عرض مشاركة واحدة
  #988  
قديم 21-07-2025, 03:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الكهف
الحلقة (988)
صــ 71 إلى صــ 80





يقول تعالى ذكره: قال موسى للعالم: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي) من العلم الذي علمك الله ما هو رشاد إلى الحقّ، ودليل على هدى؟
(قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)
يقول تعالى ذكره: قال العالم: إنك لن تطيق الصبر معي، وذلك أني أعمل بباطن علم علَّمنيه الله، ولا علم لك إلا بظاهر من الأمور، فلا تصبر على ما ترى من الأفعال، كما ذكرنا من الخبر عن ابن عباس قَبلُ من أنه كان رجلا يعمل على الغيب قد علم ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) }
يقول عزّ ذكره مخبرا عن قول العالم لموسى: وكيف تصبر يا موسى على ما ترى مني من الأفعال التي لا علم لك بوجوه صوابها، وتقيم معي عليها، وأنت إنما تحكم على صواب المصيب وخطأ المخطئ بالظاهر الذي عندك، وبمبلغ علمك، وأفعالي تقع بغير دليل ظاهر لرأي عينك على صوابها، لأنها تبتدئ لأسباب تحدث آجلة غير عاجلة، لا علم لك بالحادث عنها، لأنها غيب، ولا تحيط بعلم الغيب خبرا يقول علما، قال: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا) على ما أرى منك وإن كان خلافا لما هو عندي صواب (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) يقول: وأنتهي إلى ما تأمرني، وإن لم يكن موافقا هواي.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) }
يقول تبارك وتعالى: قال العالم لموسى: فإن اتبعتني الآن فلا تسألني عن شيء أعمله مما تستنكره، فإني قد أعلمتك أني أعمل العمل على الغيب الذي لا تحيط به علما (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) يقول: حتى أحدث أنا لك مما ترى من الأفعال التي أفعلها التي تستنكرها أذكرها لك وأبين لك شأنها، وأبتدئك الخبر عنها.
كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني
أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) يعني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) }
يقول تعالى ذكره: فانطلق موسى والعالم يسيران يطلبان سفينة يركبانها، حتى إذا أصاباها ركبا في السفينة، فلما ركباها، خرق العالم السفينة، قال له موسى: أخرقتها بعد ما لَجَجنا في البحر (لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) يقول: لقد جئت شيئا عظيما، وفعلت فعلا مُنكرا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) : أي عجبا، إن قوما لججوا سفينتهم فخرقتها، كأحوج ما نكون إليها، ولكن علم من ذلك ما لم يعلم نبيّ الله موسى ذلك من علم الله الذي آتاه، وقد قال لنبيّ الله موسى عليه السلام: (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) .
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) يقول: نُكرا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) قال: منكرا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، والإمر: في كلام العرب: الداهية، ومنه قول الراجز:
قَدْ لَقِيَ الأقْرَانُ مِنِّي نُكْرًا ... دَاهِيَةٌ دَهْياءَ إدَّا إمرًا (1)
(1)
البيت: من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن) 1: 409 قال في تفسير قوله تعالى: "جئت شيئا إمرا" أي داهية نكرا عظيمة. وفي آية أخرى شيئا إدا. قال: "قد بقى الأقران. . . البيت" . وفي (اللسان: إمرا) : الأخفش: يقال: أمر أمره يأمر أمرا (الفعل كفرح يفرح) أي اشتد. والاسم: الإمر بكسر الهمزة. قال الراجز: "قد لقي. . . البيت" ويقال: عجبا. وأمرا إمرا: منكر، وفي التنزيل العزيز: "لقد جئت شيئا إمرا" قال أبو إسحق: أي جئت شيئا عظيما من المنكر. وقيل: الإمر بالكسر، الأمر العظيم الشنيع. وقيل: العجيب. قال: ونكرا أقل من قوله: إمرا؛ لأن تغريق من في السفينة أنكر من قتل نفس واحدة. قال ابن سيده: وذهب الكسائي إلى أن معنى إمرا: شيئا داهيا منكرا عجبا، واشتقه من قولهم: أمر القوم: إذا أكثروا. اهـ.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: أصله: كل شيء شديد كثير، ويقول منه: قيل للقوم: قد أمروا: إذا كثروا واشتدّ أمرهم، قال: والمصدر منه: الأمَرَ، والاسم: الإمْر.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين (لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) بالتاء في لتُغرِق، ونصب الأهل، بمعنى: لتُغرِق أنت أيها الرجل أهل هذه السفينة بالخرق الذي خرقت فيها. وقرأه عامة قرّاء الكوفة: (لِيَغْرَقَ (بالياء أهلها بالرفع، على أن الأهل هم الذين يغرقون.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، متفقتا المعنى وإن اختلفت ألفاظهما، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب.
وإنما قلنا: هما متفقتا المعنى، لأنه معلوم أن إنكار موسى على العالم خرق السفينة إنما كان لأنه كان عنده أن ذلك سبب لغرق أهلها إذا أحدث مثل ذلك الحدث فيها فلا خفاء على أحد معنى ذلك قرأ بالتاء ونصب الأهل، أو بالياء ورفع الأهل.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) }
يقول عزّ ذكره: (قَالَ) العالم لموسى إذ قال له ما قال (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) على ما ترى من أفعالي، لأنك ترى ما لم تُحِط به خبرا، قال له موسى: (لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ) فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: كان هذا الكلام من موسى عليه السلام للعالِم معارضة، لا أنه
كان نسي عهده، وما كان تقدّم فيه حين استصحبه بقوله: (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) .
* ذكر من قال ذلك: حُدثت عن يحيى بن زياد، قال: ثني يحيى بن المهلب، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن أبيّ بن كعب الأنصاريّ في قوله: (لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ) قال: لم ينس، ولكنها من معاريض الكلام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تؤاخذني بتركي عهدك، ووجه أن معنى النسيان: الترك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ) : أي بما تركت من عهدك.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذه بما نسي فيه عهده من سؤاله إياه على وجه ما فعل وسببه لا بما سأله عنه، وهو لعهده ذاكر للصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن ذلك معناه من الخبر، وذلك ما حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا ابن عيينة. عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ) قال: كانَتِ الأوَلى مِنْ مُوسَى نِسْيانا.
وقوله: (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا) يقول: لا تُغْشِني من أمري عسرا، يقول: لا تضيق علي أمري معك، وصحبتي إياك.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) }
يقول تعالى ذكره: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ) العالم، ف (قال) له موسى: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً) .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة: (أقَتَلْتَ
نَفْسا زَاكِيَةً) وقالوا معنى ذلك: المطهرة التي لا ذنب لها، ولم تذنب قطّ لصغرها، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: (نَفْسا زَكِيَّةً) بمعنى: التائبة المغفور لها ذنوبها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً) والزكية: التائبة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً) قال: الزكية: التائبة.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر "أقتلت نفسا زاكية" قال: قال الحسن: تائبة، هكذا في حديث الحسن وشهر زاكية.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (نَفْسًا زَكِيَّةً) قال: تائبة.
* ذكر من قال: معناها المسلمة التي لا ذنب لها: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني يعلى بن مسلم، أنه سمع سعيد بن جبير يقول: وجد خضر غلمانا يلعبون، فأخذ غلاما ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، قال: وأخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبئي قال: اسم الغلام الذي قتله الخضر: جيسور (قال أقتلت نفسا زاكية) قال: مسلمة. قال: وقرأها ابن عباس: (زكية) كقولك: زكيا.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة يقول: معنى الزكية والزاكية واحد، كالقاسية والقسية، ويقول: هي التي لم تجن شيئا، وذلك هو الصواب عندي لأني لم أجد فرقا بينهما في شيء من كلام العرب.
فإذا كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب، لأنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد.
وقوله: (بِغَيْرِ نَفْسٍ) يقول: بغير قصاص بنفس قتلت، فلزمها القتل قودا بها، وقوله: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) يقول: لقد جئت بشيء منكر، وفعلت



فعلا غير معروف.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) والنُّكْرُ أشدّ من الإمر.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) }
يقول تعالى ذكره: قال العالم لموسى (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) على ما ترى من أفعالي التي لم تحط بها خبرا، قال موسى له: (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا) يقول: بعد هذه المرة (فَلا تُصَاحِبْنِي) يقول: ففارقني، فلا تكن لي مصاحبا (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا) يقول: قد بلغت العذر في شأني.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراءة أهل المدينة (مِنْ لَدُني عُذْرًا) بفتح اللام وضم الدال وتخفيف النون. وقرأه عامة قرّاء الكوفة والبصرة بفتح اللام وضم الدال وتشديد النون. وقرأه بعض قراء الكوفة بإشمام اللام الضم وتسكين الدال وتخفيف النون، وكأن الذين شدّدوا النون طلبوا للنون التي في لدن السلامة من الحركة، إذ كانت في الأصل ساكنة، ولو لم تشدّد لتحرّكت، فشدّدوها كراهة منهم تحريكها، كما فعلوا في "من، وعن" إذا أضافوهما إلى مكنّى المخبر عن نفسه، فشدّدوهما، فقالوا مني وعنِّي. وأما الذين خفَّفوها، فإنهم وجدوا مكنّى المخبر عن نفسه في حال الخفض ياء وحدها لا نون معها، فأجروا ذلك من لدن على حسب ما جرى به كلامهم في ذلك مع سائر الأشياء غيرها.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان فصيحتان، قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن
أعجب القراءتين إليّ في ذلك قراءة من فتح اللام وضمّ الدال وشدّد النون، لعلتين: إحداهما أنها أشهر اللغتين، والأخرى أن محمد بن نافع البصري حدثنا، قال: ثنا أمية بن خالد، قال: ثنا أبو الجارية العبدي، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا) مثقلة.
حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال: "اسْتَحْيا فِي اللهِ مُوسَى" .
حدثنا محمد بن المثني، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا عباد بن راشد، قال: ثنا داود، في قول الله عزّ وجلّ (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَحْيا فِي اللهِ مُوسَى عِنْدَها" .
حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: (رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنا وَعلى مُوسَى، لَوْ لَبِثَ مَعَ صَاحِبِهِ لأبْصَرَ العَجَبَ وَلكنَّه قالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (مُثَقلة) .
القول في تأويل قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) }
يقول تعالى ذكره: فانطلق موسى والعالم (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا
أَهْلَهَا) من الطعام فلم يطعموهما واستضافاهم (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)
يقول: وجدا في القرية حائطا يريد أن يسقط ويقع، يقال منه: انقضت الدار: إذا انهدمت وسقطت، ومنه انقضاض الكوكب، وذلك سقوطه وزواله عن مكانه، ومنه قول ذي الرُّمة:
فانْقَضَّ كالكَوْكَبِ الدُّرّي مُنْصَلِتا (1)
وقد رُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأ ذلك: (يُريدُ أنْ يَنْقاضَّ) .
وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب إذا قرئ ذلك كذلك في معناه، فقال بعض أهل البصرة منهم: مجاز ينقاضّ: أي ينقلع من أصله، ويتصدّع، بمنزلة قولهم: قد انقاضت السنّ: أي تصدّعت، وتصدّعت من أصلها، يقال: فراق كقيض السنّ: أي لا يجتمع أهله.
وقال بعض أهل الكوفة (2) منهم: الانقياض: الشقّ في طول الحائط في طيّ البئر وفي سنّ الرجل، يقال: قد انقاضت سنه: إذا انشقَّت طولا. وقيل: إن القرية التي استطعم أهلها موسى وصاحبه، فأبوا أن يضيفوهما: الأيلة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسين بن محمد الذراع، قال: ثنا عمران بن المعتمر صاحب الكرابيسي، قال: ثنا حماد أبو صالح، عن محمد بن سيرين، قال: انتابوا الأيلة، فإنه قلّ من يأتيها فيرجع منها خائبا، وهي الأرض التي أبوا أن يضيفوهما، وهي أبعد أرض الله من السماء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ) وتلا إلى قوله (لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) شرّ القرى التي لا تُضِيف الضيف، ولا تعرف لابن السبيل حقه.
واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قول الله عز وجل (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) فقال بعض أهل البصرة: ليس للحائط إرادة ولا للمَوَات، ولكنه إذا
(1)
هذا صدر بيت لذي الرمة. وفي (اللسان: قض) : انقض الجدار: تصدع من غير أن يسقط. وقيل: انقض: سقط. وفي التنزيل العزيز: (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) هكذا عده أبو عبيد وغيره ثنائيا، وجعله أبو علي ثلاثيا من نقض، فهو عنده "افعل" بتشديد اللام. وفي التهذيب: ينقض: أي ينكسر، يقال: قضضت الشيء، إذا دققته. والمنصلت: المسرع من كل شيء.

(2)
هو الفراء (انظر معاني القرآن له، مصورة الجامعة 24059 ص 190) .

كان في هذه الحال من رثة فهو إرادته وهذا كقول العرب في غيره:
يُريدُ الرُّمحُ صَدْرَ أبي بَرَاءٍ ... وَيَرْغَبُ عَنْ دِماءِ بَنِي عُقَيْلِ (1)
وقال آخر منهم: إنما كلم القوم بما يعقلون، قال: وذلك لما دنا من الانقضاض، جاز أن يقول: يريد أن ينقض، قال: ومثله (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ) وقولهم: إني لأكاد أطير من الفرح، وأنت لم تقرب من ذلك، ولم تهمْ به، ولكن لعظيم الأمر عندك، وقال بعض الكوفيين منهم: من كلام العرب أن يقولوا: الجدار يريد أن يسقط، قال: ومثله من قول العرب قول الشاعر:
إنَّ دهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ ... لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحْسانِ (2)
وقول الآخر:
يَشْكُو إليَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرًا جَمِيلا فَكِلانا مُبْتَلى (3)
قال: والجمل لم يشك، إنما تكلم به على أنه لو تكلم لقال ذلك، قال: وكذلك قول عنترة:
وازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنا بِلَبانِهِ ... وشَكا إليَّ بعَبْرَةٍ وَتحَمْحُمِ (4)
(1)
البيت من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن 1: 410) قال في تفسير قوله تعالى: (يريد أن ينقض) ليس للحائط إرادة ولا للموت ولكنه إذا كان في هذه الحال من رثة، فهو إرادته. وهذا قول العرب في غيره، قال الحارثي: "يريد الرمح. . . البيت" . وفي "اللسان: رود" : وقوله عز وجل: (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه) أي أقامه الخضر، وقال: يريد، والإرادة إنما تكون من الحيوان، والجدار لا يريد إرادة حقيقية؛ لأن تهيؤه للسقوط قد ظهر كما تظهر أفعال المريدين، فوصف الجدار بالإرادة، إذا كانت الصورتان واحدة، ومثل هذا كثير في اللغة والشعر، قال الراعي: في مهمه قلقت به هاماتها ... قلق الفئوس إذا أردنا نصولا

وقال الآخر: "يريد الرمح صدر أبي براء" . . . . البيت.
(2)
البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 190 من مصورة الجامعة) قال: "يريد أن ينقض" : يقال: كيف يريد الجدار أن ينقض؟ وذلك من كلام العرب أن يقولوا: الجدار يريد أن يسقط. ومثله قول الله: (ولما سكت عن موسى الغضب) والغضب لا يسكت، إنما يسقط صاحبه، ومعناه: سكن. وقوله: فإذا عزم الأمر: إنما يعزم الأمر أهله. وقال الشاعر: "إن دهرا. . ." البيت. وقال الآخر: "شكى إلي جملي. . . البيت" . (وسيجيء بعد هذا) . والجمل لم يشك، إنما تكلم به على أنه لو نطق لقال ذلك، وكذلك قول عنترة: "وزور من وقع القنا. . . . البيت" ؛ (سيجيء بعد هذا) . . . وقال أبو عبيدة في (مجاز القرآن 1: 411) : وجاز "أن ينقض" مجاز: يقع. يقال: انقضت الدار إذا انهدمت وسقطت، وقرأ قوم "أن ينقاض" ، ومجازه: أن ينقلع من أصله ويتصدع؛ بمنزلة قولهم: قد انقاضت السن: أي إن صدعت، وتقلعت من أصلها.

(3)
سبق الكلام على البيت في الشاهد السابق عليه وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن.

(4)
سبق الكلام على البيت في الشاهد السابق على الذي قبله. ولبانه: صدره: والقنا: جمع قناة، وهي الرمح. وهو من شواهد الفراء.

قال: ومنه قول الله عز وجل: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) والغضب لا يسكت، وإنما يسكت صاحبه. وإنما معناه: سكن.
وقوله: (فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ) إنما يعزم أهله، وقال آخر منهم: هذا من أفصح كلام العرب، وقال: إنما إرادة الجدار: ميله، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم "لا تَرَاءى نارَاهُما" وإنما هو أن تكون ناران كلّ واحدة من صاحبتها بموضع لو قام فيه إنسان رأى الأخرى في القُرب، قال: وهو كقول الله عز وجل في الأصنام: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) قال: والعرب تقول: داري تنظر إلى دار فلان، تعني: قرب ما بينهما، واستشهد بقول ذي الرُّمَّة في وصفه حوضا أو منزلا دارسا:
قَدْ كادَ أوْ قَدْ هَمَّ بالبُيُودِ (1)
قال: فجعله يهمّ، وإنما معناه: أنه قد تغير للبلى، والذي نقول به في ذلك أن الله عزّ ذكره بلطفه، جعل الكلام بين خلقه رحمة منه بهم، ليبين بعضهم لبعض عما في ضمائرهم، مما لا تحسُّه أبصارهم، وقد عقلت العرب معنى القائل:
في مَهْمَةٍ قَلِقَتْ بِهِ هاماتُهَا ... قَلَقَ الفُئُوسِ إذَا أرَدْنَ نُصُولا (2)
وفهمت أن الفئوس لا توصف بما يوصف به بنو آدم من ضمائر الصدور مع وصفها إياهما بأنها تريد، وعلمت ما يريد القائل بقوله:
كمِثْلِ هَيْلِ النَّقا طافَ المُشاةُ بِهِ ... يَنْهالُ حِينا ويَنْهَاهُ الثَّرَى حِينا (3)
وإنما لم يرد أن الثرى نطق، ولكنه أراد به أنه تلبَّد بالندى، فمنعه من الإنهيال،
(1)
هذا بيت من الرجز. لذي الرمة. والبيود: مصدر باد يبيد: إذا هلك. والشاهد فيه مثل الشواهد السابقة عليه.

(2)
هذا البيت للراعي، وقد سبق الكلام عليه قبل في أكثر من موضع.

(3)
هال التراب والرمل هيلا وأهاله فانهال، وهيله فتهيل أي دفعه فانهال. والنقا: الكثيب من الرمل النقي. والبيت كالشواهد السابقة عليه في أن قوله ينهاه الثرى: أي يمسكه الثرى على التهيل، جعل ذلك بمنزلة نهيه عن السقوط، مع أن الثرى لا ينهى ولا يأمر، ولكنه جاء كذلك على لسان العرب، كما جاء قوله تعالى في القرآن: (يريد أن ينقض) . وقد اتضح معناه بما لا يزيد عليه في الشواهد السابقة قريبا.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]