عرض مشاركة واحدة
  #989  
قديم 21-07-2025, 04:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الكهف
الحلقة (989)
صــ 81 إلى صــ 90






فكان منعه إياه من ذلك كالنهي من ذوي المنطق فلا ينهال. وكذلك قوله: (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) قد علمت أن معناه: قد قارب من أن يقع أو يسقط، وإنما خاطب جل ثناؤه بالقرآن من أنزل الوحي بلسانه، وقد عقلوا ما عنى به وإن استعجم عن فهمه ذوو البلادة والعمى، وضل فيه ذوو الجهالة والغبا.
وقوله: (فَأَقَامَهُ) ذكر عن ابن عباس أنه قال: هدمه ثم قعد يبنيه.
حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، عن الحسن بن عُمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) قال: رفع الجدار بيده فاستقام.
والصواب من القول في ذلك أن يُقال: إن الله عزّ ذكره أخبر أن صاحب موسى وموسى وجدا جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه صاحب موسى، بمعنى: عَدَل ميله حتى عاد مستويا.
وجائز أن يكون كان ذلك بإصلاح بعد هدم، وجائز أن يكون كان برفع منه له بيده، فاستوى بقدرة الله، وزال عنه مَيْلُه بلطفه، ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر للعذر قاطع بأي ذلك كان من أيّ.
وقوله: (قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) يقول: قال موسى لصاحبه: لو شئت لم تقم لهؤلاء القوم جدارهم حتى يعطوك على إقامتك أجرا، فقال بعضهم: إنما عَنَى موسى بالأجر الذي قال له (لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) القِرى: أي حتى يَقْرُونا، فإنهم قد أبوا أن يضيِّفونا.
وقال آخرون: بل عنى بذلك العِوَض والجزاء على إقامته الحائط المائل.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء أهل المدينة والكوفة (لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) على التوجيه منهم له إلى أنه لافتعلت من الأخذ، وقرأ ذلك بعض أهل البصرة (لَوْ شَئِتَ لَتَخِذْتَ) بتخفيف التاء وكسر الخاء، وأصله: لافتعلت، غير أنهم جعلوا التاء كأنهم من أصل الكلمة، ولأن الكلام عندهم في فعل ويفعل من ذلك: تخِذ فلان كذا يَتْخَذُه تَخْذا، وهي لغة فيما ذكر لهُذَيل، وقال بعض الشعراء:
وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي لَدَى جَنْبِ غَرْزِها ... نَسيِفا كأفحُوصِ القَطاةِ المُطَرِّقِ (1)
والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما لغتان معروفتان من لغات العرب بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني أختار قراءته بتشديد التاء على لافتعلت، لأنها أفصح اللغتين وأشهرهما، وأكثرهما على ألسن العرب.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) }
يقول تعالى ذكره: قال صاحب موسى لموسى: هذا الذي قلته وهو قوله (لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) يقول: فرقة ما بيني وبينك: أي مفرق بيني وبينك
(سَأُنَبِّئُكَ) يقول: سأخبرك (بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) يقول: بما يئول إليه عاقبة أفعالي التي فعلتها، فلم تستطع على تَرك المسألة عنها، وعن النكير علي فيها صبرا، والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) }
يقول: أما فعلي ما فعلت بالسفينة، فلأنها كانت لقوم مساكين (يَعْمَلُونَ
(1)
البيت للممزق العبدي، واسمه شأس بن نهار، شاعر جاهلي قديم. وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (1: 411) قال: "لو شئت لتخذت عليه أجرا" : الخاء مكسورة، ومعناها معنى أخذت، فكان مخرجها مخرج فعلت تفعل (من باب فرح يفرح) قال الممزق العبدي (من عبد القيس) : "وقد تخذت رجلي. . . البيت" . وفي اللسان: والغرز للجمل مثل الركاب للبغل، وهو ما يضع الراكب فيه قدمه عند الركوب. والأفحوص: مجثم القطاة، لأنها تفحص الموضع، ثم تبيض فيه، وكذلك هو للدجاجة، قال الممزق العبدي: "وقد تذت رجلي. . ." البيت. والنسيف: أثر عض الغرز في جنب الناقة، من عضة أو انحصاص وبر. والمطرق من وصف القطاة. يقال: طرقت المرأة وكل حامل تطرق: إذا خرج من الولد نصفه ثم نشب فيقال: طرقت ثم خلصت. وقيل التطريق للقطاة إذا فحصت للبيض، كأنها تجعل له طريقا.

فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) بالخرق الذي خرقتها.
كما حدثني ابن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) قال: أخرقها.
حدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، مثله.
وقوله: (وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ) وكان أمامهم وقُدّامهم ملك.
كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ) قال قتادة: أمامهم، ألا ترى أنه يقول: (مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ) وهي بين أيديهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان في القراءة: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا. وقد ذُكر عن ابن عُيينة، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قرأ ذلك: وكان أمامهم ملك.
قال أبو جعفر: وقد جعل بعض أهل المعرفة بكلام العرب "وراء" من حروف الأضداد، وزعم أنه يكون لما هو أمامه ولما خلفه، واستشهد لصحة ذلك بقول الشاعر:
أيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعي وطاعَتِي ... وَقَوْمي تَمِيمٌ والفَلاةُ وَرَائِيَا (1)
بمعنى أمامي. وقد أغفل وجه الصواب في ذلك. وإنما قيل لما بين يديه: هو ورائي، لأنك من ورائه، فأنت ملاقيه كما هو ملاقيك، فصار: إذ كان
(1)
البيت لسوار بن المضرب (اللسان: ورى) . وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن: 1: 412) قال في تفسير قوله تعالى: (وكان وراءهم ملك) : أي من بين أبيديهم وأمامهم. قال: "أترجو بنو مروان. . . البيت" : أي أمامي. أهـ. وفي (اللسان: ورى) : وقوله عز وجل: (وكان وراءهم ملك) أي أمامهم. قال ابن بري: ومثله قول سوار بن المضرب: "أيرجو بنو مروان. . . البيت" .

ملاقيك، كأنه من ورائك وأنت أمامه. وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة لا يجيز أن يقال لرجل بين يديك: هو ورائي، ولا إذا كان وراءك أن يقال: هو أمامي، ويقول: إنما يجوز ذلك في المواقيت من الأيام والأزمنة كقول القائل: وراءك برد شديد، وبين يديك حرّ شديد، لأنك أنت وراءه، فجاز لأنه شيء يأتي، فكأنه إذا لحقك صار من ورائك، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك. قال: فلذلك جاز الوجهان.
وقوله: (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) فيقول القائل: فما أغنى خَرْق هذا العالم السفينة التى ركبها عن أهلها، إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها، مَعِيبها وغير معيبها، وما كان وجه اعتلاله في خرقها بأنه خرقها، لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا؟ قيل: إن معنى ذلك، أنه يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا، ويدع منها كلّ معيبة، لا أنه كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها. فإن قال: وما الدليل على أن ذلك كذلك؟ قيل: قوله: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) فأبان بذلك أنه إنما عابها، لأن المعيبة منها لا يعرض لها، فاكتفى بذلك من أن يقال: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا، على أن ذلك في بعض القراءات كذلك.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: هي في حرف ابن مسعود: (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني الحسن بن دينار، عن الحكم بن عيينة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: في قراءة أُبيّ: (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غَصْبًا) وإنما عبتها لأرده عنها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) فإذا خلفوه أصلحوها بزفت فاستمتعوا بها. قال ابن جريج: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجَبَئِيّ، أن اسم الرجل الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا: هُدَدُ بنُ بُدد.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) }
يقول تعالى ذكره: وأما الغلام، فإنه كان كافرا، وكان أبواه مؤمنين، فعلمنا أنه يرهقهما: يقول: يغشيهما طغيانا، وهو الاستكبار على الله، وكفرا به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وقد ذُكر ذلك في بعض الحروف. وأما الغلام فكان كافرا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (وأمَّا الغُلامُ فكَانَ كافِرًا) في حرف أُبيّ، وكان أبواه مؤمنين (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ) وكان كافرا في بعض القراءة. وقوله: فَخَشِينا) وهي في مصحف عبد الله: (فَخَافَ ربُّكَ أنْ يُرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) .
حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا عبد الجبار بن عباس الهمداني، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أُبيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغُلامُ الَّذِي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبِعَ يَوْم طُبِعَ كافِرًا" . والخشية والخوف توجههما العرب إلى معنى الظنّ، وتوجه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشيء الذي يُدرك من غير جهة الحسّ والعيان. وقد بيَّنا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: معنى قوله (خَشِينا) في هذا الموضع: كرهنا، لأن الله لا يخشى. وقال في بعض القراءات: فخاف ربك، قال: وهو مثل خفت الرجلين أن يعولا وهو لا يخاف من ذلك أكثر من أنه يكرهه لهما.
وقوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا) : اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قرّاء المكيين والمدنين والبصريين: (فأَرَدْنا أنْ يُبَدّلَهُما رَبُّهُما) . وكان
بعضهم يعتلّ لصحة ذلك بأنه وجد ذلك مشدّدا في عامَّة القرآن، كقول الله عزّ وجلّ: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وقوله وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) فألحق قوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا) وقرأ ذلك عامّةُ قُراء الكوفة: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا) بتخفيف الدال. وكان بعض من قرأ ذلك كذلك من أهل العربية يقول: أبدل يبدل بالتخفيف وبدَّلَ يُبدِّل بالتشديد: بمعنى واحد.
والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكلّ واحدة منهما جماعة من القرّاء، فبآيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقيل: إن الله عزّ وجلّ أبدل أبوي الغلام الذي قتله صاحب موسى منه بجارية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا هاشم بن القاسم، قال: ثنا المبارك بن سعيد، قال: ثنا عمرو بن قيس في قوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) قال: بلغني أنها جارية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، أخبرني سليمان بن أميَّة أنه سمع يعقوب بن عاصم يقول: أُبدِلا مكان الغلام جارية.
قال: ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن عثمان بن خُشَيم، أنه سمع سعيد بن جبير يقول: أبدلا مكان الغلام جارية.
وقال آخرون: أبدلهما ربهما بغلام مسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن أبي
جريج (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) قال: كانت أمه حُبلى يومئذ بغلام مسلم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، أنه ذكر الغلام الذي قتله الخضر، فقال: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
وقوله: (خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً) يقول: خيرا من الغلام الذي قتله صلاحا ودينا.
كما حدثنا القاسم، ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً) قال: الإسلام.
وقوله: (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقرب رحمة بوالديه وأبرّ بهما من المقتول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) : أبرّ بوالديه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سيعد، عن قتادة (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) ، أي أقرب خيرا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأقرب أن يرحمه أبواه منهما للمقتول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (وَأَقْرَبَ رُحْمًا) أرحم به منهما بالذي قتل الخضر.
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك: وأقرب أن يرحماه، والرُّحْم: مصدر رحمت، يقال: رَحِمته رَحْمة ورُحما. وكان بعض البصريين يقول: من الرَّحم والقرابة. وقد يقال: رُحْم ورُحُم مثل عُسْر وعُسُر، وهُلك وهُلُك، واستشهد لقوله ذلك ببيت العجاج:
وَلْم تُعَوَّجْ رُحْمُ مَنْ تَعَوَّجا (1)
ولا وجه للرَّحمِ في هذا الموضع، لأن المقتول كان الذي أبدل الله منه والديه ولدا لأبوي المقتول، فقرابتهما من والديه، وقربهما منه في الرَّحيم سواء. وإنما معنى ذلك: وأقرب من المقتول أن يرحم والديه فيبرهما كما قال قتادة: وقد يتوجه الكلام إلى أن يكون معناه. وأقرب أن يرحماه، غير أنه لا قائل من أهل تأويل تأوّله كذلك، فإذ لم يكن فيه قائل، فالصواب فيه ما قلنا لما بيَّنا.
(1)
البيت من مشطور الرجز. وهو للعجاج (ديوانه طبع ليبسج سنة 1903 ص 10) وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن 1: 413) قال في تفسير قوله تعالى: (وأقرب رحما) : معناها: معنى رحما، مثل عسر ويسر، وهلك وهلك قال العجاج: "ولم تعوج. . . البيت" . وفي (اللسان: رحم) : الرحم، بالضم: الرحمة. وفي التنزيل: "وأقرب رحما" ، وقرئت رحما (بضمتين) . وقال أبو إسحق: أي أقرب عطفا وأمس بالقرابة. والرحم (بضم الراء المشددة فيهما، مع سكون الحاء أو ضمها) في اللغة: العطف والرحمة.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قول صاحب موسى: وأما الحائط الذي أقمته، فإنه كان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما.
اختلف أهل التأويل في ذلك الكنز فقال بعضهم: كان صُحُفا فيها علم مدفونة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن ابيه، عن ابن عباس (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: كان تحته كنز علم.
حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن سعيد بن جبير: (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: كان كنز علم.
حدثنا محمد بن بشار، قال ثنا عبد الرحمن، قال ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: علم.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: علم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: صحف لغلامين فيها علم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: صحف علم.
حدثني أحمد بن حازم الغِفاريّ، قال: ثنا هنادة ابنة مالك الشيبانية، قالت: سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول
في قول الله عزّ وجلّ: (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال سطران ونصف، لم يتم الثالث: "عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب، عجبت للموقن بالحساب كيف يغفل، وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح" وقد قال: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) قالت: وذكر أنهما حُفِظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاح، وكان بينهما وبين الأب الذي حُفظا به سبعة آباء، وكان نساجا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا بن حبيب بن ندبة، قال: ثنا سلمة بن محمد، عن نعيم العنبريّ، وكان من جُلساء الحسن، قال: سمعت الحسن يقول في قوله: (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: لوح من ذهب مكتوب فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم: عجبت لمن يؤمن كيف يحزن، وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها، كيف يطمئنّ إليها، لا إله إلا الله، محمد رسول الله" .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه كان يقول: ما كان الكنز إلا عِلْما.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهد، في قوله (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: صُحُف من علم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، عن عمر مولى غُفْرة (1) ، قال: إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: كان لوحا من ذهب مصمت، مكتوبا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عَجَبٌ من عرف الموت ثم ضحك، عجب من أيقن بالقدر ثم نصب، عجب من أيقن بالموت، ثم أمن، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
(1)
عمر بن عبد الله المدني، مولى غفرة، بضم المعجمة، قيل: هي أخت بلال بن رباح. توفي سنة 145 هـ (الخزرجي) .

وقال آخرون: بل كان مالا مكنوزا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: كنز مال.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن عكرمة، مثله.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، عن شعبة، قال: أخبرني أبو حُصَين، عن عكرمة، مثله، قال شعبة: ولم نسمعه منه.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا) قال: مال لهما، قال قتادة: أحلّ الكنز لمن كان قبلنا، وحرّم علينا، فإن الله يحلّ من أمره ما يشاء، ويحرّم، وهي السنن والفرائض، ويحلّ لأمة، ويحرّم على أخرى، لكنّ الله لا يقبل من أحد مضى إلا الإخلاص والتوحيد له.
* وأولى التأولين في ذلك بالصواب: القول الذي قاله عكرمة، لأن المعروف من كلام العرب أن الكنز اسم لما يكنز من مال، وإن كلّ ما كنز فقد وقع عليه اسم كنز فإن التأويل مصروف إلى الأغلب من استعمال المخاطبين بالتنزيل، ما لم يأت دليل يجب من أجله صرفه إلى غير ذلك، لعلل قد بيَّناها في غير موضع.
وقوله: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا) يقول: فأراد ربك أن يدركا ويبلغا قوتهما وشدّتهما، ويستخرجا حينئذ كنزهما المكنوز تحت الجدار الذي أقمته رحمة من ربك بهما، يقول: فعلت فعل هذا بالجدار، رحمة من ربك لليتيمين.
وكان ابن عباس يقول في ذلك ما حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا أبو أسامة، عن مسعر، عن عبد الملك بن




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]