عرض مشاركة واحدة
  #1100  
قديم 23-07-2025, 10:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النمل
الحلقة (1100)
صــ 501 لى صــ 510





الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) قال: زمرة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) قال: زمرة زمرة (فَهُمْ يُوزَعُونَ) .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ) قال: يقول: فهم يدفعون.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (فَهُمْ يُوزَعُونَ) قال: يحبس أولهم على آخرهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (فَهُمْ يُوزَعُونَ) قال: وزعة تردّ أولاهم على أخرهم.
وقد بيَّنت معنى قوله: (يُوزَعُونَ) فيما مضى قبل بشواهده، فأغني ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: (حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي) يقول تعالى ذكره: حتى إذا جاء من كل أمة فوج ممن يكذب بآياتنا فاجتمعوا قال الله: (أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي) أي: بحججي وأدلتي (وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا) يقول: ولم تعرفوها حق معرفتها، (أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيها من تكذيب أو تصديق.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) }
يقول تعالى ذكره: ووجب السخط والغضب من الله على المكذّبين بآياته (بِمَا ظَلَمُوا) يعني بتكذيبهم بآيات الله، يوم يحشرون (فهم لا ينطقون)
يقول: فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيم ما حلّ بهم ووقع عليهم من القول. وقوله: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) يقول تعالى ذكره: ألم ير هؤلاء المكذّبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار، ومخالفتنا بينهما بتصييرنا هذا سكنًا لهم يسكنون فيه ويهدءون، راحة أبدانهم من تعب التصرِّف والتقلب نهارا، وهذا مضيئا يبصرون فيه الأشياء ويعاينونها
فيتقلبون فيه لمعايشهم، فيتفكروا في ذلك، ويتدبروا، ويعلموا أن مصرِّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يعجزه شيء، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء، وإحياء الأموات بعد الممات، كما لم يتعذر عليه الذهاب بالنهار والمجيء بالليل، والمجيء بالنهار والذهاب بالليل مع اختلاف أحوالهما (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يقول تعالى ذكره: إن في تصييرنا الليل سكنا، والنهار مبصرا لدلالة لقوم يؤمنون بالله على قدرته على ما آمنوا به من البعث بعد الموت، وحجة لهم على توحيد الله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى، وبيَّنا الصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم يذكر هناك من الأخبار، فقال بعضهم: هو قرن يُنفخ فيه.
*ذكر بعض من لم يُذكر فيما مضى قبل من الخبر عن ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ويوم يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) قال كهيئة البوق.
حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: الصور: البوق قال: هو البوق صاحبه آخذ به يقبض قبضتين بكفيه على طرف القرن، بين طرفه وبين فيه قدر قبضة أو نحوها، قد برك على ركبة إحدى رجليه، فأشار، فبرك على ركبة يساره مقعيًا على قدمها عقبها تحت فخذه وأليته وأطراف أصابعها في التراب.
قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: الصور كهيئة القرن قد رفع إحدى ركبتيه إلى السماء، وخفض الأخرى، لم يلق جفون عينه على غمض منذ خلق الله السموات مستعدًا مستجدًا، قد وضع الصور على فيه ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع
المدني، عن يزيد بن زياد - قال أبو جعفر: والصواب: يزيد بن أبي زياد - عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما الصور؟ قال: "قَرنٌ" ، قال: وكيف هو؟ قال: "قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ: الأولى: نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِيَامِ لِلهِ رَبِّ العَالَمينَ، يَأْمُرُ اللهُ إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى، فيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ وأَهْلُ الأرْضِ، إلا مَنْ شاءَ اللهُ، وَيأْمُرُهُ اللهُ فَيَمُدُّ بِها ويطوِّلهَا، فَلا يَفْتُرُ، وَهيَ الَّتي يَقُولُ اللهُ: (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) فَيُسَيِّرُ اللهُ الجِبالَ، فَتَكُون سَرَابا، وَتُرَجُّ الأرْضُ بأهْلِها رجا، وهي التي يقول الله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) فَتَكُونُ الأرضُ كالسَّفِينَةِ المُوثَقَةِ فِي البَحْرِ، تَضْرِبُها الأمْوَاجُ، تُكْفأ بأَهْلِها، أوْ كالقِنْدِيِل المُعَلَّقِ بالوَتَر، تُرَجِّحُهُ الأرْياحُ، فَتَمِيدُ النَّاسُ على ظَهْرها، فَتَذْهَلُ المَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الولْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّياطِينُ هارِبَةً، حَتَّى تَأتِي الأقْطار، فَتَتَلَقَّاهَا المَلائِكَةُ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَها، فَتَرْجِعُ، وَيُوَلي النَّاسُ مُدْبِرينَ يُنادي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُوُل اللهُ: (يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) فبَيْنَما هُمْ عَلى ذلكَ إذْ تَصَدَّعَتِ الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلى قُطْرٍ، فَرَأوَا أمْرًا عَظِيما، فَأَخَذَهُمْ لِذَلكَ مِنَ الكَرْب ما اللهُ أعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ نَظَرُوا إلى السَّماءِ، فإذَا هِي كَالمُهْلِ، ثُمَّ خُسِفَ شَمْسُها وَقَمَرُها، وانْتَثَرتْ نُجُومُها، ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ" . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والأمْوَاتُ لا يعْلَمُون بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، فمن استثنى الله حين يقول: (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) قال:" أولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وإنَّمَا يَصِلُ الفَزَعُ إلى الأحْياءِ، أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقاهُمُ اللهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَومِ وآمَنَهُمْ، وَهُوَ عَذَابُ اللهِ يَبْعَثُهُ عَلى شِرارِ خَلْقِه "."
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تَبارَكَ وتَعالى لَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ فَأعْطاهُ مَلَكًا، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصٌ بِبَصَرِه إلى العَرْشِ، يَنْتَظِرُ مَتى يُؤمَرُ" . قال: قُلْتُ: يا رسول الله، وما
الصُّورُ؟ قال: "قَرْنٌ" ، قلت: فكيف هو؟ قال: "عَظِيمٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ، إنَّ عِظَمَ دائِرَةٍ فيه، لَكَعَرْضِ السَّمَوَاتِ والأرْض، يَأْمُرُهُ فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَيفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ إلا مَنْ شاءَ اللهِ" ، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث أبي كُرَيب عن المحاربي، غير أنه قال في حديثه "كالسفينة المرفأة في البحر" .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ونفخ في صور الخلق.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي في الخلق. قوله: (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ) يقول: ففزع من في السموات من الملائكة ومن في الأرض من الجن والإنس والشياطين، من هول ما يعاينون ذلك اليوم.
فإن قال قائل: وكيف قيل: (فَفَزِعَ) ، فجعل فزع وهي فعل مردودة على ينفخ، وهي يَفْعُلُ؟ قيل: العرب تفعل ذلك في المواضع التي تصلح فيها إذا، لأن إذا يصلح معها فعل ويفعل، كقولك: أزورك إذا زرتني، وأزورك إذا تزورني، فإذا وضع مكان إذا يوم أجرى مجرى إذا. فإن قيل: فأين جواب قوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) ؟ قيل: جائز أن يكون مضمرا مع الواو، كأنه قيل: ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون، وذلك يوم ينفخ في الصور. وجائز أن يكون متروكا اكتفي بدلالة الكلام عليه منه، كما قيل: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فترك جوابه.
وقوله: (إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) قيل: إن الذين استثناهم الله في هذا الموضع من أن ينالهم الفزع يومئذ الشهداء، وذلك أنهم أحياء عند ربهم يُرزقون، وإن كانوا في عداد الموتى عند أهل الدنيا، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرناه في الخبر الماضي.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوّام عمن حدثه، عن أبي هريرة، أنه قرأ هذه الآية: (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) قال: هم الشهداء.
وقوله: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) يقول: وكلّ أتوه صاغرين.
وبمثل الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) يقول: صاغرين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) قال: صاغرين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) قال: الداخر: الصاغر الراغم، قال: لأن المرء الذي يفزع إذا فزع إنما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه، قال: فلما نُفخ في الصور فزعوا، فلم يكن لهم من الله منجى.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار: "وَكُل آتَوهُ" بمدّ الألف من أتوه على مثال فاعلوه (1) سوى ابن مسعود، فإنه قرأه: "وكُلٌّ أتُوهُ" على مثال فعلوه، واتبعه على القراءة به المتأخرون الأعمش وحمزة، واعتلّ الذين قرءوا ذلك على مثال فاعلوه بإجماع القراء على قوله: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) قالوا: فكذلك قوله: "آتَوهُ" في الجمع. وأما الذين قرءوا على قراءة عبد الله، فإنهم ردوه على قوله: (فَفَزِعَ) كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض، وأتوه كلهم داخرين، كما يقال في الكلام: رأى وفر وعاد وهو صاغر.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، ومتقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) }
يقول تعالى ذكره: (وَتَرَى الْجِبَالَ) يا محمد (تَحْسبَهُا) قائمة (وهي تَمُرُّ) .
كالذي حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن
(1)
آتوه: جمع آتى بوزن فاعل. وأصله آتيوه، نقلت الضمة من الياء لاستثقالها إلى التاء، ثم حذفت الياء، لسكونها وسكون الواو بعدها فصار آتوه على وزن فاعلوه. ووزنها قبل حذف الياء فاعلوه، وهو الذي أراده المؤلف.

ابن عباس، قوله: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) يقول: قائمة. وإنما قيل: (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) لأنها تجمع ثم تسير، فيحسب رائيها لكثرتها أنها واقفة، وهي تسير سيرا حثيثا، كما قال الجعدي:
بِأَرْعَنَ مِثْلَ الطَّوْدِ تَحْسِبُ أَنَّهُمْ ... وُقُوفٌ لحِاجٍ والرّكابُ تُهَمْلجُ (1)
قوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) وأوثق خلقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) يقول: أحكم كلّ شيء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) يقول: أحسن كلّ شيء خلقه وأوثقه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) قال: أوثق كلّ شيء وسوّى.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (أتْقَنَ) أوثق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم وخبرة بما يفعل عباده من خير وشرّ وطاعة له ومعصية، وهو مجازي جميعهم على جميع ذلك على الخير الخيرَ، وعلى الشرِّ الشرّ نظيره.
(1)
الأرعن: يريد به الجيش العظيم، شبهه بالجبل الضخم ذي الرعان، وهي الفضول، كرعان الجبال. والرعن الأنف العظيم من الجبل تراه متقدمًا. وقيل الأرعن: هو المضطرب لكثرته. والطود: الجبل العظيم والحاج: جمع حاجة، وتهملج: تمشى الهملجة، والهملجة: سير حسن في سرعة، والبيت شاهد على أن الشيء الضخم تراه وهو يتحرك، فتحسبه ساكنًا، مع أنه مسرع في سيره جدًا، وذلك كسير الجيش، وكسير السفينة في البحر، يحسبها الناظر إليها وهي مجدة في سيرها، كأنها واقفة. وذلك هو شأن الجبال عند القيامة: تراها كأنها جامدة، وهي تسير مسرعة كالسحاب.

القول في تأويل قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) }
يقول تعالى ذكره: (مَنْ جَاءَ) الله بتوحيده والإيمان به، وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه (فَلَهُ) من هذه الحسنة عند الله (خَيرٌ) يوم القيامة، وذلك الخير أن يثيبه الله (مِنْهَا) الجنة، ويؤمنِّه (مِنْ فَزَعٍ) الصيحة الكبرى وهي النفخ في الصور. (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يقول: ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه، وجحود وحدانيته (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ) في نار جهنم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني الفضل بن دكين، قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي، قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هُريرة- قال يحيى: أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) قال: وهي لا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) قال: وهي الشرك" .
حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو يحيى الحماني، عن النضر بن عربيّ، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) قال: من جاء بلا إله إلا الله، (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ، قال: بالشرك.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) يقول: من جاء بلا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) وهو الشرك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قال: بالشرك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ) قال: كلمة الإخلاص (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قال: الشرك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد بنحوه. قال ابن جُرَيج: وسمعت عطاء يقول فيها الشرك، يعني في قوله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: كان يحلف ما يستثني، أنَّ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ) قال: لا إله إلا الله، (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قال: الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) قال: الشرك.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص، قال: ثنا سعيد بن سعيد، عن عليّ بن الحسين، وكان رجلا غزّاء، قال: بينا هو في بعض خلواته حتى رفع صوته: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير; قال: فردّ عليه رجل: ما تقول يا عبد الله؟ قال: أقول ما تسمع، قال: أما إنها الكلمة التي قال الله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ) قال: الإخلاص (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قال: الشرك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يعني: الشرك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يقول: الشرك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) قال: السيئة: الشرك الكفر.
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: ثنا حفص بن عمر العدني، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرِمة، قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قال: السيئة: الشرك. قال الحكم: قال عكرمة: كل شيء في القرآن السيئة فهو الشرك.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) فمنها وصل إليه الخير، يعني ابن عباس بذلك: من الحسنة وصل إلى الذي جاء بها الخير.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا حسين الشهيد، عن الحسن: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) قال: له منها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن، قال: من جاء بلا إله إلا الله، فله خير منها خيرا (1) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فله خير مِنْهَا) يقول: له منها حظّ.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) قال: له منها خير; فأما أن يكون خيرا من الإيمان فلا ولكن منها خير يصيب منها خيرا.
حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا الحكم، عن عكرمة، قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) قال: ليس شيء خيرا من لا إله إلا الله، ولكن له منها خير.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) قال: أعطاه الله بالواحدة عشرا، فهذا خير منها.
(1)
يريد أن (من) ليست للتفضيل، ولذلك قدمها على خير، وإنما هي للتعليل أو نحوه.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: "وَهُمْ مِنْ فَزعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ" بإضافة فزع إلى اليوم. وقرأ ذلك جماعة قرّاء أهل الكوفة: (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) بتنوين فزع.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن الإضافة أعجب إليّ، لأنه فزع معلوم. وإذا كان ذلك كذلك كان معرفة على أن ذلك في سياق قوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه عني بقوله: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) من الفزع الذي قد جرى ذكره قبله. وإذا كان ذلك كذلك، كان لا شك أنه معرفة، وأن الإضافة إذا كان معرفة به أولى من ترك الإضافة; وأخرى أن ذلك إذا أضيف فهو أبين أنه خبر عن أمانه من كلّ أهوال ذلك اليوم منه إذا لم يضف ذلك، وذلك أنه إذا لم يضف كان الأغلب عليه أنه جعل الأمان من فزع بعض أهواله.
وقوله: (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول تعالى ذكره. يقال لهم: هل تجزون أيها المشركون إلا ما كنتم تعملون، إذ كبكم الله لوجوهكم في النار، وإلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا بما يسخط ربكم; وترك "يقال لهم" اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد قل (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ) وهي مكة (الَّذِي حَرَّمَهَا) على خلقه أن يسفكوا فيها دما حراما، أو يظلموا فيها أحدا، أو يصاد صيدها، أو يختلى خلاها دون الأوثان التي تعبدونها أيها المشركون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إنما أمرت أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) يعني: مكة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]