
وقوله: (وإن فرعون لعال في الأرض) ، يقول تعالى ذكره: وإن فرعون لجبّارٌ مستكبر على الله في أرضه = "وإنه لمن المسرفين" ، وإنه لمن المتجاوزين الحقّ إلى الباطل، (4) وذلك كفره بالله وتركه الإيمان به، وجحودُه وحدانية الله، وادّعاؤه لنفسه الألوهة، وسفكه الدماء بغير حِلِّها.
* * *
(1) في المطبوعة، "وبحذف" ، وفي المخطوطة: "فتحذف آل فرعون" ، وهو خطأ، صوابه من معاني القرآن.
(2) هذا الذي مضى نص مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 476، 477.
(3) انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف من فهارس اللغة (فتن) .
(4) انظر تفسير "الإسراف" فيما سلف ص: 37، تعليق: 2، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل موسى نبيِّه لقومه: يا قوم إن كنتم أقررتم بوحدانية الله، وصدقتم بربوبيته = (فعليه توكلوا) ، يقول: فبه فثقوا، ولأمره فسلموا، (1)
فإنه لن يخذل وليّه، ولن يسلم من توكل عليه (2) = (إن كنتم مسلمين) ، يقول: إن كنتم مذعنين لله بالطاعة، فعليه توكلوا. (3)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فقال قوم يا موسى لموسى: (على الله توكلنا) ، أي به وثقنا، وإليه فوَّضنا أمرنا.
* * *
وقوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، يقول جل ثناؤه مخبرًا عن قوم موسى أنهم دعوا ربهم فقالوا: يا ربنا لا تختبر هؤلاء القوم الكافرين، ولا تمتحنهم بنا! (4) = يعنون قوم فرعون.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي سألوه ربَّهم من إعاذته ابتلاء قوم فرعون بهم.
(1) انظر تفسير "التوكل" فيما سلف ص: 147، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة: "ويسلم" ، وفي المخطوطة: "ولم يسلم" ، والصواب ما أثبت.
(3) انظر تفسير "الإسلام" فيما سلف من فهارس اللغة (سلم) .
(4) انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف من فهارس اللغة (فتن) .
فقال بعضهم: سألوه أن لا يظهرهم عليهم، فيظنُّوا أنهم خيرٌ منهم، وأنهم إنما سُلِّطوا عليهم لكرامتهم عليه وهوان الآخرين.
*ذكر من قال ذلك:
17783- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا يظهروا علينا، فيروا أنهم خير منا.
17784- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبى مجلز في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: قالوا: لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خيرٌ منّا.
17785- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تسلّطهم علينا، فيزدادوا فتنة.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
*ذكر من قال ذلك:
17786- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
17787- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تسلطهم علينا فيضلونا.
17788- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله = وقال أيضًا: فيفتنونا.
17789- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: "لو كانوا على حقّ ما سُلِّطنا عليهم ولا عُذِّبوا" ، فيفتتنوا بنا.
17790- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: "لو كانوا على حق ما سُلِّطنا عليهم ولا عذِّبوا" ، فيفتتنوا بنا.
17791- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قوله: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تصبنا بعذاب من عندك ولا بأيديهم، فيفتتنوا ويقولوا: "لو كانوا على حق ما سُلِّطنا عليهم ولا عذِّبوا" .
17792- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، لا تبتلنا ربنا فتجهدنا، وتجعله فتنة لهم، هذه الفتنة. وقرأ: (فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) ، [سورة الصافات: 63] ، قال المشركون، حين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويرمونهم، أليس ذلك فتنة لهم وسوءًا لهم، وهي بلية للمؤمنين؟.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن القوم رغبوا إلى الله في أن يُجيرهم من أن يكونوا محنة لقوم فرعون وبلاءً، وكلُّ ما كان من أمر كان لهم مصدَّة عن اتباع موسى والإقرار به، وبما جاءهم به، فإنه لا شك أنه كان لهم "فتنة" ، وكان من أعظم الأمور لهم إبعادًا من الإيمان بالله ورسوله. وكذلك من المصدَّة كان لهم عن الإيمان: أن لو كان قوم موسى عاجلتهم من الله محنةٌ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|