عرض مشاركة واحدة
  #903  
قديم 19-07-2025, 08:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,470
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (903)
صــ 461 إلى صــ 470





ألم أذقهم أليم العذاب، وأجعلهم عبرةً لأولي الألباب؟
* * *
و "الإملاء" في كلام العرب، (1) الإطالة، يقال منه: "أمْليَتُ لفلان" ، إذا أطلت له في المَهَل، ومنه: "المُلاوة من الدهر" ، ومنه قولهم: "تَمَلَّيْتُ حبيبًا، (2) ولذلك قيل لليل والنهار:" المَلَوَان "لطولهما، كما قال ابن مُقبل:"
أَلا يَا دِيَارَ الْحَيِّ بِالسَّبُعَانِ ... أَلَحَّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى المَلَوَانِ (3)
وقيل للخَرْقِ الواسع من الأرض: "مَلا" ، (4) كما قال الشاعر: (5)
فَأَخْضَلَ مِنْهَا كُلَّ بَالٍ وَعَيِّنٍ ... وَجِيفُ الرَّوَايَا بِالمَلا المُتَباطِنِ (6)
لطول ما بين طرفيه وامتداده.
(1)
انظر تفسير "الإملاء" فيما سلف 7: 421، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 108، 333.

(2)
في المطبوعة: تمليت حينًا "، وهو خطأ صرف."

(3)
مضى البيت وتخريجه ونسبته وشرحه فيما سلف 7: 420 تعليق رقم: 3، 4، وانظر قصيدة ابن مقبل في ديوانه الذي طبع حديثًا: 335.

(4)
انظر مجاز القرآن 1: 333.

(5)
هو الطرماح، وهو طائي.

(6)
ديوانه: 168، واضداد الأصمعي وابن السكيت: 44، 197، وأضداد ابن الأنباري: 256، واللسان (عين) ، وكان في المطبوع: "وجف الروايا" ، وجاء كذلك في بعض المراجع السالفة وفي الديوان، وهو في المخطوطة "وجيف" ، وإن كان ما بعد ذلك مضطرب الكتابة وقصيدة الطرماح هذه كما جاءت في الديوان مضطربة، سقط منها كثير، تجد بعضها في مواضع مختلفة من المعاني الكبير لابن قتيبة، يدل على سقوط أبيات قبل هذا البيت، ولم استطع أن أعرف موضع هذا البيت من قصيدته، ولذلك غمض معناه عليّ، لتعلق الضمير في "منها" بمذكور قبله لم أقف عليه، ولذلك أيضًا لا أستطيع أن أرجح أي اللفظين أحق بالمعنى "وجف" أو "وجيف" ، ولكني إلى الثانية أميل. ولغة البيت: "اخضل" ابتل. ويقال "سقاء عين" ، إذا سال منه الماء و "سقاء عين" في لغة طيئ جديد، والطرماح طائي،فهو المراد هنا. و "الوجيف" ، وضرب من سير الإبل سريع. و "الروايا" جمع "رواية" ، وهو البعير الذي يستقي عليه، يحمل مزاد الماء. و "المتباطن" ، في شرح ديوانه، المتطامن، وكذلك في أمالي أبي علي القالي 2: 7 في شرح حديث امرأة قالت: "ارم بعينك في هذا الملا المتباطن" . وعندي أن هذا التفسير في الموضعين غير جيد، وإنما هو من قولهم: "شأو بطين" ، أي بعيد واسع، ونص الزمخشري في الأساس على ذلك فقال: "تباطن المكان، تباعد" ، فهذا حق اللفظ هنا، كما نرى.

* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أفَالرَّبُ الذي هو دائمٌ لا يَبيدُ ولا يَهْلِك، قائم بحفظ أرزاق جميع الخَلْق، (1) متضمنٌ لها، عالمٌ بهم وبما يكسبُونه من الأعمال، رقيبٌ عليهم، لا يَعْزُب عنه شيء أينما كانوا، كَمن هو هالك بائِدٌ لا يَسمَع ولا يُبصر ولا يفهم شيئًا، ولا يدفع عن نفسه ولا عَمَّن يعبده ضُرًّا، ولا يَجْلب إليهما نفعًا؟ كلاهما سَواءٌ؟
* * *
وحذف الجواب في ذلك فلم يَقُل، وقد قيل (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) : ككذا وكذا، اكتفاءً بعلم السامع بما ذَكَر عما ترك ذِكْره. وذلك أنه لما قال جل ثناؤه: (وَجعلُوا لله شُرَكاء) ، عُلِمَ أن معنى الكلام: كشركائهم التي اتخذوها آلهةً. كما قال الشاعر: (2)
تَخَيَّرِي خُيِّرْتِ أُمَّ عَالِ ... بَيْنَ قَصِيرٍ شِبْرُهُ تِنْبَالِ ... أَذَاكَ أَمْ مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ ... وَلا يَزَالُ آخِرَ اللَّيالِي ...
(1)
انظر تفسير "القيام" فيما سلف 6: 519 - 521 / 7: 120 - 124. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 333.

(2)
هو القتال الكلابي.

مُتْلِفَ مَالٍ وَمُفِيدَ مَالِ (1)
ولم يقل وقد قال: "شَبْرُهُ تِنْبَال" ، (2) وبين كذا وكذا، اكتفاء منه بقوله: "أذاكَ أم منخرق السربال" ، ودلالة الخبر عن المنخرق السربال على مراده في ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20440- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد
(1)
من رجز رواه صاحب الأغاني 20: 164 في حديث طويل، أخرجه إحسان عباس فيما جمعه من شعر القتال الكلابي: 83، والتخريج في: 113، ويزاد عليه اللسان (رمل) ، مع اختلاف في روايته. "أم عال" ، هي "عالية" ، امرأة من بني نصر بن معاوية، كانت زوجة لرجل من أشراف الحي، فكان القتال ينسب بها في أشعاره، ورواية الأغاني: * تَخَيَّرِي خُيِّرْتِ في الرِّجَالِ *

لأن قبله: * لَعَلَّنَا نَطْرُقُ أُمَّ عَالِ *
وفي المطبوع: "قصير شده" ، وهو خطأ.
ويقال: "فلان قصير الشبر" ، إذا كان متقارب الخطو، وقال الزمخشري: متقارب الخلق.
ورواية الأغاني: "قصير باعه" . و "التنبال" ، القصير. وبعد هذا البيت: وَأُمُّهُ رَاعِيَةُ الجِمَالِ ... تَبِيتُ بَيْنَ القَتِّ والجِعَالِ
"منخرق السربال" ، ممزق السربال، وهو القميص، قال البكري في شرح قول ليلى الأخيلة: وَمُخَرَّقٍ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُهُ ... وَسْطَ البُيُوتِ مِنَ الحَيَاء سَقِيمَا
فيه قولان، أحدهما: أن ذلك إشارة إلى جذب العفاة له، والثاني: أنه يؤثر بجيد ثيابه فيكسوها. والأجود عندي أنهم يمدحون الرجل بأنه ملازم للأسفار والغزو، يعاقب بينهما، فلا يزال في ثياب تبلى، لأنه غير مقيم ملازم للحي، فلا يبالى أن يستجد ثيابًا، وذلك من خلائق الكرم والبأس. وبعد هذا البيت، وهو يؤيد ما قلت: كَرِيمُ عَمٍّ وَكَرِيمُ خَالِ ... متْلِفُ مَالٍ ومُفِيدُ مَالِ
وَلا تَزَالُ آخِرَ اللَّيَالِي ... قَلُوصُهُ تَعْثُرُ في النِّقَالِ
و "مفيد مال" ، مستفيد مال. ورواية اللسان: "ناقته ترمل في النقال" . و "ترمل" ، أي تسرع. و "النقال" ، المناقلة، وهي أن تضع رجليها مواضع يديها وذلك من سرعتها.
(2)
في المطبوعة هنا أيضًا: "شره" .

، عن قتادة، قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، ذلكم ربكم تبارك وتعالى، قائمٌ على بني آدمَ بأرزاقهم وآجالهم، وحَفظ عليهم والله أعمالهم. (1)
20441- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أفمَن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، قال: الله قائم على كل نفس. (2)
20442- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، يعني بذلك نفسه، يقول: هو معكم أينما كنتم، فلا يعمل عامل إلا والله حاضِرُه. ويقال: هم الملائكة الذين وُكِلوا ببني آدم. (3)
20443- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، وعلى رزقهم وعلى طعامهم، فأنا على ذلك قائم، وهم عبيدي، (4) ثم جعلوا لي شُركاء.
20444- حدثت عن الحُسَين بن فرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، فهو الله قائم على كل نفس بَرّ وفاجر، يرزقهم ويَكلؤُهم، ثم يشرك به منهم من أشرك. (5)
* * *
(1)
الأثر: 20440 - الدر المنثور 4: 64، وأسقط آخر الخبر.

(2)
من أول قوله: "قال ..." ، ساقط من المطبوعة.

(3)
الأثر: 20442 - في الدر المنثور 4: 64، واقتصر علي "يعني بذلك نفسه" . وفي المطبوعة "إلا وهو حاضر" ، غير ما في المخطوطة. وقوله: "ويقال هم الملائكة ..." ، ليس من قول ابن عباس بلا ريب، وكأنه من قول: "محمد بن سعد" ، راوي الخبر.

(4)
في المخطوطة: "فأنا على ذلك وهم عبيدي" ، أسقط "قائم" .

(5)
الأثر: 20444 - في المطبوعة أسقط من الإسناد: "بن الفرج" ، وزاد في نص الخبر فجعله "على كل نفس بر وفاجر" ، والذي أثبته مطابق لما في الدر المنثور: 4: 64.

وقوله: (وجَعَلوا لله شركاءَ قُلْ سَموهم أم تنَبِّئونه بما لا يعلم في الأرض أمْ بظاهر من القول) ، يقول تعالى ذكره: أنا القائم بأرزاق هؤلاء المشركين، والمدبِّرُ أمورهم، والحافظُ عليهم أعمالَهُمْ، وجعلوا لي شركاء من خلقي يعبدُونها دوني، قل لهم يا محمد: سمّوا هؤلاء الذين أشركتموهم في عبادة الله، فإنهم إن قالوا: آلهة فقد كذبوا، لأنه لا إله إلا الواحد القهار لا شريك له= (أم تُنَبِّؤونُه بما لا يعلم في الأرضُ) ، يقول: أتخبرونه بأن في الأرض إلهًا، ولا إله غيرُه في الأرض ولا في السماء؟
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20445- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وجعلوا لله شركاء قل سمُّوهم) ، ولو سمَّوْهم آلهةً لكذبَوا وقالوا في ذلك غير الحق، لأن الله واحدٌ ليس له شريك. قال الله: (أم تُنَبؤونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول) يقول: لا يعلم الله في الأرض إلها غيره. (1)
20446- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وجَعلوا لله شركاء قل سموهم) ، والله خلقهم.
20447- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وجعلوا لله شركاء قل سموهم) ، ولو سَمَّوهم كذبوا وقالوا في ذلك مَا لا يعلم الله، مَا من إله غير الله، (2) فذلك قوله: (أم تنبئونه لما لا يعلم في الأرض) .
* * *
(1)
الأثر: 20445 - هو تتمة الخبر السالف في الدر المنثور 4: 64.

(2)
في المطبوعة، أسقط "ما" من قوله: "ما من إله" فأفسد الكلام.

وقوله: (أم بظاهر من القول) ، مسموع، (1) وهو في الحقيقة باطلٌ لا صحة له.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم قالوا: (أم بظاهر) ، معناه: أم بباطل، فأتوا بالمعنى الذي تدل عليه الكلمة دون البيان عن حَقيقة تأويلها.
*ذكر من قال ذلك:
20448- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (بظاهر من القول) ، بظنٍّ.
20449- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
20450- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن قتادة قوله: (أم بظاهر من القول) ، والظاهر من القول: هو الباطل.
20451- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أم بظاهر من القول) ، يقول: أم بباطل من القول وكذب، ولو قالوا قالُوا الباطلَ والكذبَ.
* * *
وقوله: (بل زُيِّن للذين كفروا مكرهم) ، يقول تعالى ذكره: ما لله من شريك في السموات ولا في الأرض، ولكن زُيِّن للمشركين الذي يدعون من دونه إلهًا، (2) مَكْرُهم، وذلك افتراؤهُم وكذبهم على الله. (3)
* * *
(1)
أسقط في المطبوعة: "وقوله" ، فجعل الكلام سياقًا واحدًا.

(2)
انظر تفسير "التزيين" فيما سلف 15: 55، تعليق رقم: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "المكر" فيما سلف: 68 تعليق رقم: 2 والمراجع هناك.

وكان مجاهد يقول: معنى "المكر" ، ههنا: القول، كأنه قال: يعني قَوْلُهم بالشرك بالله. (1)
20452- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (بل زين للذين كفروا مكرهم) ، قال: قولهم.
20453- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
وأما قوله: (وصدوا عن السبيل) ، فإن القَرَأة اختلفت في قراءته.
فقرأته عامة قَرَأة الكوفيين: (وَصُدُّوا عن السَّبِيلِ) ، بضم "الصاد" ، بمعنى: وصدَّهم الله عن سبيله لكفرهم به، ثم جُعلت "الصاد" مضمومة إذ لم يُسَمَّ فاعله.
* * *
وأما عامة قرأة الحجاز والبصرة، فقرأوه بفتح "الصاد" ، على معنى أن المشركين هم الذين صَدُّوا الناس عن سبيل الله. (2)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمةٌ من القرأة، متقاربتا المعنى، وذلك أن المشركين بالله كانوا مصدودين عن الإيمان به، وهم مع ذلك كانوا يعبدون غيرهم، كما وصفهم الله به بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُون أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) . [الأنفال: 36]
* * *
(1)
في المطبوعة أسقط "يعني" .

(2)
انظر تفسير: "الصد" فيما سلف 15: 285، تعليق رقم: 1، والمراجع هناك.

وقوله (ومن يُضْلل الله فمَا لهُ من هادٍ) ، يقول تعالى ذكره: ومن أضلَّه الله عن إصابة الحق والهدى بخذلانه إياه، فما له أحدٌ يهديه لإصابتهما، لأن ذلك لا يُنَال إلا بتوفيق الله ومعونته، وذلك بيد الله وإليه دُون كل أحد سواه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، لهؤلاء الكفار الذين وَصَف صفَتَهم في هذه السورة، عذابٌ في الحياة الدنيا بالقتل والإسار والآفاتِ التي يُصيبهم الله بها= (ولعذاب الآخرة أشق) ، يقول: ولتعذيبُ الله إياهم في الدار الآخرة أشدُّ من تعذيبه إيَّاهم في الدنيا.
"وأشقّ" إنما هو "أفعلُ" من المشقَّة.
* * *
وقوله: (وما لهم من الله من وَاقٍ) ، يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء الكفار من أحدٍ يقيهم من عذاب الله إذا عذَّبهم، لا حَمِيمٌ ولا وليٌّ ولا نصيرٌ، لأنه جل جلاله لا يعادُّه أحدٌ فيقهره، (1) فيتخَلَّصَه من عذابه بالقهر، (2) ولا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، وليس يأذن لأحد في الشفاعة لمن كفر به فمات على كفره قبل التَّوبة منه.
* * *
(1)
عاده يعاده، عدادًا ومعادة "، ناهده وقارنه، و" العد "، بكسر العين، القرن، بكسر فسكون."

(2)
في المطبوعة: "فيخلصه" ، و "تخلصه" ، استنقذه.

القول في تأويل قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) }
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ العلم بكلام العرب في مُرَافع "المثل" ، (1)
فقال بعض نحويي الكوفيين: الرافع للمثل قوله: (تجري من تحتها الأنهار) ، في المعنى، وقال: هو كما تقول: "حِلْيَةُ فلان، أسمرُ كذا وكذا" فليس "الأسمر" بمرفوع بالحلية، إنما هو ابتداءٌ، أي هو أسمر هو كذا. قال: ولو دخل "أنّ" في مثل هذا كان صوابًا. قال: ومِثْلُه في الكلام: "مَثَلُك أنَّك كذا وأنك كذا" ، وقوله: (فَلْيَنْظَرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا) [سورة عبس: 24، 25] مَنْ وجَّه، (مثلُ الجنة التي وعد المتقون فيها) ، ومن قال: (أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ) ، أظهر الاسم لأنه مردودٌ على "الطعام" بالخفض، ومستأنف، أي: طَعامُهُ أنَّا صببنا ثم فعلنا. وقال: معنى قوله: (مثل الجنة) ، صفات الجنّة.
* * *
وقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: صفةُ الجنة قال: ومنه قول الله تعالى: (ولَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى) [سورة الروم:27] ، معناه: ولله الصِفة العُليَا. قال: فمعنى الكلام في قوله: (مثلُ الجنة التي وعد المتقون تجرى من تحتِها الأنهار) ، أو فيها أنهار، (2) كأنه قال: وَصْف الجنة صفة تجري من تحتها الأنهار، أو صفة فيها أنهار، والله أعلم.
(1)
في المطبوعة: "رافع" والذي في المخطوطة خالص الصواب. وانظر ما سيأتي ص: 552.

(2)
العبارة مبهمة، ويبدو لي أن صوابها بعد الآية: "صفة الجنة التي وعد المتقون، صفة جنة تجري من تحتها الأنهار، أو فيها أنهار" .

قال: ووجه آخر كأنه إذا قيل: (مَثَلُ الجنة) ، قيل: الجنَّة التي وُعِدَ المتقون. قال. وكذلك قوله: (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [سورة النمل:30] ، كأنه قال: بالله الرحمن الرحيم، والله أعلم.
قال: وقوله: (عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [سورة الزمر:56] ، في ذات الله، كأنه عندَنا قيل: في الله.
قال: وكذلك قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [سورة الشورى:11] ، إنما المعنى: ليس كشيء، وليس مثله شيء، لأنه لا مثْلَ له. قال: وليس هذا كقولك للرجل: "ليس كمثلك أحدٌ" ، لأنه يجوز أن يكون له مثلٌ، والله لا يجوز ذلك عليه. قال: ومثلُه قول لَبيد:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا (1)
قال: وفُسِّر لنا أنه أراد: السلام عليكما:
قال أوس بن حجر:
وَقَتْلَى كِرَامٍ كَمِثْلِ الجُذُوعِ ... تَغَشَّاهُمُ سَبَلُ مُنْهِمرْ (2)
قال: والمعنى عندنا: كالجذوع، لأنه لم يرد أن يجعل للجذوع مَثَلا ثمّ يشبه القتلى به. قال: ومثله قول أمية:
زُحَلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ ... وَالنَّسْرُ لِلأخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصِدُ (3)
(1)
سلف البيت وتخريجه وشرحه 1: 119، تعليق 1 / 14: 417، تعليق: 1، وعجزه: * وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ *

(2)
سيأتي البيت بعد 25: 9 (بولاق) ، وروايته هناك: "مُسْبِلٌ" ، وكان في المطبوعة: "سيل" ، تصحيف، و "السبل" ، بالتحريك، المطر.

(3)
سلف البيت: 1: 345، وهناك "رجل وثور" ، ورجحت أنها "رجل" ، لما جاء في الخبر قبله رقم: 448.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]