
19-07-2025, 08:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,182
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (896)
صــ 391 إلى صــ 400
*ذكر من قال ذلك:
20266- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا أبان بن يزيد قال: حدثنا أبو عمران الجوني، عن عبد الرحمن بن صُحار العبدي: أنه بلغه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى جَبَّار يدعوه، فقال: "أرأيتم ربكم، أذهبٌ هو أم فضةٌ هو أم لؤلؤٌ هو؟" قال: فبينما هو يجادلهم، إذ بعث الله سحابة فرعدت، فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقِحْف رأسه فأنزل الله هذه الآية: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) . (1)
20267- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي بكر بن عياش، عن ليث، عن مجاهد قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخبرني عن ربّك من أيّ شيء هو، من لؤلؤ أو من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأخذته، فأنزل الله: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) .
20268- حدثني المثنى قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
20269- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد حدثني من هذا الذي تدعو إليه؟ أياقوت
(1) الأثر: 20266 - عفان هو "عفان بن مسلم الصفار" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم: 20091.
و "أبان بن يزيد العطار" ، ثقة إن شاء الله، مضى مرارًا.
و "أبو عمران الجوني" هو "عبد الملك بن حبيب الأزدي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 80، 13042، 17413.
و "عبد الرحمن بن صحار بن صخر العبدي" ، لأبيه صحبة، تابعي ثقة، روى عن أبيه، مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 2 / 244.
وهذا خبر مرسل صحيح الإسناد.
هو، أذهب هو، أم ما هو؟ قال: فنزلت على السائل الصاعقة فأحرقته، فأنزل الله: (ويرسل الصواعق) الآية. (1)
20270- حدثنا محمد بن مرزوق قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثني علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مرةً رجلا إلى رجل من فراعنة العرب، أن ادْعُه لي، فقال: يا رسول الله، إنه أعتى من ذلك! قال: اذهب إليه فادعه. قال: فأتاه فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك! فقال: مَنْ رسول الله؟ وما الله؟ أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من نحاس؟ قال: فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع إليه فادعه "قال: فأتاه فأعاد عليه وردَّ عليه مثل الجواب الأوّل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع إليه فادعه! قال: فرجع إليه. فبينما هما يتراجعان الكلام بينهما، إذ بعث الله سحابة بحيالِ رأسه فرَعَدت، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقِحْفِ رأسه، فأنزل الله: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) . (2) "
* * *
(1) الأثر: 20269 - "إسحاق" ، هو "إسحاق بن سليمان العبدي الرازي" ، نزل الري، ثقة روى له الجماعة، سلف مرارًا، آخرها: 16940.
وأما "عبد الله بن هاشم" ، فقد سلف في مثل هذا الإسناد برقم: 7329، 7938، 12128، وقلت في آخرها، "لم أعرف من يكون" ، ولكني أستظهر الآن أنه: "عبد الله بن هاشم الكوفي" ، نزيل الري. مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 2 / 196.
وأما "سيف" ، فهو "سيف بن عمر الضبي" ، الأخباري، صاحب الفتوح، وهو ضعيف ساقط الحديث، ليس بشيء. مضى مرارًا، آخرها 12203، ومضى في مثل هذا الإسناد نفسه برقم 7329، 7938، 12128. وسيأتي مثله برقم: 20273، 20282، 20286. وهذا إسناد منكر.
(2) الأثر: 20270 - "محمد بن مرزوق" ، هو "محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي" ، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: 28، 8224، 17249.
و "عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي" ، ثقة صدوق، مضى برقم: 7911.
و "علي بن أبي سارة الشيباني" ، ويقال له: "علي بن محمد بن سارة" ، شيخ ضعيف الحديث.
قال البخاري: في حديثه نظر. وقال أبو داود: ترك الناس حديثه. وقال ابن حبان: غلب على روايته المناكير فاستحق الترك. وقال العقيلي: "علي بن أبي سارة عن ثابت البناني، لا يتابع عليه، ثم روى له عن ثابت عن أنس في قوله تعالى: {ويرسل الصواعق} ، ثم قال: ولا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو قريب منه" . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 189، وميزان الاعتدال 2: 226، وذكر الحديث بإسناده هذا وبتمام لفظه، وعده من الأحاديث التي أنكرت عليه.
فهذا إسناد ضعيف جدًا.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 42: "رواه أبو يعلى البزار، ورجال البزار رجال الصحيح، غير ديلم بن غزوان، وهو ثقة" .
وقال آخرون: نزلت في رجل من الكفار أنكر القرآن وكذب النبيّ صلى الله عليه وسلم.
*ذكر من قال ذلك:
20271- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن وكذّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته، فأنزل الله عز وجل فيه: (وهم يجادلون في الله، وهو شديد المحال) .
* * *
وقال آخرون: نزلت في أربد أخي لبيد بن ربيعة، وكان همّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعامر بن الطفيل.
*ذكر من قال ذلك:
20272- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت= يعني قوله: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) = في أربد أخي لبيد بن ربيعة، لأنه قدم أربدُ وعامرُ بن الطفيل بن مالك بن جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عامر: يا محمد أأسلم وأكون الخليفة من بعدك؟ قال: لا! قال: فأكون على أهل الوَبَر وأنتَ على أهل المدَرِ؟ قال: لا! قال: فما ذاك؟ قال: "أعطيك أعنة الخيل تقاتل عليها، فإنك رجل فارس. قال: أو ليست أعِنّة الخيل بيدي؟ أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا من بني عامر! قال لأربد: إمّا أن تكفينيه وأضربه بالسيف، وإما أن أكفيكه وتضربه بالسيف."
قال أربد: اكفنيه وأضربه. (1) فقال ابن الطفيل: يا محمد إن لي إليك حاجة. قال: ادْنُ! فلم يزل يدنو ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ادن" حتى وضع يديه على ركبتيه وحَنَى عليه، واستلّ أربد السيف، فاستلَّ منه قليلا فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بَريقه تعوّذ بآية كان يتعوّذ بها، فيبِسَت يدُ أربد على السيف، فبعث الله عليه صاعقة فأحرقته، فذلك قول أخيه:
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الحُتُوف وَلا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاك وَالأسَدِ ... فَجَّعنِي الْبَرْقُ والصّوَاعِقُ بال ... فَارِس يَوْمَ الكَرِيهَةِ النَّجُدِ (2)
* * *
وقد ذكرت قبل خبر عبد الرحمن بن زيد بنحو هذه القصة. (3)
* * *
وقوله: (وهم يجادلون في الله) ، يقول: وهؤلاء الذين أصابهم الله بالصواعق أصابهم في حال خُصومتهم في الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم. (4)
* * *
وقوله: (وهو شديد المحال) يقول تعالى ذكره: والله شديدةٌ مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعَتَا وتمادى في كفره.
* * *
و "المحال" : مصدر من قول القائل: ما حلت فلانًا فأنا أماحله مماحلةً ومِحَالا و "فعلت" منه: "مَحَلت أمحَلُ محْلا إذا عرّض رجلٌ رجلا لما يهلكه ; ومنه قوله:" وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ "، (5) ومنه قول أعشى بني ثعلبة:"
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "أكفيكه" ، والصواب ما أثبت.
(2) مضى الشعر وتفسيره وتخريجه فيما سلف ص: 381، تعليق: 3.
(3) هو الأثر رقم: 20250.
(4) انظر تفسير "المجادلة" فيما سلف 15: 402، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(5) هذا حديث جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"القرآن شافع مشفع، وما حل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار"
رواه ابن حبان في صحيحه 1: 287 رقم: 124، وخرجه أخي السيد أحمد هناك. وهو في مجمع الزوائد 1: 17 / 7 /: 164، ورواه أيضًا عن ابن مسعود، ولكنه ضعف إسناده. وانظر أمالي القالي 2: 269، بغير هذا اللفظ. هذا الخبر مشهور عن ابن مسعود، وإن كان صحيحه عند جابر.
فَرْعُ نَبْعِ يَهْتَزُّ فِي غُصُنِ المَجْ ... دِ غَزِيرُ النّدَى شَديدُ المِحَالِ (1)
هكذا كان ينشده معمر بن المثنى فيما حُدِّثت عن علي بن المغيرة عنه. وأما الرواة بعدُ فإنهم ينشدونه:
فَرْعُ فَرْعٍ يَهْتَزُّ فِي غُصُنِ المَجْ ... دِ كِثيرُ النَّدَى عَظِيمُ المِحَال (2)
وفسّر ذلك معمر بن المثنى، وزعم أنه عنى به العقوبة والمكر والنَّكال ; ومنه قول الآخر: (3)
وَلَبْسٍ بَيْنَ أَقْوَاٍم فَكُلٌ ... أَعَدَّ لَهُ الشَّغَازِبَ وَالمِحَالا (4)
* * *
(1) ديوانه: 10، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 325، واللسان (محل) ، وغيرها.
و "النبع" ، شجر ينبت في قلة الجبل، وهو أصفر العود رزينة، ثقيله في اليد، وإذا تقادم أحمر، وتتخذ منه القسي، فهي أجودها وأجمعها للأرز واللين معًا، و "الأرز" الشدة.
(2) قوله "فرع فرع" من قولهم: "هو فرع قومه" ، للشريف منهم الذي فرعهم أي علاهم بالشرف. يقول: هو سيد لسادات. وهذه عندي أجود روايات البيت.
(3) هو ذو الرمة.
(4) ديوانه: 445، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 326، وأمالي القالي 2: 268، واللسان (شغزب) ، (محل) ، وغيرها. وهو من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهذا البيت من صميم مدحه، يقول بعده: وكُلُّهُمُ ألدُّ أخُو كِظاَظٍ ... أَعَدَّ لِكُلِّ حالِ القومِ حَالا
أبرَّ على الخُصُوم فليسَ خَصْمٌ ... ولا خَصْمَانِ يغْلبُهُ جِدالا
قَضْيتَ بِمرَّةٍ فأَصَبْتَ منهُ ... فُصُوصَ الحقِّ فانفصلَ انفصاَلا
و "اللبس" اختلاط الأمر، وهو مشكله، و "الشغازب" ، جمع "شغزبة" ، وهي الكيد والغرة والحيلة، وأصله اعتقال المصارع رجل آخر برجله ليلقيه ويصرعه. و "أبر" علا، وغلب. و "قضى بمرة" ، أي بقوة وإحكام، و "فصوص الحق" ، لبه ومعقده. وهذا كلام بارع في الخصومة والقضاء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20273- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه: (وهو شديد المحال) قال: شديد الأخذ. (1)
20274- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: (وهو شديد المحال) قال: شديد القوة.
20275- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وهو شديد المحال) أي القوة والحيلة.
20276- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (شديد المحال) يعني: الهلاك قال: إذا محل فهو شديد= وقال قتادة: شديد الحيلة.
20277- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا رجل، عن عكرمة: (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) ، قال: جدال أربد (2) (وهو شديد المحال) قال: ما أصاب أربد من الصاعقة.
20278- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وهو شديد المحال) قال: قال ابن عباس: شديد الحَوْل.
20279- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (وهو شديد المحال) قال: شديد القوة، "المحال" : القوة.
* * *
قال أبو جعفر: والقول الذي ذكرناه عن قتادة في تأويل "المحال" أنه الحيلة، والقول الذي ذكره ابن جريج عن ابن عباس يدلان على أنهما كانا يقرآن
(1) الأثر: 20273 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 20269.
(2) في المطبوعة: "قال: المحال جدال أربد" ، وهو كلام فاسد، والمخطوطة هي الصواب.
: "(وهُوَ شَدِيدُ المَحَالِ) بفتح الميم، لأن الحيلة لا يأتي مصدرها" مِحَالا "بكسر الميم، ولكن قد يأتي على تقدير" المفعلة "منها، فيكون محالة، ومن ذلك قولهم:" المرء يعجزُ لا مَحالة، (1) و "المحالة" في هذا الموضع، "المفعلة" من الحيلة، فأما بكسر الميم، فلا تكون إلا مصدرًا، من "ماحلت فلانًا أماحله محالا" ، و "المماحلة" بعيدة المعنى من "الحيلة" .
* * *
قال أبو جعفر: ولا أعلم أحدًا قرأه بفتح الميم. (2) فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل ذلك ما قلنا من القول.
* * *
(1) هذا مثل ذكره الميداني 2: 221، وأبو هلال في الجمهرة: 193، وسمط الآلي: 888، وخرجه، ومنه قول الشاعر: حاولْتُ حين صَرَمْتَنِي ... والمرْءُ يَعجِزُ لا المحَالهْ
والدَّهْرُ يلعبُ بالفتى ... والدّهْرُ أرْوَغُ من ثُعالهْ
والمرءُ يَكْسِبُ مالهُ ... بالشُّحِّ يورِثه كَلالهْ
والعبدُ يُقْرعُ بالعَصَا ... والحرُّ تكفيهِ المَقالهْ
(2) بل قرأها الأعرج والضحاك كذلك، انظر تفسير أبي حيان 5: 376، وشواذ القراءات لابن خالويه: 66.
القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (14) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق، و "الدعوة" هي "الحق" كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قوله: (ولَدَارُ الآخِرَةِ) [سورة يوسف: 109] ، وقد بينا ذلك فيما مضى. (1)
وإنما عنى بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادةَ أن لا إله إلا الله.
* * *
(1) انظر ما سلف ص: 294، 295.
وبنحو الذي قلنا تأوله أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20280- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (دعوة الحق) ، قال: لا إله إلا الله.
20281- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (له دعوة الحق) قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
20282- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه: (له دعوة الحق) قال: التوحيد. (1)
20283- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله.
20284- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس، في قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله.
20285- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (له دعوة الحق) : لا إله إلا الله ليست تنبغي لأحد غيره، لا ينبغي أن يقال: فلان إله بني فلان.
* * *
(1) الأثر: 20282 - مضى هذا الإسناد الهالك مرارًا آخرها رقم: 20273.
وقوله: (والذين يدعون من دونه) يقول تعالى ذكره: والآلهة التي يَدْعونها المشركون أربابًا وآلهة.
* * *
وقوله (من دونه) يقول: من دون الله.
* * *
وإنما عنى بقوله: (من دونه) الآلهة أنها مقصِّرة عنه، وأنَّها لا تكون إلهًا، ولا يجوز أن يكون إلهًا إلا الله الواحد القهار، (1) ومنه قول الشاعر: (2)
أتُوعِدُنِي وَرَاء بَنِي رِيَاحٍ? ... كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنّ يَدَاكَ دُونِي (3)
يعني: لتقصرنَّ يداك عني.
* * *
وقوله: (لا يستجيبون لهم بشيء،) يقول: لا تجيب هذه الآلهة التي يدعوها هؤلاء المشركون آلهةً بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرٍّ = (إلا كباسط كفيه إلى الماء) ، يقول: لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إياها إلا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء بسطُه إياهما إليه من غير أن يرفعه إليه في إناء، ولكن ليرتفع إليه بدعائه إياه وإشارته إليه وقبضه عليه.
* * *
والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض على الماء، (4) قال بعضهم: (5)
فإنِّي وإيَّاكُمْ وَشَوْقًا إلَيْكُمُ ... كَقَابِضِ مَاءٍ لَمْ تَسِقْهُ أَنَامِلُه (6)
(1) انظر تفسير "دون" في فهارس اللغة (دون) .
(2) هو جرير.
(3) ديوانه 577، والنقائض: 31، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 326 والأضداد لابن الأنباري: 58، وسيأتي التفسير قريبًا 13: 130 (بولاق) وغيرها كثير، يهجو فضالة من بني عرين.
(4) قالوا في المثل: كالقابض على الماء "، انظر أمثال الميداني 2: 80، وجمهرة الأمثال: 164."
(5) هو ضابئ بن الحارث البرجمي.
(6) من قصيدته التي قالها في السجن، وكان أعد حديدة يريد أن يغتال بها عثمان بن عفان رضي الله عنه وشعره في خزانة الأدب 4: 80، وفي طبقات فحول الشعراء: 145، وتاريخ الطبري 5: 137 / 7: 213، والبيت في الخزانة، وفي اللسان (وسق) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 327، وغريب القرآن لابن قتيبة: 226. وقوله: "لم تسقه" ، من "وسقت الشيء أسقه وسقًا" ، إذا حملته.
يعني بذلك: أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء، لأن القابض على الماء لا شيء في يده. وقال آخر: (1)
فَأَصْبَحْتُ مِمَّا كانَ بَيْنِي وبَيْنهَا ... مِنَ الوُدِّ مِثْلَ القَابِضِ المَاءَ بِاليَد (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20286- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه، في قوله: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) قال: كالرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه. (3)
20287- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده، ولا يأتيه أبدًا.
20288- ... قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني الأعرج، عن مجاهد: (ليبلغ فاه) يدعوه ليأتيه وما هو بآتيه، كذلك لا يستجيب من هو دونه.
(1) هو الأحوص بن محمد الأنصاري.
(2) الزهرة: 183، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 327، وقبله: فوَاندَمِي إذْ لم أَعُجْ، إذ تقولُ لِي ... تقدَّمْ فَشَيِّعنا إلى ضَحْوةِ الغَدِ
ووراية الزهرة: سِوَى ذِكْرها، كالقابضَ الماءَ باليدِ
* وهي رواية جيدة جدًا، خير مما روى أبو عبيدة والطبري.
(3) الأثر: 20286 - هذا أيضًا هو الإسناد الهالك الذي مضى برقم: 20282.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|