
20-07-2025, 03:57 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النحل
الحلقة (937)
صــ 211 إلى صــ 220
نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بالنَّارِ جارَهُمُ ... وَهَلْ يُعَذِّبُ إلا اللَّهُ بالنَّارِ (1)
فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر، وأنزلنا إليك الذكر. والبينات: هي الأدلة والحجج التي أعطاها الله رسله أدلة على نبوّتهم شاهدة لهم على حقيقة ما أتوا به إليهم من عند الله. والزُّبُر: هي الكتب، وهي جمع زَبُور، من زَبَرْت الكتاب وذَبَرته: إذا كتبته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) قال: الزبر: الكتب.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) قال: الآيات. والزبر: الكتب.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الزُّبُر: الكتب.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (بالزُّبُر) يعني: بالكتب.
وقوله (وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) يقول: وأنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم، (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) يقول: لتعرفهم ما أنزل إليهم من ذلك (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) يقول: وليتذكروا فيه ويعتبروا به أي بما أنزلنا إليك، وقد حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا الثوري، قال: قال مجاهد (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) قال: يطيعون.
(1) هذا البيت كسابقه: شاهد على أن قوله "بالنار" من صلة الفعل "يعذب" وما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها، فأخره ونوى كلامين، فيكون "بالنار" من صلة "يعذب" المحذوف. والتقدير: وهل يعذب إلا الله، يعذب بالنار. والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (172) .
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) }
يقول تعالى ذكره: أفأمن الذين ظلموا المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراموا أن يفتنوهم عن دينهم من مشركي قريش الذين قالوا: إذ قيل لهم: ماذا أنزل ربكم: أساطير الأوّلين، صدّا منهم لمن أراد الإيمان بالله عن قصد السبيل، أن يخسف الله بهم الأرض على كفرهم وشركهم، أو يأتيهم عذاب الله من مكان لا يشعر به، ولا يدري من أين يأتيه، وكان مجاهد يقول: عنى بذلك نمرود بن كنعان.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ) ... إلى قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) قال: هو نمرود بن كنعان وقومه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وإنما اخترنا القول الذي قلناه في تأويل ذلك، لأن ذلك تهديد من الله أهل الشرك به، وهو عقيب قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فكان تهديد من لم يقرّ بحجة الله الذي جرى الكلام بخطابه قبل ذلك أحرى من الخبر عمن انقطع ذكره عنه.
وكان قتادة يقول في معنى السيئات في هذا الموضع، ما حدثنا به بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ) : أي الشرك.
القول في تأويل قوله تعالى:
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) }
يعني تعالى ذكره بقوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) أو يهلكهم في تصرّفهم في البلاد، وتردّدهم في أسفارهم (فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) يقول جلّ ثناؤه: فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى وعليّ بن داود، قالا ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) قال: إن شئت أخذته في سفر.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) في أسفارهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله.
وقال ابن جريج في ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) قال: التقلب: أن يأخذهم بالليل والنهار.
وأما قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) فإنه يعني: أو يهلكهم بتخوّف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم، يقال منه: تخوّف مال فلان الإنفاق: إذا انتقصه، ونحو تخوّفه من التخوّف بمعنى التنقص، قول الشاعر:
تَخَوَّفَ السَّيْرَ مِنْها تامِكا قَرِدًا ... كما تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ (1)
يعني بقوله تخوّف السير: تنقص سَنامها. وقد ذكرنا عن الهيثم بن عدّي أنه كان يقول: هي لغة لأزد شَنوءة معروفة لهم، ومنه قول الآخر
(1) البيت لابن مقبل (لسان العرب: خوف) قال: التخوف: التنقص. وفي التنزيل: "أو يأخذهم على تخوف" . قال الفراء في التفسير بأنه التنقيص قال: والعرب تقول: تحوقته أي تنقصته من حافاته. قال: فهذا الذي سمعته. قال: وقد أتى التفسير بالحاء قال الزجاج: ويجوز أن يكون معناه: أو يأخذهم بعد أن يخيفهم بأن يهلك قرية، فتخاف التي تليها. وقال ابن مقبل: تخوف ... إلخ والسفن: الحديدة = التي تبرد بها القسي، أي تنقص، كما تأكل هذه الحديدة خشب القسي. وكذلك التخويف، يقال: خوفه وخوف منه. قال ابن السكيت: يقال: هو يتحوف المال (بالمهملة) ويتخوفه، أي يتنقصه، ويأخذ من أطرافه. وقال ابن الأعرابي: تحوفته وتحيفته، وتخوفته وتخيفته إذا تنقصته. والتامك السنام أو السنام المرتفع. والقرد: الذي تجمع شعره، أو الذي تراكم لحمه من السمن. وفي "فتح القدير" للشوكاني: التخوف بالفاء: التنقص: لغة لأزد شنوءة. والنبع من شجر الجبال نتخذه من القس، الواحدة نبعة.
تَخَوَّفَ عَدْوُهُمْ مالي وأهْدَى ... سَلاسِل في الحُلُوقِ لَهَا صَلِيلُ (1)
وكان الفرّاء يقول: العرب تقول: تحوّفته: أي تنقصته، تحوّفا: أي أخذته من حافاته وأطرافه، قال: فهذا الذي سمعته، وقد أتى التفسير بالحاء وهما بمعنى. قال: ومثله ما قرئ بوجهين قوله: إن لك في النهار سَبْحًا وسَبْخًا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن المسعودي، عن إبراهيم بن عامر بن مسعود، عن رجل، عن عُمَر أنه سألهم عن هذه الآية (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) فقالوا: ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردّده من الآيات، فقال عمر: ما أرى إلا أنه على ما تنتقصون من معاصي الله، قال: فخرج رجل من كان عند عمر، فلقي أعرابيا، فقال: يا فلان ما فعل ربك؟ قال: قد تَخَيفته، يعني تنقصته، قال: فرجع إلى عمر فأخبره، فقال: قدّر الله ذلك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) يقول: إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوّف بذلك.
(1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (1: 360) قال: "على تخوف" مجازه: على التنقص، وأنشد بيتين ثانيهما بيت الشاهد، وأولهما: أُلاُم عَلى الهِجاءِ وكُلَّ يَوْمٍ ... يُلاقِينِي مِنَ الجِيرَانِ غُولُ
أي تنقص غدرهم مالي. سلاسل: يريد القوافي تنشد، فهو صليلها. وهو قلائد في أعناقهم. وفي رواية أبي عبيدة والقرطبي غدرهم، في مكان عدوهم. أي اعتداؤهم. قلت: وفي اللسان أيضاً (خوف) تخونه، وخونه، وخون منه: نقصه. يقال: تخونني فلان حقي إذا تنقصك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس (عَلَى تَخَوُّفٍ) قال: التنقص، والتفزيع.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) على تنقص.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (عَلَى تَخَوُّفٍ) قال: تنقص.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) فيعاقب أو يتجاوز.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) قال: كان يقال: التخوّف: التنقُّص، ينتقصهم من البلدان من الأطراف.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) يعني: يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى، ويعذّب القرية ويهلكها، ويترك أخرى إلى جنبها.
وقوله (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) يقول: فإن ربكم أن لم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجَّل لهم، وأخذهم بموت وتنقص بعضهم في أثر بعض، لرءوف بخلقه، رحيم بهم، ومن رأفته ورحمته بهم لم يخسف بهم الأرض، ولم يعجِّل لهم العذاب، ولكن يخوّفهم وينقّصهم بموت.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) }
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة
(أَوَلَمْ يَرَوْا) بالياء على الخبر عن الذين مكروا السيئات، وقرأ ذلك بعض قراء الكوفيين "أوَلم تَرَوا" بالتاء على الخطاب.
وأولى القراءتين عندي بالصواب قراءة من قرأ بالياء على وجه الخبر عن الذين مكروا السيئات، لأن ذلك في سياق قَصَصِهم، والخبر عنهم، ثم عقب ذلك الخبر عن ذهابهم عن حجة الله عليهم، وتركهم النظر في أدلته والاعتبار بها، فتأويل الكلام إذن: أو لم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات، إلى ما خلق الله من جسم قائم، شجر أو جبل أو غير ذلك، يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل، يقول: يرجع من موضع إلى موضع، فهو في أوّل النهار على حال، ثم يتقلَّص، ثم يعود إلى حال أخرى في آخر النهار.
وكان جماعة من أهل التأويل يقولون في اليمين والشمائل ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ) أما اليمين: فأوّل النهار، وأما الشمال: فآخر النهار.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ) قال: الغدوّ والآصال، إذا فاءت الظِّلال، ظلال كلّ شيء بالغدوّ سجدت لله، وإذا فاءت بالعشيّ سجدت لله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ) يعني: بالغدو والآصال، تسجد الظلال لله غدوة إلى أن يفئ الظلّ، ثم تسجد لله إلى الليل، يعني: ظلّ كلّ شَيء.
وكان ابن عباس يقوله في قوله (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) ما حدثنا المثنى، قال: أخبرنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) يقول: تتميل.
واختلف في معنى قوله (سُجَّدًا لِلَّهِ) فقال بعضهم: ظلّ كلّ شيء سجوده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) قال: ظلّ كلّ شيء سجوده.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق الرازيّ، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) قال: سجد ظلّ المؤمن طوعا، وظلّ الكافر كَرْها.
وقال آخرون: بل عنى بقوله (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) كلا عن اليمين والشمائل في حال سجودها، قالوا: وسجود الأشياء غير ظلالها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد وحدثني نصر بن عبد الرحمن الأوّديّ، قالا ثنا حَكَّام، عن أبي سنان، عن ثابت عن الضحاك، في قول الله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) قال: إذا فاء الفيء توجه كلّ شيء ساجدا قبل القبلة، من نبت أو شجر، قال: فكانوا يستحبون الصلاة عند ذلك.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا الحمَّانيّ، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد، في قول الله (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) قال: إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء لله عزّ وجلّ.
وقال آخرون: بل الذي وصف الله بالسجود في هذه الآية ظلال الأشياء، فإنما يسجد ظلالها دون التي لها الظلال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) قال: هو سجود الظلال، ظلال كلّ شيء ما في السموات وما في الأرض من دابة، قال: سجود ظلال الدواب، وظلال كلّ شيء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ) ما خلق من كلّ شيء عن يمينه وشمائله، فلفظ ما لفظ عن اليمين والشمائل، قال: ألم تر أنك إذا صليت الفجر، كان ما بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلا ثم بعث الله عليه الشمس دليلا وقبض الله الظلّ.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر في هذه الآية أن
ظلال الأشياء هي التي تسجد، وسجودها: مَيَلانها ودورانها من جانب إلى جانب، وناحية إلى ناحية، كما قال ابن عباس يقال من ذلك: سجدت النخلة إذا مالت، وسجد البعير وأسجد: إذا أميل للركوب. وقد بيَّنا معنى السجود في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.
وقوله (وَهُمْ دَاخِرُونَ) يعني: وهم صاغرون، يقال منه: دخر فلان لله يدخر دخرا ودخورا: إذا ذلّ له وخضع ومنه قول ذي الرُّمَّة:
فَلَمْ يَبْقَ إلا داخِرٌ فِي مُخَيَّسٍ ... ومُنْجَحِرٌ فِي غيرِ أرْضِكَ في جُحْرِ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَهُمْ دَاخِرُونَ) صاغرون.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَهُمْ دَاخِرُونَ) : أي صاغرون.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة مثله.
وأما توحيد اليمين في قوله (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ) فجمعها، فإن ذلك إنما جاء كذلك، لأن معنى الكلام: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلال ما خلق من شيء عن يمينه: أي ما خلق، وشمائله، فلفظ "ما" لفظ واحد، ومعناه معنى الجمع، فقال: عن اليمين بمعنى: عن يمين ما خلق، ثم رجع إلى
(1) البيت شاهد على أن معنى الداخر: الصاغر. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: وهم داخرون: أي صاغرون يقال: فلان دخر لله: أي ذل وخضع. و (في اللسان: دخر) : دخر الرجل بالفتح يدخر دخورا، فهو داخر، ودخر دخرا: (كفرح) ذل وصغر يصغر صغارًا، وهو الذي يفعل ما يؤمر به، شاء أو أبى، صاغرا قميئا. وفي (اللسان: خيس) : وكل سجن: مخيس ومخيس (بتشديد الياء مفتوحة ومكسورة) . وأنشد البيت ونسبه إلى الفرزدق. والمنجحر: الداخل في الجحر، يقال: أجحره فانجحر: أدخله الجحر، فدخله. والجحر: كل شيء تحتقره الهوام والسباع لأنفسها. والجمع: أجحار وجحرة.
معناه في الشمائل، وكان بعض أهل العربية يقول: إنما تفعل العرب ذلك، لأن أكثر الكلام مواجهة الواحد الواحد، فيقال للرجل: خذ عن يمينك، قال: فكأنه إذا وحد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مساءلة فيه، واستشهد لفعل العرب ذلك بقول الشاعر:
بِفي الشَّامِتِينَ الصَّخْرُ إنْ كان هَدَّني ... رَزِيَّةُ شِبْلَيْ مُخْدِرٍ في الضَّراغمِ (1)
فقال: بِفي الشامتين، ولم يقل: بأفواه، وقول الآخر:
الوَارِدُونَ وتَيْمٌ في ذَرَا سَبإ ... قد عَضَّ أعْناقَهُمْ جِلْدُ الجَوَامِيسِ (2)
ولم يقل: جلود.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) }
يقول تعالى ذكره: ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السموات وما في الأرض من دابَّة يدبّ عليها، والملائكة التي في السموات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) وظلالهم تتفيأ عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون.
وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: اجتزئ بذكر الواحد من الدوابّ عن ذكر الجميع. وإنما معنى الكلام: ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من الدوابّ والملائكة، كما يقال: ما أتاني من رجل، بمعنى: ما أتاني من الرجال.
(1) هذا البيت من شواهد الفراء في (معاني القرآن 1: 172) استشهد به عند قوله تعالى: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل) قال: الظن يرجع على كل شيء من جوانبه، فذلك تفيؤه، ثم فسر فقال: عن اليمين والشمائل، وكل ذلك جائز في العربية، قال الشاعر: "بفي الشامتين ... الخ البيت" . قال ولم يقل: بأفواه الشامتين. قلت: يريد أن جمع الشمائل وإفراد اليمين، جائز في العربية، واستشهد عليه بالبيت. وقد وجه المؤلف في التفسير توجيهاً حسناً.
(2) وهذا البيت أيضاً كالشاهد قبله من شواهد الفراء، في (معاني القرآن، بعد سابقه 1: 172) على أن الشاعر قال: جلد الجواميس بالإفراد، ولم يقل: جلود الجواميس، في مقابلة أعناقهم ولم نقف على البيت في المراجع، ولا على قائله.
وكان بعض نحويِّي الكوفة يقول: إنما قيل: من دابة، لأن "ما" وإن كانت قد تكون على مذهب الذي، فإنها غير مؤقتة، فإذا أبهمت غير مؤقتة أشبهت الجزاء، والجزاء يدخل من فيما جاء من اسم بعده من النكرة، فيقال: من ضربه من رجل فاضربوه، ولا تسقط "من" من هذا الموضع كراهية أن تشبه أن تكون حالا لمن وما، فجعلوه بمن ليدلّ على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير مؤقتتين، فكان دخول من فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما، وكان دخول من أدلّ على ما لم يوقت من من وما، فلذلك لم تلغيا.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) }
يقول تعالى ذكره: يخاف هؤلاء الملائكة التي في السموات، وما في الأرض من دابة، ربهم من فوقهم، أن يعذّبهم إن عَصَوا أمره،ويفعلون ما يؤمرون، يقول: ويفعلون ما أمرهم الله به، فيؤدّون حقوقه، ويجتنبون سُخْطه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) }
يقول تعالى ذكره: وقال الله لعباده: لا تتخذوا لي شريكا أيها الناس، ولا تعبدوا معبودين، فإنكم إذا عبدتم معي غيري جعلتم لي شريكا، ولا شريك لي، إنما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذلك، (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) يقول: فإياي فاتقوا وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي إن عصيتموني وعبدتم غيري، أو أشركتم في عبادتكم لي شريكا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) }
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|