
19-07-2025, 08:47 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,053
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (906)
صــ 491 إلى صــ 500
20511- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وعنده أم الكتاب) يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب: الناسخُ والمنسوخ، وما يبدّل، وما يثبت، كلُّ ذلك في كتاب.
* * *
وقال آخرون في ذلك، ما:
20512- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سيَّار، عن ابن عباس، أنه سأل كعبًا عن "أم الكتاب" قال: علم الله ما هو خَالقٌ وما خَلْقُه عاملون، فقال لعلمه: كُنْ كتابًا، فكان كتابًا. (1)
* * *
وقال آخرون: هو الذكر.
*ذكر من قال ذلك:
20513- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج= قال أبو جعفر: لا أدري فيه ابن جريج أم لا = قال: قال ابن عباس: (وعنده أم الكتاب) قال: الذكر.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ من قال: "وعنده أصل الكتاب وجملته، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحُو ما يشاء ويثبت"
(1) 20512 - "سيار" ، مولى خالد بن يزيد بن معاوية، روى عن أبي الدرداء، وابن عباس، وأبي أمامة. روى عنه سليمان التيمي، وذكره ابن حبان في الثقات: "سيار بن عبد الله" ، قال ابن حجر: "لم نجد من سمى أباه عبد الله غير ابن حبان" .
وهو مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 2 / 2 / 161، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 254، ولم يذكرا فيه جرحًا.
وكان في المطبوعة وحدها: "شيبان" .
والخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 68، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، ونقله ابن كثير في تفسيره 4: 538، وفي جميعها "سيار" ، وهو الصواب.
ما يشاء، ثم عقَّب ذلك بقوله: (وعنده أم الكتاب) ، فكان بيِّنًا أن معناه. وعنده أصل المثبّت منه والمَمحوّ، وجملتُه في كتاب لديه.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ويثبت) فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة: "وَيُثَبِّتُ" بتشديد "الباء" بمعنى: ويتركه ويقرُّه على حاله، فلا يمحوه.
* * *
وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: (وَيُثْبِتُ) بالتخفيف، بمعنى: يكتب.
* * *
وقد بيَّنَّا قبلُ أن معنى ذلك عندنا: إقرارُه مكتوبًا وتركُ محْوه على ما قد بيَّنَّا، فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيتُ به أولى، والتشديدُ أصْوبُ من التخفيف، وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد، والتشديد إلى التخفيف، لتقارب معنييهما.
* * *
وأما "المحو" ، فإن للعرب فيه لغتين: فأما مُضَر فإنها تقول: "محوت الكتَابَ أمحُوه مَحْوًا" وبه التنزيل= "ومحوته أمْحَاه مَحْوًا" .
وذُكِر عن بعض قبائل ربيعة: أنها تقول: "مَحَيْتُ أمْحَى" . (1)
(1) هذه اللغة منسوبة في اللسان وغيره إلى طيئ أيضًا، و "أمحى" ، بفتح الحاء. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 334، وما سلف: 484، تعليق: 2.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإما نرينك، يا محمد في حياتك بعضَ الذي نعدُ هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم= أو نتوفيَنَّكَ قبل أن نُريَك ذلك، فإنما عليك أن تنتهِيَ إلى طاعة ربك فيما أمرك به من تبليغهم رسالتَه، لا طلبَ صلاحِهم ولا فسادهِم، وعلينا محاسبتهم، فمجازاتهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) }
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: أولم ير هؤلاء المشركون مِنْ أهل مكة الذين يسألون محمدًا الآيات، أنا نأتي الأرض فنفتَحُها له أرضًا بعد أرض حَوَالَيْ أرضهم؟ أفلا يخافون أن نفتح لَهُ أرضَهم كما فتحنا له غيرها؟
*ذكر من قال ذلك:
20514- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض؟ (2)
(1) انظر مراجع ألفاظ هذه الآية في فهارس اللغة.
(2) الأثر: 20514 - "الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، شيخ الطبري، مضى مرارًا، آخرها قريبًا رقم: 20411.
و "محمد بن الصباح الدولابي" ، أبو جعفر البزاز البغدادي، ثقة روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 118، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 289، وتاريخ بغداد 5: 365.
20515- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، يعني بذلك: ما فتح الله على محمد. يقول: فذلك نُقْصَانها.
20516- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك قال: ما تغلَّبتَ عليه من أرضِ العدوّ.
20517- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: كان الحسن يقول في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، هو ظهور المسلمين على المشركين. (1)
20518- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، يعنى أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يُنْتَقَصُ له ما حوله من الأرَضِين، ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون قال الله في "سورة الأنبياء" : (نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ) [سورة الأنبياء:44] ، بل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الغالبون.
* * *
وقال آخرون: بل معناه: أولم يروا أنا نأتي الأرض فنخرِّبها، أو لا يَخَافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرِّب أرضهم؟
*ذكر من قال ذلك:
20519- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (أنا نأتي الأرض ننقصها
(1) في المطبوعة: "فهو ظهور" .
من أطرافها) ، قال: أولم يروا إلى القرية تخربُ حتى يكون العُمْران في ناحية؟ (1)
20520- ... قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن الأعرج، أنه سمع مجاهدًا يقول: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: خرابُها.
20521- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن الأعرج، عن مجاهد مثله= قال: وقال ابن جريج: خرابُها وهلاك الناس.
20522- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي جعفر الفرَّاء، عن عكرمة قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: نخرِّب من أطرافها. (2)
* * *
وقال آخرون: بل معناه: ننقص من بَرَكتها وثَمرتها وأهلِها بالموت.
*ذكر من قال ذلك:
20523- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ننقصها من أطرافها) يقول: نقصان أهلِها وبركتها.
20524- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: (ننقصها من أطرافها) ، قال: في الأنفس وفي الثمرات، وفي خراب الأرض.
(1) الأثر: 20519 - "علي بن عاصم بن صهيب الواسطي" ، متكلم فيه لغلطه ثم لجاجه، مضى برقم: 5427.
و "حصين بن عبد الرحمن السلمي" ، مضى مرارًا كثيرة، آخرها رقم: 17237.
(2) الأثر: 20522 - "أبو جعفر الفراء" ، كوفي، مختلف في اسمه قيل "كسيان" ، وقيل "سلمان" ، وقيل "زيادة" ، ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 4 / 1 / 234، وابن أبي حاتم 3 /2 / 166، وابن سعد في طبقاته 6: 230، والكنى والأسماء للدولابي 1: 134، 135، وفي التاريخ الكبير، وفي إحدى نسخ ابن أبي حاتم "القراد" بالقاف والدال، وهذا مشكل، والأرجح "الفراء" . وانظر العلل لأحمد 1: 104، 360، خبر له هناك.، وفيه "الفراء" أيضًا.
20525- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن طلحة القناد، عمن سمع الشعبي قال: لو كانت الأرض تُنْقَص لضَاق عليك حُشَّك، (1) ولكن تُنْقَص الأنفُس والثَّمرات.
* * *
وقال آخرون: معناه: أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها، فنتطرَّفهم بأخذهم بالموت. (2)
*ذكر من قال ذلك:
20526- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ننقصها من أطرافها) ، قال: موت أهلها.
20527- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: الموت. (3)
20528- حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هارون النحوي قال: حدثنا الزبير بن الخِرِّيت عن عكرمة، في قوله: (ننقصها من أطرافها) ، قال: هو الموت. ثم قال: لو كانت الأرض تنقص لم نجد مكانًا نجلسُ فيه. (4)
20529- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: كان عكرمة يقول: هو قَبْضُ الناس.
(1) "الحش" البستان، والمتوضأ، حيث يقضي المرء حاجته. وانظر ما سلف 15: 518، تعليق: 2. ثم انظر الخبر رقم: 20531.
(2) يعني بقولهم: "نتطرفهم" ، أي نأخذ من أطرافهم ونواحيهم، وهو عربي جيد.
(3) الأثر: 20527 - "يحيى، هو" يحيى بن سعيد القطان "، مضى مرارًا."
و "سفيان" ، هو الثوري، مضى مرارًا.
(4) الأثر: 20528 - "هارون النحوي" ، هو "هارون بن موسى النحوي" ، سلف مرارا.
و "الزبير بن الخريت" ، سلف قريبًا رقم: 20410، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا وهناك: "الزبير بن الحارث" ، وهو خطأ.
20530- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: سئل عكرمة عن نقص الأرض قال: قبضُ الناس.
20531- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة في قوله: (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: لو كان كما يقولون لما وجَد أحدكم جُبًّا يخرَأ فيه.
20532- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: الموت.
* * *
وقال آخرون: (ننقُصها من أطرافها) بذهاب فُقَهائها وخِيارها.
*ذكر من قال ذلك:
20533- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها. (1)
20534- قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد الوهاب، عن مجاهد قال: موتُ العلماء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ من قال: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليها وقَهْرِهم أهلها، أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظُهورَهم
(1) الأثر: 20532 - رواه الحاكم في المستدرك 2: 350، من طريق الثوري عن طلحة بن عمرو، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، وتعقبه الذهبي، فقال: "طلحة بن عمرو" ، قال أحمد: "متروك" .
على أرْضِهم وقَهْرَهم إياهم؟ وذلك أن الله توعَّد الذين سألوا رسولَه الآيات من مشركي قومه بقوله: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ وَعَليْنَا الْحِسَابُ) ، ثم وبَّخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضُرَبائهم من الكفار، وهم مع ذلك يسألون الآيات، فقال: (أولم يرَوْا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) بقهر أهلها، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها، (1) وهم لا يعتبرون بما يَرَوْن من ذلك.
* * *
وأما قوله: (والله يحكُم لا مُعَقّب لحكمه) ، يقول: والله هو الذي يحكم فيَنْفُذُ حكمُه، ويَقْضي فيَمْضِي قضاؤه، وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حُكْم الله وقضاؤُه لم يستطيعوا رَدَّهَ. ويعني بقوله: (لا معقّب لحكمه) : لا راد لحكمه،
* * *
"والمعقب" ، في كلام العرب، هو الذي يكرُّ على الشيء. (2)
* * *
وقوله: (وهو سريع الحساب) ، يقول: والله سريع الحساب يُحْصي أعمال هؤلاء المشركين، لا يخفى عليه شيء، وهو من وراءِ جزائهم عليها. (3)
(1) انظر تفسير "الطرف" فيما سلف 7: 192.
(2) انظر تفسير مادة (عقب) فيما سلف من فهارس اللغة. ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 334.
(3) انظر تفسير "سريع الحساب" فيما سلف من فهارس اللغة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قَبْل هؤلاء المشركين من قُرَيشٍ من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورُسله (فلله المكر جميعًا) ، يقول: فلله أسبابُ المكر جميعًا، وبيده وإليه، لا يضرُّ مكرُ من مَكَر منهم أحدًا إلا من أراد ضرَّه به، يقول: فلم يضرَّ الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضرَّه ذلك، وإنما ضرُّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربَّهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم، ونجَّى رُسُلَه: يقول: فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك، يا محمد، والله منَجّيك من مكرهم، ومُلْحِقٌ ضُرَّ مكرهم بهم دونك. (1)
وقوله: (يعلم ما تكسب كلّ نفس) ، يقول: يعلم ربك، يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، وما يسعون فيه من المكر بك، ويعلم جميعَ أعمال الخلق كلهم، لا يخفى عليه شيء منها (2) = (وسيعلَم الكفار لمن عقبى الدار) ، يقول: وسيعلمون إذا قَدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار، ويدخلُ المؤمنون بالله ورسوله الجَنَّة. (3)
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأته قرأة المدينة وبعضُ البَصْرة: "وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُ" على التوحيد. (4)
* * *
(1) انظر تفسير "المكر" فيما سلف: 466، تعليق: 3،والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الكسب" فيما سلف من فهارس اللغة.
(3) انظر تفسير "العقبى" فيما سلف قريبًا: 472، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(4) في المطبوعة: "بعض أهل البصرة" ، زاد في الكلام ما يستقيم بإسقاطه وبإثباته.
وأما قرأة الكوفة فإنهم قرءوه: (وَسَيَعْلَمُ الكُفَّار) ، على الجمع.
* * *
قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، القراءةُ على الجميع: (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم، وأتبع بعَده الخبر عنهم، وذلك قوله: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) وبعده قوله: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا) . وقد ذُكر أنها في قراءة ابن مسعود: "وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُونَ" ، وفى قراءة أبيّ: "(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)" وذلك كله دليلٌ على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره ويقول الذين كفروا بالله من قومك يا محمد لست مرسلا! تكذيبا منهم لك، وجحودًا لنبوّتك، (1) فقل لهم إذا قالوا ذلك: (كفى بالله) ، يقول: قل حَسْبي الله (2) (شهيدًا) ، يعني شاهدًا (3) = (بيني وبينكم) ، عليّ وعليكم، بصدقي وكذبكم= (ومن عنده علمُ الكتاب)
* * *
فـ "مَنْ" إذا قرئ كذلك في موضع خفضٍ عطفًا به على اسم الله،
(1) انظر تفسير "الرسالة" فيما سلف من فهارس اللغة.
(2) انظر تفسير "كفى" فيما سلف 8: 429.
(3) انظر تفسير "الشهيد" فيما سلف من فهارس اللغة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|