
19-07-2025, 05:01 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (889)
صــ 321 إلى صــ 330
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20049- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) قال: القرآن.
20050- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) : أي: هذا القرآن.
* * *
وفي قوله: (والذي أنزل إليك) وجهان من الإعراب:
أحدهما: الرفع، على أنه كلام مبتدأ، فيكون مرفوعا بـ "الحق" و "الحق به" . وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما.
* * *
والآخر: الخفض على العطف به على (الكتاب) ، فيكون معنى الكلام حينئذ: تلك آياتُ التوراة والإنجيل والقرآن. ثم يبتدئ (الحق) بمعنى: ذلك الحق = فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغنى بدلالة الظاهر عليه منه.
* * *
ولو قيل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحق = وإنما أدخلت الواو في "والذي" ، وهو نعت للكتاب، كما أدخلها الشاعر في قوله:
إلَى المَلِكِ القَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ ... وَلَيْثَ الكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَمْ (1)
فعطف بـ "الواو" ، وذلك كله من صفة واحد=، كان مذهبًا من التأويل. (2)
(1) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 3: 352، 353، وقوله: "ليث" ، منصوب على المدح، كما بينه الطبري هناك.
(2) السياق: "ولو قيل: معنى ذلك ... كان مذهبًا من التأويل" .
ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك فالصواب من القراءة في (الحق) الخفض، على أنه نعت لـ (الذي) .
* * *
وقوله: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنزل إليك من ربك، (1) ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله، يا محمد، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها، فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا.
* * *
و "العَمَد" جمع "عمود" ، وهي السَّواري، وما يعمد به البناء، كما قال النابغة:
وَخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهُمْ ... يَبْنُون تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالعَمَدِ (2)
(1) في المطبوعة والمخطوطة، أسقط لفظ الآية، فأثبتها.
(2) ديوانه: 29، ومجاز القرآن 1: 320، وشمس العلوم لنشوان الحميري: 37، وغيرها كثير، من قصيدته المشهورة التي اعتذر فيها للنعمان، لما قذفوه بأمر المتجردة، يقول قبله: ولاَ أَرَى فَاعلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ ... ولاَ أُحَاشِي مِنَ الأقْوامِ مِنْ أَحَدِ
إلاَّ سُلَيْمَانَ إذْ قَالَ الإلهُ لَهُ ... قُمْ فِي البَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عن الفَنَدِ
وقوله: "وخيس الجن" ، أي: ذللها ورضها. و "الصفاح" ، حجارة رقاق عراض صلاب.
و "تدمر" مدينة بالشام. قال نشوان الحميري في شمس العلوم: "مدينة الشأم مبنية بعظام الصخر، فيها بناء عجيب، سميت بتدمر الملكة العمليقية بنت حسان بن أذينة، لأنها أول من بناها. ثم سكنها سليمان بن داود عليه السلام بعد ذلك. فبنت له فيها الجن بناء عظيمًا، فنسبت اليهود والعرب بناءها إلى الجن، لما استعظموه" .
وهذا نص جيد من أخبارهم وقصصهم في الجاهلية.
وجمع "العمود:" "عَمَد،" كما جمع الأديم: "أدَم" ، ولو جمع بالضم فقيل: "عُمُد" جاز، كما يجمع "الرسول" "رسل" ، و "الشَّكور" "شكر" .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) .
فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها.
*ذكر من قال ذلك:
20051- حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد = يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها (بغير عمَدٍ ترونها) : أي لا ترونها.
20052- حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
20053- حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد في قوله: (بغير عمد ترونها) ، قال: بعمد لا ترونها.
20054- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد، في قول الله: (بغير عمد ترونها) قال: هي لا ترونها (1) .
(1) الأثران: 20053، 20054 - "الحسن بن مسلم بن يناق المكي" ، ثقة، وله أحاديث مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 304، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36.
20055- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بغير عمد) يقول: عمد [لا ترونها] . (1)
20056- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20057- قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن وقتادة قوله: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها.
20058- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.
* * *
ومن تأوَّل ذلك كذلك، قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله، كقول الشاعر (2)
وَلا أرَاهَا تَزَالُ ظَالِمَةً ... تُحْدِثُ لِي نَكْبَةً وتَنْكَؤُهَا (3)
يريد: أراها لا تزال ظالمة، فقدم الجحد عن موضعه من "تزال" ، وكما قال الآخر: (4)
(1) ما بين القوسين زيادة لا بد منها، وليست في المخطوطة.
(2) هو ابن هرمة.
(3) شرح شواهد المغني 277، 279 من تسعة أبيات، ومعاني القرآن للفراء في تفسير الآية، والأضداد لابن الأنباري: 234.
وقد زعموا أنه قيل لابن هرمة: إن قريشًا لا تهمز، فقال: لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش، وأولها: إنَّ سُلَيْمي والله يكْلَؤهَا ... ضَنَّتْ بِشَيء مَا كَان يَرْزَؤُها
وعَوَّدَتْنِي فِيما تُعَوِّدُني ... أَظْمَاءُ وِرْدٍ ما كُنْتُ أجزَؤُهَا
ولا أرَاهَا تَزَال ظَالِمةً ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4) لم أعرف قائله.
إذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِنَ امْرِئٍ ... فَدَعْهُ وَوَاكِلْ حَالَهُ وَاللَّيَاليَا (1) يَجِئْنَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ ... وَإنْ كَانَ فِيما لا يَرَى النَّاسُ آلِيَا
يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو.
* * *
وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد.
*ذكر من قال ذلك:
20059- حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن إياس بن معاوية، في قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة. (2)
20060- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بغير عمد ترونها) قال: رفعها بغير عمد.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها، كما قال ربنا جل ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه. (3)
* * *
وأما قوله: (ثم استوى على العرش) فإنه يعني: علا عليه.
* * *
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (4)
* * *
(1) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية، والأضداد لابن الأنباري: 234، وقوله: "واكل حاله" ، أي: دع أمره لليالي. من "وكل إليه الأمر" ، أي: صرف أمره إليه. وقوله: "يجئن على ما كان من صالح به" ، أي يقضين على صالح أمره ويذهبنه. و "الآلي" ، المقصر.
(2) الأثر: 20059 - "إياس بن معاوية بن قرة المزني" ، "أبو واثلة" قاضي البصرة، ثقة، وكان فقيهًا عفيفًا، وكان عاقلا فطنًا من الرجال، يضرب به المثل في الحلم والدهاء. مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 442، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 282، وابن سعد 7 / 2 / 4، 5.
(3) أي احتياط وفقه وعقل وورع، كان أبو جعفر يستعمل في تفسيره! .
(4) انظر تفسير "الاستواء" فيما سلف 1: 428 - 431 / 12: 482، 483 / 15: 18.
= وتفسير "العرش" فيما سلف 15: 245، تعليق: 1، والمراجع هناك.
وقوله: (وسخر الشمس والقمر) يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء، فسخرهما فيها لمصالح خلقه، وذلَّلَهما لمنافعهم، ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب، ويفصلوا به بين الليل والنهار.
* * *
وقوله: (كل يجري لأجل مسمَّى) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء= (لأجل مسمى) : أي: لوقت معلوم، (1) وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس، ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.
=وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه، وأن (كلّ) "لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به. (2) "
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: (لأجل مسمى) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20061- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى) قال: الدنيا. (3)
* * *
وقوله: (يدبِّر الأمر) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها، ويدبِّر ذلك كله وحده، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه. (4)
* * *
(1) انظر تفسير "الأجل المسمى" فيما سلف 6: 43 / 11: 256 - 259، 407.
(2) انظر تفسير "كل" وأحكامها فيما سلف 15: 540، تعليق: 1، والمراجع هناك. وانظر ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 321.
(3) قوله "الدنيا" ، كأنه يعني: فناء الدنيا، فاقتصر على ذكر "الدنيا" ، لأنه معلوم بضرورة الدين أنها فانية، وإنما الخلود في الآخرة.
(4) انظر تفسير "التدبير" فيما سلف 15: 18، 19، 84.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20062- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (يدبر الأمر) يقضيه وحده.
20063- قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
20064- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
* * *
وقوله: (يفصل الآيات) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه، فيبينها لكم (1) احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس = (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول: لتوقنوا بلقاء الله، والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده، (2) وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك. (3)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20065- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده، ونستيقن بلقائه.
* * *
(1) انظر تفسير "تفصيل الآيات" فيما سلف 15: 227، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الإيقان" فيما سلف 10: 394 / 11: 475.
(3) في المطبوعة: "تيقنتم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو لب الصواب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي مَدَّ الأرض، فبسطها طولا وعرضًا.
* * *
وقوله: (وجعل فيها رواسي) يقول جل ثناؤه: وجعل في الأرض جبالا ثابتة.
* * *
و "الرواسي:" جمع "راسية" ، وهي الثابتة، يقال منه: "أرسيت الوتد في الأرض" : إذا أثبته، (1) كما قال الشاعر: (2)
بهِ خَالِدَاتٌ مَا يَرِمْنَ وهَامِدٌ ... وَأشْعَثُ أرْسَتْهُ الوَلِيدَةُ بِالفِهْرِ (3)
يعني: أثبتته.
* * *
وقوله: (وأنهارًا) يقول: وجعل في الأرض أنهارًا من ماء.
* * *
وقوله: (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين فـ (من) في
(1) انظر تفسير "الإرساء" فيما سلف 13: 293.
(2) هو الأحوص.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 321، واللسان (رسا) ، وروايته "سوى خالدات" و "ترسيه الوليدة" . و "الخالدات" ، و "الخوالد" صخور الأثافي، سميت بذلك لطول بقائها بعد دروس أطلال الديار.: ما يرمن "، ما يبرحن مكانهن، من" رام المكان يريمه "، إذا فارقه. و" الهامد "الرماد المتلبد بعضه على بعض. و" الأشعث "، الوتد، لأنه يدق رأسه فيتشعث ويتفرق، و" الوليدة ": الجارية، و" الفهر "حجر ملء الكف، يدق به."
قوله (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) من صلة (جعل) الثاني لا الأول.
* * *
ومعنى الكلام: وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات. وعنى بـ (زوجين اثنين) : من كل ذكر اثنان، ومن كل أنثى اثنان، فذلك أربعة، من الذكور اثنان، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين: (زوجين) ، والواحد من الذكور "زوجًا" لأنثاه، وكذلك الأنثى الواحدة "زوجًا" و "زوجة" لذكرها، بما أغمى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
ويزيد ذلك إيضاحًا قول الله عز وجل: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) [سورة النجم: 45] فسمى الاثنين الذكر والأنثى (زوجين) .
وإنما عنى بقوله: (زوجين اثنين) ، (2) نوعين وضربين.
* * *
وقوله: (يغشى الليل النهار) ، يقول: يجلِّل الليلُ النهارَ فيلبسه ظلمته، والنهارُ الليلَ بضيائه، (3) كما:-
20066- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يغشي الليل النهار) أي: يلبس الليل النهار.
* * *
وقوله: (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، يقول تعالى ذكره:
(1) انظر تفسير "الزوج" فيما سلف 1: 397، 514 / 7: 515 / 12: 184 / 15: 322 - 324.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "من كل زوجين اثنين" ، وهم الناسخ، فزاد في الكلام ما ليس منه هنا، وإنما ذلك من قوله تعالى في آية أخرى. فحذفت "من كل" ، ليبقى نص الآية التي يفسرها هنا.
(3) انظر تفسير "الإغشاء" فيما سلف 12: 483 / 15: 75.
إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء، لَدلالات وحججًا وعظات، لقوم يتفكرون فيها، فيستدلون ويعتبرون بها، فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبَّرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها، إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى= وأن القدرة التي أبدع بها ذلك، هي القدرة التي لا يتعذَّر عليه إحياء من هلك من خلقه، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعَه = بها. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره (وفي الأرض قطع متجاورات) ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات، يقرب بعضها من بعض بالجوار، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض، فمنها قِطْعة سَبَخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(1) السياق: "وهي القدرة التي لا يتعذر عليه ... بها" .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|