
21-07-2025, 10:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,591
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ مريم
الحلقة (1006)
صــ 251 إلى صــ 260
قال ابن زيد، في قوله: (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) قال: يكونون عليهم بلاء.
الضدّ: البلاء، والضدّ في كلام العرب: هو الخلاف، يقال: فلان يضادّ فلانا في كذا، إذا كان يخالفه في صنيعه، فيفسد ما أصلحه، ويصلع ما أفسده، وإذ كان ذلك معناه، وكانت آلهة هؤلاء المشركين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع يتبرءون منهم، وينتفون يومئذ، صاروا لهم أضدادا، فوصفوا بذلك.
وقد اختلف أهل العربية في وجه توحيد الضدّ، وهو صفة لجماعة. فكان بعض نحوييِّ البصرة يقول: وحد لأنه يكون جماعة، وواحدا مثل الرصد والأرصاد. قال: ويكون الرصد أيضا لجماعة. وقال بعض نحويي الكوفة وحد، لأن معناه عونا، وذكر أن أبا نهيك كان يقرأ ذلك.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نهيك الأزدي يقرأ (كَلا سَيَكْفُرُونَ) يعني الآلهة كلها أنهم سيكفرون بعبادتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله (تَؤُزُّهُمْ) يقول: تحرّكهم بالإغواء والإضلال، فتزعجهم إلى معاصي الله، وتغريهم بها حتى يواقعوها (أزّا) إزعاجا وإغواء.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (أزّا) يقول: تغريهم إغراء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريح، قال: قال ابن عباس: تؤزّ الكافرين إغراء في الشرك: امض امض في هذا الأمر، حتى توقعهم في النار، امضوا في الغيّ امضوا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو إدريس، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال: تغريهم إغراء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (تؤزهم أزا) قال: تزعجهم إزعاجا في معصية الله.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة في قول الله (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال: تزعجهم إلى معاصي الله إزعاجا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال تزعجهم إزعاجا في معاصي الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) فقرأ (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) قال: تؤزّهم أزّا، قال: تشليهم إشلاء على معاصي الله تبارك وتعالى، وتغريهم عليها، كما يغري الإنسان الآخر على الشيء، يقال منه: أزَزْت فلانا بكذا، إذا أغريته به أؤزُّه أزّا وأزيزا، وسمعت أزيز القدر: وهو صوت غليانها على النار; ومنه حديث مطرف عن أبيه، أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل.
وقوله (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يقول عزّ ذكره: فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك، يا محمد إنما نعدّ لهم عدّا، يقول: فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثما، ونحن نعدّ أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله، (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يقول: أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا، فهي معدودة كسنهم وآجالهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) }
يقول تعالى ذكره: يوم نجمع الذين اتقوا في الدنيا فخافوا عقابه، فاجتنبوا لذلك معاصيه، وأدوا فرائضه إلى ربهم (وَفْدًا) يعني بالوفد: الركبان، يقال: وفدت على فلان: إذا قدمت عليه، وأوفد القوم وفدا على أميرهم، إذا بعثوا قبلهم بعثا. والوفد في هذا الموضع بمعنى الجمع، ولكنه واحد، لأنه مصدر واحدهم وافد، وقد يجمع الوفد: الوفود، كما قال بعض بني حنيفة:
إنّي لَمُمْتَدِح فَمَا هُوَ صَانِعٌ ... رأسُ الوُفُودِ مُزاحِمُ بن جِساسِ (1)
وقد يكون الوفود في هذا الموضع جمع وافد، كما الجلوس جمع جالس.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن عليّ، في قوله (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) قال: أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم، ولا يساقون سوقا، ولكنهم يؤتون بنوق لم ير الخلائق مثلها، عليها رحال الذهب، وأزمتها الزبرجد، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن إسماعيل، عن رجل، عن أبي هريرة (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) قال: على الإبل.
(1) البيت لبعض بني حنيفة، كما قال المؤلف. وفي (تاج العروس: جثث: جساس بوزن كتاب ابن نشبة بن ربيع التيمي، ابن عمرو بن عبد الله بن لؤى بن عمرو بن الحارث بن تيم بن عبد مناة بن أد: أبو قبيلة، من ولده مزاحم بن زفر بن علاج بن الحارث بن عامرو بن جساس عن شعبة عنه أبو الربيع الزهراني، وأخوه عثمان بن زفر، حدث عن يوسف بن موسى القطان وغيره. وفي خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي: مزاحم بن زفر بن الحارث الكوفي، عن عمر بن عبد العزيز؛ وعنه شعبة وسفيان، وثقه ابن معين. وفي اللسان: وفد) قال الله تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) : قيل الوفد: الركبان المكرمون. . . وهم الوفد والوفود. فأما الوفد فاسم للجمع، وقيل جمع. وأما الوفود فجمع وافد. . . . وجمع الوفد: أوفاد ووفود.
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) يقول: ركبانا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس الملائي، قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن صورة، وأطيبها ريحا، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله طيب ريحك وحسن صورتك، فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا، فاركبني أنت اليوم، وتلا (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة (إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) قال: وفدا إلى الجنة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) قال: على النجائب.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: سمعت سفيان الثوري يقول (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) قال: على الإبل النوق.
وقوله (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) يقول تعالى ذكره: ونسوق الكافرين بالله الذين أجرموا إلى جهنم عطاشا، والوِرد: مصدر من قول القائل: وردت كذا أرِده وِردا، ولذلك لم يجمع، وقد وصف به الجمع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) يقول: عطاشا.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن إسماعيل، عن رجل، عن أبي هريرة (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) قال: عطاشا.
حدثني يعقوب والفضل بن صباح، قالا ثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن يقول في قوله (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) قال: عطاشا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن يونس، عن الحسن، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) قال: ظماء إلى النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) سوقوا إليها وهم ظمء عطاش.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: سمعت سفيان يقول في قوله (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) قال: عطاشا.
القول في تأويل قوله تعالى: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) }
يقول تعالى ذكره: لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض (إِلا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ) في الدنيا (عَهْدًا) بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به.
كما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) قال: العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) قال: المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء (إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) قال: عملا صالحا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) : أي بطاعته، وقال في آية أخرى (لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا) ليعلموا أن الله يوم القيامة يشفع المؤمنين بعضهم في بعض، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنَّ في أُمَّتِي رَجُلا لَيُدْخِلَنَّ اللهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنَّةَ أكْثَرَ مِنْ بني تَمِيمِ" ، وكنا نحدّث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ شَفاعَتِي لِمَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ باللهِ شَيئًا" ، و "مَن" في قوله (إلا مَنْ) في موضع نصب على الاستثناء، ولا يكون خفضا بضمير اللام، ولكن قد يكون نصبا في الكلام في غير هذا الموضع، وذلك كقول القائل: أردت المرور اليوم إلا العدوّ، فإني لا أمر به، فيستثنى العدوّ من المعنى، وليس ذلك كذلك في قوله (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) لأن معنى الكلام: لا يملك هؤلاء الكفار إلا من آمن بالله، فالمؤمنون ليسوا من أعداد الكافرين، ومن نصبه على أن معناه إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا، فإنه ينبغي أن يجعل قوله لا يملكون الشفاعة للمتقين، فيكون معنى الكلام حينئذ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا، لا يملكون الشفاعة، إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا، فيكون معناه عند ذلك، إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا. فأما إذا جعل لا يملكون الشفاعة خبرا عن المجرمين، فإن "من" تكون حينئذ نصبا على أنه استثناء منقطع، فيكون معنى الكلام: لا يملكون الشفاعة، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يملكه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) }
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الكافرون بالله (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا) يقول تعالى ذكره للقائلين ذلك من خلقه: لقد جئتم أيها الناس شيئا عظيما من القول منكرا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (شَيْئًا إِدًّا) يقول: قولا عظيما.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا) يقول: لقد جئتم شيئا عظيما وهو المنكر من القول.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (شَيْئًا إِدًّا) قال: عظيما.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (شَيْئًا إِدًّا) قال: عظيما.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا) قال: جئتم شيئا كبيرا من الأمر حين دعوا للرحمن ولدا. وفي الإدّ لغات ثلاث، يقال: لقد جئت شيئا إدّا، بكسر الألف، وأدّا بفتح الألف، وآدا بفتح الألف ومدّها، على مثال مادّ فاعل. وقرأ قرّاء الأمصار، وبها نقرأ،
وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ ذلك بفتح الألف، ولا أرى قراءته كذلك لخلافها قراءة قرّاء الأمصار، والعرب تقول لكلّ أمر عظيم: إدّ، وإمر، ونكر; ومنه قوله الراجز:
قَدْ لَقِيَ الأَعْدَاءُ مِنِّي نُكْرَا ... دَاهِيَةٌ دَهْياءَ إدّا إمْرَا (1)
ومنه قول الآخر:
فِي لَهَثٍ منهُ وَحَثْلٍ إدًّا (2)
وقوله (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) يقول تعالى ذكره:
تكاد السماوات يتشققن قطعا من قيلهم (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) ومنه قيل: فطرنا به: إذا انشق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن من ولدا) قال: إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال، وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ وَجَبَتْ له الجَنَّةُ" قالوا: يا رسول الله، فمن قالها في صحته؟ قال: تلك أوْجَبُ وأَوجَبُ ". ثم قال:" والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ
(1) هذان بيتان من مشطور الرجز، وقد سبق استشهاد المؤلف بهما عند قوله تعالى في سورة الكهف (15: 184) "لقد جئت شيئا إمرا" . وقد شرحناهما ثمت.
(2) هذا بيت من مشطور الرجز لم أعرف قائله. واللهث واللهاث: حر العطش في الجوف. وفي (اللسان: لهث) ابن سيده: لهث الكلب بالفتح، ولهث يلهث فيهما لهثا: دلع لسانه من شدة العطش والحر، وكذلك الطائر إذا أخرج لسانه من حر أو عطش. ولهث الرجل ولهث (بفتح الهاء في الأول وكسرها في الثاني) يلهث (بالفتح) في اللغتين جميعا، لهثا فهو لهثان: أعيا. وأما الحثل فلم أجد في مادة (حثل) في المعاجم معنى يناسب البيت، ولعله محرف عن الخبل، وهو فساد الأعضاء. أو عن الختل، وهو التخادع عن غفلة، ولعل الراجز يصف كلب صيد أو فرسا. وأما الإد فهو العجب والأمر الفظيع؛ وهو محل الشاهد في كلام المؤلف، كالبيتين قبله.
جِيءَ بالسَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ وما بَيْنَهُنَّ وَمَا تَحْتَهُنَّ، فَوُضِعْنَ فِي كِفَّةِ المِيزان، ووُضِعَتْ شَهَادَةُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ في الكِفَّةِ الأُخْرَى، لَرَجَحَتْ بِهِنَّ "."
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: غضبت الملائكة، واستعرت جهنم، حين قالوا ما قالوا.
وقوله: (وتنشق الأرض) يقول: وتكاد الأرض تنشقّ، فتنصدع من ذلك (وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) يقول: وتكاد الجبال يسقط بعضها على بعض سقوطا. والهدّ: السقوط، وهو مصدر هددت، فأنا أهدّ هدّا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) يقول: هدما.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس (وتخر الجبال هدّا) قال: الهد: الانقضاض.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) قال: غضبا لله. قال: ولقد دعا هؤلاء الذين جعلوا لله هذا الذي غضبت السماوات والأرض والجبال من قولهم، لقد استتابهم ودعاهم إلى التوبة، فقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) قالوا: هو وصاحبته وابنه، جعلوهما إلهين معه (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ) .... إلى قوله: (وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) }
يقول تعالى ذكره: وتكاد الجبال أن تخرّ انقضاضا، لأن دعوا للرحمن ولدا. ف "أن" في موضع نصب في قول بعض أهل العربية، لاتصالها بالفعل، وفي قول غيره في موضع خفض بضمير الخافض، وقد بينا الصواب من القول في ذلك في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقال (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) يعني بقوله: (أَنْ دَعَوْا) : أن جعلوا له ولدا، كما قال الشاعر:
ألا رُبَّ مَنْ تَدْعُو نَصِيحا وَإنْ تَغِب ... تَجدْهُ بغَيْبٍ غيرَ مُنْتَصِحِ الصَّدْرِ (1)
وقال ابن أحمر:
أهْوَى لَهَا مِشْقَصًا حَشْرًا فَشَبْرَقَها ... وكنتُ أدْعُو قَذَاها الإثمدَ القَرِدَا (2)
وقوله (وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) يقول: وما يصلح لله أن يتخذ ولدا، لأنه ليس، كالخلق الذين تغلبهم الشهوات، وتضطرّهم اللذّات إلى جماع الإناث، ولا ولد يحدث إلا من أنثى، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه، وذلك كقول ابن أحمر:
في رأسِ خَلْقاءَ مِنْ هَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ ... ما ينبغي دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلُ (3)
يعني: لا يصلح ولا يكون.
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) يقول: ما جميع من في السماوات من الملائكة، وفي الأرض من البشر والإنس والجنّ (إِلا
(1) انظر شرح هذا الشاهد مع شرح تاليه.
(2) (1) البيت في (اللسان: دعا) . ونسبه إلى ابن أحمر الباهلي. قال: ودعوته بزيد، ودعوته إياه سميته به، تعدى الفعل بعد إسقاط الحرف؛ قال ابن أحمر الباهلي: "أهوى لها. . ." البيت. أي اسميه، وأراد: أهوى لها بمشقص، فحذف الحرف وأوصل وقوله عز وجل (أن دعوا للرحمن ولدا) : أي جعلوا، وأنشد بيت ابن أحمر أيضا وقال: أي كنت أجعل وأسمي؛ ومثله قول الشاعر: "ألا رب من تدعو تصيحا. . . البيت" . والمشقص من النصال: ما كان طويلا غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المعبلة (اللسان: شقص) . وسهم محشور وحشر: مستوى قذذ الريش، وكل لطيف دقيق حشر. وشبرقها: مزقها، يقال: ثوب مشبرق: مقطع ممزق. وفي كتاب (المعاني الكبير لابن قتيبة طبع حيدر أباد ص 988) : يقول: كنت من إشفاتي عليها أسمي ما يصلحها قذى، فكيف ما يؤذيها. وقوله "أدعو" أي أسمي؛ تقول: ما تدعون هذا فيكم؟ أي ما تسمونه؟ والحشر: السهم الخفيف الريش الذي قد شد قصبه ورصافه. والإثمد: الكحل الأسود والقرد: هو الذي ينقطع في العين؛ وقيل: القرد: الذي لصق بعضه ببعض. والمعنى: كنتم أسمي الإثمد قذى، من حذري عليها.
(3) تقدم الاستشهاد بهذا البيت قريبا في هذا الجزء ص 84 وشرحناه ثمة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|