عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-07-2025, 08:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,918
الدولة : Egypt
افتراضي التحذير من الغيبة والشائعات

التحذير من الغيبة والشائعات

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَأَحسِنُوا في أَقوَالِكُم وَأَعمَالِكُم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَعِيشُ النَّاسُ في المُجتَمَعِ بِخَيرٍ، مَا كَانَتِ العِلاقَاتُ بَينَهُم مَبنِيَّةً عَلَى الحُبِّ وَالتَّقدِيرِ، وَالسِّترِ مِن بَعضِهِم عَلَى بَعضٍ، وَعَدَمِ البَحثِ عَنِ العُيُوبِ أَو تَتَبُّعِ الأَخطَاءِ، أَو نَشرِ الزَّلاتِ وَبَثِّ العَثَرَاتِ وَتَصدِيقِ الشَّائِعَاتِ.

وَإِنَّ المَرءَ لَيَجِدُ في نَفسِهِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالهُدُوءِ وَالطُّمَأنِينَةِ، بِقَدرِ تَركِهِ مَا لا يَعنِيهِ، وَتَغَافُلِهِ عَمَّا لا شَأنَ لَهُ بِهِ، وَغَضِّ بَصرِهِ وَكَفِّ سَمعِهِ عَن كَثِيرٍ مِمَّا يَجرِي حَولَهُ.

وَكُلَّمَا مَدَّ امرُؤٌ نَظَرَهُ وَأَرخَى سَمعَهُ، وَتَقَصَّى الأَخبَارَ وَتَتَبَّعَ الأَنبَاءَ، وَحَاوَلَ مَعرِفَةَ مَا يَخفَى مِن شُؤُونِ النَّاسِ، وَشَغَلَ لِسَانَهُ بِالكَلامِ فِيهِم وَعَيبِهِم وَذِكرِ مَسَاوِئِهِم، كَانَ ذَلِكَ حِملًا بَل أَحمَالًا مِنَ الهَمِّ وَالغَمِّ يَجمَعُهَا في جَوفِهِ، وَوَسَاوِسَ يُرَاكِمُهَا عَلَى قَلبِهِ وَفي صَدرِهِ. وَإِنَّ نَقلَ الشَّائِعَاتِ وَدَوَرَانَ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ في المَجَالِسِ، لَهِيَ مِن أَسوَأِ مَا يُوجَدُ في المُجتَمَعِ، وَلا يَكَادُ يَسلَمُ مِنهَا أَحَدٌ، مَعَ مَا لَهَا مِن آثَارٍ سَيِّئَةٍ وَثِمَارٍ مُرَّةٍ، تُنَغِّصُ حَاضِرَ النَّاسِ وَتُشقِيهِم في مُستَقبَلِهِم، إِذْ تُوغِرُ الصُّدُورَ وَتَشحَنُ النُّفُوسَ، وَتُذهِبُ الأُلفَةَ وَتُفسِدُ المَوَدَّةَ، وَتَزرَعُ الضَّغِينَةَ وَتَملأُ القُلُوبَ بِالغِلِّ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ، وَلَو أَنَّهُم تَذَكَّرُوا أَنَّ الغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ مِن كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَاستَحضَرُوا مَا يَجِبُ عَلَيهِم مِن حِفظِ أَلسِنَتِهِم مِنَ الوُقُوعِ في الأَعرَاضِ وَذِكرِ الآخَرِينَ بِمَا يَكرَهُونَ، لَتَرَفَّعُوا عَمَّا عَلَيهِ أَكثَرُهُم، وَلَتَنَزَهُّوا مِمَّا تُملَأُ بِهِ غَالِبُ مَجَالِسِهِم، أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ استِحضَارَ المُسلِمِ أَنَّهُ مُرَاقَبٌ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُهَا، وَمُحَاسَبٌ عَلَى كُلِّ قَولٍ يَلفِظُ بِهِ، إِنَّ ذَلِكَ لَنَاهٍ لَهُ عَمَّا لا خَيرَ لَهُ فِيهِ، وَرَادِعٌ لَهُ عَنِ الوُقُوعِ في غِيبَةِ الآخَرِينَ أَو بَهتِهِم بِمَا هُم مِنهُ بُرَآءُ؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10، 11]، وَعَن أَنسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بِقَومٍ لَهُم أَظفَارٌ مِن نُحاسٍ يَخمِشُونَ وُجُوهَهُم وَصُدُورَهُم، فَقُلتُ: مَن هَؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ؟! قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ في أَعرَاضِهِم"؛ رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَعِندَ البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ عَن حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ"، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "يَا مَعشَرَ مَن آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلم يَدخُلِ الإِيمَانُ قَلبَهُ، لا تَغتَابُوا المُسلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِم، فَإِنَّهُ مَن تَتَبَّعَ عَورَةَ أَخِيهِ المُسلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ، وَمَن تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ يَفضَحْهُ وَلَو في جَوفِ بَيتِهِ"؛ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ، وَلْنَحذَرِ الغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ وَتَتَبُّعَ العَورَاتِ وَالزَّلاَّتِ وَنَشرَ المَعَايِبِ، وَلْنَجتَنِبْ ذَلِكَ في مَجَالِسِنَا وَلِقَاءَاتِنَا، وَلْنُنَزِّهْ آذَانَنَا عَن سَمَاعِ الإِشَاعَاتِ وَتَصدِيقِ أَهلِ البُهتَانِ، وَلْنُنكِرْ عَلَيهِم وَلْنَنصَحْهُم، وَلْنُذَكِّرْهُم بِاللهِ وَلْنُخَوِّفْهُم، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ، فَاعبُدُوا رَبَّكُم وَخَافُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ﴾ [البقرة: 223].

ثُمَّ اعلَمُوا أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتِ الغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالبُهتَانُ مِن كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَعَظَائِمِ المَعَاصِي، فَإِنَّهَا تُصبِحُ جَرَائِمَ حِينَ تَقَعُ مِمَّن هُوَ عَظِيمٌ في قَومِهِ، أَو كَبِيرٌ مَنصِبُهُ، أَو مَشهُورٌ إِعلامِيًّا، أو قَرِيبٌ مِمَّن لَدَيهِ حَلٌّ وَعَقدٌ مِنَ الوُلاةِ وَكِبَارِ المَسؤُولِينَ، وَالغِيبَةُ مِن مِثلِ هَؤُلاءِ وَالبُهتَانُ، قَد يَظهَرُ في تَصرِيحٍ يُدلي بِهِ أَحَدُهُم في وَسَائِلِ الإِعلامِ أَو بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ، مُتَّهِمًا شَرِيحَةً مِن شَرَائِحِ المُجتَمَعِ بِمَا هُم مِنهُ بُرَآءُ، أَو مُشَكِّكًا في مَقَاصِدِ أُنَاسٍ وَنِيَّاتِهِم، خَاصَّةً المُتَطَوِّعِينَ أَو فَاعِلِي الخَيرِ أَوِ المُنفِقِينَ في سَبِيلِ اللهِ، أَو مُقَلِّلًا مِن شَأنِ مُؤَسَّسَاتِ الخَيرِ وَالبِرِّ وَالدَّعوَةِ، أَو مُلَفِّقًا عَلَى مَن يَقُومُونَ عَلَيهَا اتِّهَامَاتٍ بِصِيغَةَ التَّعمِيمِ، أَو مُتَنَقِّصًا مِن بَذلِهِم وَعَطَائِهِم أَو شَاكًّا في نَزَاهَتِهِم، وَمِثلُ هَذِهِ التَّجَاوُزَاتِ قَد يَحصُلُ بِسَبَبِهَا قَرَارَاتٌ تَضُرُّ قَومًا أَو مُؤَسَّسَاتٍ أَو جَمعِيَّاتٍ، أَو تَحرِمُ أُنَاسًا مَصَالِحَ عَامَّةً كَانُوا يَستَفِيدُونَ مِنهَا.

وَمَا أَشبَهَ مَا يَحصُلُ مِن بَعضِ هَؤُلاءِ بِمَن قَالَ فِيهِمُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أعظَمَ المُسلِمِينَ جُرمًا مَن سَأَلَ عَن شَيءٍ لم يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِن أَجلِ مَسأَلَتِهِ"، وَهَكَذَا يُقَالُ لِبَعضِ مَن تَصدُرُ مِنهُ غِيبَةٌ عِندَ مَسؤُولٍ أَو يَنقُلُ نَمِيمَةً، أَو يَشِي بِقَومٍ أَو يَبهَتُ أُنَاسًا، فَيَصدُرُ بِسَبَبِهِ مَا يُؤذِي المُسلِمِينَ أَو يَحرِمُهُم خَيرًا، مَا أَعظَمَ جُرمَ هَذَا وَمَا أَكثَرَ خُصُومَهُ عِندَ رَبِّهِ يَومَ يَلقَاهُ! فَالحَذَرَ الحَذَرَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ كِبَارًا وَصِغَارًا وَمَسؤُولِينَ وَعَامَّةً، الحَذَرَ مِن إِلقَاءِ الكَلامِ عَلَى عَوَاهِنِهِ دُونَ نَظَرٍ في مآلاتِهِ وَمَا يُثمِرُ مِن ثِمَارٍ مُرَّةٍ يَتَجَرَّعُهَا أُنَاسٌ غَافِلُونَ، وَمَن عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَوعِدًا مَعَ الآخِرِينَ يَأخُذُونَ فِيهِ مِن حَسَنَاتِهِ بِقَدرِ مَا ظَلَمَهُم، فَإِنَّهُ يَحذَرُ وَيَتَوَقَّى وَيَحفَظُ لِسَانَهُ وَقَلَمَهُ.

في صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَدرُونَ مَا المُفلِسُ؟! قَالُوا: المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ المُفلِسَ مِن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأتي وَقَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ، فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ، أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]