عرض مشاركة واحدة
  #1043  
قديم 22-07-2025, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الحج
الحلقة (1043)
صــ 621 إلى صــ 630





الرّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيق) .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (فِي مَكانٍ سَحِيق) قال: بعيد.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
وقيل: (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) وقد قيل قبله: (فكأنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّماءِ) وخرّ فعل ماض، وتخطفه مستقبل، فعطف بالمستقبل على الماضي، كما فعل ذلك في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وقد بيَّنت ذلك هناك.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) }
يقول تعالى ذكره: هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس وأمرتكم به من اجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور، حنفاء لله، وتعظيم شعائر الله، وهو استحسان البُدن واستسمانها وأداء مناسك الحجّ على ما أمر الله جلّ ثناؤه، من تقوى قلوبكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا محمد بن زياد، عن محمد بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسم، عن ابن عباس، في قوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ) قال: استعظامها، واستحسانها، واستسمانها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن مجاهد، في قوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) قال: الاستسمان والاستعظام.
وبه عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: والاستحسان.
حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطي، قال: أخبرنا إسحاق، عن أبي بشر، وحدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) قال: استعظام البدن، واستسمانها، واستحسانها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى، قال: الوقوف بعرفة من شعائر الله، وبجمع (1) من شعائر الله، ورمي الجمار من شعائر الله، والبُدْن من شعائر الله، ومن يعظمها فإنها من شعائر الله في قوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) فمن يعظمها فإنها من تقوى القلوب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) قال: الشعائر: الجمار، والصفا والمروة من شعائر الله، والمَشْعَر الحرام والمزدلفة، قال: والشعائر تدخل في الحرم، هي شعائر، وهي حرم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن تعظيم شعائره، وهي ما حمله أعلاما لخلقه فيما تعبدهم به من مناسك حجهم، من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم: من تقوى قلوبهم; لم يخصص من ذلك شيئا، فتعظيم كلّ ذلك من تقوى القلوب، كما قال جلّ ثناؤه; وحق على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك. وقال: (فإِنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب) وأنَّث ولم يقل: فإنه، لأنه أريد بذلك: فإن تلك التعظيمة مع اجتناب الرجس من الأوثان من تقوى القلوب، كما قال جلّ ثناؤه: (إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفورٌ رحِيمٌ) . وعنى بقوله: (فإِنَّها مِنْ
(1)
جمع: هي المزدلفة.

تَقْوَى القُلُوب) فإنها من وجل القلوب من خشية الله، وحقيقة معرفتها بعظمته وإخلاص توحيده.
القول في تأويل قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) }
اختلف أهل التأويل في معنى المنافع التي ذكر الله في هذه الآية وأخبر عباده أنها إلى أجل مسمى، على نحو اختلافهم في معنى الشعائر التي ذكرها جل ثناؤه في قوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فإِنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب) فقال الذين قالوا عنى بالشعائر البدن. معنى ذلك: لكم أيها الناس في البدن منافع. ثم اختلف أيضا الذين قالوا هذه المقالة في الحال التي لهم فيها منافع، وفي الأجل الذي قال عزّ ذكره: (إلى أجَل مُسَمَّى) فقال بعضهم: الحال التي أخبر الله جلّ ثناؤه أن لهم فيها منافع، هي الحال التي لم يوجبها صاحبها ولم يسمها بدنة ولم يقلدها. قالوا: ومنافعها فى هذه الحال: شرب ألبانها، وركوب طهورها، وما يرزقهم الله من نتاجها وأولادها. قالوا: والأجل المسمى الذي أخبر جلّ ثناؤه أن ذلك لعباده المؤمنين منها إليه، هو إلى إيجابهم إياها، فإذا أوجبوها بطل ذلك ولم يكن لهم من ذلك شيء.
ذكر من قال ذلك:
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس في: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: ما لم يسمّ بدنا.
حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: الركوب واللبن والولد، فإذا سميت بدنة أو هديا ذهب كله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، في هذه الآية: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: لكم في ظهورها وألبانها وأوبارها، حتى تصير بُدْنا.
قال: ثنا ابن عديّ، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، بمثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، وليث عن مجاهد: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: في أشعارها وأوبارها وألبانها قبل أن تسميها بدنة.
قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: في البدن لحومها وألبانها وأشعارها وأوبارها وأصوافها قبل أن تسمى هديا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله، وزاد فيه: وهي الأجل المسمى.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء أنه قال في قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْت العَتِيق) قال: منافع في ألبانها وظهورها وأوبارها (إلى أجَلٍ مُسَمَّى) إلى أن تقلد.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثل ذلك.
حدثني يعقوب، قال: قال ابن علية: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: إلى أن تُوجِبها بَدنَة.
قال: ثنا ابن علية، عن ابن أبي نجيح، عن قتادة: (لَكُمْ فِيها مَنافعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) يقول: في ظهورها وألبانها، فإذا قلدت فمحلها إلى البيت العتيق.
وقال آخرون ممن قال الشعائر البدن في قوله: (وَمَنْ يَعَظِّمْ شَعِائِرَ الله فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب) والهاء في قوله: (لَكْمْ فِيها) من ذكر الشعائر، ومعنى قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافُع) لكم في الشعائر التي تعظمونها لله منافع بعد اتخاذكموها لله بدنا أو هدايا، بأن تركبوا ظهورها إذا احتجتم إلى ذلك، وتشربوا ألبانها إن اضطررتم إليها. قالوا: والأجل المسمى الذي قال جلّ ثناؤه: (إلى أجَل مُسَمَّى) إلى أن تنحر.
*ذكر من قال ذلك:- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة،
عن ابن أبي نجيح، عن عطاء: (لَكُمْ فِيها مَنافعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: هو ركوب البدن، وشرب لبنها إن احتاج.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء بن أبي رباح في قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: إلى أن تنحر، قال: له أن يحملها عليها المعني والمنقطع به من الضرورة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركب عند منهوكه. قلت لعطاء: ما؟ قال: الرجل الراجل، والمنقطع به، والمتبع وأن نتجت، أن يحمل عليها ولدها، ولا يشرب من لبنها إلا فضلا عن ولدها، فإن كان في لبنها فضل فليشرب من أهداها ومن لم يهدها. وأما الذين قالوا: معنى الشعائر في قوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله) . شعائر الحجّ، وهي الأماكن التي يُنْسك عندها لله، فإنهم اختلفوا أيضا في معنى المنافع التي قال الله: (لكُمْ فِيها مَنافِعُ) فقال بعضهم: معنى ذلك: لكم في هذه الشعائر التي تعظمونها منافع بتجارتكم عندها وبيعكم وشرائكم بحضرتها وتسوقكم. والأجل المسمى: الخروج من الشعائر إلى غيرها ومن المواضع التي ينسك عندها إلى ما سواها في قول بعضهم.
حدثني الحسن بن عليّ الصُّدائَي، قال: ثنا أبو أسامة عن سليمان الضبي، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن أبي رزين، عن ابن عباس، في قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) قال: أسواقهم، فإنه لم يذكر منافع إلا للدنيا.
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى، قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) قال: والأجل المسمى: الخروج منه إلى غيره.
وقال آخرون منهم: المنافع التي ذكرها الله في هذا الموضع: العمل لله بما أمر من مناسك الحجّ. قالوا: والأجل المسمَّى: هو انقضاء أيام الحجّ التي يُنْسَك لله فيهنّ.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْت العَتِيق) فقرأ قول الله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب) لكم
في تلك الشعائر منافع إلى أجل مسمى، إذا ذهبت تلك الأيام لم تر أحدا يأتي عرفة يقف فيها يبتغي الأجر، ولا المزدلفة، ولا رمي الجمار، وقد ضربوا من البلدان لهذه الأيام التي فيها المنافع، وإنما منافعها إلى تلك الأيام، وهي الأجل المسمى، ثم محلها حين تنقضي تلك الأيام إلى البيت العتيق.
قال أبو جعفر: وقد دللنا قبل على أن قول الله تعالى ذكره: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) معنّي به: كلّ ما كان من عمل أو مكان جعله الله علما لمناسك حج خلقه، إذ لم يخصص من ذلك جلّ ثناؤه شيئا في خبر ولا عقل. وإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن معنى قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) في هذه الشعائر منافع إلى أجل مسمى، فما كان من هذه الشعائر بدنا وهديا، فمنافعها لكم من حين تملكون إلى أن أوجبتموها هدايا وبدنا، وما كان منها أماكن ينسك لله عندها، فمنافعها التجارة لله عندها والعمل بما أمر به إلى الشخوص عنها، وما كان منها أوقاتا بأن يُطاع الله فيها بعمل أعمال الحجّ وبطلب المعاش فيها بالتجارة، إلى أن يطاف بالبيت في بعض، أو يوافي الحرم في بعض ويخرج عن الحرم في بعض.
وقال اختلف الذين ذكرنا اختلافهم في تأويل قوله: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمَّى) في تأويل قوله: (ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيق) فقال الذين قالوا عني بالشعائر في هذا الموضع: البُدْن معنى ذلك ثم محل البدن إلى أن تبلغ مكة، وهي التي بها البيت العتيق.
*ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء: (ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيق) إلى مكة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيق) يعني محل البدن حين تسمى إلى البيت العتيق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: (ثُمَّ مَحِلُّها) حين تسمى هديا (إلى البيْتِ العتِيق) ، قال:
الكعبة أعتقها من الجبابرة. فوجه هؤلاء تأويل ذلك إلى سمي منحر البدن والهدايا التي أوجبتموها إلى أرض الحرم، وقالوا: عنى بالبيت العتيق أرض الحرم كلها. وقالوا: وذلك قوله: (فَلا يَقْربُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ) والمراد: الحرم كله.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثم محلكم أيها الناس من مناسك حجكم إلى البيت العتيق أن تطوفوا به يوم النحر بعد قضائكم ما أوجبه الله عليكم في حجكم.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى: (ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيق) قال: محلّ هذه الشعائر كلها الطواف بالبيت.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثم محلّ منافع أيام الحجّ إلى البيت العتيق بانقضائها.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيق) حين تنقضي تلك الأيام، أيام الحجّ إلى البيت العتيق.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ثم محلّ الشعائر التي لكم فيها منافع إلى أجل مسمى إلى البيت العتيق، فما كان من ذلك هديا أو بدنا فبموافاته الحرم في الحرم، وما كان من نسك فالطواف بالبيت.
وقد بيَّنا الصواب في ذلك من القول عندنا في معنى الشعائر.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) }
يقول تعالى ذكره: (وَلِكُلّ أُمَّةٍ) ولكلّ جماعة سلف فيكم من أهل الإيمان بالله أيها الناس، جعلنا ذبحا يُهَرِيقون دمه (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ
بَهِيمَةِ الأنْعام) بذلك لأن من البهائم ما ليس من الأنعام، كالخيل والبغال والحمير. وقيل: إنما قيل للبهائم بهائم لأنها لا تتكلم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (جَعَلْنا مَنْسَكا) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال. حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكا) قال: إهراق الدماء (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال. ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
وقوله: (فَإِلَهُكُمْ إلَهُ وَاحِدٌ) يقول تعالى ذكره: فاجتنبوا الرجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور، فإلهكم إله واحد لا شريك له، فإياه فاعبدوا وله أخلصوا الألوهة. وقوله: (فَلَهُ أسْلِمُوا) يقول: فلإلهكم فاخضعوا بالطاعة، وله فذلوا بالإقرار بالعبودية. وقوله: (وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ) يقول تعالى ذكره: وبشر يا محمد الخاضعين لله بالطاعة، المذعنين له بالعبودية، المنيبين إليه بالتوبة. وقد بيَّنا معنى الإخبات بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا.
وقد اختلف أهل التأويل في المراد به في هذا الموضع، فقال بعضهم: أريد به: وبشِّر المطمئنين إلى الله.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ) قال: المطمئنين.
حدثني أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ) المطمئنين إلى الله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ) قال: المطمئنين.
حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله: (وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ) قال: المتواضعين.
وقال آخرون في ذلك بما: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن مسلم، عن عثمان بن عبد الله بن أوس، عن عمرو بن أوس، قال: المخبتون: الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال: ثنا حفص، بن عمر، قال: ثنا محمد بن مسلم الطائفي، قال: ثني عثمان بن عبد الله بن أوس، عن عمرو بن أوس مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) }
فهذا من نعت المخبتين; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وبشّر يا محمد المخبتين الذين تخشع قلوبهم لذكر الله وتخضع من خشيته وجلا من عقابه وخوفا من سخطه.
كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) قال: لا تقسو قلوبهم. (والصَّابِرينَ عَلى ما أصَابَهُمْ) من شدّة في أمر الله، ونالهم من مكروه في جنبه (والمُقِيمي الصَّلاةِ) المفروضة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (يُنْفِقُونَ) في الواجب عليهم إنفاقها فيه، في زكاه ونفقة عيال ومن وجبت عليه نفقته وفي سبيل الله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) }
يقول تعالى ذكره: والبُدن وهي جمع بدنة، وقد يقال لواحدها: بدن، وإذا قيل بدن احتمل أن يكون جمعا وواحدا، يدلّ على أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز:
عَليَّ حِينَ نَمْلِكُ الأمُورَا ... صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورا وَحَلْقَ راسِي وَافِيا مَضْفُورَا ... وَبَدَنا مُدَرَّعا مُوْفُورَا (1)
والبدن: هو الضخم من كلّ شيء، ولذلك قيل لامرئ القيس بن النعمان صاحب الخورنق، والسدير البَدَن: لضخمه واسترخاء لحمه، فإنه يقال: قد بَدَّن تبدينا. فمعنى الكلام. والإبل العظام الأجسام الضخام، جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله: يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم إذا قلدتموها وجللتموها وأشعرتموها، علم بذلك وشعر أنكم فعلتم ذلك من الإبل والبقر.
كما: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن ابن جُرَيج، قال: قال عطاء: (والبُدْنَ جَعَلنْاها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللهِ) قال: البقرة والبعير.
(1)
هذه أربعة أبيات من مشطور الرجز رواها المؤلف عن الفراء في معاني القرآن في هذا الوضع من التفسير، وأنشدها قبل ذلك ثلاثة منها في (7: 120) عند تفسير قوله تعالى: (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان) في سورة المائدة. مع اختلاف في بعض الألفاظ عن روايته لها هنا، وهي: عَلَيَّ حينَ تمْلِكُ الأمُورَا ... صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُدُورَا

وَبادِنا مُقَلَّدًا مَنْحُورا
ولفظة (بادنا) على هذه الرواية، قد تكون صحيحة، يريد جملا سمينا جسيما. كما في (اللسان: بدن) ، يقال: رجل بادن، والأنثى بادن وبادنة والجمع: بدن (بضم فسكون) ، وبدن (بالضم وتشديد الدال المفتوحة) . وقد تكون (بادنا) محرفة عن بدن (بالتحريك) ، بدليل تخريج المؤلف له بقوله "والبدن" (بضم فسكون) جمع بدنة (بالتحريك) ، وقد يقال لواحدها: بدن (بالتحريك) ، يدل عليه قول الراجز. "وبدنا مدرعا موفورا" . أه.
ويؤيده أيضًا قول أبي البقاء العكبري في إعراب القرآن: البدن (بضم فسكون) : وجمع بدن، (بالتحريك) وواحدته: بدنة مثل خشب (بضم فسكون) وخشب (بالتحريك) ويقال هو جمع بدنة، مثل ثمرة وثمر (الأخير بضم فسكون) ، ويقرأ بضم الدال. والبدنة كما في (اللسان: بدن) بالهاء: لعظمها وسمنها. أه. يقول الراجز: أوجبت على نفسي إذا ملكت الأمور بتاء المخاطب أن أصوم شهورا، وأن أحلق رأسي، وأن أنحر بدنا أي جملا ضخما.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]