
23-07-2025, 02:08 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,354
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النور
الحلقة (1067)
صــ 171 لى صــ 180
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ، في قوله الله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: ربع الكتابة يحطها عنه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ليث بن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ رضي الله عنه، في قول الله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: الربع من أوّل نجومه.
قال: أخبرنا ابن علية، قال عطاء بن السائب: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ، في قوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: الربع من مكاتبته.
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك بن أبي سليمان، عن عبد الملك بن أعين، قال: كاتب أبو عبد الرحمن غلاما في أربعة آلاف درهم، ثم وضع له الربع، ثم قال: لولا أني رأيت عليا، رضوان الله عليه كاتب غلاما له، ثم وضع له الربع، ما وضعت لك شيئا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن السلمي: أنه كاتب غلاما له على ألف ومئتين، فترك الربع وأشهدني، فقال لي: كان صديقك يفعل هذا، يعني عليا رضوان الله عليه يتأوّل (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان،عن عبد الملك، قال: ثني فضالة بن أبي أمية، عن أبيه، قال: كاتبني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستقرض لي من حفصة مئتي درهم. قلت: ألا تجعلها في مكاتبتي؟ قال: إني لا أدري أدرك ذاك أم لا.
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، بلغني أنه كاتبه على مئة أوقية، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك، قال: ذكرت ذلك لعكرمة، فقال: هو قول الله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قول الله (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) يقول: ضعوا عنهم مما قاطعتموهم عليه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، في قوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: مما أخرج الله لكم منهم.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: آتِهمْ مما في يديك.
حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثني أبي، عن أسباط، عن السديّ، عن أبيه، قال: كاتبتني زينب بنت قيس، بن مخرمة من بني المطلب بن عبد مناف على عشرة آلاف، فتركت لي ألفا وكانت زينب قد صلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين جميعا.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن مسعود الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، مولى أبي أسيد، قال: كاتبني أبو أسيد، على ثنتي عشرة مئة، فجئته بها، فأخذ منها ألفا، وردّ عليّ مئتين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أوّل نجومه؛ مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته، ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن نافع، قال: كاتب عبد الله بن عمر غلامًا له يقال له: شرف، على خمسة وثلاثين ألف درهم، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف ولم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع له.
قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يقول: إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمى، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت، وعلى ذلك أهل العلم، وعمل الناس عندنا.
حدثني عليّ، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سفيان: أحبّ إليّ أن يعطيه الربع، أو أقلّ منه شيئا، وليس بواجب، وأن يفعل ذلك حسن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ رضي الله عنه (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: هو ربع المكاتبة.
وقال آخرون: بل ذلك حضّ من الله أهل الأموال على أن يعطوهم سهمهم، الذي جعله لهم من الصدقات المفروضة لهم في أموالهم، بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ) قال: فالرقاب التي جعل فيها
أحد سُهمان الصدقة الثمانية هم المكاتبون، قال: وإياه عنى جلّ ثناؤه بقوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) : أي سهمهم من الصدقة.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثني يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن ابن زيد، عن أبيه، قوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: يحث الله عليه يعطونه.
حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: حثّ الناس عليه، مولاه وغيره.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في قوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: يعطي مكاتبه وغيره حثّ الناس عليه.
حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه قال في قوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: أمر مولاه والناس جميعا أن يعينوه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: أمر المسلمين أن يعطوهم مما آتاهم الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد، عن أبيه (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: ذلك في الزكاة على الولاة، يعطونهم من الزكاة، يقول الله (وَفِي الرِّقَابِ) .
قال: ثني ابن زيد، عن أبيه (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال: الفيء والصدقات. وقرأ قول الله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) ، وقرأ حتى بلغ: (وَفِي الرِّقَابِ) فأمر الله أن يوفوها منه، فليس ذلك من الكتابة، قال: وكان أبي يقول: ما له وللكتابة؟! هو من مال الله الذي فرض له فيه نصيبا.
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي القول الثاني، وهو قول من قال: عنى به إيتاءهم سهمهم من الصدقة المفروضة.
وإنما قلنا ذلك أولى القولين، لأن قوله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) أمر من الله تعالى ذكره بإيتاء المكاتبين من ماله الذي آتى أهل الأموال، وأمر الله فرض على عباده الانتهاء إليه، ما لم يخبرهم أن مراده الندب، لما قد بيَّنا في غير موضع من كتابنا، فإذ كان ذلك كذلك ولم يكن أخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
أنه ندب، ففرض واجب. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الحجة قد قامت أن لا حق لأحد في مال أحد غيره من المسلمين، إلا ما أوجبه الله لأهل سهمان الصدقة في أموال الأغنياء منهم، وكانت الكتابة التي يقتضيها سيد المكاتب من مكاتبه مالا من مال سيد المكاتب، فيفاد أن الحقّ الذي أوجب الله له على المؤمنين أن يؤتوه من أموالهم، هو ما فرض على الأغنياء في أموالهم له من الصدقة المفروضة، إذ كان لا حقّ في أموالهم لأحد سواها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) }
يقول تعالى ذكره: زوّجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ولا تكرهوا إماءكم على البغاء، وهو الزنا (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) يقول: إن أردن تعففا عن الزنا.
(لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهنّ على الزنا عرض الحياة الدنيا وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها، (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ) يقول: ومن يكره فتياته على البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهنّ على ذلك، لهن (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، ووزر ما كان من ذلك عليهم دونهن.
وذُكر أن هذه الآية أنزلت في عبد الله بن أُبي ابن سلول، حين أكره أمته مسيكة على الزنا.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن الصباح، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: جاءت مسيكة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يكرهني على الزنا، فنزلت في ذلك: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: كانت جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول، يقال لها مسيكة، فآجرها أو أكرهها "الطبري شكّ" فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فشكت ذلك إليه، فأنزل الله (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعني بهنّ.
حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن الشعبي، في قوله: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) قال: رجل كانت له جارية تفجر، فلما أسلمت نزلت هذه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر، قال: جاءت جارية لبعض الأنصار، فقالت: إن سيدي أكرهني على البغاء، فأنزل الله في ذلك (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) قال ابن جُرَيج: وأخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: أمة لعبد الله بن أُبَيّ، أمرها فزنت، فجاءت ببرد، فقال لها: ارجعي فازني، قالت: والله لا أفعل، إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه، وإن يك شرّا فقد آن لي أن أدعه. قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد نحو ذلك، وزاد قال: البغاء الزنا، (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال: للمكرهات على الزنا، وفيها نزلت هذه الآية.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري أن رجلا من قريش أُسر يوم بدر، وكان عبد الله بن أُبي أسره، وكان لعبد الله جارية يقال: لها معاذة، فكان القرشيّ الأسير يريدها على نفسها، وكانت مسلمة، فكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان ابن أُبي يُكرهها على ذلك، ويضربها رجاء أن تحمل للقرشيّ، فيطلب فداء ولده، فقال الله: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) قال الزهري: (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول: غفور لهنّ ما أكرهن عليه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، أنه كان يقرأ: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لهن غَفُورٌ رَحِيمٌ.
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) يقول: ولا تكرهوا إماءكم على الزنا، فإن فعلتم فإن الله سبحانه لهنّ غفور رحيم، وإثمهنّ على من أكرههنّ.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) ... إلى آخر الآية، قال: كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، يأخذون أجورهن، فقال الله: لا تكرهوهنّ على الزنا من أجل المنالة في الدنيا، (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
لهنّ يعني إذا أكرهن.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) على الزنا، قال: عبد الله بن أُبي ابن سلول أمر أمة له بالزنا، فجاءته بدينار أو ببرد "شكّ أبو عاصم" فأعطته، فقال: ارجعي فازني بآخر، فقالت: والله ما أنا براجعة، فالله غفور رحيم للمكرهات على الزنا، ففي هذا أنزلت هذه الآية.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. إلا أنه قال في حديثه: أمر أمة له بالزنا، فزنت فجاءته ببرد فأعطته، فلم يشك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) يقول: على الزنا (فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول: غفور لهنّ، للمكرهات على الزنا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: ابن زيد، في قوله: (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال: غفور رحيم لهنّ حين أكرهن وقسرن على ذلك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كانوا يأمرون ولائدهم يباغين يفعلن ذلك، فيصبن، فيأتينهم بكسبهنّ، فكانت لعبد الله بن أُبي ابن سلول جارية، فكانت تباغي. فكرهت وحلفت أن لا تفعله، فأكرهها أهلها، فانطلقت فباغت ببرد أخضر، فأتتهم به، فأنزل الله تبارك وتعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) ... الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) }
يقول تعالى ذكره: ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس دلالات وعلامات مبينات: يقول مفصلات الحقّ من الباطل، وموضحات ذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة، وبعض الكوفيين والبصريين "مُبَيَّنَاتٍ" بفتح الياء: بمعنى مفصلات، وأن الله فصلهن وبينهنّ لعباده، فهنّ مفصلات مبينات. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (مُبَيِّنَاتٍ) بكسر الياء، بمعنى أن الآيات هن تبين
الحقّ والصواب للناس وتهديهم إلى الحقّ.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، متقاربتا المعنى، وذلك أن الله إذ فصّلها وبيَّنها صارت مبينة بنفسها الحق لمن التمسه من قِبَلها، وإذا بيَّنت ذلك لمن التمسه من قبلها، فيبين الله ذلك فيها، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب، في قراءته الصواب.
وقوله: (وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأمم، (وَمَوْعِظَةً) لمن اتقى الله، فخاف عقابه وخشي عذابه.
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) }
يعني تعالى ذكره بقوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) هادي من في السماوات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول: الله سبحانه هادي أهل السماوات والأرض.
حدثني سليمان بن عمر بن خلدة الرقي، قال: ثنا وهب بن راشد، عن فرقد، عن أنس بن مالك، قال: إن إلهي يقول: نوري هُداي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الله مدبر السماوات والأرض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مجاهد وابن عباس في قوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) : يدبر الأمر فيهما، نجومهما وشمسهما وقمرهما.
وقال آخرون: بل عنى بذلك النور الضياء. وقالوا: معنى ذلك: ضياء السماوات والأرض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، في قول الله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) قال: فبدأ بنور نفسه، فذكره، ثم ذكر نور المؤمن.
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك; لأنه عقيب قوله: (وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) فكان ذلك بأن يكون خبرًا عن موقع يقع تنزيله من خلقه. ومن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه، أولى وأشبه، ما لم يأت ما يدلُّ على انقضاء الخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس آيات مبينات الحقّ من الباطل (وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) فهديناكم بها، وبيَّنا لكم معالم دينكم بها، لأني هادي أهل السماوات وأهل الأرض، وترك وصل الكلام باللام، وابتدأ الخبر عن هداية خلقه ابتداء، وفيه المعنى الذي ذكرت، استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره، ثم ابتدأ في الخبر عن مثل هدايته خلقه بالآيات المبينات التي أنزلها إليهم، فقال: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) يقول: مثل ما أنار من الحقّ بهذا التنزيل في بيانه كمشكاة.
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى بالهاء في قوله: (مَثَلُ نُورِهِ) علام هي عائدة، ومن ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر المؤمن. وقالوا: معنى الكلام: مثل نور المؤمن الذي في قلبه من الإيمان والقرآن مثل مشكاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، في قول الله: (مَثَلُ نُورِهِ) قال: ذكر نور المؤمن فقال: مثل نوره، يقول مثل نور المؤمن. قال: وكان أُبيّ يقرؤها: كذلك مثل المؤمن، قال: هو المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي،
عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) قال: بدأ بنور نفسه فذكره، ثم قال: (مَثَلُ نُورِهِ) يقول: مثل نور من آمن به، قال: وكذلك كان يقرأ أُبيّ، قال: هو عبد جعل الله القرآن والإيمان في صدره.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير (مَثَلُ نُورِهِ) قال: مثل نور المؤمن.
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا يحيى بن اليمان، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك في قوله: (مَثَلُ نُورِهِ) قال: نور المؤمن.
وقال آخرون: بل عُني بالنور: محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: الهاء التي قوله: (مَثَلُ نُورِهِ) عائدة على اسم الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص، عن شمر قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له: حدثني عن قول الله عزّ وجلّ: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) ... الآية؟ فقال كعب: الله نور السماوات والأرض، مثل نوره مثل محمد صلى الله عليه وسلم كمشكاة.
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير في قوله: (مَثَلُ نُورِهِ) قال: محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل عني بذلك: هدي الله وبيانه، وهو القرآن، قالوا: والهاء من ذكر الله. قالوا: ومعنى الكلام: الله هادي أهل السماوات والأرض بآياته المبينات، وهي النور الذي استنار به السماوات والأرض مثل هداه وآياته التي هدى بها خلقه، ووعظهم بها في قلوب المؤمنين كمشكاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (مَثَلُ نُورِهِ) مثل هداه في قلب المؤمن.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (مَثَلُ نُورِهِ) قال: مثل هذا القرآن في القلب كمشكاة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مَثَلُ نُورِهِ) : نور القرآن الذي أنزل على رسوله وعباده، هذا مثل القرآن (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) .
قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في قول الله تبارك وتعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) ونوره الذي ذكر القرآن، ومثله الذي ضرب له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: مثل نور الله، وقالوا: يعني بالنور: الطاعة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني بي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) : وذلك أن اليهود قالوا لمحمد: كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره، فقال: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) قال: وهو مثل ضربه الله لطاعته، فسمى طاعته نورا، ثم سماها أنوارا شتى.
وقوله: (كَمِشْكَاةٍ) اختلف أهل التأويل في معنى المشكاة والمصباح، وما المراد بذلك، وبالزجاجة، فقال بعضهم: المشكاة كل كوّة لا منفذ لها، وقالوا: هذا مثل ضربه الله لقلب محمد صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له: حدثني عن قول الله: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) ، قال: المشكاة وهي الكوّة، ضربها الله مثلا لمحمد صلى الله عليه وسلم، المشكاة (فيها مصباح المصباح قَلْبِهِ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ) صدره، الزجاجة (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) شبه صدر النبي صلى الله عليه وسلم بالكوكب الدريّ، ثم رجع المصباح إلى قلبه فقال: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لم تمسّها شمس المشرق ولا شمس المغرب، (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) يكاد محمد يبين للناس، وإن لم يتكلم أنه نبيّ، كما يكاد ذلك الزيت يضيء (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ) .
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|