عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 23-07-2025, 06:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,110
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الفرقان
الحلقة (1077)
صــ 271 لى صــ 280





الجَنَّةَ يَوْمَ القِيَامَةِ الْعَبْدُ الأسْوَدُ ". وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن مِنْ أهلها أحد إلا ذلك الأسود، ثم إن أهل القرية عدوا على النبيّ عليه السلام، فحفروا له بئرا فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، قال: وكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، فيشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي به إلى ذلك البئر، فيرفع تلك الصخرة، فيعينه الله عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يعيدها كما كانت، قال: فكان كذلك ما شاء الله أن يكون. ثم إنه ذهب يوما يحتطب، كما كان يصنع، فجمع حطبه، وحزم حزمته وفرغ منها; فلما أراد أن يحتملها وجد سِنة، فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما. ثم إنه هبّ فتمطى، فتحوّل لشقة الآخر، فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى. ثم إنه هبّ فاحتمل حزمته، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده، وقد كان بدا لقومه فيه بداء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدّقوه، قال: فكان النبي عليه السلام يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون: ما ندري، حتى قبض الله النبيّ، فأهبّ الله الأسود من نومته بعد ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ ذَلكَ الأسْودَ لأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ "غير أن هؤلاء في هذا الخبر يذكر محمد بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم آمنوا بنبيهم واستخرجوه من حفرته، فلا ينبغي أن يكونوا المعنيين بقوله: (وَأَصْحَابَ الرَّسِّ) لأن الله أخبر عن أصحاب الرّسّ أنه دمرهم تدميرا، إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم الذي استخرجوه من الحفرة وآمنوا به، فيكون ذلك وجها (وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) يقول: ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سمَّيناها لكم أمما كثيرة."
كما حدثنا الحسن بن شبيب، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن جعفر بن عليّ بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلفت بالمدينة عمي ممن يفتي على أن القرن سبعون سنة، وكان عمه عبيد الله بن أبي رافع كاتب عليّ رضي الله عنه.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن
الحكم، عن إبراهيم قال: القرن أربعون سنة.
وقوله: (وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ) يقول تعالى ذكره: وكل هذه الأمم التي أهلكناها التي سميناها لكم أو لم نسمها ضربنا له الأمثال يقول: مثلنا له الأمثال ونبهناها على حججنا عليها، وأعذرنا إليها بالعبر والمواعظ، فلم نهلك أمة إلا بعد الإبلاغ إليهم في المعذرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ) قال: كلّ قد أعذر الله إليه، ثم انتقم منه.
وقوله: (وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) يقول تعالى ذكره: وكل هؤلاء الذين ذكرنا لكم أمرهم استأصلناهم، فدمرناهم بالعذاب إبادة، وأهلكناهم جميعا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: (وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) قال: تبر الله كلا بعذاب تتبيرا.
حدثنا أبو كريب قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير (وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) قال: تتبير بالنبطية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قوله: (وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) قال: بالعذاب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) }
يقول تعالى ذكره: ولقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجورا على القرية التي أمطرها الله مطر السوء وهي سدوم، قرية قوم لوط. ومطر السوء: هو الحجارة التي أمطرها الله عليهم فأهلكهم بها. كما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (وَلَقَدْ
أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) قال: حجارة، وهي قرية قوم لوط، واسمها سدوم. قال ابن عباس: خمس قرَّيات، فأهلك الله أربعة، وبقيت الخامسة، واسمها صعوة. لم تهلك صعوة، كان أهلها لا يعملون ذلك العمل، وكانت سدوم أعظمها، وهي التي نزل بها لوط، ومنها بعث، وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم ينادي نصيحة لهم: يا سدوم، يوم لكم من الله، أنهاكم أن تعرضوا لعقوبة الله، زعموا أن لوطا ابن أخي إبراهيم صلوات الله عليهما.
وقوله: (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا) يقول جلّ ثناؤه: أو لم يكن هؤلاء المشركون الذين قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء يرون تلك القرية، وما نزل بها من عذاب الله بتكذيب أهلها رسلهم، فيعتبروا ويتذكروا، فيراجعوا التوبة من كفرهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم (بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا) يقول تعالى ذكره: ما كذّبوا محمدا فيما جاءهم به من عند الله، لأنهم لم يكونوا رأوا ما حلّ بالقرية التي وصفت، ولكنهم كذّبوه من أجل أنهم قوم لا يخافون نشورًا بعد الممات، يعني أنهم لا يوقنون بالعقاب والثواب، ولا يؤمنون بقيام الساعة، فيردعهم ذلك عما يأتون من معاصي الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا) بعثا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا (41) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رآك هؤلاء المشركون الذين قصصت عليك قصصهم (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا) يقول: ما يتخذونك إلا سخرية يسخرون منك، يقولون: (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ) إلينا (رَسُولا) من بين خلقه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا (42) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء المشركين الذين كانوا يهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم يقولون إذا رأوه: قد كاد هذا يضلنا عن آلهتنا التي نعبدها، فيصدّنا عن عبادتها لولا صبرنا عليها، وثبوتنا على عبادتها (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ) يقول جلّ ثناؤه: سيبين لهم حين يعاينون عذاب الله قد حلّ بهم على عبادتهم الآلهة (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا) يقول: من الراكب غير طريق الهدى، والسالك سبيل الردى أنت أوهم.
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: (لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا) قال: ثبتنا عليها.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا (43) }
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا (44) }
يعني تعالى ذكره: (أَرَأَيْتَ) يا محمد (مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ) شهوته التي يهواها وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر، فإذا رأى أحسن منه رمى به، وأخذ الآخر يعبده، فكان معبوده وإلهه ما يتخيره لنفسه، فلذلك قال جلّ ثناؤه (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا) يقول تعالى ذكره: أفأنت تكون يا محمد على هذا حفيظا في أفعاله مع عظيم جهله؟ (أَمْ تَحْسَبُ) يا محمد أن أكثر هؤلاء المشركين (يَسْمَعُونَ) ما يتلى عليهم، فيعون (أَوْ يَعْقِلُونَ) ما يعاينون من حجج الله، فيفهمون (إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ) يقول: ما هم إلا كالبهائم التي لا تعقل ما يقال لها، ولا تفقه، بل هم من البهائم أضلّ سبيلا لأن البهائم تهتدي لمراعيها، وتنقاد لأربابها، وهؤلاء الكفرة لا يطيعون ربهم، ولا يشكرون نعمة من أنعم عليهم، بل يكفرونها، ويعصون من خلقهم وبرأهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) }
يقول تعالى ذكره: (أَلَمْ تَرَ) يا محمد (كَيْفَ مَدَّ) ربك (الظِّلَّ) وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) يقول: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) قال: مدّه ما بين صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا) قال: الظلّ: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا أبو محصن، عن حصين، عن أبي مالك، قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) قال: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) قال. ظلّ الغداة قبل أن تطلع الشمس.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: الظلّ: ظلّ الغداة.
قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرمة، قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) قال: مدّه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) يعني: من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس.
قوله: (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا) يقول: ولو شاء لجعله دائما لا يزول، ممدودا
لا تذهبه الشمس، ولا تنقصه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا) يقول: دائما.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال، ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا) قال: لا تصيبه الشمس ولا يزول.
حدثنا القاسم. قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا) قال: لا يزول.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا) قال: دائما لا يزول.
وقوله: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا) يقول جلّ ثناؤه: ثم دللناكم أيها الناس بنسخ الشمس إياه عند طلوعها عليه، أنه خلْق من خلق ربكم، يوجده إذا شاء، ويفنيه إذا أراد; والهاء في قوله: "عليه" من ذكر الظلّ. ومعناه: ثم جعلنا الشمس على الظلّ دليلا. قيل: معنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس التي تنسخه لم يعلم أنه شيء، إذا كانت الأشياء إنما تعرف بأضدادها، نظير الحلو الذي إنما يعرف بالحامض والبارد بالحارِّ، وما أشبه ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا) يقول: طلوع الشمس.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا) قال: تحويه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن
مجاهد، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا) قال: أخرجت ذلك الظل فذهبت به وقوله: (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا) يقول تعالى ذكره: ثم قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظلّ إلينا قبضا خفيا سريعا بالفيء الذي نأتي به بالعشيّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا) قال: حوى الشمس الظلّ. وقيل: إن الهاء التي في قوله: (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا) عائدة على الظلّ، وإن معنى الكلام: ثم قبضنا الظلّ إلينا بعد غروب الشمس، وذلك أن الشمس إذا غربت غاب الظلّ الممدود، قالوا: وذلك وقت قبضه.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (يَسِيرًا) فقال بعضهم: معناه: سريعا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا) يقول: سريعا.
وقال آخرون: بل معناه: قبضا خفيا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا) قال: خفيا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج (قَبْضًا يَسِيرًا) قال: خفيا، قال: إن ما بين الشمس والظلّ مثل الخيط، واليسير الفعيل من اليسر، وهو السهل الهين في كلام العرب. فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك، يتوجه لما روي عن ابن عباس ومجاهد؛ لأن سهولة قبض ذلك قد تكون بسرعة وخفاء. وقيل: إنما قيل (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا) لأن الظلّ بعد غروب الشمس لا يذهب
كله دفعة، ولا يقبل الظلام كله جملة، وإنما يقبض ذلك الظلّ قبضا خفيا، شيئا بعد شيء ويعقب كل جزء منه يقبضه جزء من الظلام.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) }
يقول تعالى ذكره: الذي مدّ الظل ثم جعل الشمس عليه دليلا هو الذي جعل لكم أيها الناس الليل لباسا. وإنما قال جلّ ثناؤه (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا) لأنه جعله لخلقه جنة يجتنون فيها ويسكنون، فصار لهم سترا يستترون به، كما يستترون بالثياب التي يُكسونها. وقوله: (وَالنَّوْمَ سُبَاتًا) يقول: وجعل لكم النوم راحة تستريح به أبدانكم، وتهدأ به جوارحكم. وقوله: (وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) يقول تعالى ذكره: وجعل النهار يقظة وحياة من قولهم: نَشر الميتُ، كما قال الأعشى:
حَتى يقُولَ النَّاسُ مِمَّا رأَوْا ... يا عَجَبا للْمَيِّتِ النَّاشِرِ (1)
ومنه قول الله: (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا)
وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) قال: ينشر فيه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك، أنه عقيب قوله: (وَالنَّوْمَ سُبَاتًا) في الليل. فإذ كان ذلك كذلك، فوصف النهار بأن فيه اليقظة والنشور من النوم أشبه إذ كان النوم أخا الموت. والذي قاله مجاهد غير بعيد من الصواب؛ لأن الله أخبر أنه جعل النهار معاشا، وفيه الانتشار للمعاش، ولكن النشور مصدر من قول القائل: نشر،
(1)
البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوان طبعة القاهرة، بشرح الدكتور محمد حسين 141) وهو من قصيدة يهجو بها علقمة بن علاثة، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما. وقبل البيت قوله: لَو أسْنَدَتْ مَيْتًا إلى صَدْرِهَا ... عَاشَ وَلَمْ يَنْقَلْ إلى قَابِرِ

والبيت كذلك في (اللسان: نشر) قال: ونشر الله الميت ينشره نشرًا ونشورًا، وأنشره، فنشر الميت (برفع الميت) لا غير: أحياه قال الأعشى: حتى يقول ... "البيت. وهذا محل الشاهد عند المؤلف."
فهو بالنشر من الموت والنوم أشبه، كما صحّت الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أصبح وقام من نومه: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَما أماتَنا، وإلَيْهِ النُّشُورُ" .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) }
يقول تعالى ذكره: والله الذي أرسل الرياح الملقحة (بُشْرًا) : حياة أو من الحيا والغيث الذي هو منزله على عباده (وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) يقول: وأنزلنا من السحاب الذي أنشأناه بالرياح من فوقكم أيها الناس ماء طهورا. (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) يعني أرضا قَحِطة عذية لا تُنبت. وقال: (بَلْدَةً مَيْتًا) ولم يقل ميتة، لأنه أريد بذلك لنحيي به موضعًا ومكانًا ميتًا (وَنُسْقِيَهُ) من خلقنا (أَنْعَامًا) من البهائم (وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) يعني الأناسيّ: جمع إنسان وجمع أناسي، فجعل الياء عوضا من النون التي في إنسان، وقد يجمع إنسان: إناسين، كما يجمع النَشْيان (1) نشايين. فإن قيل: أناسيّ جمع واحده إنسيّ، فهو مذهب أيضًا محكي، وقد يجمع أناسي مخففة الياء، وكأن من جمع ذلك كذلك أسقط الياء التي بين عين الفعل ولامه، كما يجمع القرقور: قراقير وقراقر. ومما يصحح جمعهم إياه بالتخفيف، قول العرب: أناسية كثيرة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا (50) }
يقول تعالى ذكره: ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهورا لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي، ليتذكروا نعمي عليهم، ويشكروا أيادي عندهم وإحساني إليهم (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) يقول: إلا جحودا لنعمي عليهم، وأياديّ عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
يقال: رجل نشوان، من السكر؛ ونشيان للخبر: يختبر الأخبار أول ورودها، ويبحث عنها. وأصلها الواو.

* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سمعت الحسن بن مسلم يحدّث طاوسا، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: ما عام بأكثر مطرا من عام، ولكنّ الله يصرّفه بين خلقه; قال: ثم قرأ: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ) .
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، قال: ثنا الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جُبير، قال: قال ابن عباس: ما عام بأكثر مطرا من عام، ولكنه يصرفه في الأرضين، ثم تلا (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ) قال: المطر ينزله في الأرض، ولا ينزله في الأرض الأخرى، قال: فقال عكرِمة: صرفناه بينهم ليذّكروا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) قال: المطر مرّة هاهنا، ومرّة هاهنا.
حدثنا سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، أنه سمع أبا جحيفة يقول: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ليس عام بأمطر من عام، ولكنه يصرفه، ثم قال عبد الله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ) .
وأما قوله: (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) فإن القاسم حدثنا قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جُرَيج، عن عكرمة: (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) قال: قولهم في الأنواء.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) }
يقول تعالى ذكره: ولو شئنا يا محمد لأرسلنا في كلّ مصر ومدينة نذيرا ينذرهم بأسنا على كفرهم بنا، فيخفّ عنك كثير من أعباء ما حملناك منه، ويسقط عنك بذلك مؤنة عظيمة، ولكنا حملناك ثقل نذارة جميع القرى، لتستوجب بصبرك عليه إن صبرت ما أعدّ الله لك من الكرامة عنده، والمنازل الرفيعة قِبَله، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]