
19-07-2025, 08:26 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,652
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (900)
صــ 431 إلى صــ 440
20356- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله: (وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاعٌ) قال: كزاد الرّاعي يُزوِّده أهله: الكفِّ من التمر، أو الشيء من الدقيق، أو الشيء يشرَبُ عليه اللبن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويقول لك يا محمد، مشركو قومك: هلا أنزل عليك آية من ربك، إمّا ملك يكون معك نذيرًا، أو يُلْقَى إليك كنز؟ فقل: إن الله يضل منكم من يشاء أيها القوم، فيخذله عن تصديقي والإيمان بما جئته به من عند ربي= (ويَهدي إليه من أناب) ، فرجع إلى التوبة من كفره والإيمان به، فيوفقه لاتباعي وتصديقي على ما جئته به من عند ربه، وليس ضلالُ من يضلّ منكم بأن لم ينزل علي آية من ربّي ولا هداية من يهتدي منكم بأنَّها أنزلت عليّ، وإنما ذلك بيَدِ الله، يوفّق من يشاء منكم للإيمان ويخذل من يشاء منكم فلا يؤمن.
* * *
وقد بينت معنى "الإنابة" ، في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
(1) انظر تفسير "الإنابة" فيما سلف 15: 406، 454. ولقد نسي أبو جعفر رحمه الله، فإنه لم يذكر "الإنابة" في غير هذين الموضعين القريبين، ولم يذكر في تفسيرهما شيئًا من الشواهد، وكأنه لما أوغل في التفسير، وكان قد أعد له العدة، شبه عليه الأمر، وظن أن الذي سيأتي مرارًا، مضى قبل ذلك مرارًا، فقال من ذلك ما قال هنا، وقد مر مثله وأشرت إليه.
20357- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ويهدي إليه من أناب) : أي من تاب وأقبل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) }
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ويهدي إليه من أناب) بالتوبة الذين آمنوا.
* * *
و (الذين آمنوا) في موضع نصب، ردٌّ على "مَنْ" ، لأن "الذين آمنوا" ، هم "من أناب" ، ترجم بها عنها. (1)
* * *
وقوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) ، يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله، (2) كما:-
20358- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به.
* * *
وقوله: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ، يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين. (3)
(1) "الترجمة" ، البدل أو عطف البيان، وانظر ما سلف قريبًا ص: 423، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الاطمئنان" فيما سلف 15: 25، تعليق 1، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "الاطمئنان" فيما سلف 15: 25، تعليق 1، والمراجع هناك.
وقيل: إنه عنى بذلك قلوب المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
20359- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) لمحمد وأصحابه.
20360- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل (1) =
20361- وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء= عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) قال: لمحمد وأصحابه.
20362- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا سفيان بن عيينة في قوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
وقوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ، الصالحات من الأعمال، وذلك العمل بما أمرهم ربهم= (طوبى لهم) .
* * *
و "طوبى" في موضع رفع بـ "لهم" .
وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول: ذلك رفع، كما يقال في الكلام: "ويلٌ لعمرو" .
* * *
(1) كرر هذا الإسناد في المطبوعة وحدها، وقال ناشر المطبوعة الأولى، "كذا في النسخ بهذا التكرار فانظره" ، وليس مكررًا في مخطوطتنا، كأنه لم يرجع إليها.
قال أبو جعفر: وإنما أوثر الرفع في (طوبى) لحسن الإضافة فيه بغير "لام" ، وذلك أنه يقال فيه "طوباك" ، كما يقال: "ويلك" ، و "ويبك" ، ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام، لكان النصب فيه أحسنَ وأفصح، كما النصب في قولهم: "تعسًا لزيد، وبعدًا له وسُحقًا" أحسن، إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طوبى لهم) .
فقال بعضهم: معناه: نِعْم ما لهم.
ذكر من قال ذلك:
20363- حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة قال: حدثنا أبو زكريا الكلبي، عن عمر بن نافع قال: سئل عكرمة عن "طوبى لهم" قال: نعم ما لهم. (1)
20364- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن نافع، عن عكرمة في قوله: (طوبى لهم) قال: نعم ما لهم.
20365- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثني عمرو بن
(1) الأثر: 20363 - "جعفر بن محمد البروري، من أهل الكوفة" شيخ الطبري، هكذا جاء في المخطوطة، وهو ما لا أعرف. وقد مضى برقم: 9800، وذكرت هناك أني لم أجده، وكان فيما سلف: "جعفر بن محمد الكوفي المروزي" ، وذكرت أنه روى عنه في التاريخ 5: 18، وصح عندي أنه هو هو في المواضع الثلاثة، لأنه روى عنه في التاريخ قال: "حدثني جعفر بن محمد الكوفي وعباس بن أبي طالب قالا، حدثنا أبو زكريا يحيي بن مصعب الكلبي، قال حدثنا عمر بن نافع" . فهذا هو بعض إسنادنا هذا.
و "أبو زكريا الكلبي" ، هو "يحيي بن مصعب الكلبي الكوفي" ، وهو "جار الأعمش" . روى عن الأعمش حكايات، وروى عن عمر بن نافع، وهو صدوق. مترجم في الكبير 4 / 2 / 306، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 190.
و "عمر بن نافع الثقفي" ، متكلم فيه، مضى قريبًا برقم: 20229، وكان في المخطوطة هنا: "عمرو بن نافع" ، وهو فيها على الصواب في الإسناد التالي، أما المطبوعة فقد تبع خطأ المخطوطة الأول، وترك صوابها الثاني!! .
نافع قال: سمعت عكرمة، في قوله: (طوبى لهم) قال: نِعْم مَا لهم.
* * *
وقال آخرون: معناه: غبطة لهم.
*ذكر من قال ذلك:
20366- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (طوبى لهم) قال: غبطةٌ لهم.
20367- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
20368- ... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
* * *
وقال آخرون: معناه: فرحٌ وقُرَّةُ عين.
*ذكر من قال ذلك:
20369- حدثني علي بن داود والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا عبد الله قال. حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (طوبى لهم) ، يقول: فرحٌ وقُرَّة عين.
* * *
وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم.
*ذكر من قال ذلك:
20370- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (طوبى لهم) ، يقول: حسنى لهم، وهي كلمة من كلام العرب.
20371- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة. (طوبى لهم) ، هذه كلمة عربية، يقول الرجل: طوبى لك: أي أصبتَ خيرًا.
* * *
وقال آخرون: معناه: خير لهم.
ذكر من قال ذلك:
20372- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: خير لهم.
20373- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (طوبى لهم) ، قال: الخير والكرامة التي أعطاهم الله.
* * *
وقال آخرون: (طوبى لهم) ، اسم من أسماء الجنة، ومعنى الكلام، الجنة لهُم.
*ذكر من قال ذلك:
20374- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (طوبى لهم) قال: اسم الجنة، بالحبشية.
20375- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (طوبى لهم) ، قال: اسم أرض الجنة، بالحبشية.
20376- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن مشجوج في قوله: (طوبى لهم) قال: (طوبى) : اسم الجنة بالهندية.
20377- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا داود بن مهران قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن مشجوج قال: اسم الجنة بالهندية: (طوبى) . (1)
(1) الأثران: 20376، 20377 - "سعيد بن مشجوج" أو "بن مسجوح" ، أو و "ابن مسجوع" ، وهكذا جاء مختلفًا في المخطوطة، ثم في تفسير ابن كثير 4: 523، والدر المنثور 4: 59، ونسبه لابن جرير، وأبي الشيخ. ولم أجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال، مع مراجعته على وجوه التصحيف والتحريف.
ولكني وجدت في لسان العرب مادة (كرم) و (كسا) ، وفيهما قال: "سعيد بن مسحوح الشيباني" ، وفي شرح القاموس "ابن مشجوج" ونسب إليه السيرافي وابن بري شعر أبي خالد القناني الخارجي، الذي يقول في أوله: لَقَدْ زَادَ الحَيَاة إلّي حبًّا ... بَنَاتِي إنَّهن مِنَ الضعَافِ
وانظر الكامل 2: 107، هذا غاية ما وجدته، ولا أدري علاقة ما بين هذين الاسمين، وفوق كل ذي علم عليم.
20378- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن عكرمة: (طوبى لهم) قال: الجنة.
20379- ... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (طوبى لهم) قال: الجنة.
20380- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
20381- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثنى عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) ، وذلك حين أعجبته.
20382- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: (طوبى لهم) ، قال الجنة.
* * *
وقال آخرون: (طوبى لهم) : شجرة في الجنة.
*ذكر من قال ذلك:
20383- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا قرة بن خالد، عن موسى بن سالم قال: قال ابن عباس: (طوبى لهم) ، شجرة في الجنة. (1)
(1) الأثر: 20383 - "موسى بن سالم" ، مولى آل العباس، ثقة، حديثه عن ابن عباس مرسل، وروى عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 284، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 143.
20384- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة: (طوبى لهم) : شجرة في الجنة يقول لها: "تَفَتَّقي لعبدي عما شاء" ! فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها، وعن الإبل بأزمّتها، وعما شاء من الكسوة. (1)
20385- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن شهر بن حوشب قال: (طوبى) : شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها، أغصانُها من وراء سور الجنة.
20386- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها (طوبى) ، يقول اللهُ لها: تفَتَّقِي= فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور. (2)
20387- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الجبار قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء، عن شمر بن عطية، في قوله: (طوبى لهم) قال: هي شجرة في الجنة يقال لها (طوبى) .
20388- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن حسان أبي الأشرس، عن مغيث بن سُمَيّ قال: (طوبى) : شجرة في الجنة، ليس في الجنة دارٌ إلا فيها غصن منها، فيجيء
(1) الأثر: 20384 - "أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، الحملي" الأعمى، وينسب إلى جده فيقال: "أشعث بن جابر" ، وهو ثقة، يعتبر بحديثه. وقال العقيلي: في حديثه وهم. ووثقه ابن معين والنسائي وابن حبان. مضى برقم: 8358، وهو مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 429 في "أشعث بن جابر" ثم فيه 1 / 1 / 433 في "أشعث أبو عبد الله الحملي" ، وفي ابن أبي حاتم 1 / 1 / 273.
و "شهر بن حوشب" ، مضى مرارًا، وثقوه، وتكلموا فيه.
وهذا خبر موقوف على أبي هريرة. وسيأتي من طريق أخرى برقم: 20386.
(2) الأثر: 20386 - هو مكرر الأثر السالف رقم: 20384.
الطائر فيقع، فيدعوه، فيأكل من أحد جنبيه قَدِيدًا ومن الآخر شِوَاء، ثم يقول: "طِرْ" ، فيطير. (1)
20389- ... قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية، عن بعض أهل الشأم قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه، ثم دملجها بين كفيه، (2) ثم غرسها وسط أهل الجنة، ثم قال لها: امتدّي حتى تبلغي مَرْضاتي ". ففعلت، فلما استوت تفجَّرت من أصولها أنهار الجنة، وهي" طوبى "."
20390- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبًا يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها: "طوبى" ، يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ; زهرها رِيَاط، (3) وورقها بُرود (4) وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووَحَلها مسك، يخرج من أصلها أنهارُ الخمر واللبن والعسل، وهي مجلسٌ لأهل الجنة. فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربِّهم، يقودون نُجُبًا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح من حسنها، وبَرَها كخَزّ المِرْعِزَّى من لينه، (5) عليها رحالٌ ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب،
(1) الأثر: 20388 - "منصور" ، هو "منصور بن المعتمر" ، مضى مرارًا.
و "حسان أبو الأشرس" ، هو "حسان بن أبي الأشرس بن عمار الكاهلي" ، وهو "حسان بن المنذر" كنيته وكنية أبيه "أبو الأشرس" ، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 1 / 32، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 235.
و "مغيث بن سمى الأوزاعي" ، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 24، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 391
وسيأتي هذا الخبر مطولا بإسناد آخر رقم: 20392.
(2) "دملج الشيء دملجة" ، إذ سواه وأحسن صنعته، كما يدملج السوار.
(3) "الرياط" جمع "ريطة" ، وهي كل ثوب لين رقيق.
(4) "برود" ، جمع "برد" ، هو من ثياب الوشي.
(5) "المرعزي" (بكسر الميم وسكون الراء، وكسر العين وتشديد الزاي المفتوحة) ، هو الزغب الذي تحت شعر العنز، وهو ألين الصوف وميم "المرعزي" زائدة، ومادته (رعز) .
وثيابها من سندس وإستبرق، فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلِّموا عليه. قال: فيركبونها، قال: فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش نُجُبًا من غير مَهنَة، (1) يسير الرَّجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا تصيب أذُنُ راحلة منها أذُنَ صاحبتها، ولا بَرْكُ راحلة بركَ صاحبتها، (2) حتى إن الشجرة لتتنحَّى عن طرُقهم لئلا تفرُق بين الرجل وأخيه. قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيُسْفِر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وحُقَّ لك الجلال والإكرام ". قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك:" أنا السلام، ومنى السلام، وعليكم حقّت رحمتي ومحبتي، مرحبًا بعبادي الذين خَشُوني بغَيْبٍ وأطاعوا أمري ".قال: فيقولون:" ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا بالسجود قدَّامك "قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نَصَب ولا عبادة، ولكنها دارُ مُلْك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نَصَب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيّته" . فيسألونه، حتى إن أقصرهم أمنيةً ليقول: ربِّ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، رب فآتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا "فيقول الله: لقد قصّرت بك اليوم أمنيتُك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، وسأتحفك بمنزلتي، لأنه ليس في عطائي نكَد ولا تَصْريدٌ" (3) . قال: ثم يقول: "اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال" . قال: فيعرضون عليهم حتى يَقْضُوهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم بَرِاذين مقرَّنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب مُفْرَغة، في كل قبة منها فُرُش من فُرُش الجنة مُظَاهَرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، ليس في الجنة لونٌ إلا وهو فيهما، ولا ريح طيبة إلا قد عَبِقتَا به، ينفذ ضوء وجوههما غِلَظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما من دُون القُبة، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسِّلك الأبيض من ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة، أو أفضل، ويرى هولُهما مثل ذلك. ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبّلانه ويعانقانه، ويقولان له: "والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك" ، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفًّا في الجنة، حتى ينتهي كل رجُل منهم إلى منزلته التي أعدّت له. (4)
20391- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير، عن حماد قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها.
20392- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حسان بن أبي الأشرس، عن مغيث بن سمي قال: "طوبى" ، شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب قلوصًا جَذَعا أو جَذَعَة، ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هَرمًا. وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلٍّ عليهم، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلّى إليهم
(1) "المهنة" (بفتحات) جمع "ماهن" ، ويجمع على "مهان" ، نحو "كاتب، وكتبة، وكتاب" ، وهو الخادم.
(2) هكذا في المخطوطة، وفي تفسير ابن كثير "برك" ، وفي الدر المنثور "لا تزل راحلة بزل صاحبتها" ، وأنا أرجح أن الصواب: "ولا ورك راحلة ورك صاحبتها" ولكن الناسخ الأول وصل الواو بالراء، فأتى ناسخنا هذا فوصل بغير بيان ولا معرفة.
(3) في المطبوعة: "ولا قصر يد" ، وهو كلام غث بل هو عين الغثاثة. و "التصريد" في العطاء تقليله.
(4) الأثر: 20390: الفضل بن الصباح البغدادي "، شيخ الطبري ثقة، مضى برقم: 2252، 3958."
و "إسماعيل بن الكريم بن معقل الصنعاني" ، ثقة، مضى برقم: 995، 5598.
و "عبد الصمد بن معقل بن منبه اليماني" ، ثقة، روى عن عمه وهب بن منبه، مضى برقم: 995.
وقد رواه ابن كثير في التفسير 4: 524، وقال قبله: "روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا" ، ثم أتم الخبر من طريق ابن أبي حاتم، ثم قال: "وهذا سياق غريب، وأثر عجيب، ولبعضه شواهد" .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|