
18-07-2025, 08:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (854)
صــ 551 إلى صــ 560
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين، قرآنًا عربيًّا على العرب، لأن لسانهم وكلامهم عربي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه، وذلك قوله: (لعلكم تعقلون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "نحن نقص عليك" يا محمد، "أحسن القصص" بوحينا إليك هذا القرآن، فنخبرك فيه عن الأخبار الماضية، وأنباء الأمم السالفة والكتب التي أنزلناها في العصور الخالية (1) = (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) ، يقول تعالى ذكره: وإن كنت يا محمد من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك، لا تعلمه ولا شيئا منه، (2) كما:
18772 حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (نحن نقص عليك أحسن القصص) من الكتب الماضية وأمور الله السالفة
(1) انظر تفسير "القصص" فيما سلف ص: 539، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الغفلة" فيما سلف ص: 545، تعليق: 2، والمراجع هناك.
في الأمم= (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) .
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسألة أصحابه إياه أن يقصَّ عليهم.
*ذكر الرواية بذلك:
18773 حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا حكام الرازي، عن أيوب، عن عمرو الملائي، عن ابن عباس، قال: قالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا؟ قال: فنزلت: (نحن نقص عليك أحسن القصص) . (1)
18774 حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، قال: قالوا: يا نبي الله، فذكر مثله.
18775 حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن المسعودي، عن عون بن عبد الله، قال: ملَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملّةً، فقالوا: يا رسول الله حدثنا! فأنزل الله عز وجل: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [سورة الزمر:23] . ثم ملوا ملَّةً أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن! يعنون القصَص، فأنزل الله: (الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيًا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) ، فأرادوا الحديث فدَّلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصصَ فدلهم على أحسن القصص. (2)
(1) الأثران: 18773، 18774 - "أيوب بن سيار، أبو عبد الرحمن" ، لم أجده بهذه الكنية وإنما ذكروا "أيوب بن سيار الزهري المدني" وكناه البخاري "أبا سيار" ، قال البخاري: "منكر الحديث" ، وقال ابن حبان: "كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل" . مترجم في الكبير 1 / 1 / 417، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 248، وميزان الاعتدال 1: 134، ولسان الميزان 1: 482، وكأنه هو. هو نفسه: "أبو عبد الرحمن" ، و "أبو سيار" ، له كنيتان. وقد روى الأول مرفوعًا إلى ابن عباس، والآخر موقوفًا. ثم انظر حديث عمرو بن قيس الملائي، مرفوعًا إلى سعد بن أبي وقاص، برقم: 18776. فلعل هذا مما قلبه أيوب بن سيار.
(2) الأثر: 18775 - "عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود" ، روى عن أبيه وعمه مرسلا. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 3 من طريق عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، فهو مرسل. وذكره الواحدي في أسباب النزول: 203.
18776 حدثنا محمد بن سعيد العطار، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس، [عن عمرو بن مرة] ، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، قال: فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا! فأنزل الله: (الر تلك آيات الكتاب المبين) ، إلى قوله: (لعلكم تعقلون) ، الآية. قال: ثم تلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا! فأنزل الله تعالى (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا) [سورة الزمر:23] ، قال خلاد: وزاد فيه رجل آخر، قالوا: يا رسول الله= أو قال أبو يحيى: ذهبت من كتابي كلمة= فأنزل الله: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) [سورة الحديد:16] . (1)
* * *
(1) الأثر: 18776 - "محمد بن سعيد بن غالب البغدادي، العطار، الضرير" ، "أبو يحيى" ، شيخ الطبري. روى عن ابن علية، وعبد الله بن نمير، والشافعي، ووهب بن جرير، وغيرهم. ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 266، وتاريخ بغداد 5: 306. "وعمرو بن محمد القرشي العنقزي" ، ثقة، جائز الحديث، مضى برقم: 6139، 12369، 13258. "وخلاد الصفار" ، هو: "خلاد بن عيسى العبدي" ، ويقال: "خلاد بن مسلم" ، وكنيته "أبو مسلم" . ثقة، مضى برقم: 3014. "وعمرو بن قيس الملائي" ، ثقة، مضى مرارًا كثيرة. "وعمرو بن مرة المرادي الجملي" ، ثقة، روى له الجماعة، وهو الذي يروي عن مصعب ابن سعد، مضى مرارًا كثيرة. وكان اسمه ساقطًا من الإسناد في المخطوطة والمطبوعة، وزدته بين القوسين، لأن ابن كثير نقل هذا الخبر في تفسيره 4: 411، عن هذا الموضع من تفسير الطبري، وجاء على الصواب كما أثبته، كما رواه الحاكم وغيره، كما سترى في التخريج. و "مصعب بن سعد بن أبي وقاص" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة، روى عن أبيه، مضى برقم: 9841، 11450، 16633. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 345، من هذه الطريق نفسها، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي، ولكن الحاكم قال: "حدثنا خلاد بن مسلم" ، فقال الذهبي: "صوابه: خلاد أبو مسلم الصفار، وأبوه اسمه عيسى" ، وقد رأيت قبل ما ذكر من الاختلاف في اسم أبيه. ونقله عن الحاكم، الواحدي في أسباب النزول: 203، وليس فيهما هذه الزيادة عن خلاد في آخر الحديث.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 3، وزاد نسبته إلى إسحاق بن راهوية، والبزار، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن كنت يا محمد، لمن الغافلين عن نبأ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم= إذ قال لأبيه يعقوب بن إسحاق: (يا أبت إني رأيت أحدَ عشر كوكبًا) ; يقول: إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبًا.
* * *
وقيل: إن رؤيا الأنبياء كانت وحيًا.
18778 حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ، قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيًا.
18779 وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إني رأيت أحد عشر كوكبًا) ، قال: كانت الرؤيا فيهم وحيًا.
* * *
وذكر أن الأحد العشر الكوكب التي رآها في منامه ساجدةً مع الشمس والقمر، ما:
18780- حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من يهود يقال له "بستانة اليهودي" ، فقال له: يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدةً له، ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه بشيء، ونزل عليه جبرئيل وأخبره بأسمائها.
قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم! فقال: جربان والطارق، والذيال، وذو الكنفات، (1) وقابس، ووثاب وعمودان، والفليق، والمصبح، والضَّروح، وذو الفرغ، والضياء، والنور ". فقال اليهودي: والله إنها لأسماؤها! (2) "
* * *
(1) في المطبوعة: "ذو الكتفين" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما نقله ابن كثير في تفسيره عن هذا الموضع من تفسير الطبري. أما باقي الأسماء، فإني جهلت ضبطها.
(2) الأثر: 18780 - "الحكم بن ظهير الفزاي" ، متروك، مضى مرارًا، برقم: 249، 5523، 5792، 11335. و "عبد الرحمن بن سابط" ، هو "عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط" تابعي ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11526. وهو يروي عن جابر مرسلا، قيل ليحيى بن معين: "سمع عبد الرحمن من سعد بن أبي وقاص؟ قال: لا. قيل: من أبي أمامة؟ قال: لا. قيل من جابر قال: لا، هو مرسل" . وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 4، وقال: "أخرج سعيد بن منصور، والبزار، وأبو يعلي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي، وابن حبان في الضعفاء، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم البيهقي معًا في دلائل النبوة، عن جابر" . ولم أعرف مكان هذا الخبر من المستدرك للحاكم، ولكن العجب أنه صححه، فإن هذا الخبر قد تفرد به الحكم بن ظهير، وهو واهي الحديث متروك، وحتى قال الجوزجاني: "ساقط لميله وأعاجيب حديثه، وهو صاحب حديث نجوم يوسف" ، وقد أنكر العقيلي حديثه في تسمية النجوم التي رآها يوسف عليه الصلاة والسلام. انظر تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال 1: 268، وذكر الخبر من طريق ابن حبان بإسناده. وانظر الاختلاف في أسماء النجوم هناك، وراجع دلائل النبوة لأبي نعيم، فني لم أجده هناك.
وقوله: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يقول: والشمس والقمر رأيتهم في منامي سجودا.
* * *
وقال "ساجدين" والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها ب "فاعلة" و "فاعلات" لا بالواو والنون، [لأن الواو والنون] إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم، أو الجن، أو الملائكة (1) . وإنما قيل ذلك كذلك، لأن "السجود" من أفعال من يُجمع أسماء ذكورهم بالياء والنون، أو الواو والنون، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك، كما قيل: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) ، [سورة النمل: 18] .
* * *
وقال: "رأيتهم" وقد قيل ": إني رأيت أحد عشر كوكبًا" ، فكرر الفعل، وذلك على لغة من قال: "كلمت أخاك كلمته" ، توكيدًا للفعل بالتكرير.
* * *
وقد قيل: إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبويه.
* ذكر من قال ذلك:
18781- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا) إخوته، أحد عشر كوكبًا=" والشمس والقمر "، يعني بذلك: أبويه"
18782 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شريك، عن السدي، في قوله: "إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر" ... الآية، قال: رأى أبويه وإخوته سجودا له= فإذا قيل له: عمن؟ قال إن كان حقًّا، فإن ابن عباس فسرَّه.
(1) الذي بين القوسين، أظنه سقط من الكلام، لذلك زدته حتى تستقيم العبارة.
18783- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" قال: الكواكب: إخوته، والشمس والقمر: أبواه.
18784- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "إني رأيت أحد عشر كوكبًا" إخوته = "والشمس" ، أمه "والقمر" أبوه.
18785- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد، قال، قال سفيان: كان أبويه وإخوته
18786- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، قوله: "إني رأيت أحد عشر كوكبًا" هم إخوة يوسف= "والشمس والقمر" ، هما أبواه.
18787- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: "يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا" الآية، قال: أبواه وإخوته. قال: فنعاه إخوته، وكانوا أنبياء، (1) فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه! حين بلغهم.
* * *
وروي عن ابن عباس أنه قال ": الكواكب" إخوته، "والشمس والقمر" ، أبوه وخالته= من وجه غير محمودٍ، فكرهت ذكره.
* * *
(1) هكذا هي المخطوطة، أيضًا، أو نحوًا من "نفاه" غير منقوطة، ولا أدري ما أراد.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) }
قال أبو جعفر: يقول جل ذكره قال: يعقوب لابنه يوسف: "يا بنيّ لا تقصص رؤياك" ، هذه، "على إخوتك" ، فيحسدوك (1) = "فيكيدوا لك كيدًا" ، يقول: فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان (2) . (إن الشيطان للإنسان عدو مبين) ، يقول: إن الشيطان لآدم وبنيه عدو، قد أبان لهم عداوته وأظهرها (3) . يقول: فاحذر الشيطان أن يغريَ إخوتك بك بالحسد منهم لك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك.
* * *
وإنما قال يعقوب ذلك، لأنه قد كان تبين له من أخوته قبلَ ذلك حسدًا، (4) كما:-
18788- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي، قال: نزل يعقوب الشأم، فكان همُّه يوسف وأخاه، فحسده إخوته لما رأوا حبَّ أبيه له. ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم له ساجدين، فحدث بها أباه فقال: (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا) ، الآية.
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول "اللام" في قوله (فيكيدوا لك كيدا) .
فقال بعض نحويي البصرة: معناه: فيتخذوا لك كيدا= وليست مثل:
(1) انظر تفسير "القصص" فيما سلف ص: 551، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الكيد" فيما سلف ص: 361، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .
(4) في المطبوعة: "حسده" بالإضافة، وأثبت ما في المخطوطة، وهو جيد جدًا.
(إن كنتم للرؤيا تعبرون) [سورة: يوسف: 43] تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام، كما يوصل بالباء، كما تقول: "قدمت له طعامًا" ، تريد قدّمت إليه، وقال: (يأكلن ما قدمتم لهن) ، [سورة يوسف: 48] ومثله قوله: (قل الله يهدي للحق) [سورة: يونس: 35] قال: وإن شئت كان: (فيكيدوا لك كيدا) ، في معنى: "فيكيدوك" ، وتجعل اللام مثل: (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُون) [سورة الأعراف: 154] وقد قال "لربهم يرهبون" إنما هو بمكان: "ربَّهم يرهبون" .
* * *
وقال بعضهم: أدخلت اللام في ذلك، كما تدخل في قولهم: "حمدت لك" و "شكرت لك" ، و "حمدتك" و "شكرتك" . وقال: هذه لام جلبها الفعل، (1) فكذلك قوله: (فيكيدوا لك كيدا) تقول: فيكيدوك=، أو: يكيدوا لك، فيقصدوك، ويقصدوا لك، قال: "وكيدًا" : توكيدٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل يعقوب لابنه يوسف، لما قصّ عليه رؤياه: (وكذلك يجتبيك ربك) وهكذا يجتبيك ربك. يقول: كما أراك ربك الكواكب والشمسَ والقمرَ لك سجودًا، فكذلك يصطفيك ربك، (2) كما:-
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "هذه لام عليها الفعل" ، والصواب ما أثبت.
(2) انظر تفسير "الاجتباء" فيما سلف 13: 341، تعليق: 1، والمراجع هناك.
18789- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو العنقزي، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة: (وكذلك يجتبيك ربك) ، قال: يصطفيك.
18790 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث) ، فاجتباه واصطفاه وعلّمه من عَبْر الأحاديث، وهو "تأويل الأحاديث" .
* * *
وقوله: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) يقول: ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديثُ الناس، عما يرونه في منامهم. وذلك تعبير الرؤيا. (1)
* * *
18691- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
18792- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) ، قال: تأويل الكلام: العلم والكلام. (2)
وكان يوسف أعبرَ الناس، وقرأ: (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) . [سورة يوسف: 22] .
* * *
وقوله: (ويتم نعمته عليك) باجتبائه إياك، واخيتاره، وتعليمه إياك تأويل الأحاديث = (وعلى آل يعقوب) يقول: وعلى أهل دين يعقوب، وملته من ذريته وغيرهم (3) = (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) ، باتخاذه هذا خليلا وتنجيته من النار، وفدية هذا بذبح عظيم، كالذي:-
(1) انظر تفسير "التأويل" فيما سلف ص: 93، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة: "العلم والحلم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو جائز.
(3) انظر تفسير "الآل" فيما سلف 13: 85، تعليق: 1، والمراجع هناك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|