عرض مشاركة واحدة
  #919  
قديم 20-07-2025, 11:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,122
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ إبراهيم
الحلقة (919)
صــ 26 إلى صــ 36





عن الحكم، عن عكرمة وعطاء وطاوس (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا سعيد، عن الحكم، قال: سألت عطاء وطاوسا وعكرمة، عن قوله (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) قالوا: الحج.
حدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة وعليّ بن الجعد، قالا أخبرنا سعيد، عن الحكم، عن عطاء وطاوس وعكرمة في قوله (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) قال: هواهم إلى مكة أن يحجوا.
حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سألت طاوسا وعكرمة وعطاء بن أبي رباح، عن قوله (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) فقالوا: اجعل هواهم الحجّ.
حدثنا الحسن، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو كان إبراهيم قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجه اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) قال: تنزع إليهم.
حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قالا أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: إنما دعا لهم أن يهووا السكنى بمكة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) قال: إن إبراهيم خليل الرحمن سأل الله أن يجعل أناسا من الناس يَهْوون سكنى أو سَكْن مكة.
وقوله (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ) يقول تعالى ذكره: وارزقهم من ثمرات النبات والأشجار ما رزقت سكان الأرياف والقرى التي هي ذوات المياه والأنهار، وإن كنت أسكنتهم واديا غير ذي زرع ولا ماء. فرزقهم جلّ ثناؤه ذلك.
كما حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: قرأت على محمد بن مسلم الطائفي أن إبراهيم لما دعا للحرم (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) نقل
الله الطائف من فلسطين.
وقوله (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) يقول: ليشكروك على ما رزقتهم وتنعم به عليهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (38) }
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استشهاد خليله إبراهيم إياه على ما نوى وقصد بدعائه وقيله (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) ... الآية، وأنه إنما قصد بذلك رضا الله عنه في محبته أن يكون ولده من أهل الطاعة لله، وإخلاص العبادة له على مثل الذي هو له، فقال: ربنا إنك تعلم ما تخفي قلوبنا عند مسألتنا ما نسألك، وفي غير ذلك من أحوالنا، وما نعلن من دعائنا، فنجهر به وغير ذلك من أعمالنا، وما يخفى عليك يا ربنا من شيء يكون في الأرض ولا في السماء، لأن ذلك كله ظاهر لك متجل باد، لأنك مدبره وخالقه، فكيف يخفى عليك.
القول في تأويل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) }
يقول: الحمد لله الذي رزقني على كبر من السنّ ولدا إسماعيل وإسحاق (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) يقول: إن ربي لسميع دعائي الذي أدعوه به، وقولي (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) وغير ذلك من دعائي ودعاء غيري، وجميع ما نطق به ناطق لا يخفى عليه منه شيء.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن ضرار بن مرّة، قال: سمعت شيخا يحدّث سعيد بن جبير، قال: بُشر إبراهيم بعد سبع عشرة ومئة سنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) }
يقول: ربّ اجعلني مؤدّيا ما ألزمتني من فريضتك التي فرضتها عليّ من الصلاة. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) يقول: واجعل أيضا من ذريتي مقيمي الصلاة لك. (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) يقول: ربنا وتقبل عملي الذي أعمله لك وعبادتي إياك. وهذا نظير الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الدُّعاءَ هُوَ العبادَةُ" ثم قرأ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) }
وهذا دعاء من إبراهيم صلوات الله عليه لوالديه بالمغفرة، واستغفار منه لهما. وقد أخبر الله عز ذكره أنه لم يكن (اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) .
وقد بيَّنا وقت تبرّئه منه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.
وقوله (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) يقول: وللمؤمنين بك ممن تبعني على الدين الذي أنا عليه، فأطاعك في أمرك ونهيك. وقوله (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) يعني: يقوم الناس للحساب، فاكتفى بذكر الحساب من ذكر الناس، إذ كان مفهوما معناه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) }
{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ) يا محمد (غَافِلا) ساهيا (عَمَّا يَعْمَلُ) هؤلاء المشركون من قومك، بل هو عالم بهم وبأعمالهم محصيًا عليهم، ليجزيهم جزاءهم في الحين الذي قد سبق في علمه أن يجزيهم فيه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عليّ بن ثابت، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران في قوله (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَ) قال: هي وعيد للظالم وتعزية للمظلوم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) }
يقول تعالى ذكره: إنما يؤخر ربك يا محمد هؤلاء الظالمين الذين يكذّبونك ويجحَدون نبوّتك، ليوم تشخص فيه الأبصار. يقول: إنما يؤخِّر عقابهم وإنزال العذاب بهم، إلى يوم تشخص فيه أبصار الخلق، وذلك يوم القيامة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ) شخصت فيه والله أبصارهم، فلا ترتدّ إليهم.
وأما قوله (مُهْطِعِينَ) فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: مسرعين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيد المؤدّب، عن سالم، عن سعيد بن جبير (مُهْطِعِينَ) قال: النَّسَلان، وهو الخبب، أو ما دون الخبب، شكّ أبو سعيد، يخبون وهم ينظرون.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (مُهْطِعِينَ) قال: مسرعين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مُهْطِعِينَ) يقول: منطلقين عامدين إلى الداعي.
وقال آخرون: معنى ذلك: مديمي النظر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (مُهْطِعِينَ) يعني بالإهطاع: النظر من غير أن يطرف.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى (مُهْطِعِينَ) فقيل: الإهطاع: التحميج الدائم الذي لا يَطْرَف.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم بن حَدْلَم، عن أبيه، في قوله (مُهْطِعِينَ) قال:
الإهطاع: التحميج.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك (مُهْطِعِينَ) قال: شدة النظر الذي لا يطرف.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو، قال: أخبرنا هُشَيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله (مُهْطِعِينَ) قال: شدة النظر في غير طَرْف.
حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (مُهْطِعِينَ) الإهطاع: شدة النظر في غير طَرْف.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُهْطِعِينَ) قال: مُديمي النظر.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا يرفع رأسه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (مُهْطِعِينَ) قال: المهطع الذي لا يرفع رأسه. والإهطاع في كلام العرب بمعنى الإسراع أشهر منه: بمعنى إدامة النظر، ومن الإهطاع بمعنى الإسراع، قول الشاعر:
وبِمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأنَّ زِمامَهُ ... في رأسِ جذْعٍ مِنْ أوَال مُشَدَّبِ (1)
(1)
البيت أنشده ابن بري في (اللسان: أول. ونسبه لأنيف بن جبلة. وروايته فيه: أمَّا إذا اسْتَقْبَلْتَهُ فَكأنَّهُ ... للْعَيْنِ جِذْعٌ مِنْ أوَالَ مُشَدَّبُ

وفي معجم ما استعجم للبكري: أول قرية بالبحرين، وقيل جزيرة، فإن كانت قرية فهي من قرى السيف (بكسر السين) يشهد لذلك قول ابن مقبل، وكأنها سفن بسيف أوال. والمهطع: (كما في اللسان) الذي يديم النظر مع فتح العينين. وقيل: الذي يقبل على الشيء ببصره، فلا يرفعه عنه. والمهطع أيضا: المسرع الخائف، لا يكون إلا مع خوف. وقد فسر بالوجهين جميعا قوله تعالى: (مهطعين إلى الداع) أهـ. وقال في سرح: خيل سرح، ناقة سرح في سيرها: أي سريعة، وأورده المؤلف وأبو عبيدة في مجاز القرآن (1 - 342) شاهدا على أن المهطع: المسرع.
وقول الآخر:
بمُسْتَهطعٍ رَسْلٍ كأنَّ جَدِيلَهُ ... بقَيْدُومِ رَعْنٍ مِنْ صَوَامٍ مُمَنَّعُ (1)
وقوله (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) يعني رافعي رءوسهم. وإقناع الرأس: رفعه، ومنه قول الشماخ:
يُباكِرْنَ العِضَاةَ بمُقْنَعاتٍ ... نَوَاجِذُهُنَّ كالحِدَإِ الوَقيعِ (2)
يعني: أنهنّ يباكرن العضاة برؤسهن مرفوعات إليها لتتناول منها، ومنه أيضا قول الراجز:
أنْغَضَ نحْوِي رأسَهُ وأقْنَعا ... كأنمَا أبْصَرَ شيْئا أطْمَعا (3)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال:
(1)
أورده صاحب أساس البلاغة (هطع) قال: وهو في صفة ثور، وممتع: بالتاء: أي طويل، من الماتع. وفيه "رضام، في محل: صوام. وفي (اللسان: قدم) قال: وقيدوم الجبل: أنف يتقدم منه، وأنشد البيت وقال: صوام (كسحاب) اسم جبل. وقيدوم كل شيء: مقدمه وصدره. والمتهطع: كالمهطع، وهو المسرع، ورسل: سهل فيه لين. والجديل: حبل مفتول من أدم أو شعر، يكون في عنق البعير أو الناقة، والجمع: جدل. والجديل أيضا: الزمام المجدول من أدم. والرعن: أنف الجبل، وصوام (كسحاب) : جبل قاله البكري وصاحب اللسان والممنع بالنون: المرتفع الذي لا يرتقي. وفي مجاز القرآن: الرسل: الذي لا يكلفك شيئا. بقيدوم: قدام. ورعن الجبل: أنفه، وصؤام (بضم الصاد وهمز الواو) لم أجده كذلك، وإنما هو صوام، بفتح الصاد وبالواو، بوزن سحاب."

(2)
البيت للشماخ بن ضرار (ديوانه ص 56) والرواية فيه: يبادرن في موضع يباكرن، وهما بمعنى. قال شارحه: يبادرن من المبادرة، والعضاه: جمع عضاهة. وهي أعظم الشجر. والمقنعات: جمع مقنع: يريد أفواه الإبل. والنواجذ: أقصى الأضراس. والحدأ: جمع حدأة، وهي فأس ذات رأسين. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: (1 - 343) في تفسير "مقنعي رءوسهم" مجازه: رافعي رءوسهم. وأنشد بيت الشماخ ثم قال: أي برءوس مرفوعة إلى العضاه، ليتناولن منه. والعضاه: كل شجرة ذات شوك. ونواجذهن: أضراسهن والحدأ: الفأس، وأراد الذي ليس له خلف، وجمعها: حدأ. والوقيع المرققة المحددة، يقال: وقع حديدتك. والمطرقة يقال لها ميقعة. وفي (اللسان: حدأ) : الحدأ: شبه فاس تنقر به الحجارة، وهو محدد الطرف. والحدأة: الفأس ذات الرأسين، والجمع حدأ، كقصبة وقصب، وقال: شبه أسنانها بفئوس قد حددت.

(3)
أنغض رأسه: حركة كالمتعب. وأقنعه: رفعه. يقول: هز رأسه نحوي، ورفعه يتأملني كما يتأمل شيئا فيه مطمع له. وهو كالذي قبله شاهد على أن الإقناع: هو الرفع.

الإقناع: رفع رءوسهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحسين بن محمد، قال: ثنا ورقاء، وقال الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: رافعيها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن أبي سعد، قال: قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد.
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عثمان بن الأسود، أنه سمع مجاهدا يقول في قوله (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: رافع رأسه هكذا، (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) .
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر عن الضحاك، في قوله (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: رافعي رءوسهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: الإقناع رفع رءوسهم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: المقنع الذي يرفع رأسه شاخصا بصره لا يطرف.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: رافعيها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: المقنع الذي يرفع رأسه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: رافعي رءوسهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيد، عن سالم، عن سعيد (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) قال: رافعي رءوسهم.
وقوله (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) يقول: لا ترجع إليهم لشدّة النظر أبصارهم.
كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: شاخصة أبصارهم.
وقوله (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: متخرقه لا تعي من الخير شيئا.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرّة، في قوله (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: متخرقة لا تعي شيئا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا مالك بن مغول، عن أبي إسحاق، عن مرّة بمثل ذلك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مرّة، مثله.
حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مرّة، مثله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرّة (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: متخرقة لا تعي شيئا من الخير.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا مالك، يعني ابن مغول، قال: سمعت أبا إسحاق، عن مرّة إلا أنه قال: لا تعي شيئا. ولم يقل من الخير.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مرّة، مثله.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مالك بن مغول، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن مرّة (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال أحدهما: خربه، وقال الآخر: متخرقة لا تعي شيئا.
حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: ليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ليس من الخير شيء في أفئدتهم، كقولك للبيت الذي ليس فيه شيء إنما هو هواء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قوله (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: الأفئدة: القلوب هواء كما قال الله، ليس فيها عقل ولا منفعة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي بكرة، عن أبي صالح (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: ليس فيها شيء من الخير.
وقال آخرون: إنها لا تستقرّ في مكان تردّد في أجوافهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا حدثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: تمور في أجوافهم، ليس لها مكان تستقرّ فيه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيد، عن سالم، عن سعيد بنحوه.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرجت من أماكنها فنشبت بالحلوق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن إسرائيل، عن سعيد، عن مسروق عن أبي الضحى (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: قد بلغت حناجرهم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) قال: هواء ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) انتزعت حتى صارت في حناجرهم لا تخرج من أفواههم، ولا تعود إلى أمكنتها.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معناه: أنها خالية ليس فيها شيء من الخير، ولا تعقل شيئا، وذلك أن العرب تسمي
كلّ أجوف خاو: هواء، ومنه قول حسَّان بن ثابت:
ألا أبْلِغْ أبا سُفْيانَ عَنّي ... فأنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَوَاءُ (1)
ومنه قول الآخر:
وَلا تَكُ مِنْ أخْدانِ كُلّ بِراعةٍ ... هَوَاءٍ كَسَقْبِ البانِ جُوفٍ مَكاسِرُهْ (2)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ (44) }
يقول تعالى ذكره: وأنذر يا محمد الناس الذين أرسلتك إليهم داعيا إلى الإسلام ما هو نازل بهم، يوم يأتيهم عذاب الله في القيامة. (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) يقول: فيقول الذين كفروا بربهم، فظلموا بذلك أنفسهم (رَبَّنَا أَخِّرْنَا) أي أخِّر عنا عذابك، وأمهلنا (إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ) الحقّ، فنؤمن بك، ولا نشرك بك شيئا، (وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) يقولون: ونصدّق رسلك فنتبعهم على ما دعوتنا إليه من طاعتك واتباع أمرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ)
(1)
البيت لحسان، كما في الديوان ص 7، وأبو سفيان: هو المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يهجو النبي قبل أن يسلم، والمجوف: الخالي الجوف، يريد به الجبان، وكذلك النخب والهواء، وقال في اللسان: النخب: الجبان، كأنه منتزع الفؤاد، أي لا فؤاد له. وقال في هوى: والهواء والخواء واحد. وأورد البيت كرواية المؤلف.

(2)
البيت في (اللسان: يرع) كرواية المؤلف. ونسبه ابن بري لكعب الأمثال (؟) وقال قبله: البراعة والبراع: الجبان الذي لا عقل له ولا رأي، مشتق من القصب أهـ: أي على التشبيه بالقصب الأجوف، والهواء: الجبان المنتزع الفؤاد. والبان: شجر يسمو ويطول في استواء وليس لخشبة صلابة، والسقب: عمود الخباء، وإذا اتخذ من شجر البان فإنه لا يحتمل لقلة صلابته، وجوف جمع أجوف، والمكاسر: مواضع الكسر، أي إذا كسر بان أنه أجوف ضعيف الاحتمال.

قال: يوم القيامة (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) قال: مدّة يعملون فيها من الدنيا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ) يقول: أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب.
وقوله (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) رفع عطفا على قوله (يَأْتِيهِمُ) في قوله (يَأْتِيهِمُ العَذَابُ) وليس بجواب للأمر، ولو كان جوابا لقوله (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) جاز فيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر:
يا نَاقَ سِيرِي عَنقَا فَسِيحا ... إلى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحا (1)
والرفع على الاستئناف. وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب في جواب الأمر بالفاء، قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علَّم معاذا وأصحابه.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) }
وهذا تقريع من الله تعالى ذكره للمشركين من قريش، بعد أن دخلوا النار بإنكارهم في الدنيا البعث بعد الموت، يقول لهم: إذ سألوه رفع العذاب عنهم، وتأخيرهم لينيبوا ويتوبوا (أَوَلَمْ تَكُونُوا) في الدنيا (أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) يقول: ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، وإنكم إنما تموتون، ثم لا تبعثون.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ) كقوله (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
(1)
هذا البيت من شواهد النحويين وهو لأبي النجم العجلي يخاطب ناقته في سيره إلى سليمان بن عبد الملك. وناق: منادي مرخم، أي يا ناقة، وعنقا: منصوب على أنه نائب عن المصدر، أي صفة مصدر محذوف، أي سيراد عنقا، وهو ضرب من سير الدابة والإبل، وهو سير مسيطر، قال أبو النجم ... وأنشد البيت، والفسيح: الواسع. نعت. والشاهد في "فنستريحا" حيث نصب، لأنه جواب الأمر بالفاء، وهذا بلا خلاف إلا ما نقل عن العلاء بن سيابة، أنه كان لا يجيز ذلك، وهو محجوج به. (انظر فرائد القلائد للعيني: باب إعراب الفعل) . وقال الفراء في معاني القرآن: (الورقة 164) ، وقوله "يأتيهم العذاب فيقول" : رفع، تابع ليأتيهم، وليس بجواب الأمر، ولو كان جوابا لجاز نسبه ورفعه، كما قال الشاعر: يا ناق.... البيت. والرفع عن الاستئناف والأتناف بالفاء في جواب الأمر حسن. وكان شيخ لنا يقال له العلاء بن سيابة، وهو الذي علم معاذا الهراء وأصحابه، يقول: لا أنصب بالأمر.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]