
23-07-2025, 06:27 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الشعراء
الحلقة (1087)
صــ 371 لى صــ 380
لكم إنذاره، ولم يكتمكم نصيحته. (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) يقول: قال لنوح قومه: لئن لم تنته يا نوح عما تقول، وتدعو إليه، وتعيب به آلهتنا، لتكوننّ من المشتومين، يقول: لنشتمك.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) }
يقول تعالى ذكره: قال نوح: (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) فيما أتيتهم به من الحقّ من عندك، وردّوا عليّ نصيحتي لهم. (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا) يقول: فاحكم بيني وبينهم حكما من عندك تهلك به المبطل، وتنتقم به ممن كفر بك وجحد توحيدك، وكذب رسولك.
كما حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا) قال: فاقض بيني وبينهم قضاء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا) قال: يقول: اقض بيني وبينهم. (ونجني) يقول: ونجني من ذلك العذاب الذي تأتي به حكما بيني وبينهم. (وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يقول: والذين معي من أهل الإيمان بك والتصديق لي.
وقوله (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يقول: فأنجينا نوحا ومن معه من المؤمنين -حين فتحنا بينهم وبين قومهم، وأنزلنا بأسنا بالقوم الكافرين- في الفلك المشحون، يعني في السفينة الموقرة المملوءة.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال: يعني الموقر.
حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: (المشحون) : الموقر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال: المفروغ منه المملوء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: (المشحون) المفروغ منه تحميلا.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قول الله: (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال: هو المحمل.
وقوله: (ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) من قومه الذين كذبوه، وردوا عليه النصيحة.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) }
يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلنا يا محمد بنوح ومن معه من المؤمنين في الفلك المشحون، حين أنزلنا بأسنا وسطوتنا، بقومه الذين كذبوه، لآية لك ولقومك المصدّقيك منهم والمكذّبيك، في أن سنتنا تنجية رسلنا وأتباعهم، إذا نزلت نقمتنا بالمكذبين بهم من قومهم، وإهلاك المكذبين بالله، وكذلك سنتي فيك وفي قومك. (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) يقول: ولم يكن أكثر قومك بالذين يصدّقونك مما سبق في قضاء الله أنهم لن يؤمنوا. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه ممن كفر به، وخالف أمره (الرَّحِيمُ) بالتائب منهم، أن يعاقبه بعد توبته.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) }
يقول تعالى ذكره: (كَذَّبَتْ عَادٌ) رسل الله إليهم. (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) عقاب الله على كفركم به. (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من ربي يأمركم بطاعته، ويحذركم على كفركم بأسه، (أَمِينٌ) على وحيه ورسالته. (فَاتَّقُوا اللَّهَ) بطاعته والانتهاء إلى ما يأمركم وينهاكم (وأطيعون) فيما آمركم به من اتقاء الله وتحذيركم سطوته. (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) يقول: وما أطلب منكم على أمري إياكم باتقاء الله جزاء ولا ثوابا. (إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) يقول: ما جزائي وثوابي على نصيحتي إياكم إلا على ربّ العالمين.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) والريع: كل مكان مشرف من الأرض مرتفع، أو طريق أو واد; ومنه قول ذي الرُّمَّة:
طِرَاقُ الخَوَافِي مُشْرفٌ فَوْق رِيعَةٍ ... نَدَى لَيْلِه فِي ريشِهِ يَتَرَقْرَقُ (1)
وقول الأعشى:
وَيهْماءُ قَفْرٍ تَجاوَزْتها ... إذَا خَبَّ فِي رِيعِها آلُهَا (2)
(1) البيت لذي الرمة (اللسان: ريع) قال: والريع: الجبل، والجمع أرياع، وريوع، ورياع. وقيل: الواحدة ريعة. والجمع: رياع. وحكى ابن برى عن أبي عبيدة: الريعة: جمع ريع، خلاف قول الجوهري، قال ذو الرمة: * طراق الخوافي واقعًا فوق ريعة *
والريع: السبيل، سلك أو لم يسلك. وقوله تعالى: (أتبون بكل ريع آية) . وقرئ: "بكل ريع" ، (بفتح الراء) : قيل في تفسيره: بكل مكان مرتفع. وقيل معناه: بكل فج. والفج: الطريق المتفرج في الجبال خاصة. وقيل: بكل طريق. وقال الفراء: الريع والريع (بكسر الراء وفتحها) لغتان، مثل الرير والرير. اهـ. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة 173) : (بكل ريع) ، وهو الارتفاع من الأرض، والطريق. والجمع أرياع وريعة. قال ذو الرمة: طِرَاقُ الخَوَافي مُشْرِفٌ فَوْقَ رِيعَةٍ ... نَدَى لَيْلِهِ فِي رِيشِهِ يَتَرَقْرَق
وفي (اللسان: طرق) : وطائر طراق الريش: إذا ركب بعضه بعضًا. قال ذو الرمة يصف بازيا: طِرَاقُ الخَوَافي وَاقِعٌ فَوْقَ رِيعِه ... نَدَى لَيْلِهِ فِي رِيشِهِ يَتَرَقْرَق
ويترقرق: يلمع. وكل شيء له بصيص وتلألؤ فهو رقراق. والخوافي: ما تحت القوادم في الطائر من الريش. والقوادم: جمع قادمة، وهي أربع ريشات طويلة في أول جناحه.
(2) البيت نسبه المؤلف للأعشى (أعشى بني قيس بن ثعلبة) وفي ديوانه طبعة القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين (ص 163- 169) قصيدة من هذا البحر المتقارب ومن القافية نفسها، عدتها 47 بيتًا، يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي. ولكن البيت سقط منها في نسخة الديوان، ولعله يوجد في نسخ أخرى منه قديمة واليهماء القازة لا ماء بها ولا أنيس وخب تحرك واضطراب والريع قد فسرناه في الشاهد قبل هذا، ونقلنا كلام العلماء والآل السراب وخب السراب أي تحرك ولمع وهذا الشاهد كالذي قبله يريد المؤلف أنه كل مكان مشرف من الأرض مرتفع، أو طريق أو واد وفيه لغتان ريع وريع بكسر الراء وفتحها كما قال، وكما قال غيره من أهل اللغة.
وفيه لغتان: ريع ورَيع بكسر الراء وفتحها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) يقول: بكلّ شرف.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بِكُلِّ رِيعٍ) قال: فجّ.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) قال: بكل طريق.
حدثني سليمان بن عبيد الله الغيلاني، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا مسلم بن خالد، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) قال: الريع: الثنية الصغيرة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا يحيى بن حسان، عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال عكرمة: (بِكُلِّ رِيعٍ) قال: فجّ وواد، قال: وقال مجاهد (بِكُلِّ رِيعٍ) بين جبلين.
قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) قال: شرف ومنظر.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله: (بِكُلِّ رِيعٍ) قال: بكلّ طريق.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بِكُلِّ رِيعٍ) بكلّ طريق. ويعني بقوله (آية) بنيانا، علما.
وقد بينا في غير موضع من كتابنا هذا، أن الآية هي الدلالة والعلامة بالشواهد المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم
في تأويله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) قال: الآية: علم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) قال: آية: بنيان.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (آية) : بنيان.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، في قوله: (بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) قال: بنيان الحمام.
وقوله: (تعبثون) قال: تلعبون.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (تعبثون) قال: تلعبون.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله: (تعبثون) قال: تلعبون.
وقوله: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ) اختلف أهل التأويل في معنى المصانع، فقال بعضهم: هي قصور مشيدة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ) قال: قصور مشيدة، وبنيان مخلد.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (مصانع) : قصور مشيدة وبنيان.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن مجاهد، قال: (مصانع) يقول: حصون وقصور.
حدثني يونس، قال: أخبرنا يحيى بن حسان، عن مسلم، عن رجل، عن مجاهد، قوله: (مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) قال: أبرجة الحمام.
وقال آخرون: بل هي مآخذ للماء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (مصانع) قال: مآخذ للماء.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن المصانع جمع مصنعة، والعرب تسمي كل بناء مصنعة، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورًا وحصونا مشيدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء، ولا خبر يقطع العذر بأيّ ذلك كان، ولا هو مما يدرك من جهة العقل. فالصواب أن يقال فيه، ما قال الله: إنهم كانوا يتخذون مصانع.
وقوله: (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) يقول: كأنكم تخلدون، فتبقون في الأرض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) يقول: كأنكم تخلدون.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: قال في بعض الحروف (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ) كأنكم تخلدون.
وكان ابن زيد يقول: "لعلكم" في هذا الموضع استفهام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) قال: هذا استفهام، يقول: لعلكم تخلدون حين تبنون هذه الأشياء؟.
وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع بمعنى "كيما" .
وقوله: (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) يقول: وإذا سطوتم سطوتم قتلا بالسيوف، وضربا بالسياط.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج: (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) قال: القتل بالسيف والسياط.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه من عاد: اتقوا عقاب الله أيها القوم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم، وانتهوا عن اللهو واللعب، وظلم الناس، وقهرهم بالغلبة والفساد في الأرض، واحذروا سخط الذي أعطاكم من عنده ما تعلمون، وأعانكم به من بين المواشي والبنين، والبساتين والأنهار. (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ) من الله (عَظِيمٍ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) }
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) }
يقول تعالى ذكره: قالت عاد لنبيهم هود صلى الله عليه وسلم: معتدل عندنا وعظك إيانا، وتركك الوعظ، فلن نؤمن لك ولن نصدّقك على ما جئتنا به.
وقوله: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك; فقرأته عامة قرّاء المدينة سوى أبي جعفر، وعامة قرّاء الكوفة المتأخرين منهم: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) من قبلنا: وقرأ ذلك أبو جعفر، وأبو عمرو بن العلاء: "إنْ هَذَاإلا خَلْقُ الأوّلينَ" بفتح الخاء وتسكين اللام بمعنى: ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأوّلين وأحاديثهم.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، نحو اختلاف القرَّاء في قراءته، فقال بعضهم: معناه: ما هذا إلا دين الأوّلين وعادتهم وأخلاقهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) يقول: دين الأوّلين.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) يقول: هكذا خِلْقة الأوّلين، وهكذا كانوا يحيون ويموتون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هذا إلا كذب الأوّلين وأساطيرهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) قال: أساطير الأوّلين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) قال: كذبهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) قال: إن هذا إلا أمر الأوّلين وأساطير الأوّلين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن علقمة، عن ابن مسعود: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) يقول: إن هذا إلا اختلاق الأوّلين.
قال ثنا يزيد بن هارون، قال. أخبرنا داود، عن الشعبيّ، عن علقمة، عن عبد الله، أنه كان يقرأ (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) ويقول شيء اختلقوه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبيّ، قال: قال علقمة: (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ) قال: اختلاق الأوّلين.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأ (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ)
بضم الخاء واللام، بمعنى: إن هذا إلا عادة الأوّلين ودينهم، كما قال ابن عباس، لأنهم إنما عوتبوا على البنيان الذي كانوا يتخذونه، وبطشهم بالناس بطش الجبابرة، وقلة شكرهم ربهم فيما أنعم عليهم، فأجابوا نبيّهم بأنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك، احتذاء منهم سنة من قبلهم من الأمم، واقتفاء منهم آثارهم، فقالوا: ما هذا الذي نفعله إلا خلق الأوّلين، يعنون بالخلق: عادة الأوّلين. ويزيد ذلك بيانا وتصحيحا لما اخترنا من القراءة والتأويل، قولهم: (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لأنهم لو كانوا لا يقرُّون بأن لهم ربا يقدر على تعذيبهم، ما قالوا: (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) بل كانوا يقولون: إن هذا الذي جئتنا به يا هود إلا خلق الأوّلين، وما لنا من معذب يعذبنا، ولكنهم كانوا مقرين بالصانع، ويعبدون الآلهة، على نحو ما كان مشركو العرب يعبدونها، ويقولون إنها تقربنا إلى الله زلفى، فلذلك قالوا لهود وهم منكرون نبوته: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ) ثم قالوا له: ما هذا الذي نفعله إلا عادة من قبلنا وأخلاقهم، وما الله معذبنا عليه. كما أخبرنا تعالى ذكره عن الأمم الخالية قبلنا، أنهم كانوا يقولون لرسلهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) }
يقول تعالى ذكره: فكذّبت عاد رسول ربهم هودا، والهاء في قوله (فكذبوه) من ذكر هود. (فأهلكناهم) يقول: فأهلكنا عادا بتكذيبهم رسولنا. (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) يقول تعالى ذكره: إن في إهلاكنا عادا بتكذيبها رسولها، لعبرة وموعظة لقومك يا محمد، المكذّبيك فيما أتيتهم به من عند ربك.
يقول: وما كان أكثر من أهلكنا بالذين يؤمنون في سابق علم الله.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه من أعدائه، (الرَّحِيمُ) بالمؤمنين به.
القول في تأويل قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)
يقول تعالى ذكره: كذّبت ثمود رسل الله، إذ دعاهم صالح أخوهم إلى الله، فقال لهم: ألا تتقون عقاب الله يا قوم على معصيتكم إياه، وخلافكم أمره، بطاعتكم أمر المفسدين في أرض الله. (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله أرسلني إليكم بتحذيركم عقوبته على خلافكم أمره (أمِينٌ) على رسالته التي أرسلها معي إليكم. (فَاتَّقُوا اللَّهَ) أيها القوم، واحذروا عقابه (وأطيعون) في تحذيري إياكم، وأمر ربكم باتباع طاعته. (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) يقول: وما أسألكم على نصحي إياكم، وإنذاركم من جزاء ولا ثواب. (إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) يقول: إن جزائي وثوابي إلا على ربّ جميع ما في السموات، وما في الأرض، وما بينهما من خلق.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود: أيترككم يا قوم ربكم في هذه الدنيا آمنين، لا تخافون شيئا؟. (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) يقول: في بساتين وعيون ماء. (وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ) يعني بالطلع: الكُفُرَّى.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله (هَضِيمٌ) فقال بعضهم: معناه اليانع النضيج.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ) يقول: أينع وبلغ فهو هضيم.
وقال آخرون: بل هو المتهشم المتفتت.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|