
19-07-2025, 08:31 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (901)
صــ 441 إلى صــ 450
فيأكلون منه ما شاؤوا، ويجيء الطير فيأكلون منه قديدًا وشواءً ما شاءوا، ثم يطير. (1)
* * *
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة.
*ذكر الرواية بذلك:
20393- حدثني سليمان بن داود القومسي قال، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد: أنه سمع أبا سَلام قال: حدثنا عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمِيّ يقول: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، في الجنة فاكهة؟ (2) قال: نعم، فيها شجرة تدعى "طوبى" ، هي تطابق الفردوس. قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك، ولكن أتيتَ الشام؟ فقال: لا يا رسول الله. فقال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجَوْزة، تنبت على ساق واحدة، ثم ينتشر أعلاها. قال: ما عِظَم أصلها؟ قال: لو ارتحلتَ جَذَعةً من إبل أهلك، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر تَرْقُوتَاهَا هَرَمًا (3) .
(1) الأثر: 20392 - "حسان بن أبي الأشرس" ، سلف برقم: 20388. و "مغيث بن سمى" ، سلف برقم 20388.
وهو مطول الأثر السالف: 20388.
(2) في المطبوعة: "إن في الجنة ..." ، وأثبت ما في المخطوطة.
(3) الأثر: 20393 - "سليمان بن داود القومسي" ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب.
و "أبو توبة" ، "الربيع بن نافع" ، ثقة مضى برقم: 3833. و "معاوية بن سلام بن أبي سلام" ، ثقة، روى له الجماعة، روى عن أبيه وجده، وأخيه زيد، مضى برقم: 16557.
وأخوه "زيد بن سلام بن أبي سلام" ثقة، روى عن جده "أبي سلام" ، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 1 / 361، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 564.
و "أبو سلام" ، هو "ممطور" الأسود الحبشي، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 16557.
و "عامر بن زيد البكالي" ، تابعي، ثقة، مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 320.
و "عتبة بن عبد السلمى" ، "أبو الوليد" ، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. مترجم في الإصابة، وأسد الغابة، والاستيعاب، والتهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 371، وابن سعد 7 / 2 / 132.
فهذا إسناد جيد، ورواه أحمد في مسنده 4: 183، 184، مطولا، من طريق "علي بن بحر، عن هشام بن يوسف، عن يحيي بن أبي كثير، عن عامر بن زيد البكالي" ، وهو إسناد صحيح أيضًا، ونقله عن المسند، ابن القيم في حادي الأرواح 1: 263، 264.
20394- حدثنا الحسن بن شبيب قال: حدثنا محمد بن زياد الجزريّ، عن فرات بن أبي الفرات، عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لهم وحسن مآب) :، شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه، نبتتْ بالحَلْيِ والحُلل، (1) وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة. (2)
20395- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن درّاجًا حدّثه أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: يا رسول الله، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها. (3)
* * *
(1) في المطبوعة، أسقط قوله "نبتت" وأثبتها من المخطوطة.
(2) الأثر: 20394 - "الحسن بن شبيب بن راشد" ، شيخ الطبري، سلف برقم: 9642، 11383، قال ابن عدي، "حدث عن الثقات بالبواطيل، ووصل أحاديث هي مرسلة" .
و "محمد بن زياد الجزري" ، لعله هو "الرقي" ، لأن الرقة معددة من الجزيرة. وهو "محمد بن زياد اليشكري الطحان، الميمون الرقي" ، وهو كذاب خبيث يضع الحديث، روى عن شيخه الميمون بن مهران وغيره الموضوعات. مترجم في التهذيب، وتاريخ بغداد 5: 279، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 258، وميزان الاعتدال 3: 60، وكان في المطبوعة "الجريري" ، غير ما في المخطوطة.
و "فرات بن أبي الفرات" ، قال ابن أبي حاتم: "صدوق، لا بأس به" ، وذكره ابن حبان في الثقات قال: "هو حسن الاستقامة والروايات" ، ولم يذكر البخاري فيه جرحًا "ولكن قال يحيي بن معين:" ليس بشيء "، وقال ابن عدي:" الضعف بيّن على رواياته "، وقال الساجي" ضعيف، يحدث بأحاديث فيها بعض المناكير ". مترجم في الكبير 4 / 1 / 129، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 80، وميزان الاعتدال 2: 316، ولسان الميزان 4: 432."
و "معاوية بن إياس المزني" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 11211، 11409. وأبوه "قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني" ، له صحبة مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 180.
وهذا خبر هالك الإسناد، وحسبه ما فيه من أمر "محمد بن زياد" ، ولم أجده عند غير الطبري.
(3) الأثر: 20395 - "عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري" ، ثقة، روى له الجماعة، سلف مرارًا، آخرها رقم: 17429.
و "دراج" ، هو "دراج بن سمعان" ، "أبو السمح" ، متكلم فيه، مضى مرارًا، آخرها رقم: 17754.
و "أبو الهيثم" ، هو "سليمان بن عمرو العتواري المصري" ثقة، مضى برقم: 1387، 5518.
وقد سلف مثل هذا الإسناد برقم 1387، وصحح هذا الإسناد أخي السيد أحمد رحمه الله. هذا، وقد نقل ابن عدي عن أحمد بن حنبل: "أحاديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، فيها ضعف" وقال ابن شاهين: "ما كان بهذا الإسناد فليس به بأس" ، ومقالة أحمد في دراج شديدة فقد نقل عنه عبد الله بن أحمد: "حديثه منكر" . وعندي أن تصحيح مثل هذا الإسناد فيه بعض المجازفة، وأحسن حاله أن يكون مما لا بأس به ومما يعتبر به.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3: 71 من طريق ابن لهيعة. عن دراج أبي السمح = ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 4: 91، من طريق أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، مطولا، وصدره "أن رجلا قال له: يا رسول الله، طوبي لمن رآك وآمن بك! قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني، فقال له رجل: وما طوبى؟" ، الحديث.
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرواية به، يجب أن يكون القولُ في رفع قوله: (طوبى لهم) خلافُ القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه. وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "طوبى" اسم شجرة في الجنة، فإذْ كان كذلك، فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في قوله: (وحسن مآب) إلا الرفع، عطفًا به على "طوبى" .
* * *
وأما قوله: (وحسن مآب) ، فإنه يقول: وحسن منقلب ; (1) كما:-
20396- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: (وحسن مآب) ، قال: حسن منقلب. (2)
(1) انظر تفسير "المآب" فيما سلف 6: 258، 259.
(2) انظر تفسير "المآب" فيما سلف 6: 258، 259.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هكذا أرسلناك يا محمد في جماعة من الناس (1) يعني إلى جماعةً= قد خلت من قبلها جماعات على مثل الذي هم عليه، فمضت (2) (لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك) ، يقول: لتبلغهم ما أرسَلْتك به إليهم من وحيي الذي أوحيته إليك= (وهم يكفرون بالرحمن) ، يقول: وهم يجحدون وحدانيّة الله، ويكذّبون بها= (قل هو ربي) ، يقول: إنْ كفر هؤلاء الذين أرسلتُك إليهم، يا محمد بالرحمن، فقل أنت: الله ربّي (لا إله إلا هو عليه توكلت والله متاب) ، يقول: وإليه مرجعي وأوبتي.
* * *
= وهو مصدر من قول القائل: "تبت مَتَابًا وتوبةً. (3) "
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
20397- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وهم يكفرون بالرحمن) . ذكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحديبية حين صالح قريشًا كتب: "هذا ما صالح عليه محمدٌ رسول الله. فقال"
(1) انظر تفسير "الأمة" فيما سلف من فهارس اللغة (أمم) .
(2) انظر تفسير "خلا" فيما سلف، 350 تعليق: 3 والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "التوبة" فيما سلف من فهارس اللغة (توب) .
مشركو قريش: لئن كنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلناك لقد ظلمناك! ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعنا يا رسول الله نقاتلهم! فقال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون إنّي محمد بن عبد الله. فلما كتب الكاتب: "بسم الله الرحمن الرحيم" ، قالت قريش: أما "الرحمن" فلا نعرفه ; وكان أهل الجاهلية يكتبون: "باسمك اللهم" ، فقال أصحابه: يا رسول الله، دعنا نقاتلهم! قال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون "."
20398- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال قوله: (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت) الآية، قال: هذا لمّا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا في الحديبية، كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم" ، قالوا: لا تكتب "الرحمن" ، وما ندري ما "الرحمن" ، ولا تكتب إلا "باسمك اللهم" .قال الله: (وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو) ، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: (وهم يكفرون بالرحمن) ، ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال) ، أي: يكفرون بالله ولو سَيَّر لهم الجبال بهذا القرآن.وقالوا: هو من المؤخر الذي معناه التقديم. وجعلوا جواب "لو" مقدَّمًا قبلها، وذلك أن الكلام
على معنى قيلهم: ولو أنّ هذا القرآن سُيَرت به الجبال أو قطعت به الأرض، لكفروا بالرحمن.
*ذكر من قال ذلك:
20399- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولو أن قرآنا سُيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) قال: هم المشركون من قريش، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكَّة، وسيَّرت جبَالها، فاحترثناها، وأحييت من مات منَّا، وقُطّع به الأرض، أو كلم به الموتى! فقال الله تعالى: (ولو أن قرآنا سُيّرت به الجبال أو قُطّعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا) .
20400- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، قول كفار قريش لمحمد: سيِّر جبالنا تتسع لنا أرضُنا فإنها ضيِّقة، أو قرب لنا الشأم فإنا نَتَّجر إليها، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم! فقال الله تعالى (1) (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) .
20401- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
20402- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه= قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير قالوا: لو فَسَحت عنّا الجبال، أو أجريت لنا الأنهار، أو كلمتَ به الموتى! فنزل ذلك= قال ابن جريج: وقال ابن عباس: قالوا: سيِّر بالقرآن الجبالَ، قطّع بالقرآن الأرض، أخرج به موتانا.
(1) قوله: "فقال الله تعالى" ، ساقطة من المخطوطة، وهي واجبة.
20403- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن كثير: قالوا: لو فسحت عنا الجبال، أو أجريت لنا الأنهار، أو كلمت به الموتى! فنزل: (أفلم ييأس الذين آمنوا) .
* * *
وقال آخرون: بل معناه: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) كلامٌ مبتدأ منقطع عن قوله: (وهم يكفرون بالرحمن) . قال: وجوابُ "لو" محذوف اسْتغنيَ بمعرفة السامعين المرادَ من الكلام عن ذكر جوابها. قالوا: والعرب تفعل ذلك كثيرًا، ومنه قول امرئ القيس:
فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ سَرِيحَةً ... وَلكِنَّهَا نَفْسٌ تَقَطَّعُ أَنْفُسَا (1)
وهو آخر بيت في القصيدة، (2) فترك الجواب اكتفاءً بمعرفة سامعه مرادَه، وكما قال الآخر: (3)
فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ ... سِوَاكَ وَلكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا (4)
* * *
*ذكر من قال نحو معنى ذلك:
(1) ديوانه: 107، وروايتهم: فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةً ... وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا
وقوله: "سريحة" ، أي معجلة في سهولة ويسر، من قولهم: "شيء سريح" ، أي سهل أو "أمر سريح" ، أي معجل.
(2) في دواوينه المنشورة، ليس هو آخر القصيدة، ولو أحسن ناشرو دواوين الشعر، لأدوا إلينا الروايات المختلفة على ترتيبها، فإن ديوان امرئ القيس المطبوع حديثًا قد أغفل ترتيب الروايات إغفالًا تامًا، مع شدة حاجتنا إلى ذلك في فهم الشعر، وفي إعادة ترتيبه. وهذا مما ابتلى الله به الشعر الجاهلي، أن يحمله إلى الناس من لا يحسنه، حتى ساء ظن الناس فيه، وأكثروا الطعن في روايته.
(3) هو امرؤ القيس.
(4) سلف البيت وتخريجه وشرحه 15: 277، 278.
20404- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال. حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، ذكر لنا أن قريشًا قالوا: إن سَرَّك يا محمد، اتباعك= أو: أن نتبعك= فسيّر لنا جبال تِهَامة، أو زد لنا في حَرَمنا حتى نتَّخذ قَطَائع نخترف فيها، (1) أو أحِي لنا فلانًا وفلانًا! ناسًا ماتوا في الجاهلية. فأنزل الله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، يقول: لو فعل هذا بقرآنٍ قبل قرآنكم لفُعِل بقرآنكم.
20405- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن كفّار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أذهب عنا جبال تِهَامة حتى نتّخذها زرعًا فتكون لنا أرضين، أو أحي لنا فلانًا وفلانًا يخبروننا: حقٌّ ما تقول! فقال الله: (ولو أن قرآنا سيرت له الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا) ، يقول: لو كان فَعل ذلك بشيء من الكتب فيما مضى كان ذلك.
20406- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال) ، الآية، قال: قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: سيّر لنا الجبالَ كما سُخِّرت لداود، أو قَطِّع لنا الأرض كما قُطعت لسليمان، فاغتدى بها شهرًا وراح بها شهرًا، أو كلم لنا الموتَى كما كان عيسى يكلمهم، يقول: لم أنزل بهذا كتابًا، ولكن كان شيئًا أعطيته أنبيائي ورسلي.
20407- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في
(1) "نخترف فيها" ، أي: نقيم فيها زمن الخريف، وذلك حين ينزل المطر، وتنبت الأرض. والذي في كتب اللغة "أخرفوا" ، أقاموا بالمكان خريفهم، وهذا الذي هنا قياس العربية نحو "ارتبع" ، و "اصطاف" .
قوله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال) ، الآية، قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فسيِّر عنا هذه الجبال واجعلها حروثًا كهيئة أرض الشام ومصر والبُلْدان، أو ابعث موتانَا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه! فقال الله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب، فيصنع ذلك بهذا القرآن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}
قال أبو جعفر: اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله (أفلم ييأس) .
فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألم يعلمْ ويتبيَّن= ويستشهد لقيله ذلك ببيت سُحَيْم بن وَثيلٍ الرِّياحيّ:
أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ (1)
ويروى: "يَيْسِرُونَني" ، فمن رواه: "ييسرونني" فإنه أراد: يقتسمونني، من "الميسر" ، كما يقسم الجزور. ومن رواه: "يأسرونني" ، فإنه أراد الأسر، وقال: عنى بقوله: "ألم تيأسوا" ، ألم تعلموا. وأنشدوا أيضًا في ذلك: (2)
أَلَمْ يَيْأَسِ الأقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ ... وَإِنْ كُنْتُ عَنْ أَرْضِ العَشِيرَةِ نَائِيَا (3)
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 332، وأساس البلاغة (يأس) ، وخرجه الأستاذ سيد صقر في مشكل القرآن: 148، وغريب القرآن: 228، واللسان (يأس) . وشرحه وبينه هنالك، وغير هذه المواضع كثير. و "زهدم" فرس سحيم فيما قالوا. ولو صحت نسبة الشعر لسحيم لكان "زهدم" فرس أبيه وثيل. وهذا الشعر ينسب إلى جابر بن سحيم، فإذا صح ذلك، صح أن "زهدم" فرس سحيم. وانظر نسب الخيل لابن الكلبي: 17، وأسماء الخيل لابن الأعرابي: 63.
(2) نسب إلى مالك بن عوف، وإلى رياح بن عدي.
(3) معجم غريب القرآن في مسائل نافع بن الأزرق، لابن عباس: 291: والقرطبي: 9: 320، وأبو حيان 5: 392، وأساس البلاغة (يأس) ، ولم أعرف الشعر.
وفسروا قوله: "ألم ييأس" : ألم يعلَم ويتبيَّن؟
* * *
وذكر عن ابن الكلبي أن ذلك لغة لحيّ من النَّخَع يقال لهم: وَهْبيل، تقول: ألم تيأس، كذا بمعنى: ألم تعلمه؟
* * *
وذكر عن القاسم ابن معن أنّها لغة هَوازن، وأنهم يقولون: "يئستْ كذا" ، علمتُ.
* * *
وأما بعض الكوفيين فكان ينكر ذلك، (1) ويزعم أنه لم يسمع أحدًا من العرب يقول: "يئست" بمعنى: "علمت" . ويقول هو في المعنى= وإن لم يكن مسموعًا: "يئست" بمعنى: علمت= يتوجَّهُ إلى ذلك إذ أنه قد أوقع إلى المؤمنين، أنه لو شاء لهدى الناس جميعا، (2) فقال: "أفلم ييأسوا علما" ، يقول: يؤيسهم العلم، فكأن فيه العلم مضمرًا، (3) كما يقال: قد يئست منك أن لا تفلح علمًا، كأنه قيل: علمتُه علمًا قال: وقول الشاعر: (4)
حَتَّى إِذَا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسُلوا ... غُضْفًا دَوَاجِنَ قَافِلا أَعْصَامُهَا (5)
معناه: حتى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن، إلا الذي ظهر لهم، أرسلوا،
(1) هو الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية، والآتي هو نص كلامه.
(2) في المطبوعة: "إن الله قد أوقع ..." ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في معاني القرآن.
(3) في معاني القرآن: "فكأن فيهم العلم" ، والصواب ما في الطبري، وهو موافق لما في اللسان (يأس) .
(4) هو لبيد.
(5) معلقته المشهورة، في صفة صيد البقرة الوحشية. يقول: أرسلوا عليها كلابًا غضف الآذان، وهي كلاب الصيد تسترخى آذانها. و "دواجن" ضاريات قد عودن الصيد. و "القافل" اليابس. و "الأعصام" ، جمع "عصام" ، وهو قلائد من أدم تجعل في أعناق الكلاب، وهي السواجير أيضًا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|