
21-07-2025, 10:53 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,588
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ طه
الحلقة (1010)
صــ 291 إلى صــ 300
فَلَمَّا رأى الحَجَّاجَ جَرَّدَ سَيْفَهُ ... أسَرَّ الحَرُورِيُّ الّذِي كانَ أضْمَرَا (1)
وقال: عنى بقوله: أسرّ: أظهر. قال: وقد يجوز أن يكون معنى قوله (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ) وأظهروها، قال: وذلك أنهم قالوا: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا) . وقال جميع هؤلاء الذين حكينا قولهم جائز أن يكون قول من قال: معنى ذلك: أكاد أخفيها من نفسي، أن يكون أراد: أخفيها من قبلي ومن عندي، وكلّ هذه الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا توجيه منهم للكلام إلى غير وجهه المعروف، وغير جائز توجيه معاني كلام الله إلى غير الأغلب عليه من وجوهه عند المخاطبين به، ففي ذلك مع خلافهم تأويل أهل العلم فيه شاهد عدل على خطأ ما ذهبوا إليه فيه.
وقوله (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) يقول تعالى ذكره: إن الساعة آتية لتجزى كلّ نفس: يقول: لتثاب كل نفس امتحنها ربها بالعبادة في الدنيا بما تسعى، يقول: بما تعمل من خير وشرّ، وطاعة ومعصية، وقوله (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا) يقول تعالى ذكره: فلا يردّنك يا موسى عن التأهُّب للساعة، من لا يؤمن بها، يعني: من لا يقرّ بقيام الساعة، ولا يصدّق بالبعث بعد الممات، ولا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقابا. وقوله (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) يقول: اتبع هوى نفسه، وخالف أمر الله ونهيه (فَتَرْدَى) يقول: فتهلك إن أنت انصددت عن التأهب للساعة، وعن الإيمان بها، وبأن الله باعث الخلق لقيامها من قبورهم بعد فنائهم بصدّ من كفر بها، وكان بعضهم يزعم أن الهاء والألف من قوله (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا) كناية عن ذكر الإيمان، قال: وإنما قيل عنها وهي كناية
(1) لم أجد هذا البيت في ديوان الفرزدق،وهو من شواهد أبي عبيدة (اللسان: سرر) قال: أسررت الشيء: أخفيته، وأسررته: أعلنته، ومن الإظهار قوله تعالى: (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) أي أظهروها. وأنشد الفرزدق * فلما رأى الحجاج جرد سيفه *
البيت. قال شمر: لم أجد هذا البيت للفرزدق وما قال غير أبي عبيدة في قوله "وأسروا الندامة" أي أظهروها. قال: ولم أسمع ذلك لغيره. قال الأزهري: وأهل اللغة أنكروا أبي عبيدة أشد الإنكار. وقيل: أسروا الندامة: يعني: الرؤساء من المشركين أسروا الندامة في سفلتهم الذين أضلوهم، وأسروها: أخفوها وكذلك قال الزجاج، وهو قول المفسرين. والحروري: الخارجي نسبة إلى حروراء، وهو أول مجتمعاتهم لما نابذوا أمير المؤمنين عليا، وأظهروا التحكيم "لا حكم إلا لله" . فسموا المحكمة، والحرورية، والخوارج.
عن الإيمان كما قيل (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يذهب إلى الفعلة، ولم يجر للإيمان ذكر في هذا الموضع، فيجعل ذلك من ذكره، وإنما جرى ذكر الساعة، فهو بأن يكون من ذكرها أولى.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) }
يقول تعالى ذكره: وما هذه التي في يمينك يا موسى؟ فالباء في قوله (بِيَمِينكَ) من صلة تلك، والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي، ومنه قول يزيد بن مفرع:
عَدسْ ما لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إمارَةٌ ... أمِنْتِ وَهَذَا تَحْملِينَ طَلِيقُ (1)
كأنه قال: والذي تحملين طليق.
ولعل قائلا أن يقول: وما وجه استخبار الله موسى عما في يده؟ ألم يكن عالما بأن الذي في يده عصا؟ قيل له: إن ذلك على غير الذي ذهبت إليه، وإنما قال ذلك عزّ ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى، وهي خشبة، فنبهه عليها، وقرّره بأنها خشبة يتوكأ عليها، ويهشّ بها على غنمه، ليعرّفه قُدرته على ما يشاء، وعظم سلطانه، ونفاذ أمره فيما أحبّ بتحويله إياها حيَّة تسعى، إذا أراد ذلك به ليجعل ذلك لموسى آية مع سائر آياته إلى فرعون وقومه.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن موسى: قال موسى مجيبا لربه (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) يقول: أضرب بها الشجر اليابس فيسقط ورقها وترعاه غنمي، يقال منه: هشّ فلان الشجر يهشّ هشا: إذا اختبط ورق أغصانها
(1) البيت لزيد بن مفرغ الحميري، يخاطب بغلته حين هرب من عبيد الله بن زياد وأخيه عباد، وكان ابن مفرغ يهجوهما إذا تأخر عليه العطاء، وله قصة مشهورة. وعدس: زجر للبغل، أو اسم له. ويروى نجوت في مكان: أمنت (اللسان: عدس) . وهذا: اسم إشارة، وقد وصل بجملة تحملين، فصار من الأسماء الموصولة في قول بعض النحويين. هذا: مبتدأ وجملة تحملين: صلة؛ وطليق: خبر المبتدأ. أي والذي تحملينه طليق، ليس لأحد عليه سلطان.
فسقط ورقها، كما قال الراجز:
أهُشُّ بالْعصَا على أغْنامِي ... مِنْ ناعِمِ الأرَاكِ والبَشامِ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) قال: أخبط بها الشجر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) قال: أخبط.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) قال: كان نبيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم يهشّ على غنمه ورق الشجر.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) يقول: أضرب بها الشجر للغنم، فيقع الورق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) قال: يتوكأ عليها حين يمشي مع الغنم، ويهشّ بها، يحرّك الشجر حتى يسقط الورق الحبَلة وغيرها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن، عن عكرمة (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) قال: أضرب بها الشجر، فيسقط من ورقها عليّ.
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا علي بن الحسن، قال: ثنا حسين، قال: سمعت عكرمة يقول (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) قال: أضرب بها الشجر، فيتساقط الورق على غنمي.
(1) في (اللسان: هش) : الهش أن تنثر ورق الشجر بعصا. هش الغصن يهشه هشا خطبه فألقى ورقه لغنمه، ومنه قوله عز وجل: وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي قال الفراء: أي أضرب بها الشجر اليابس، ليسقط ورقها، فترعاه غنمه. والأراك والبشام: نوعان من الشجر ترتعيهما الماشية، وفي أغصانها لين وقد تأكلها الماشية إذا كانت خضراء.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) يقول: أضرب بها الشجر حتى يسقط منه ما تأكل غنمي.
وقوله (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) يقول:
ولي في عصاي هذه حوائج أخرى، وهي جمع مأربة، وفيها للعرب لغات ثلاث: مأرُبة بضم الراء، ومأرَبة بفتحها، ومأرِبة بكسرها، وهي مفعلة من قولهم: لا أرب لي في هذا الأمر: أي لا حاجة لي فيه، وقيل أخرى وهن مآرب جمع، ولم يقل أخر، كما قيل: (له الأسماء الحسنى) وقد بيَّنت العلة في توجيه ذلك هنالك.
وبنحو الذي قلنا في معنى المآرب، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا حفص بن جميع، قال: ثنا سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حوائج أخرى قد علمتها.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) يقول: حاجة أخرى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حاجات.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حاجات ومنافع.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُريج، عن مجاهد (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حاجات.
حدثني موسى، قال: ثني عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) يقول: حوائج أخرى أحمل عليها المزود والسقاء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حوائج أخرى.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حاجات ومنافع أخرى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) أي منافع أخرى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حوائج أخرى سوى ذلك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (مَآرِبُ أُخْرَى) قال: حاجات أخرى.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى (21) }
يقول تعالى ذكره: قال الله لموسى: ألق عصاك التي بيمينك يا موسى، يقول الله جل جلاله: فألقاها موسى، فجعلها الله حية تسعى، وكانت قبل ذلك خشبة يابسة، وعصا يتوكأ عليها ويهشّ بها على غنمه، فصارت حية بأمر الله.
كما حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا حفص بن جميع، قال: ثنا سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما قيل لموسى: ألقها يا موسى، ألقاها (فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) ولم تكن قبل ذلك حية، قال: فمرّت بشجرة فأكلتها، ومرت بصخرة فابتلعتها، قال: فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها، قال: فولى مدبرا، فنودي أن يا موسى خذها، فلم يأخذها، ثم نودي الثانية: أن (خُذْهَا وَلا تَخَفْ) ، فلم يأخذها، فقيل له في الثالثة (إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ) فأخذها.
حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: قال له، يعني لموسى ربه (أَلْقِهَا يَا مُوسَى) يعني (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) فنودي (يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه،
(قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) تهتزّ، لها أنياب وهيئة كما شاء الله أن تكون، فرأى أمرا فظيعا، (وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) فناداه ربه: (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى) .
وقوله (قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ) يقول تعالى ذكره قال الله لموسى: خذ الحية، والهاء والألف من ذكر الحية (وَلا تَخَفْ) يقول: ولا تخف من هذه الحية يقول: (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى) يقول: فإنا سنعيدها لهيئتها الأولى التي كانت عليها قبل أن نصيرها حية، ونردّها عصا كما كانت.
يقال لكل من كان على أمر فتركه، وتحوّل عنه ثم راجعه: عاد فلان سيرته الأولى، وعاد لسيرته الأولى، وعاد إلى سيرته الأولى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (سِيرَتها الأولى) يقول: حالتها الأولى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، فال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (سِيرَتَهَا الأولَى) قال: هيئتها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى) أي سنردّها عصا كما كانت.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى) قال: إلى هيئتها الأولى.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) }
يقول تعالى ذكره: واضمم يا موسى يدك، فضعها تحت عضدك;
والجناحان هما اليدان، كذلك رُوي الخبر عن أبي هُريرة وكعب الأحبار، وأما أهل العربية، فإنهم يقولون: هما الجنبان، وكان بعضهم يستشهد لقوله ذلك بقول الراجز:
أضُمُّهُ للصَّدْرِ والجَناحِ (1)
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (إِلَى جَنَاحِكَ) قال: كفه تحت عضده.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
وقوله (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلا آدم، فأدخل يده في جيبه، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء، من غير برص، مثل الثلج، ثم ردّها، فخرجت كما كانت على لونه.
حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه.
حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، في قوله (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: من غير برص.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: من غير برص.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله (بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: من غير برص.
(1) في (اللسان: جنح) : وجناحا الطائر: يداه. وجناح الإنسان يده. ويدا الإنسان: جناحاه. وقال الزجاج: الجناح: العضد، ويقال: اليد كلها جناح. أه. وجناحا العسكر جانباه، وجناحا الوادي: مجريان عن يمينه وشماله. أه. ولم أقف على قائل الرجز.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: من غير برص.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: من غير برص.
حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: من غير برص.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن في قول الله (بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: أخرجها الله من غير سوء، من غير برص، فعلم موسى أنه لقي ربه.
وقوله (آيَةً أُخْرَى) يقول: وهذه علامة ودلالة أخرى غير الآية التي أريناك قبلها من تحويل العصا حية تسعى على حقيقة ما بعثناك به من الرسالة لمن بعثناك إليه، ونصب آية على اتصالها بالفعل، إذ لم يظهر لها ما يرفعها من هذه أو هي، وقوله (لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى) يقول تعالى ذكره: واضمم يدك يا موسى إلى جناحك، تخرج بيضاء من غير سوء، كي نريك من أدلتنا الكبرى على عظيم سلطاننا وقُدرتنا. وقال: الكبرى، فوحَّد، وقد قال (مِنْ آيَاتِنَا كَمَا قَالَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى) وقد بيَّنا ذلك هنالك. وكان بعض أهل البصرة يقول: إنما قيل الكبرى، لأنه أريد بها التقديم، كأن معناها عنده: لنريك الكبرى من آياتنا.
القول في تأويل قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) }
يقول تعالى ذكره لنبيه موسى صلوات الله عليه: (اذْهَبْ) يا موسى (إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) . يقول: إنه تجاوز قدره، وتمرّد على ربه; وقد بيَّنا معنى الطغيان بما مضى بما أغنى عن إعادته، في هذا الموضع.
وفي الكلام محذوف استغني بفهم السامع بما ذكر منه، وهو قوله (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) فادعه إلى توحيد الله وطاعته، وإرسال بني إسرائيل معك (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) يقول: ربّ اشرح لي صدري، لأعي عنك ما تودعه من وحيك، وأجترئ به على خطاب فرعون
(وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) يقول: وسهل عليّ القيام بما تكلفني من الرسالة، وتحملني من الطاعة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) قال: جرأة لي.
وقوله (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) يقول: وأطلق لساني بالمنطق، وكانت فيه فيما ذكر عُجمة عن الكلام الذي كان من إلقائه الجمرة إلى فيه يوم همّ فرعون بقتله.
* ذكر الرواية بذلك عمن قاله: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن سعيد بن جبير، في قوله: (عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) قال: عجمة لجمرة نار أدخلها في فيه عن أمر امرأة فرعون، تردّ به عنه عقوبة فرعون، حين أخذ موسى بلحيته وهو لا يعقل، فقال: هذا عدو لي، فقالت له. إنه لا يعقل.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) لجمرة نار أدخلها في فيه عن أمر امرأة فرعون، تدرأ به عنه عقوبة فرعون، حين أخذ موسى بلحيته وهو لا يعقل، فقال: هذا عدوّ لي، فقالت له: إنه لا يعقل، هذا قول سعيد بن جبير.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) قال: عجمة الجمرة نار أدخلها في فيه، عن أمر امرأة فرعون تردّ به عنه عقوبة فرعون حين أخذ بلحيته.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما تحرّك الغلام، يعني موسى، أورته أمه آسية صبيا، فبينما هي ترقصه وتلعب به، إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه، فلما أخذه إليه أخذ موسى بلحيته فنتفها، فقال فرعون: عليّ بالذباحين، قالت آسية: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) إنما هو صبيّ لا يعقل، وإنما صنع هذا من صباه، وقد علمت أنه ليس في أهل مصر أحلى منى أنا أضع له حليا من الياقوت، وأضع له جمرا، فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه، وإن أخذ الجمر فإنه هو صبيّ، فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طستا من جمر، فجاء جبرائيل صلى الله عليه وسلم، فطرح في يده جمرة، فطرحها موسى في فيه، فأحرقت لسانه، فهو الذي يقول الله عز وجل (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) ، فزالت (1) عن موسى من أجل ذلك.
وقوله (يَفْقَهُوا قَوْلِي) يقول: يفقهوا عني ما أخاطبهم وأراجعهم به من الكلام (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي) يقول: واجعل لي عونا من أهل بيتي (هَارُونَ أَخِي) .
وفي نصب هارون وجهان: أحدهما أن يكون هارون منصوبا على الترجمة عن الوزير (2) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كان هارون أكبر من موسى.
القول في تأويل قوله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) }
(1) في النسخة رقم 100 دار الكتب المصرية: فتراللت، ولعله: فزالت، أي العقدة.
(2) لم يبين المؤلف الوجه الثاني في نصب هارون، وقد بينه الشوكاني في تفسيره "فتح القدير" طبعة الحلبي. 3: 351 قال: وانتصاب "وزيرا" و "هارون" : على أنهما مفعولا أجعل. وقيل مفعولاه: "لي وزيرا" ، ويكون هارون عطف بيان للوزير. أه. قلت: وعني المؤلف بالترجمة: البدل. وهو أخو عطف البيان.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|