عرض مشاركة واحدة
  #899  
قديم 19-07-2025, 08:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (899)
صــ 421 إلى صــ 430





قوله: (ويخافون سوء الحساب) ، قال، فقال: وما (سوء الحساب) ؟ قال: الذي لا جَوَاز فيه. (1)
20334- حدثني ابن سمان القزاز قال، حدثنا أبو عاصم، عن الحجاج، عن فرقد قال: قال لي إبراهيم: تدري ما (سوء الحساب) ؟ قلت: لا أدري قال: يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفرُ له منه شيء. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين صبروا على الوفاء بعهد الله، وترك نقض الميثاق وصلة الرحم= (ابتغاء وجه ربهم) ، ويعني بقوله: (ابتغاء وجه ربهم) ، طلب تعظيم الله، وتنزيهًا له أن يُخالَفَ في أمره أو يأتي أمرًا كره إتيانه فيعصيه به= (وأقاموا الصلاة) ، يقول: وأدُّوا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها= (وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية) يقول: وأدَّوا من أموالهم زكاتها المفروضة وأنفقوا منها في السبل التي أمرهم الله بالنفقة فيها= (سرًّا) في خفاء "وعلانية" في الظاهر. كما:-
20335- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وأقاموا الصلاة) يعني الصلوات الخمس= (وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية) . يقول الزكاة.
(1)
"الجواز" ، التساهل والتسامح.

(2)
الأثر: 20334 - مضى بإسناد آخر رقم: 20328.

20336- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد "الصبر" ، الإقامة. قال، وقال "الصبر" في هاتين، فصبرٌ لله على ما أحبَّ وإن ثقل على الأنفس والأبدان، وصبرٌ عمَّا يكره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا فهو من الصابرين. وقرأ: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) . [سورة الرعد:24]
* * *
وقوله: (ويدرءون بالحسنة السيئة) ، يقول: ويدفعون إساءة من أساء إليهم من الناس، بالإحسان إليهم. (1) كما:-
20337- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (ويدرءون بالحسنة السيئة) ، قال: يدفعون الشر بالخير، لا يكافئون الشرّ بالشر، ولكن يدفعونه بالخير.
* * *
وقوله: (أولئك لهم عقبى الدار) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، هم الذين (لهم عقبى الدار) ، يقول: هم الذين أعقبهم الله دارَ الجنان، من دارهم التي لو لم يكونوا مؤمنين كانت لهم في النار، فأعقبهم الله من تلك هذه. (2)
* * *
وقد قيل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عقِيبَ طاعتهم ربَّهم في الدنيا، دارُ الجنان.
* * *
(1)
انظر تفسير "الدرء" فيما سلف 2: 22، 225 / 7: 382.

(2)
انظر تفسير "العاقبة" فيما سلف 15: 356، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) }
قال أبو جعفر: يقول (جنات عدن) ، ترجمة عن (عقبى الدار) (1) كما يقال: "نعم الرجل عبد الله" ، فعبد الله هو الرجل المقول له: "نعم الرجل" ، وتأويل الكلام: أولئك لهم عَقيِبَ طاعتهم ربِّهم الدارُ التي هي جَنَّات عدْنٍ.
* * *
وقد بينا معنى قوله: (عدن) ، وأنه بمعنى الإقامة التي لا ظَعْنَ معها. (2)
* * *
وقوله: (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) ، يقول تعالى ذكره: جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصف صفتهم= وهم الذين يوفون بعهد الله، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة، وفعلوا الأفعال التي ذكرها جل ثناؤه في هذه الآيات الثلاث= (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم) ، وهي نساؤهم وأهلوهم= و "ذرّيّاتهم" . (3) . و "صلاحهم" إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه السلام. كما:-
20338- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء،
(1)
"الترجمة" ، هي عند الكوفيين، "عطف البيان" و "البدل" عند البصريين، انظر ما سلف 2: 340، 374، 420، 425، 426، ثم سائر الأجزاء في فهرس المصطلحات.

(2)
انظر تفسير "جنات عدن" فيما سلف 14: 350 - 355.

(3)
انظر تفسير "الأزواج" فيما سلف 12: 150، تعليق: 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "الذرية" فيما سلف 15: 163، تعليق: 1، والمراجع هناك.
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ومن صلح من آبائهم) قال: من آمن في الدنيا.
20339- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
20340- وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20341- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ومن صلح من آبائهم) قال: من آمن من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
* * *
وقوله: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم) ، يقول: تعالى ذكره: وتدخل الملائكة على هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثلاث في جنات عدن، من كل باب منها، يقولون لهم: (سلام عليكم بما صبرتم) على طاعة ربكم في الدنيا= (فنعم عقبى الدار) .
* * *
وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب.
20342- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو قال: إن في الجنة قصرًا يقال له "عدن" ، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حِبَرة، (1) لا يدخله إلا نبيٌ أو صديق أو شهيدٌ. (2)
20343- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء،
(1)
"الحبرة" بكسر الحاء وفتح الباء، ضرب من برود اليمن منمر.

(2)
الأثر: 20342 - "علي بن جرير" ، مضى آنفًا برقم: 20212، ولم أجد له ترجمة إلا في ابن أبي حاتم، وهي مختلفة.

و "حماد بن سلمة" ، ثقة مشهور، مضى مرارًا.
و "يعلي بن عطاء العامري" ، ثقة مضى مرارًا، آخرها: 17981.
و "نافع بن عاصم الثقفي" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 15402.
وهذا إسناد صحيح إلى عبد الله بن عمرو، لولا ما فيه من جهالة "علي بن جرير" هذا. وهو موقوف على عبد الله بن عمرو، لم أجد من رفعه.
عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (جنات عدن) قال: مدينة الجنة، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، والناسُ حولهم بعدد الجنات حوْلها.
* * *
وحذف من قوله: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) ، "يقولون" ، (1) اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، كما حذف ذلك من قوله: (وَلَوْ تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أبْصَرْنَا) . [سورة السجدة:12]
* * *
20344- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن بقية بن الوليد قال: حدثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له "أبو الحجاج" ، يقول: جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن ليكون متّكئًا على أريكته إذا دخل الجنة، وعنده سِمَاطان من خَدَمٍ، وعند طرف السِّماطين بابٌ مبوَّبٌ، (2) فيقبل المَلَك يستأذن؛ فيقول أقصى الخدم للذي يليه: (3) "ملك يستأذن" ، ويقول الذي يليه للذي يليه: ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا. فيقول: أقربهم إلى المؤمن ائذنوا. ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا. فكذلك حتى
(1)
أي "وحذف ... يقولون" .

(2)
في المطبوعة: "وعند طرف السماطين سور" ، مكان "باب مبوب" ، لأنه لم يحسن قراءة المخطوطة. وقوله: "باب مبوب" ، يعني مصنوع معقود. إن شئت قلت: قد اتخذ له بوابًا يحرسه.

(3)
كانت العبارة في المطبوعة فاسدة مع زيادة جملة كاملة، وهي "فيقول الذي يليه ملك يستأذن" مكررة، وفي المخطوطة كالذي أثبت، إلا أنه أسقط من الكلام "أقصى الخدم" ، فأثبتها من الدر المنثور.

يبلغ أقصاهم الذي عند الباب، فيفتح له، فيدخل فيسلّم ثم ينصرف. (1)
20345- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن محمد، عن سُهَيْل بن أبي صالح، عن محمد بن إبراهيم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: "السلام عليكم"
(1)
الأثر: 20344 - "بقية بن الوليد" ، ثقة، مضى مرارًا، ولكن في حديثه مناكير، أكثرها عن المجاهيل، وهو كما قال الجوزجاني: "إذا تفرد بالرواية فغير محتج به لكثرة وهمه. ومع أن مسلمًا وجماعة من الأئمة قد أخرجوا عنه اعتبارًا واستشهادًا، إلا أنهم جعلوا تفرده أصلا" .

و "أرطأة بن المنذر الألهاني" ، ثقة، كان عابدًا، مضى برقم: 17987.
وأما "أبو الحجاج، رجل من مشيخة الجند" ، فأمره مشكل.
وذلك أن ابن قيم الجوزية، رواه من طريق بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر وفيه "أبو الحجاج" ، وكذلك رواه من هذه الطريق نفسها، ابن كثير في التفسير، ثم قال: "رواه ابن جرير، ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش، عن أرطأة بن المنذر، عن أبي الحجاج يوسف الألهاني قال سمعت أبا أمامة" ، فصرح باسم "أبي الحجاج" وأنه "يوسف الألهاني" (حادي الأرواح 2: 38 / تفسير ابن كثير 4: 52) .
ولما طلبت "يوسف الألهاني" ، وجدته في التاريخ الكبير للبخاري 4 / 2 / 376، 377 قال: "يوسف الألهاني أبو الضحاك الحمصي، سمع أبا أمامة الباهلي وابن عمر، وروى عنه أرطأة. حدثنا إسحق بن يزيد، قال حدثنا أبو مطيع معاوية، سمع أرطأة، سمع أبا الضحاك" .
ووجدته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4 / 2 / 35: "يوسف الألهاني، أبو الضحاك الحمصي، روى ابن عمر وأبي أمامة، عنه أرطأة بن المنذر" .
والذي نقله ابن كثير عن تفسير ابن أبي حاتم نفسه فيه: "أبو الحجاج يوسف الألهاني" ، والذي في الجرح والتعديل: "أبو الضحاك" ، يؤيده ما جاء في التاريخ الكبير. والمشكل أن يتفق نص ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. ونص البخاري، ثم يختلف نقل ابن كثير عن تفسير ابن أبي حاتم، متفقًا مع ما جاء في نسخ الطبري ومن نقل عنه، وكنيته فيها "أبو الحجاج" ، والذي أرجحه أن الصواب هو ما في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم: "أبو الضحاك" .
ومع كل ذلك لم أجد ما يهديني إلى الصواب المحقق، و "يوسف الألهاني" "أبو الضحاك" ، أو "أبو الحجاج" ، تابعي كما ترى، ولكن لم أجد له ذكرًا في غير ما ذكرت من كتب، ولم يبين حاله.
فهذا إسناد فيه نظر، لما وجدت في التابعي من الاختلاف، وقد رأيت أيضًا أنه لم يتفرد بروايته بقية بن الوليد، عن أرطاة بن المنذر فيكون تفرد فيه بقية قادحًا في إسناده. فقد رواه عن أرطاة أيضًا "إسماعيل بن عياش" . ومع ذلك يظل في الإسناد شيء، وفي النفس منه شيء.
و "إسماعيل بن عياش الحمصي" ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 14212، وهو ثقة، ولكنهم تكلموا فيه، وضعفوه في بعض حديثه.
بما صبرتم فنعم عقبى الدار "، وأبو بكر وعمر وعثمان. (1) "
* * *
وأما قوله: (سلام عليكم بما صبرتم) فإن أهل التأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه.
*ذكر من قال ذلك:
20346- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني أنه تلا هذه الآية: (سلام عليكم بما صبرتم) قال: على دينكم.
20347- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (سلام عليكم بما صبرتم) قال: حين صبروا بما يحبه الله فقدّموه. وقرأ: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحرِيرًا) ، حتى بلغ: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) [سورة الإنسان:2-22] وصبروا عما كره الله وحرم عليهم، وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبه الله، فسلم عليهم بذلك. وقرأ: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .
* * *
وأما قوله: (فنعم عقبى الدار) فإن معناه إن شاء الله كما:-
20348- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر، عن أبي عمران الجوني في قولهم (فنعم عقبى الدار) قال: الجنة من النار. (2)
* * *
(1)
الأثر: 20345 - "إبراهيم بن محمد" ، هو "إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري" ، ثقة مأمون، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11358.

و "سهيل بن أبي صالح، ذكوان السمان" ، ثقة، روى له الجماعة، متكلم في بعض روايته. مضى أخيرًا برقم: 11503، وكان في المطبوعة: "سهل" غير مصغر، وهو خطأ. لم يحسن الناشر قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة.
و "محمد بن إبراهيم" ، لعله: "محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 22، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 184.
(2)
أي الجنة بدلا من النار، كما سلف في ص: 422.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره وأما الذين ينقضون عهد الله، ونقضهم ذلك، خلافهم أمر الله، وعملهم بمعصيته (1) (من بعد ميثاقه) ، يقول: من بعد ما وثّقوا على أنفسهم لله أن يعملوا بما عهد إليهم (2) = (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) ، (3) يقول: ويقطعون الرحم التي أمرهم الله بوصلها= (ويفسدون في الأرض) ، فسادهم فيها: عملهم بمعاصي الله (( 4) أولئك لهم اللعنة) ، يقول: فهؤلاء لهم اللعنة، وهي البعد من رحمته، والإقصاء من جِنانه (5) = (ولهم سوء الدار) يقول: ولهم ما يسوءهم في الدار الآخرة.
* * *
20349- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول: (وَمَْن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) [سورة الحج:31] ، ونقض العهد، وقطيعة الرحم، لأن الله تعالى يقول: (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) ، يعني: سوء العاقبة.
20350- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال
(1)
انظر تفسير "النقض" فيما سلف 9: 363 / 10: 125 / 14: 22.

(2)
انظر تفسير "الميثاق" فيما سلف ص: 419، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الوصل" فيما سلف 1: 415 وهذا ص: 420، تعليق: 1.

(4)
انظر تفسير "الفساد في الأرض" فيما سلف من فهارس اللغة (فسد) .

(5)
انظر تفسير "اللعنة" فيما سلف 15: 467، تعليق: 1، والمراجع هناك.

: قال ابن جريج، في قوله: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) ، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لم تمش إلى ذي رحمك برجلك ولم تعطه من مالك فقد قطعته" .
20351- حدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي عن هذه الآية: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا) [سورة الكهف:103، 104] ، أهم الحرورية؟ قال: لا ولكن الحرورية (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) ، فكان سعدٌ يسميهم الفاسقين. (1)
20352- حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت مصعب بن سعد قال: كنت أمسك على سعدٍ المصحف، فأتى على هذه الآية، ثم ذكر نحو حديث محمد بن جعفر. (2)
* * *
(1)
الأثر: 20351 - "مصعب بن سعد بن أبي وقاص" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 18776.

رواه البخاري في صحيحه من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، مطولا (الفتح 8: 323) وسيأتي مطولا في التفسير 17: 27 (بولاق) في تفسير آية سورة الكهف. رواه الحاكم في المستدرك 2: 370، من طريق "إسحاق، عن جرير، عن منصور، عن مصعب بن سعد" ، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي. ثم انظر تخريجه في غير المطبوع من الكتب، في الدر المنثور 4: 253. وسيأتي بإسناد آخر في الذي يليه.
(2)
الأثر: 20352 - هو مكرر الذي قبله من رواية أبي داود الطيالسي، عن شعبة.

القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ (26) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله يوسّع على من يَشاء من خلقه في رزقه، فيبسط له منه (1) لأن منهم من لا يُصْلحه إلا ذلك= (ويقدر) ، يقول: ويقتِّر على من يشاء منهم في رزقه وعيشه، فيضيّقه عليه، لأنه لا يصلحه إلا الإقتار= (وفرحوا بالحياة الدنيا) ، يقول تعالى ذكره: وفرح هؤلاء الذين بُسِط لهم في الدنيا من الرزق على كفرهم بالله ومعصيتهم إياه بما بسط لهم فيها، وجهلوا ما عند الله لأهل طاعته والإيمان به في الآخرة من الكرامة والنعيم.
ثم أخبر جلّ ثناؤه عن قدر ذلك في الدنيا فيما لأهل الإيمان به عنده في الآخرة وأعلم عباده قِلّته، فقال: (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) ، يقول: وما جميع ما أعطى هؤلاء في الدنيا من السَّعة وبُسِط لهم فيها من الرزق ورغد العيش، فيما عند الله لأهل طاعته في الآخرة= (إلا متاع) قليل، وشيء حقير ذاهب. (2) كما:-
20353- حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إلا متاع) قال: قليلٌ ذاهب.
20354- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
20355- ... قال: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) ، قال: قليلٌ ذاهب.
(1)
انظر تفسير "البسط" فيما سلف 5: 288 - 290 / 10: 452.

(2)
انظر تفسير "المتاع" فيما سلف: 414، تعليق: 2، والمراجع هناك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]