عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-07-2025, 05:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي عام تصرم وعام يتقدم

عام تصرم وعام يتقدم

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

أمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ أَمسِ بَدَأَ عَامٌ هِجِرِيٌّ جَدِيدٌ، وَاليَومَ هُوَ يَومُنَا الثَّاني مِن عَامِنَا، أَمَّا عَامُنَا المَاضي فَقَد رَحَلَ بِمَا فِيهِ مِن خَيرٍ وشَرٍّ، وَذَهَبَت أَفرَاحُهُ وَتَوَلَّت أَتراحُهُ، وَانقَضَت آمَالُهُ وَارتَحَلَت آلامُهُ، وَلم يَبقَ مِنهُ إِلاَّ مَا أَودَعَنَاهُ مِن أَعمَالٍ، وَسَيَرَى كُلُّ عَامِلٍ مِنَّا عَمَلَهُ، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30].

وَإِنَّ الأَعوَامَ كَمَا مَرَّ بِكُم وَعَلِمتُم، قَصِيرَةٌ وَإِن هِيَ طَالَت، سَرِيعَةٌ وَإِن تَبَاطَأَت، مَا يَكَادُ يَمضِي مِنَ العَامِ شَهرٌ إِلاَّ وَانهَدَمَ وَتَصَرَّمَ، أَيَّامٌ تَمضِي وَلَيَالٍ تَنقَضِي، وَأَسَابِيعُ مُتَوَالِيَةٌ وَأَشهُرٌ مُتَتَابِعَةٌ، وَمَا نَعِيشُهُ اليَومَ وَاقِعًا قَد يَكُونُ لَدَى بَعضِنَا حُلوًا عَذبًا وَلَدَى آخَرِينَ مُرًّا عَلقَمًا، سَيُصبِحُ بَعدَ حِينٍ ذِكرَيَاتٍ وَأَحلامًا، وَكَمَا نَتَحَدَّثُ اليَومَ عَن أُنَاسٍ عَايَشنَاهُم وَأَكَلنَا مَعَهُم وَشَرِبنَا، ثُمَّ مَاتُوا وَلم يَبقَ إِلاَّ ذِكرُهُم، فَسَيَتَحَدَّثُ أُنَاسٌ عَنَّا غَدًا، وَسَيَذكُرُونَ مَا جَرَى لَهُم مَعَنَا.

وَإِنَّ تَنَاقُصَ أَعدَادِ الَّذِينَ نَعرِفُهُم مِن أَقرَانِنَا شَهرًا بَعدَ شَهرٍ وَعَامًا بَعدَ عَامٍ، لَهُوَ مُنَبِّهٌ لَنَا أَنَّ الدُّنيَا لَيسَت بِدَارِ قَرَارٍ، وَأَنَّهُ لا مَنجَى لَنَا مِنَ المَوتِ وَلا فِرَارَ، وَأَنَّنَا في هَذِهِ الدُّنيَا مُسَافِرُونَ، في ظِلِّ شَجَرَةٍ قَائِلُونَ، وَعَنهَا عَمَّا قَرِيبٍ رَاحِلُونَ، أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ في مُرُورِ اللَّيَالي وَالأَيَّامِ، وَسُرعَةِ انقِضَاءِ الشُّهُورِ وَالأَعوَامِ، لَعِبَرًا لِمَن أَرَادَ أَن يَعتَبِرَ وَيَتَذَكَّرَ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].

وَفي البُخَارِيِّ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَنكِبِي فَقَالَ: "كُنْ في الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبِيلٍ " وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمسَيتَ فَلا تَنتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصبَحتَ فَلا تَنتَظِرِ المَسَاءَ وَخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِن حَيَاتِكَ لِمَوتِكَ".

نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّ أَيَّامَ الإِنسَانِ كُلَّمَا زَادَت فَإِنَّ ذَلِكَ نَقصٌ في عُمُرِهِ، وَكُلَّمَا طَالَت أَعوَامُهُ فَقَد قَرُبَ أَجَلُهُ، وَكُلَّمَا ذَهَبَ أَقرَانُهُ وَفَنِيَ جِيلُهُ فَقَد أَزِفَ رَحِيلُهُ، والعُمرُ أَيَّامٌ وَلَيَالٍ مَجمُوعَةٌ، في رَصِيدٍ مَحدُودٍ لا يَلبَثُ أَن يَنتَهِيَ، وَمُهلَةٍ مَكتُوبَةٍ لا بُدَّ أَن تَنقَضِيَ، ثُمَّ يُغَادِرُ أَحَدُنَا هَذِهِ الدُّنيَا وَحِيدًا فَرِيدًا، فَالعَاقِلُ مَن وَعَظَتهُ الأَيَّامُ، وَعَلَّمَتهُ الدُّهُورُ وَالأَعوَامُ، وَاستَفَادَ مِن أَمسِهِ لِيَومِهِ، وَمِن يَومِهِ لِغَدِهِ، فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ، وَحَاسِبُوا أَنفُسَكُم قَبلَ أَن تُحَاسَبُوا، وَافتَتِحُوا عَامَكُمُ الجَدِيدَ بِتَجدِيدِ التَّوبَةِ وَالإِقبَالِ عَلَى الطَّاعَةِ بِأَنوَاعِهَا، اِزدَادُوا مِنَ الخَيرِ فِيمَا بَينَكُم وَبَينَ رَبِّكُم، وَرُدُّوا الحُقُوقِ إِلى أَهلِهَا فِيمَا بَينَكُم وَبَينَ مَن حَولَكُم، وَكُونُوا عَلَى استِعدَادٍ لِلِقَاءِ اللهِ في كُلِّ حِينٍ، فَإِنَّ الرَّحِيلَ حَقٌّ لا شَكَّ فِيهِ وَلا رَيبَ، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].

قَصِّرُوا الأَمَلَ، وَأَصلِحُوا العَمَلَ، وَحَاذِرُوا بَغتَةَ الأَجَلِ، وَاعمُرُوا الأَوقَاتَ بِالصَّالِحَاتِ، فَإِنَّهَا نِعمَةٌ مِنَ اللهِ وَأَيُّ نِعمَةٍ، وَفَضلٌ مِنهُ تَعَالى وَأَيُّ فَضلٍ، أَن يَمُدَّ اللهُ لأَحَدِنَا في عُمُرِهِ وَيَحسُنَ مَعَ هَذَا عَمَلُهُ، وَأَمَّا مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ، فَذَلِكُم شَرُّ النَّاسِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 34 - 46].

الخطبة الثانية
أَمَّا بُعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ في بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجرِيٍّ جَدِيدٍ، يَتَذَكَّرُ المُسلِمُ يَومًا عَظِيمًا وَصَلَ فِيهِ النَّبيُّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِلى أَرضِ طَيبَةَ مُهَاجِرًا، لِيَبدَأَ بِذَلِكَ اليَومِ تَأرِيخٌ عَرِيقٌ، هُوَ لِلمُسلِمِينَ عَلامَةٌ فَارِقَةٌ، وَشَامَةٌ في جَبِينِ الزَّمَانِ وَاضِحَةٌ. وَبَينَمَا تُؤَرِّخُ الأُمَمُ لأَنفُسِهَا بِأَحدَاثٍ مَرَّت بِهَا، مِن مِيلادِ عَظِيمٍ أَو وَفَاةِ زَعِيمٍ، أَو تَوَلِّي مَلِكٍ أَوِ انتِصَارٍ عَلَى عَدُوٍّ، فَإِنَّ التَّأرِيخَ الهِجرِيَّ هُوَ تَأرِيخُ أُمَّةِ الإِسلامِ، وَهُوَ حُكمُ اللهِ الكَونيُّ مُنذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ، إِذْ جَعَلَ عِدَّةَ الشُّهُورِ اثنَي عَشَرَ شَهرًا، قَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [التوبة: 36]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 5]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189].

وَقَد عَمِلَتِ الأُمَّةُ بِالتَّأرِيخِ الهِجرِيِّ مُنذُ أَن جَمَعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ في خِلافَتِهِ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وَاستَشَارَهُم في تَأرِيخٍ يَعرِفُونَ بِهِ عِبَادَاتِهِم وَيَضبِطُونَ مُعَامَلاتِهِم، فَاتَّفَقُوا على التَّأرِيخِ بالِهجرَةِ لِظُهُورِهِ وَاشتِهَارِهِ، وَلأنَّ اللهَ تعالى قَد فَرَّقَ بها بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَبِهَا انتَقَلِ الإِسلامُ مِن عَهدِ الضَّعفِ وَالإِسرَارِ إِلى عَهدِ القُوَّةِ، وَلِهَذَا كَانَ الوَاجِبُ عَلَى المُسلِمِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، أَن يَعتَبِرُوا بِالأَهِلَّةِ وَالأَشهُرِ الهِجرِيَّةِ القَمَرِيَّةِ في عِبَادَاتِهِم وَزَكَوَاتِهِم، وَفي بُيُوعِهِم وَدُيُونِهِم وَسَائِرِ أَحكَامِهِم وَمُعَامَلاتِهِم، وَأَلاَّ يُقَدِّمُوا عَلَى تَأرِيخِهِم أَيَّ تَأرِيخٍ آخَرَ مَهمَا حَاوَلَ أَعدَاؤُهُم أَن يصرِفُوهُم، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ ابتِدَاعٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَقَد قَالَ نَبِيُّنَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "وَإِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ"؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]