عرض مشاركة واحدة
  #985  
قديم 21-07-2025, 03:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,689
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الكهف
الحلقة (985)
صــ 38 إلى صــ 47





القول في تأويل قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) }
يقول عزّ ذكره: ووضع الله يومئذ كتاب أعمال عباده في أيديهم، فأخذ واحد بيمينه وأخذ واحد بشماله (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) يقول عزّ ذكره: فترى المجرمين المشركين بالله مشفقين، يقول: خائفين وجلين مما فيه مكتوب من أعمالهم السيئة التي عملوها في الدنيا أن يؤاخذوا بها (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) يعني أنهم يقولون إذا قرءوا كتابهم، ورأوا ما قد كُتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها، نادوا بالويل حين أيقنوا بعذاب الله، وضجوا مما قد عرفوا من أفعالهم الخبيثة التي قد أحصاها كتابهم، ولم يقدروا أن ينكروا صحتها.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء، ولم يشتك أحد ظلما، فإياكم والمحقَّرات من الذنوب، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه، ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب لها مثلا يقول كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نزلوا بفلاة من الأرض، وحضر صنيع القوم، فانطلق كلّ رجل يحتطب، فجعل الرجل يجيء بالعود، ويجيء الآخر بالعود، حتى جمعوا سوادا كثيرا وأجَّجوا نارا، فإن الذنب الصغير، يجتمع على صاحبه حتى يهلكه، وقيل: إنه عنى بالصغيرة في هذا الموضوع: الضحك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الله بن داود، قال: ثنا محمد بن موسى، عن الزيال بن عمرو، عن ابن عباس (لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) قال: الضحك.
حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبي، قال: حدثتني أمي حمادة ابنة محمد، قالت: سمعت أبي محمد بن عبد الرحمن يقول في هذه الآية في قول
الله عزّ وجلّ: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) قال: الصغيرة: الضحك.
ويعني بقوله: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ) : ما شأن هذا الكتاب (لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) يقول: لا يبقي صغيرة من ذنوبنا وأعمالنا ولا كبيرة منها (إِلا أَحْصَاهَا) يقول: إلا حفظها (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا) في الدنيا من عمل (حَاضِرًا) في كتابهم ذلك مكتوبا مثبتا، فجوزوا بالسيئة مثلها، والحسنة ما الله جازيهم بها (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) يقول: ولا يجازي ربك أحدا يا محمد بغير ما هو أهله، لا يجازي بالإحسان إلا أهل الإحسان، ولا بالسيئة إلا أهل السيئة، وذلك هو العدل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا (50) }
يقول تعالى ذكره مذكرًا هؤلاء المشركين حسد إبليس أباهم ومعلمهم ما كان منه من كبره واستكباره عليه حين أمره بالسجود له، وأنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان عليه لأبيهم: (وَ) اذكر يا محمد (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ) الذي يطيعه هؤلاء المشركون ويتبعون أمره، ويخالفون أمر الله، فإنه لم يسجد له استكبارا على الله، وحسدا لآدم (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) فقال بعضهم: إنه كان من قبيلة يقال لهم الجنّ. وقال آخرون: بل كان من خزّان الجنة، فنسب إلى الجنة، وقال آخرون: بل قيل من الجنّ، لأنه من الجنّ الذين استجنوا عن أعين بني آدم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن خلاد بن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كان اسمه قبل أن يركب المعصية عزازيل، وكان من سكان الأرض، وكان من أشدّ الملائكة
اجتهادا وأكثرهم علما، فذلك هو الذي دعاه إلى الكبر، وكان من حيّ يسمى جنا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، قال: وكان خازنا من خزّان الجنة. قال: وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحيّ، قال: وخُلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني شيبان، قال: ثنا سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: (إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) قال: كان إبليس من خزّان الجنة، وكان يدبر أمر سماء الدنيا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة. وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا، وكان له سلطان الأرض، وكان فيما قضى الله أنه رأى أن له بذلك شرفا وعظمة على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله، فلما كان عند السجود حين أمره أن يسجد لآدم استخرج الله كبره عند السجود، فلعنه وأخَّره إلى يوم الدين، قال: قال ابن عباس: وقوله: (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) إنما سمي بالجنان أنه كان خازنا عليها، كما يقال للرجل: مكي، ومدني، وكوفي، وبصري، قاله ابن جريج.
وقال آخرون: هم سبط من الملائكة قبيلة، وكان اسم قبيلته الجنّ.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، وشريك بن أبي نمر أحدهما أو كلاهما، عن ابن عباس، قال: إن من الملائكة قبيلة من الجنّ، وكان إبليس منها، وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فعصى، فسخط الله عليه فمسخه شيطانا رجيما، لعنه الله ممسوخا، قال: وإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإذا كانت خطيئته في معصية
فارجه، وكانت خطيئة آدم في معصية، وخطيئة إبليس في كبر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) قبيل من الملائكة يقال لهم الجنّ، وقال ابن عباس: لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود، وكان على خزانة السماء الدنيا، قال: وكان قتادة يقول: جنّ عن طاعة ربه، وكان الحسن يقول: ألجأه الله إلى نسبه.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجنّ.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجنّ، كما أن آدم عليه السلام أصل الإنس.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: كان إبليس على السماء الدنيا وعلى الأرض وخازن الجنان.
حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) : كان ابن عباس يقول: إن إبليس كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض، وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله، فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم، فاستكبر وكان من الكافرين، فذلك قوله للملائكة: (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.
وقوله: (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) كان ابن عباس يقول: قال الله (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) لأنه كان خازنا على الجنان، كما يقال للرجل: مكيّ، ومدنيّ، وبصريّ، وكوفيّ.
وقال آخرون: كان اسم قبيلة إبليس الجنّ، وهم سبط من الملائكة يقال لهم الجنّ، فلذلك قال الله عزّ وجلّ (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) فنسبه إلى قبيلته.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله (كَانَ مِنَ الْجِنِّ) قال: من الجنانين الذين يعملون في الجنان.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو سعيد اليحمدي إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثني سوار بن الجعد اليحمدي، عن شهر بن حوشب، قوله: (مِنَ الْجِنِّ) قال: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعض الملائكة، فذهب به إلى السماء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) قال: كان خازن الجنان فسمي بالجنان.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا أحمد بن بشير، عن سفيان بن أبي المقدام، عن سعيد بن جبير، قال: كان إبليس من خزنة الجنة.
وقد بينا القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) يقول: فخرج عن أمر ربه، وعدل عنه ومال، كما قال رؤبة:
يَهْوِينَ في نَجْدٍ وغَوْرًا غائرَا ... فَوَاسقا عَنْ قَصْدِها جَوَائرَا (1)
يعني بالفواسق: الإبل المنعدلة عن قصد نجد، وكذلك الفسق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد، والميل عن الاستقامة، ويُحكى عن العرب سماعا: فسقت الرطبة من قشرها: إذا خرجت منه، وفسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: إنما قيل: (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) لأنه مراد به: ففسق عن ردّه أمر الله، كما تقول العرب: اتخمت عن الطعام،
(1)
هذان بيتان من مشطور الرجز لرؤبة، أوردها صاحب مجموع أشعار العرب ج 3 في ملحق ديوان رؤبة ص 190 والبيت الثاني في (اللسان: فسق) . والشاهد في قوله: فواسقا بمعنى خوارج. وقد استشهد بهما أبو عبيدة في (مجاز القرآن: 1: 406) قال: "ففسق عن أمر ربه" . جار عنه، وكفر به، وقال رؤبة: "يهوين. . . إلخ" ، وما قاله المؤلف شبيه بما قال أبو عبيدة.

بمعنى: اتخمت لما أكلته. وقد بيَّنا القول في ذلك، وأن معناه: عدل وجار عن أمر الله، وخرج عنه. وقال بعض أهل العلم بكلام العرب: معنى الفسق: الاتساع. وزعم أن العرب تقول: فسق في النفقة: بمعنى اتسع فيها. قال: وإنما سمي الفاسق فاسقا، لاتساعه في محارم الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى "ح" ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) قال: في السجود لآدم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) قال: عصى في السجود لآدم.
وقوله: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) يقول تعالى ذكره: أفتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم وحسده، وكفر نعمتي عليه، وغره حتى أخرجه من الجنة ونعيم عيشه فيها إلى الأرض وضيق العيش فيها، وتطيعونه وذريّته من دون الله مع عدواته لكم قديما وحديثا، وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم عليكم وأكرمكم، بأن أسجد لوالدكم ملائكته، وأسكنه جناته، وآتاكم من فواضل نعمه ما لا يحصى عدده، وذرّية إبليس: الشياطين الذين يغرّون بني آدم. كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي) قال: ذرّيته: هم الشياطين، وكان يعدّهم "زلنبور (1) " صاحب الأسواق ويضع رايته في كلّ سوق ما بين السماء والأرض، و "ثبر" صاحب المصائب، و "الأعور" صاحب الزنا و "مسوط" صاحب الأخبار، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس، ولا يجدون لها أصلا و "داسم" الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر
(1)
زلنبور وما عطف عليه من أسماء أولاد إبليس: مذكورة في (التاج: زلنبور) ، نقلا عن الأزهري في التهذيب في الخماسي، والغزالي في الإحياء، والصاغاني في التكملة.

الله بصره من المتاع ما لم يرفع، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: ثنا حفص بن غياث، قال: سمعت الأعمش يقول: إذا دخلتُ البيت ولم أسلم، رأيت مطهرة، فقلت: ارفعوا ارفعوا، وخاصمتهم، ثم أذكر فأقول: داسم داسم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: هم أربعة ثبر، وداسم، وزلنبور، والأعور، ومسوط: أحدها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي) .... الآية، وهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم، وهم لكم عدوّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) وهو أبو الجنّ كما آدم أبو الإنس.
وقال: قال الله لإبليس: إني لا أذرأ لآدم ذرّية إلا ذرأت لك مثلها، فليس من ولد آدم أحد إلا له شيطان قد قرن به.
وقوله: (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا) يقول عزّ ذكره: بئس البدل للكافرين بالله اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله، وهم لكم عدوّ من تركهم اتخاذ الله وليا باتباعهم أمره ونهيه، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم، المتفضّل عليهم من الفواضل ما لا يحصى بدلا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا) بئسما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس.
القول في تأويل قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) }
يقول عزّ ذكره: ما أشهدت إبليس وذرّيته (خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول: ما أحضرتهم ذلك فأستعين بهم على خلقها (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) يقول:
ولا أشهدت بعضهم أيضا خلق بعض منهم، فأستعين به على خلقه، بل تفرّدت بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير، يقول: فكيف اتخذوا عدوّهم أولياء من دوني، وهم خلق من خلق أمثالهم، وتركوا عبادتي وأنا المنعم عليهم وعلى أسلافهم، وخالقهم وخالق من يوالونه من دوني منفردا بذلك من غير معين ولا ظهير.
وقوله: (وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) يقول: وما كنت متخذ من لا يهدي إلى الحقّ، ولكنه يضلّ، فمن تبعه يجور به عن قصد السبيل أعوانا وأنصارا، وهو من قولهم: فلان يعضد فلانا إذا كان يقوّيه ويعينه.
وبنحو ذلك قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) : أي أعوانا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله، وإنما يعني بذلك أن إبليس وذرّيته يضلون بني آدم عن الحقّ، ولا يهدونهم للرشد، وقد يحتمل أن يكون عنى بالمضلين الذين هم أتباع على الضلالة، وأصحاب على غير هدى.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) }
يقول عزّ ذكره، (وَيَوْمَ يَقُولُ) الله عزّ ذكره للمشركين به الآلهة والأنداد (نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) يقول لهم: ادعوا الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في العبادة لينصروكم ويمنعوكم مني (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) يقول: فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا)
فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وجعلنا بين هؤلاء المشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء في الدنيا يومئذ عداوة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، في قول الله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: جعل بينهم عداوة يوم القيامة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن عوف، عن الحسن (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: عداوة.
وقال آخرون: معناه: وجعلنا فعلهم ذلك لهم مَهْلِكا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: مَهْلِكا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (مَوْبِقا) قال: هلاكا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: الموبق: المهلك، الذي أهلك بعضهم بعضا فيه، أوبق بعضهم بعضا، وقرأ (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) .
حُدثت عن محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك (مَوْبِقا) قال: هلاكا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن عرفجة، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: مهلكا.
وقال آخرون: هو اسم واد في جهنم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عمرو البِكَالّي: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واد عميق فُصِل به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، وأهل الجنة، وأهل النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) ذكر لنا أن عمر البِكَالي حدّث عن عبد الله بن عمرو، قال: هو واد عميق فُرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن الحجاج بن أرطاة،
قال: قال مجاهد (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واديا في النار.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى "ح" ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واديا في جهنم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا يزيد بن درهم، قال: سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله عزّ وجلّ (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واد في جهنم من قيح ودم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، ومن وافقه في تأويل الموبق: أنه المهلك، وذلك أن العرب تقول في كلامها: قد أوبقت فلانا: إذا أهلكته، ومنه قول الله عز وجل: (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا) بمعنى: يهلكهن. ويقال للمهلك نفسه: قد وبق فلان فهو يوبق وبقا. ولغة بني عامر: يابق بغير همز. وحُكي عن تميم أنها تقول: ييبق. وقد حُكي وبق يبق وبوقا، حكاها الكسائي. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: الموبق: الوعد، ويستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:
وحادّ شَرَوْرَى فالستَّارَ فَلَمْ يَدَعْ ... تِعارًا لَهُ والوَاديَيْنِ بمَوْبقِ (1)
ويتأوّله بموعد، وجائز أن يكون ذلك المهلك الذي جعل الله جلّ ثناؤه بين هؤلاء المشركين، هو الوادي الذي ذكر عن عبد الله بن عمرو، وجائز أن يكون
(1)
البيت في (اللسان: وبق) قال: وبق الرجل يبق وبقا ووبوقا (من باب ضرب) ووبق (من باب حسب) وبقا، واستوبق هلك. وأوبقه هو. والموبق: مفعل (بكر العين) منه، كالموعد مفعل من وعد يعد. ومنه قوله تعالى: "وجعلنا بينهم موبقا" قال الفراء: يقول جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا: أي مهلكا لهم في الآخرة. وقال ابن الأعرابي: موبقا: أي حاجزا، وكل حاجز بين شيئين فهو موبق. وقال أبو عبيدة:الموبق: الموعد، في قوله "وجعلنا بينهم موبقا" واحتج بقوله "وحاد شرورى ..." البيت معناه: بموعد. وحاد شرورى: نأى عنها وهي جبل بين العمق والمعدن، في طريق مكة إلى الكوفة، بين بني أسد وبني عامر، والستار، جبل بالحجاز معروف، أسفل من النباج، وتعار: جبل أيضا، ببلاد قيس.

العداوة التي قالها الحسن.
وقوله: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) يقول: وعاين المشركون النار يومئذ (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا) يقول: فعلموا أنهم داخلوها.
كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا) قال: علموا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إنَّ الكافرَ يَرَى جَهَنَّمَ فَيَظُنُّ أنَّها مُوَاقعَتُهُ منْ مَسيرَةِ أرْبَعينَ سَنَة" .
وقوله: (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) يقول:
ولم يجدوا عن النار التي رأوا معدلا يعدلون عنها إليه. يقول: لم يجدوا من مواقعتها بدّا، لأن الله قد حتم عليهم ذلك، ومن المصرف بمعنى المعدل قول أبي كبير الهذليّ:
أزُهَيْرُ هَلْ عَنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَصْرِفِ ... أمْ لا خُلُودَ لباذِلٍ مُتَكَلِّفِ (1)
(1)
البيت لأبي كبير الهذلي، وهو في القسم الثاني من ديوان الهذليين طبعة دار الكتب ص 104 مطلع قصيدة له. وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن: 1: 407) قال في تفسير قوله تعالى: "ولم يجدوا عنها مصرفا" : أي معدلا. وقال أبو كبر الهذلي: أزهير. . . إلخ البيت.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا (54) }
يقول عزّ ذكره: ولقد مثلنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل، ووعظناهم فيه من كلّ عظة، واحتججنا عليهم فيه بكل حجة ليتذكَّروا فينيبوا، ويعتبروا فيتعظوا، وينزجروا عما هم عليه مقيمون من الشرك بالله وعبادة الأوثان (وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) يقول: وكان الإنسان أكثر شيء مراء وخصومة، لا ينيب لحقّ، ولا ينزجر لموعظة.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) قال: الجدل: الخصومة، خصومة




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]