
23-07-2025, 02:49 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,110
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الفرقان
الحلقة (1075)
صــ 251 لى صــ 260
ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعُزيرا والملائكة، يكذّبون المشركين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) قال: عيسى وعُزيرا والملائكة، يكذّبون المشركين بقولهم.
وكان ابن زيد يقول في تأويل ذلك: ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: كذّبوكم بما تقولون بما جاء من عند الله جاءت به الأنبياء والمؤمنون آمنوا به، وكذب هؤلاء فوجه ابن زيد تأويل قوله: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) إلى: فقد كذّبوكم أيها المؤمنون المكذّبون بما جاءهم به محمد من عند الله، بما تقولون من الحقّ، وهو أن يكون خبرا عن الذين كذّبوا الكافرين في زعمهم أنهم دعوهم إلى الضلالة، وأمروهم بها على ما قاله مجاهد من القول الذي ذكرناه عنه أشبه وأولى; لأنه في سياق الخبر عنهم، والقراءة في ذلك عندنا (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) بالتاء على التأويل الذي ذكرناه، لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وقد حُكي عن بعضهم أنه قرأه (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ) بالياء، بمعنى: فقد كذبوكم بقولهم.
وقوله جلّ ثناؤه (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) يقول: فما يستطيع هؤلاء الكفار صرف عذاب الله حين نزل بهم عن أنفسهم، ولا نصرها من الله حين عذّبها وعاقبها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: المشركون لا يستطيعونه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: المشركون. قال ابن جُرَيج: لا يستطيعون صرف العذاب عنهم، ولا نصر أنفسهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا) قال: لا يستطيعون يصرفون عنهم العذاب الذي نزل بهم حين كذّبوا، ولا أن ينتصروا قال: وينادي مناد يوم القيامة حين يجتمع الخلائق: ما لكم لا تناصرون، قال: من عبد من دون الله لا ينصر اليوم من عبده، وقال العابدون من دون الله: لا ينصره اليوم إلهه الذي يعبد من دون الله، فقال الله تبارك وتعالى: (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) وقرأ قول الله جلّ ثناؤه (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) .
ورُوي عن ابن مسعود في ذلك ما حدثنا به أحمد بن يونس، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: هي في حرف عبد الله بن مسعود (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لكَ صَرْفًا) فإن تكن هذه الرواية عنه صحيحة صحّ التأويل الذي تأوّله ابن زيد في قوله: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) ويصير قوله (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) خبرا عن المشركين أنهم كذّبوا المؤمنين، ويكون تأويل قوله حينئذ (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لكَ صَرْفًا) فما يستطيع يا محمد هؤلاء الكفار لك صرفا عن الحق الذي هداك الله له، ولا نصر أنفسهم، مما بهم من البلاء الذي هم فيه، بتكذيبهم إياك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) }
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) أيها المؤمنون- يعني بقوله: (وَمَنْ يَظْلِمْ) ومن يشرك بالله فيظلم نفسه، فذلك نذقه عذابا كبيرا كالذي ذكرنا أنَّا نذيقه الذين كذّبوا بالساعة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، في قوله: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) قال: يشرك (نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا) .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) قال: هو الشرك:
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) }
وهذا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه على مشركي قومه الذين قالوا: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ) وجواب لهم عنه يقول لهم جلّ ثناؤه: وما أنكر يا محمد هؤلاء القائلون: ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، من أكلك الطعام، ومشيك في الأسواق، وأنت لله رسول، فقد علموا أنا ما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، كالذي تأكل أنت وتمشي، فليس لهم عليك بما قالوا من ذلك حجة.
فان قال قائل: فإن (من) ليست في التلاوة، فكيف قلت: معنى الكلام: إلا من إنهم ليأكلون الطعام؟ قيل: قلنا في ذلك: معناه: أن الهاء والميم في قوله: إنهم، كناية أسماء لم تذكر، ولا بد لها من أن تعود على من كُني عنه بها، وإنما ترك ذكر "من" وإظهاره في الكلام اكتفاء بدلالة قوله: (مِنَ الْمُرْسَلِينَ) عليه، كما اكتفي في قوله: (وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) من إظهار "من" ، ولا شكّ أن معنى ذلك: وما منا إلا من له مقام معلوم، كما قيل (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا) ومعناه: وإن منكم إلا من هو واردها، فقوله: (إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) صلة لمن المتروك، كما يقال في الكلام: ما أرسلت إليك من الناس إلا من إنه ليبلغك الرسالة، فإنه ليبلغك الرسالة، صلة لمن.
وقوله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) يقول تعالى ذكره: وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، جعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملِكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدنيا لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنيّ، والملك بصبره على ما
أعطيه الرسول من الكرامة، وكيف رضي كل إنسان منهم بما أعطى، وقسم له، وطاعته ربه مع ما حرم مما أعطى غيره. يقول فمن أجل ذلك لم أعط محمدا الدنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيها الناس، وأختبر طاعتكم ربكم وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرض من الدنيا ترجونه من محمد أن يعطيكم على اتباعكم إياه، لأني لو أعطيته الدنيا، لسارع كثير منكم إلى اتباعه طمعا في دنياه أن يَنال منها.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: ثني عبد القدوس، عن الحسن، في قوله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) ... الآية، يقول هذا الأعمى: لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان، ويقول هذا الفقير: لو شاء الله لجعلني غنيا مثل فلان، ويقول هذا السقيم: لوشاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) قال: يمسك عن هذا، ويوسع على هذا، فيقول: لم يعطني مثل ما أعطى فلانا، ويبتلى بالوجع كذلك، فيقول: لم يجعلني ربي صحيحا مثل فلان في أشباه ذلك من البلاء، ليعلم من يصبر ممن يجزع.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد، فيما يرى الطبري، عن عكرمة، أو عن سعيد، عن ابن عباس، قال: وأنزل عليه في ذلك من قولهم: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ) ... الآية: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) : أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا على ما تسمعون منهم، وترون من خلافهم، وتتبعوا الهدى بغير أن أعطيهم عليه الدنيا، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي، فلا يخالفون لفعلت، ولكني قد أردت أن أبتلي العباد بكم وأبتليكم بهم.
وقوله: (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) يقول: وربك يا محمد بصير بمن يجزع ومن يصبر على ما امتحن به من المحن.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) إن ربك لبصير بمن يجزع، ومن يصبر.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) }
يقول تعالى ذكره: وقال المشركون الذين لا يخافون لقاءنا، ولا يَخْشَون عقابنا، هلا أنزل الله علينا ملائكة، فتخبرَنا أن محمدًا محقّ فيما يقول، وأن ما جاءنا به صدق، أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك، كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عنهم: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا) ثم قال بعد: (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا) يقول الله: لقد استكبر قائلو هذه المقالة في أنفسهم، ونعظموا، (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا) يقول: وتجاوزوا في الاستكبار بقيلهم ذلك حدّه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال كفار قريش: (لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فيخبرونا أن محمدا رسول الله (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا) لأن "عتا" من ذوات الواو، فأخرج مصدره على الأصل بالواو، وقيل في سورة مريم (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) وإنما قيل ذلك كذلك لموافقة المصادر في هذا الوجه جمع الأسماء كقولهم: قعد قعودا، وهم قوم قعود، فلما كان ذلك كذلك، وكان العاتي يجمع عتيا بناء على الواحد، جعل مصدره أحيانا موافقا لجمعه، وأحيانا مردودا إلى أصله.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) }
يقول تعالى ذكره: يوم يرى هؤلاء الذين قالوا: (لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا) بتصديق محمد الملائكة، فلا بشرى لهم يومئذ بخير (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) يعني أن الملائكة يقولون للمجرمين حجرا محجورا، حراما محرّما عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله; ومن الحجر قول المتلمس:
حَنَّتْ إلى نَخْلَةَ القُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا ... حِجْرٌ حَرَامٌ ألا تِلْكَ الدَّهاريسُ (1)
ومنه قولهم: حجر القاضي على فلان، وحجر فلان على أهله; ومنه حجر الكعبة، لأنه لا يدخل إليه في الطواف، وإنما يطاف من ورائه; ومنه قول الآخر.
فَهَمَمْتُ أنْ أَلْقَى إلَيْها مَحْجَرًا ... فَلَمِثْلُهَا يُلْقَى إلَيْهِ المَحْجَرُ (2)
أي مثلها يُركب منه المُحْرَمُ.
واختلف أهل التأويل في المخبر عنهم بقوله: (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) ومن قائلوه؟ فقال بعضهم: قائلو ذلك الملائكة للمجرمين نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، وسأله رجل عن قول الله (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) قال: تقول الملائكة: حراما محرما أن تكون لكم البُشرى.
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن جدي، عن الحسن، عن قتادة (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) قال: هي كلمة كانت العرب تقولها، كان الرجل إذا نزل به شدّة قال: حجرا، يقول: حراما محرّما.
(1) البيت للمتلمس جرير بن عبد المسيح (عن معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري: رسم نخلة) .. وحنت: اشتاقت. وفي (اللسان: دهرس) : حجت. ونخلة القصوى: موضع على ليلة من مكة. وقيل: هما نخلة الشامية ونخلة اليمانية؛ فالشامية واد ينصب من الغمير. واليمانية: واد ينصب من بطن قرن المنازل، وهو طريق اليمن إلى مكة. وحجر: مثلث الحاء بمعنى حرام، وفي المعجم البكري: بسل عليك، وهو الحرام أيضًا. والدهاريس جمع دهرس، مثلث الدال، وهي الداهية (عن اللسان) . والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 167 من مصورة الجامعة رقم 26059) وعنه أخذه المؤلف
(2) البيت لحميد بن ثور الهلالي (اللسان: حجر. والديوان طبعة دار الكتب المصرية ص 84) . وفي رواية الديوان واللسان: أغشى في موضع ألقى. والمحجر: الحرام. قال في اللسان: لمثلها يؤتى إليه الحرام. وقبل البيت ثلاثة أبيات وهي: لَمْ أَلْقَ عَمْرَةَ بَعْدَ إذْ هِيَ نَاشِئٌ ... خَرَجَتْ مُعَطَّفَةً عَلَيْهَا مئْزَرُ
بَرَزَتْ عَقِيلَةَ أَرْبَع هَادَيْنَهَا ... بِيضِ الوُجُوهِ كأنهُنَّ الْعُنْقَرُ
ذَهَبَتْ بِعَقْلِكَ رَيطَةٌ مَطْوِيَّةٌ ... وَهِيَ التي تُهْدَي بِهَا لَوْ تَشْعُرُ
والبيت شاهد على أنت المحجر الحرام. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 224 من مصورة الجامعة 24059) : ألقى: من لقيت أي مثلها يركب منه المحرم. وعنه أخذ المؤلف
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) لما جاءت زلازل الساعة، فكان من زلازلها أن السماء انشقت (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) على شفة كل شيء تشقَّق من السماء، فذلك قوله: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ) : يعني الملائكة تقول للمجرمين حراما محرمًا أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) قال: يوم القيامة (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) قال: عوذا معاذا.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله، وزاد فيه: الملائكة تقوله.
وقال آخرون: ذلك خبر من الله عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) قال ابن جُرَيج: كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا حجرا، فقالوا حين عاينوا الملائكة. قال ابن جُرَيج: قال مجاهد: (حِجْرًا) عوذا، يستعيذون من الملائكة.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك من أجل أن الحِجْر هو الحرام، فمعلوم أن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر أن البُشرى عليهم حرام. وأما الاستعاذة فإنها الاستجارة، وليست بتحريم، ومعلوم أن الكفار لا يقولون للملائكة حرام عليكم، فيوجه الكلام إلى أن ذلك خبر عن قيل المجرمين للملائكة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا (24) }
يقول تعالى ذكره: (وَقَدِمْنَا) وعمدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون (مِنْ عَمَلِ) ; ومنه قول الراجز:
وَقَدِمَ الخَوَارِجُ الضُّلالُ ... إلَى عِبادِ رَبِّهِمْ وَقالُوا
إنَّ دِمَاءَكُم لَنا حَلالُ (1)
يعني بقوله: قدم: عمد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَقَدِمْنَا) قال: عَمَدنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله وقوله: (فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) يقول: فجعلناه باطلا لأنهم لم يعملوه لله وإنما عملوه للشيطان.
والهباء: هو الذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوّة يحسبه الناظر غبارًا ليس بشيء تقبض عليه الأيدي ولا تمسه، ولا يرى ذلك في الظل.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية (هَبَاءً مَنْثُورًا) قال: الغبار الذي يكون في الشمس.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) قال: الشعاع في كوّة أحدهم إن ذهب يقبض عليه لم يستطع.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (هَبَاءً مَنْثُورًا) قال: شعاع الشمس من الكوّة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
(1) الرجز من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 167 مصورة الجامعة 26059) وقدم إلى الشيء: عمد إليه وقصده. وهو محل الشاهد عند المؤلف
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: (هَبَاءً مَنْثُورًا) قال: ما رأيت شيئا يدخل البيت من الشمس تدخله من الكوّة، فهو الهباء.
وقال آخرون: بل هو ما تسفيه الرياح من التراب، وتذروه من حطام الأشجار، ونحو ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: (هَبَاءً مَنْثُورًا) قال: ما تسفي الريح تَبُثُّهُ.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة (هَبَاءً مَنْثُورًا) قال: هو ما تذرو الريح من حطام هذا الشجر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (هَبَاءً مَنْثُورًا) قال: الهباء: الغبار.
وقال آخرون: هو الماء المهراق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (هَبَاءً مَنْثُورًا) يقال: الماء المهراق.
وقوله جلّ ثناؤه: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) يقول تعالى ذكره: أهل الجنة يوم القيامة خير مستقرّا، وهو الموضع الذي يستقرّون فيه من منازلهم في الجنة من مستقرّ هؤلاء المشركين الذين يفتخرون بأموالهم، وما أوتوا من عرض هذه الدنيا في الدنيا، وأحسن منهم فيها مقيلا.
فإن قال قائل: وهل في الجنة قائلة؟ فيقال: (وَأَحْسَنُ مَقِيلا) فيها؟ قيل: معنى ذلك: وأحسن فيها قرارا في أوقات قائلتهم في الدنيا، وذلك أنه ذكر أن أهل الجنة لا يمرّ فيهم في الآخرة إلا قدر ميقات النهار من أوّله إلى وقت القائلة، حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة، فذلك معنى قوله: (وَأَحْسَنُ مَقِيلا) .
* ذكر الرواية عمن قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) يقول: قالوا في الغرف في الجنة، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير، وهو مثل قوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) .
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة في نصف النهار، فيقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) قال: لم ينتصف النهار حتى يقضي الله بينهم، فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. قال: وفي قراءة ابن مسعود: (ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإلى الجَحيم) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) قال: قال ابن عباس: كان الحساب من ذلك في أوّله، وقال القوم حين قالوا في منازلهم من الجنة، وقرأ (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن سعيدًا الصوّاف حدثه أنه بلغه أن يوم القيامة يقضي على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وأنهم يقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس، فذلك قول الله: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) .
قال أبو جعفر: وإنما قلنا: معنى ذلك: خير مستقرا في الجنة منهم في الدنيا، لأن الله تعالى ذكره عَمَّ بقوله: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) جميع أحوال الجنة في الآخرة أنها خير في الاستقرار فيها، والقائلة من جميع أحوال أهل النار، ولم يخُصّ بذلك أنه خير من أحوالهم في النار دون الدنيا، ولا في الدنيا دون الآخرة، فالواجب أن يعمَّ كما عمّ ربنا جلّ ثناؤه، فيقال: أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقرًّا
في الجنة من أهل النار في الدنيا والآخرة، وأحسن منهم مقيلا وإذا كان ذلك معناه، صحّ فساد قول من توهم أن تفضيل أهل الجنة بقول الله: (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) على غير الوجه المعروف من كلام الناس بينهم في قولهم: هذا خير من هذا، وهذا أحسن من هذا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) }
اختلف القرّاء في قراءة قوله (تَشَقَّقُ) فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز (وَيَوْمَ تَشَّقَّقُ) بتشديد الشين بمعنى: تَتَشقق، فأدغموا إحدى التاءين في الشين فشدّدوها، كما قال: (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى)
وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) بتخفيف الشين والاجتزاء بإحدى التاءين من الأخرى.
والقول في ذلك عندي: أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: ويوم تُشقق السماء عن الغمام. وقيل: إن ذلك غمام أبيض مثل الغمام الذي ظلل على بني إسرائيل، وجعلت الباء، في قوله: (بِالْغَمَامِ) مكان "عن" كما تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، بمعنى واحد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ) قال: هو الذي قال: (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ) الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، ولم يكن في تلك قطّ إلا لبني إسرائيل. قال ابن جُرَيج: الغمام الذي يأتي الله فيه غمام زعموا في الجنة.
قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن أبي حازم، عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله حين يهبط، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا، منها النور والظلمة والماء، فيصوّت الماء صوتا تنخلع له القلوب.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|