عرض مشاركة واحدة
  #975  
قديم 21-07-2025, 03:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإسراء
الحلقة (975)
صــ 581 إلى صــ 590





حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (أَيًّا مَا تَدْعُوا) بشيء من أسمائه.
حدثني موسى بن سهل، قال: ثنا محمد بن بكار البصري، قال: ثني حماد بن عيسى؛ عن عبيد بن الطفيل الجهني، قال: ثنا ابن جريج، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن مكحول، عن عَرَّاك بن مالك، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ للهِ تسْعَةً وَتسْعينَ اسْما كُلُّهُنَّ في القُرآنِ، مَنْ أحْصَاهنّ دَخَل الجَنَّة" .
قال أبو جعفر: ولدخول "ما" في قوله (أَيًّا مَا تَدْعُوا) وجهان: أحدهما أن تكون صلة، كما قيل: (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ) والآخر أن تكون في معنى إن: كررت لما اختلف لفظاهما، كما قيل: ما إن رأيت كالليلة ليلة.
وقوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) اختلف أهل التأويل في الصلاة، فقال بعضهم: عنى بذلك: ولا تجهر بدعائك، ولا تخافت به، ولكن بين ذلك، وقالوا: عنى بالصلاة في هذا الموضع: الدعاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يحيى بن عيسى الدامغاني، قال: ثنا ابن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قالت: في الدعاء.
حدثنا بشار، قال: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: نزلت في الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مثله.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا عباد بن العوّام، عن أشعث بن سوار، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله تعالى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: كانوا يجهرون بالدعاء، فلما نزلت هذه الآية أُمروا أن لا يجهروا، ولا يخافتوا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد، عن عمرو بن مالك البكري، عن أبي الجوزاء عن عائشة، قالت: نزلت في الدعاء.
حدثني مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا عبد الله بن داود، قال: ثنا شريك، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إبراهيم الهَجري، عن أبي عياض (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: نزلت في الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شريك، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض مثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عمن ذكره عن عطاء (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: نزلت في الدعاء.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في الآية (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: في الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، قال: نزلت في الدعاء.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) في الدعاء والمسألة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، قال: نزلت في الدعاء والمسألة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثني سفيان، قال: ثني قيس بن مسلم، عن سعيد بن جبير في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: في الدعاء.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن ابن عياش العامري، عن عبد الله بن شداد قال: كان أعراب إذا سلم النبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهم ارزقنا إبلا وولدا، قال: فنزلت هذه الآية (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) .
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: في الدعاء.
حدثني ابن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) .... الآية، قال: في الدعاء والمسألة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني عيسى؛ عن الأوزاعي، عن مكحول (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: ذلك في الدعاء.
وقال آخرون: عَنَى بذلك الصلاة.
واختلف قائلو هذه المقالة في المعنى الذي عَنَى بالنهي عن الجهر به، فقال بعضهم: الذي نهى عن الجهر به منها القراءة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبُّوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، قال: فقال الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم (وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ) فيسمع المشركون (وَلا تُخَافِتْ بِهَا) عن أصحابك، فلا تُسْمِعهم القرآن حتى يأخذوا عنك.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا جهر بالصلاة بالمسلمين بالقرآن، شقّ ذلك على المشركين إذا سمعوه، فيُؤْذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشتم والعيب به، وذلك بمكة، فأنزل الله: يا محمد (لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) يقول: لا تُعْلِن بالقراءة بالقرآن إعلانا شديدا يسمعه المشركون فيؤذونك، ولا تخافت بالقراءة بالقرآن: يقول: لا تخفض صوتَك حتى لا تُسْمِع أذنيك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) يقول: اطلب بين الإعلان والجهر وبين التخافت والخفض طريقا، لا جهرا شديدا، ولا خفضا لا تُسْمِع أذنيك، فذلك القدر، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سقط هذا كله، يفعل الآن أيّ ذلك شاء.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) .... الآية، هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كان إذا صلى بأصحابه، فرفع صوته بالقراءة أسمع المشركين، فآذوه، فأمره الله أن لا يرفع صوته، فيسمع عدوّه، ولا يخافت فلا يُسْمِع من خلفه من المسلمين، فأمره الله أن يبتغي بين ذلك سبيلا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن، فكان المشركون إذا سمعوا صوته سبُّوا القرآن، ومن جاء به، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يخفي القرآن فما يسمعه أصحابه، فأنزل الله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) .
حدثنا محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي، يقول: أخبرنا أبو حمزة عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا رفع صوته وَسمع المشركون، سبُّوا القرآن، ومن جاء به، وإذا خفض لم يسمع أصحابه، قال الله (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) .
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني داود بن الحُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرّقوا، وأبَوا أن يستمعوا منه، فكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو، وهو يصلي، استرق السمع دونهم فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع، ذهب خشية أذاهم، فلم يستمع، فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئا، فأنزل الله عليه (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) فيتفرقوا عنك (وَلا تُخَافِتْ بِهَا) فلا تُسْمِع من أراد أن يسمعها، ممن يسترق ذلك دونهم، لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع، فينتفع به، (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام، فقالت قريش: لا تجهر بالقراءة فتؤذي آلهتنا، فنهجو ربك، فأنزل الله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) .... الآية.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع الصوت بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله لنبيّه (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) : أي بقراءتك، فيسمع المشركون، فيسبُّوا القرآن (وَلا تُخَافِتْ بِهَا) عن أصحابك، فلا تسمعهم (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: في القراءة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في هذه الآية (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته أعجب ذلك أصحابه، وإذا سمع ذلك المشركون سبُّوه، فنزلت هذه الآية.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سلمة، عن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، قال: فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ فقال: أناجي ربي، وقد علم حاجتي، قيل: أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قيل: أحسنت، فلما نزلت (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) قيل لأبي بكر: ارفع شيئا، وقيل لعمر: اخفض شيئا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا حسان بن إبراهيم، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: يقول ناس إنها في الصلاة، ويقول آخرون إنها في الدعاء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) وكان نبيّ الله وهو بمكة، إذا سمع المشركون صوته رموه بكلّ خبث، فأمره الله أن يغضّ من صوته، وأن يجعل صلاته بينه وبين ربه، وكان يقال: ما سمعته أذنك فليس بمخافتة.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: "كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالصلاة، فيُرمي بالخبث، فقال: لا ترْفعْ صَوْتكَ فتُؤْذَى وَلا تُخافِتْ بِها، وَابْتَغِ بين ذلك سَبِيلا."
وقال آخرون: إنما عُنِي بذلك: ولا تجهر بالتشهد في صلاتك، ولا تخافت بها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: نزلت هذه الآية في التشهد (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) .
حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن ابن سيرين مثله. وزاد فيه: وكان الأعرابيّ يجهر فيقول: التحيات لله، والصلوات لله، يرفع فيها صوته، فنزلت (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) .
وقال آخرون: بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة جِهارا، فأمر بإخفائها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في بني إسرائيل (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى يجهر بصلاته، فآذى ذلك المشركين بمكة، حتى أخفى صلاته هو وأصحابه، فلذلك قال (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) وقال في الأعراف (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) .
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تجهر بصلاتك تحسنها من إتيانها في العلانية، ولا تخافت بها: تسيئها في السريرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن أنه كان يقول (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) : أي لا تراء بها عَلانيَة، ولا تخفها سرًّا (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الحسن يقول في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: لا تحسن علانيتها، وتسيء سريرتها.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: لا تراء بها في العلانية، ولا تخفها في السريرة.
حدثني عليّ بن الحسن الأزرقي، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن منصور، عن الحسن (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: تحسن علانيتها، وتسيء سريرتها.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) قال: لا تصلّ مراءاة الناس ولا تدعها مخافة.
وقال آخرون في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) قال: السبيل بين ذلك الذي سنّ له جبرائيل من الصلاة التي عليها المسلمون. قال: وكان أهل الكتاب يُخافتون، ثم يجهر أحدهم بالحرف، فيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهى أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يُخافت كما يُخافت القوم، ثم كان السبيل الذي بين ذلك، الذي سنّ له جبرائيل من الصلاة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، ما ذكرنا عن ابن عباس في الخبر الذي رواه أبو جعفر، عن سعيد، عن ابن عباس، لأن ذلك أصحّ الأسانيد التي رُوِي عن صحابيّ فيه قولٌ مخرَّجا، وأشبه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) عقيب قوله (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى) وعقيب تقريع الكفار بكفرهم بالقرآن، وذلك بعدهم منه ومن الإيمان. فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى وأشبه بقوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) أن يكون من سبب ما هو في سياقه من الكلام، ما لم يأت بمعنى يوجب صرفه عنه، أو يكون على انصرافه عنه دليل يعلم به الانصراف عما هو في سياقه.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: قل ادعوا الله، أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر يا محمد بقراءتك في صلاتك ودعائك فيها ربك ومسألتك إياه، وذكرك فيها، فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون، ولا تخافت بها فلا يسمعها أصحابك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا)
ولكن التمس بين الجهر والمخافتة طريقا إلى أن تسمع أصحابك، ولا يسمعه المشركون فيؤذوك. ولولا أن أقوال أهل التأويل مضت بما ذكرت عنهم من التأويل، وأنا لا نستجير خلافهم فيما جاء عنهم، لكان وجها يحتمله التأويل أن يقال: ولا تجهر بصلاتك التي أمرناك بالمخافتة بها، وهي صلاة النهار لأنها عجماء، لا يجهر بها، ولا تخافت بصلاتك التي أمرناك بالجهر بها، وهي صلاة الليل، فإنها يجهر بها (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا) بأن تجهر بالتي أمرناك بالجهر بها، وتخافت بالتي أمرناك بالمخافتة بها، لا تجهر بجميعها، ولا تخافت بكلها، فكان ذلك وجها غير بعيد من الصحة، ولكنا لا نرى ذلك صحيحا لإجماع الحجة من أهل التأويل على خلافه. فإن قال قائل: فأية قراءة هذه التي بين الجهر والمخافتة؟
قيل: حدثني مطر بن محمد، قال: ثنا قتيبة، ووهب بن جرير، قالا ثنا شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، قال: قال عبد الله: لم يخافت من أسمع أذنيه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن الأشعث، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله، مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111) }
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم (وَقُلْ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) فيكون مربوبا لا ربا، لأن ربّ الأرباب لا ينبغي أن يكون له ولد (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) فيكون عاجزا ذا حاجة إلى معونة غيره ضعيفا، ولا يكون إلها من يكون محتاجا إلى معين على ما حاول، ولم يكن منفردا بالمُلك والسلطان (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ) يقول: ولم يكن له حليف حالفه من الذّل الذي به، لأن من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره، فذليل مهين، ولا يكون من كان ذليلا مهينا يحتاج إلى ناصر إلها يطاع (وَكَبِّرْهُ
تَكْبِيرًا) يقول: وعظم ربك يا محمد بما أمرناك أن تعظمه به من قول وفعل، وأطعه فيما أمرك ونهاك.
وبنحو الذي قلنا في قوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ) قال: لم يحالف أحدا، ولا يبتغي نصر أحد.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: "ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يعلِّم أهله هذه الآية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) الصغير من أهله والكبير."
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا أبو الجنيد، عن جعفر، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل، ثم تلا (لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن القُرَظي، أنه كان يقول في هذه الآية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) .... الآية. قال: إن اليهود والنصارى قالوا: اتخذ الله ولدا، وقالت العرب: لبيك، لبيك، لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذلّ الله، فأنزل الله (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ) أنت يا محمد على ما يقولون (تَكْبِيرًا) .
آخر تفسير سورة بني إسرائيل، والحمد لله ربّ العالمين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]