
18-07-2025, 08:52 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,474
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (857)
صــ 581 إلى صــ 586
ينظر إليه فيرى أثر الدم، ولا يرى فيه خَرْقًا، قال: يا بني ما كنت أعهدُ الذئب حليمًا؟
18855- حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، قال، حدثنا أبو عامر العقدي، عن قرة، قال: سمعت الحسن يقول: لما جاؤوا بقميص يوسف، فلم ير يعقوب شقًّا، قال: يا بني، والله ما عهدت الذئب حليمًا؟ (1)
18856- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا حماد بن مسعدة، عن عمران بن مسلم، عن الحسن، قال: لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم، قال: جعل يقلبه فيقول: ما عهدت الذئب حليمًا؟ أكل ابني، وأبقى على قميصه!
18857- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتوا نبيَّ الله يعقوب بقميصه، قال: ما أرى أثرَ سبع ولا طعْنٍ، ولا خرْق.
18858- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بدم كذب) الدم الكذب، لم يكن دم يوسف.
18859- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي قال: ذبحوا جديًا ولطخوه من دمه. فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحًا، عرف أن القوم كذبوه. فقال لهم: إن كان هذا الذئب لحليمًا، حيث رَحم القميص ولم يرحم ابني! فعرف أنهم قد كذبوه.
18860- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سيفان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتي يعقوب بقميص يوسف، فلم ير فيه خرقًا، قال: كذبتم، لو أكله السبع لخرق قميصه!
(1) الأثر 18855 - "أحمد بن عبد الصمد الأنصاري" ، انظر ما سلف رقم: 18843.
18861- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الأزرق، ويعلى، عن زكريا، عن سماك، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات:حين جاؤوا على قميصه بدم كذب. قال: وقال يعقوب: لو أكله الذئب لخرقَ قميصه.
18862- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد قال، حدثنا زكريا، عن سماك، عن عامر قال: إنه كان يقول: في قميص يوسف ثلاث آيات: حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرًا، وحين قُدَّ منْ دُبُر، وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب.
18863- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات: الشقُّ، والدم، وألقاه على وجه أبيه فارتدَّ بصيرًا.
18864- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الحسن، قال: لما جيء بقميص يوسف إلى يعقوب، فرأى الدم ولم ير الشق قال: ما عهدت الذئب حليمًا؟
18865- قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا قرة، عن الحسن، بمثله.
* * *
*
فإن قال قائل: كيف قيل: (بدم كذب) وقد علمت أنه كان دمًا لا شك فيه، وإن لم يكن كان دم يوسف؟
قيل: في ذلك من القول وجهان:
أحدهما: أن يكون قيل (بدم كذب) لأنه كُذِب فيه كما يقال ": الليلة الهلالُ" ، وكما قيل: (فما ربحت تجارتهم) [سورة البقرة 16] . وذلك قولٌ كان بعض نحويي البصرة يقوله.
والوجه الآخر: وهو أن يقال: هو مصدر بمعنى "مفعول" . وتأويله: وجاؤوا على قميصه بدم مكذوب= كما يقال: "ما له عقل ولا معقول" ، و "لا له جَلَد ولا له مجْلود" . والعرب تفعل ذلك كثيرًا، تضع "مفعولا" في موضع المصدر، والمصدر في موضع مفعول، كما قال الراعي:
حَتَّى إذَا لم يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ ... لَحْمًا وَلا لِفؤادِهِ مَعْقول (1)
وذلك كان يقوله بعض نحويي الكوفة. (2)
* * *
وقوله: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرًا) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذبا لهم في خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون، (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) يقول: بل زيَّنت لكم أنفسكم أمرًا في يوسف وحسنته، ففعلتموه كما:-
18866- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(1) جمهرة أشعار العرب: 175، وغيرها، من ملحمته المشهورة، قالها لعبد الملك بن مروان، وكان بعض عماله على الصدقات، قد أوقع ببني نمير قوم الراعي، لأن قيسًا كانت زبيرية الهوى، فقال: أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّا مَعْشَرٌ ... حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وأصِيلاَ
عَرَبٌ، نَرَى لِلهِ في أمْوالِنا ... حَقَّ الزَّكاةِ مُنَزَّلاً تنزيلاَ
إنَّ السُّعاةَ عَصَوْكَ يَوْمَ أمْرَتَهُمْ ... وأتَوْا دَواهِيَ، لو عَلِمْتَ، وغُولا
ثم يقول له: أخَذُوا العَرِيفَ فَقَطَّعُوا حَيْزُومَهُ ... بِالأصْبَحِيَّةِ قائمًا مَغْلُولاً
حَتَّى إذَا لَمْ يَتْرُكُوا ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جَاءوا بِصَكِّهِمُ، وَأَحْدَبَ أَسْأَرَتْ ... مِنْهُ السِّياطُ يَرَاعَةً إجْفِيلا
وهي من جيد الشعر.
(2) هو الفراء في معاني القرآن، في تفسير هذه الآية.
قال (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) ، قال: يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا.
* * *
وقوله: (فصبر جميل) يقول: فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبرٌ جميل= أو فهو صبر جميل.
* * *
وقوله (والله المستعان على ما تصفون) يقول: واللهَ أستعين على كفايتي شرّ ما تصفون من الكذب (1) .
* * *
وقيل ": إن الصبر الجميل" ، هو الصبر الذي لا جزع فيه.
*ذكر من قال ذلك:
18867- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فصبر جميل) قال: ليس فيه جزع.
18868- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18869- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18870- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (فصبر جميل) في غير جزع.
18871-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18872- قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة، قال: سئل رسول الله صلى الله
(1) انظر تفسير "الوصف" فيما سلف 12: 10، 11، 152.
عليه وسلم عن قوله: (فصبر جميل) قال: صبر لا شكوى فيه. قال: من بثّ فلم يصبر. (1)
18873- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله: (فصبر جميل) قال: صبر لا شكوى فيه. (2)
18874- ... قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فصبر جميل) : ليس فيه جزع.
18875- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18876- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد في قوله: (فصبر جميل) : قال: في غير جزع.
18877- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18878- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن بعض أصحابه قال: يقال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدِّث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكّي نفسك=
قال أخبرنا الثوري، عن حبيب
(1) الأثر: 18872 - "حبان بن أبي جبلة المصري" ، أحد العشرة الذين بعثهم عمر، ليفقهوا أهل مصر، مضى برقم: 2195، 10180. أما "عبد الرحمن بن يحيى" ، فلم أعرف من يكون، وقد سلف في مثل هذا الإسناد برقم: 10180، وظن أخي هناك أنه قد يكون "عبد الرحمن بن زياد بن أنعم" ، ولكن قد اتفق أن يكون في الموضعين، يكون في الموضعين، على تباعدهما "عبد الرحمن بن يحيى" ، فهذا مبعد له عن التصحيف والتحريف، إلا أن يكون هذا أحد الرواة عن حبان، لم نعرفه. وعسى أن يأتي في التفسير بعد ما يوضحه. ثم انظر أيضًا الإسناد الذي يليه.
(2) الأثر: 18873 - "عبد الرحمن بن يحيى" ، انظر التعليق السابق.
بن أبي ثابت: أن يعقوب النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد سقط حاجبَاه، فكان يرفعهما بخرقةٍ، فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان، وكثرة الأحزان! فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا يعقوب، أتشكوني؟ قال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي.
* * *
وقوله: (والله المستعان على ما تصفون) . (1)
18879- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله المستعان على ما تصفون،) أي على ما تكذبون.
* * *
(1) انظر تفسير "الوصف" فيما سلف ص: 584، تعليق 1، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجاءت مارَّةُ الطريق من المسافرين (1) = (فأرسلوا واردهم) وهو الذي يرد المنهل والمنزل، و "وروده إياه" ، مصيره إليه ودخوله (2) . (فأدلى دلوه) يقول: أرسل دلوه في البئر.
* * *
يقال: "أدليت الدلو في البئر" إذا أرسلتها فيه، فإذا استقيت فيها قلت: "دلوْتُ أدْلُو دلوًا" .
* * *
وفي الكلام محذوف، استغنى بدلالة ما ذكر عليه، فترك، وذلك: (فأدلى دلوه) = فتعلق به يُوسف، فخرج، فقال المدلي: (يا بشرى هذا غلام) .
* * *
وبالذي قلنا في ذلك، جاءت الأخبار عن أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
18880 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه) فتعلق يوسف بالحبل،
(1) انظر تفسير "السيارة" فيما سلف 15: 567، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الورود" فيما سلف 15: 466.
فخرج، فلما رآه صاحب الحبل نادَى رجلا من أصحابه يقال له "بُشرى" : (يا بشرى هذا غلامٌ) .
18881 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه) فتشبث الغلام بالدلو، فلما خرج قال: (يا بشرى هذا غلام) .
* * *
18882 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فأرسلوا واردهم) يقول: أرسلوا رسولهم، فلما أدلى دلوه تشبث بها الغلام (= (قال يا بشرى هذا غلام) .
* * *
واختلفوا في معنى قوله:: (يا بشرى هذا غلام) .
فقال بعضهم: ذلك تبشير من المدلي دلوَه أصحابَه، في إصابته يوسف بأنه أصاب عبدًا (1) .
* ذكر من قال ذلك:
18883 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال يا بشرى هذا غلام) تباشروا به حين أخرجوه. وهي بئر بأرض بيت المقدس معلومٌ مكانها
18884 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يا بشرى هذا غلام) قال: بشّرهم واردهم حين وجدَ يوسف.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك اسم رجل من السيَّارة بعينه، ناداه المدلي لما خرج يوسف من البئر متعلِّقًا بالحبل.
* ذكر من قال ذلك:
(1) انظر تفسير "البشرى" فيما سلف من فهارس اللغة (بشر) .
18885 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (يا بشرى هذا غلام) قال: نادى رجلا من أصحابه يقال له "بشرى" ، فقال: (يا بشرى هذا غلام) .
18886 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا خلف بن هشام، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس بن الربيع، عن السدي، في قوله: (يا بشرى هذا غلام) قال: كان اسم صاحبه "بشرى" .
18887 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، في قوله: (يا بشرى هذا غلام) قال: اسم الغلام "بشرى" ; قال: "يا بشرى" ، كما تقول ": يا زيد" .
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك:
فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة: "يا بُشْرَيَّ" بإثبات ياء الإضافة، غير أنه أدغم الألف في الياء طلبا للكسرة التي تلزم ما قبل ياء الإضافة من المتكلم، في قولهم ": غلامي" و "جاريتي" ، في كل حال، وذلك من لغة طيئ، (1) كما قال أبو ذؤيب:
سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ ... فَتُخِرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ (2)
* * *
(1) ولغة هذيل أيضًا، كما قال الأصمعي.
(2) ديوانه (في ديوان الهذليين) 1: 2، وشرح المفضليات: 854، وغيرهما، وهي إحدى عجائب أبي ذؤيب، يقولها في بنيه الذين ماتوا، سبقه بهم الطاعون في عام واحد، وكانوا خمسة: أَوْدَى بَنِيَّ، وأعْقَبُونِي غُصَّةً ... بَعْدَ الرُّقادِ، وعَبْرةً لا تُقْلِعُ
سَبَقوا هوَيَّ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ ... وَإخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
يقول: سبقوني بما اختاروه من الموت والذهاب، وساروا سيرًا حثيثًا إلى الذي اختاروه، فتخرمتهم المنية، فأخذتهم واحدًا بعد واحد. ولكل جنب مصرع لا يخطئه، فحيث قدر الله له الميتة أدركته.
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (يا بُشْرَى) بإرسال الياء وترك الإضافة.
وإذا قرئ ذلك كذلك احتمل وجهين من التأويل:
أحدهما ما قاله السدي، وهو أن يكون اسم رجل دعاه المستقي باسمه، كما يقال: "يا زيد" ، و "يا عمرو" ، فيكون "بشرى" في موضع رفع بالنداء.
والآخر: أن يكون أرادَ إضافة البشرى إلى نفسه، فحذف الياء وهو يريدها، فيكون مفردًا وفيه نيَّة الإضافة، كما تفعل العرب في النداء فتقول: "يا نفس اصبري" ، و "يا نفسي اصبري" ، و "يا بُنَيُّ لا تفعل" ، و "يا بُنَيِّ لا تفعل" ، فتفرد وترفع، وفيه نية الإضافة. وتضيف أحيانًا فتكسر، كما تقول: "يا غلامِ أقبل" ، و "يا غلامي أقبل" .
* * *
قال أبو جعفر: وأعجب القراءة في ذلك إليَّ قراءةُ من قرأه بإرسال الياء وتسكينها ; لأنه إن كان اسم رجل بعينِه كان معروفًا فيهم كما قال السدي، فتلك هي القراءة الصحيحة لا شك فيها (1) . وإن كان من التبشير فإنه يحتمل ذلك إذا قرئ كذلك على ما بيَّنت.
وأما التشديد والإضافة في الياء، فقراءة شاذة، لا أرى القراءة بها، وإن كانت لغة معروفة ; لإجماع الحجة من القرأة على خلافها.
* * *
وأما قوله: (وأسروه بضاعة) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: وأسرَّه الوارد المستقي وأصحابُه من التجار الذين كانوا معهم، وقالوا لهم ": هو بضاعة استبضعناها بعضَ أهل مصر" ; لأنهم خافوا إن علموا أنهم اشتروه بما اشتروه به أن يطلبوا منهم فيه الشركة.
* ذكر من قال ذلك:
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "فذلك هي" ، والأجود ما أثبت.
18888 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأسرو بضاعة) قال: صاحب الدلو ومن معه، قالوا لأصحابهم: "إنما استبضعناه" ، خيفةَ أن يشركوهم فيه إن علموا بثمنه. وتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثق منه لا يأبَقْ! حتى وَقَفوه بمصر، فقال: من يبتاعني ويُبَشَّر؟ فاشتراه الملك، والملك مُسلم.
18889 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه = غير أنه قال: خيفة أن يستشركوهم إن علموا به، واتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثقوا منه لا يأبق! حتى واقفوه بمصر (1) = وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو.
18890 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
18891 -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه = غير أنه قال: خيفة أن يشاركوهم فيه، إن علموا بثمنه.
18892 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه = إلا أنه قال: خيفة أن يستشركوهم فيه إن علموا ثمنه. وقال أيضًا: حتى أوقفوه بمصر.
18893 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وأسروه بضاعة) قال: لما اشتراه الرجلان فَرَقًا من الرفقة أن يقولوا: "اشتريناه" فيسألونهم الشركة، فقالا إن سألونا ما هذا؟ قلنا بضاعة استبضَعَناه أهل الماء. فذلك قوله: (وأسروه بضاعة) بينهم
* * *
(1) في المطبوعة: "حتى أوقفوه" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب، وانظر هذه الرواية في رقم: 18892.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|