
23-07-2025, 10:39 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص
الحلقة (1108)
صــ 581 لى صــ 590
بِهِنَّ نَعامٌ بَنَاهَا الرِّجَا ... لُ تَحْسَبُ أعْلامَهُنَّ الصُّرُوحَا (1)
يعني بالصروح: جمع صرح.
وقوله: (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) يقول: انظر إلى معبود موسى، الذي يعبده، ويدعو إلى عبادته (وَإِنِّي لأظُنُّهُ) فيما يقول من أن له معبودا يعبده في السماء، وأنه هو الذي يؤيده وينصره، وهو الذي أرسله إلينا من الكاذبين; فذكر لنا أن هامان بنى له الصرح، فارتقى فوقه.
فكان من قصته وقصة ارتقائه ما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: قال فرعون لقومه: (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي) أذهب في السماء، فأنظر (إِلَى إِلَهِ مُوسَى) فلما بُنِي له الصرح، ارتقى فوقه، فأمر بِنُشابة فرمى بها نحو السماء، فردّت إليه وهي متلطخة دما، فقال: قد قتلت إله موسى، تعالى الله عما يقولون.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) }
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي يصف طرق المفازة (اللسان: نعم) . قال: النعامة: كل بناء أو ظلة أو علم يهتدي به من أعلام المفاوز. وقيل: كل بناء على الجبل كالظلة والعلم. والجمع: نعام. قال أبو ذؤيب يصف طرق المفازة: "بهن نعام ..." البيت قال: وروى الجوهري عجز * تلقى النقائض فيه السريحا *
قال: والنقائض: الهزلي من الإبل. اه. وفي (اللسان: نقض) النفيضة نحو الطليعة، وهم الجماعة يبعثون في الأرض متجسسين، لينظروا: هل فيها عدو وخوف؟ والجمع النفائض. هذا تفسير الأصمعي. وهكذا رواه أبو عمرو بالفاء إلا أنه قال في تفسيره: إنها الهزلي من الإبل. قال ابن بري: النعام: خشبات يستظل تحتها. والرجال: الرجالة. والسريح: سيور تشد بها النعال، يريد أن نعال النقائض تقطعت. والصروح: جمع صرح، وهو كما في (اللسان: صرح) بيت واحد يبنى منفردًا ضخمًا طويلا في السماء. قال أبو ذؤيب: عَلَى طُرُقِ كَنُحُورِ الظَّبَا ... ءِ تَحْسَبُ آرَامَهُنَّ الصُّرُحَا
وقال الزجاج في قوله تعالى: (قيل لها ادخلي الصرح) قال: الصرح في اللغة: القصر، والصحن يقال: هذه صرحة الدار وقارعتها: أي ساحتها وعرصتها. وقال بعض المفسرين: الصرح: بلاط اتخذ لها من قوارير. والصرح: الأرض المملسة. والصرح متن من الأرض مستو. اه. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن. الصرح: البناء والقصر. ولم يزد، وروى البيت كرواية صاحب اللسان.
يقول تعالى ذكره: (وَاسْتَكْبَرَ) فرعون (وَجُنُودُهُ) في أرض مصر عن تصديق موسى واتباعه على ما دعاهم إليه من توحيد الله، والإقرار بالعبودية له بغير الحقّ، يعني تَعدِّيًا وعتوًّا على ربهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ) يقول: وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون، ولا ثواب، ولا عقاب، فركبوا أهواءهم، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد، وأنه لهم مجاز على أعمالهم الخبيثة.
وقوله: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ) يقول تعالى ذكره: فجمعنا فرعون وجنوده من القبط (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) يقول: فألقيناهم جميعهم في البحر فغرقناهم فيه، كما قال أبو الأسود الدؤلي:
نَظَرْتُ إِلَى عُنْوَانِهِ فَنَبَذْتُهُ ... كَنَبْذِكَ نَعْلا أَخْلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا (1)
وذكر أن ذلك بحر من وراء مصر، كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) قال: كان اليم بحرا يقال له إساف من وراء مصر غرّقهم الله فيه.
وقوله: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) يقول تعالى ذكره: فانظر يا محمد بعين قلبك: كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بربهم، وردّوا على رسوله نصيحته، ألم نهلكهم فَنُوَرِّثُ ديارهم وأموالهم أولياءنا، ونخوّلهم ما كان لهم من جنات وعيون وكنوز، ومقام كريم، بعد أن كانوا مستضعفين، تقتل أبناؤهم، وتُستحيا نساؤهم، فإنا كذلك بك وبمن آمن بك وصدّقك فاعلون مخوّلوك وإياهم ديار من كذّبك، وردّ عليك ما أتيتهم به من الحقّ وأموالهم، ومهلكوهم قتلا بالسيف، سنة الله في الذين خلوا من قبل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) }
(1) البيت لأبي الأسود الدؤلي، كما قاله المؤلف وهو منقول عن مجاز القرآن لأبي عبيدة (الورقة 180ب) قال: (فأخذناه وجنوده) أي فجمعناه وجنوده. (فنبذناهم في اليم) : أي فألقيناهم في البحر، وأهلكناهم وغرقناهم. قال أبو الأسود الدؤلي: "نظرت إلى عنوانه.." البيت. اه. وفي (اللسان: نبذ) النبذ طرحك الشيء من يدك أو وراءك ونبذت الشيء: إذا رميته وأبعدته.
يقول تعالى ذكره: وجعلنا فرعون وقومه أئمة يأتمّ بهم أهل العتوّ على الله والكفر به، يدعون الناس إلى أعمال أهل النار (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ) يقول جلّ ثناؤه: ويوم القيامة لا ينصرهم إذا عذّبهم الله ناصر، وقد كانوا في الدنيا يتناصرون، فاضمحلت تلك النصرة يومئذ.
وقوله: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ) يقول تعالى ذكره: وألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزيا وغضبا منا عليهم، فحتمنا لهم فيها بالهلاك والبوار والثناء السَّيِّئ، ونحن متبعوهم لعنة أخرى يوم القيامة، فمخزوهم بها الخزي الدائم، ومهينوهم الهوان اللازم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال: لعنوا في الدنيا والآخرة، قال: هو كقوله: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ) لعنة أخرى، ثم استقبل فقال: (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) وقوله: (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) يقول تعالى ذكره: هم من القوم الذين قبحهم الله، فأهلكهم بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رسوله موسى عليه السلام، فجعلهم عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) }
يقول تعالى ذكره: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاةَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الأمم التي كانت قبله، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين (بَصَائِرَ لِلنَّاسِ) يقول: ضياء لبني إسرائيل فيما بهم إليه الحاجة من أمر دينهم (وَهُدًى) يقول: وبيانا لهم ورحمة لمن عمل به منهم (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يقول: ليتذكروا نعم الله بذلك عليهم، فيشكروه عليها ولا يكفروا.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد وعبد الوهاب، قالا ثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد ما أنزلت التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخوا قردة، ألم تر أن الله يقول: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا كُنْتَ) يا محمد (بِجَانِبِ) غربي الجبل (إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ) يقول: إذ فرضنا إلى موسى الأمر فيما ألزمناه وقومه، وعهدنا إليه من عهد (وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) يقول: وما كنت لذلك من الشاهدين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَمَا كُنْتَ) يا محمد (بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ) يقول: بجانب غربي الجبل (إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: غربي الجبل.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن علي بن مدرك، عن أبي زُرعة بن عمرو، قال: إنكم أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد أجبتم قبل أن تسألوا، وقرأ: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) }
يعني تعالى ذكره بقوله: (وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا) ولكنا خلقنا أمما فأحدثناها من بعد ذلك (فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) وقوله: (وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) يقول: وما كنت مقيما في أهل مدين، يقال: ثويت بالمكان أثْوِي به ثَواء، قال أعشى ثعلبة:
أَثْوَى وَقَصَّرَ لَيْلَهُ لِيُزَوَّدُا ... فَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) قال: الثاوي: المقيم (تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) يقول: تقرأ عليهم كتابنا (وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يقول: لم تشهد شيئا من ذلك يا محمد، ولكنا كنا نحن نفعل ذلك ونرسل الرسل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) }
يقول تعالى ذكره: وما كنت يا محمد بجانب الجبل إذ نادينا موسى بأن (سَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ) ... الآية.
كما حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن عليّ بن مدرك، عن أبي زُرْعة، في قول الله: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا) قال: نادى يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني،
(1) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (اللسان: ثوى. والديوان طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ص227) . وهو من قصيدة قالها لكسرى حين أراد منهم رهائن لما أغار الحارث بن وعلة على بعض السواد. وفي البيت: ليلة ... فمضت. في موضع ليلة ... ومضى. وفي رواية مجاز القرآن لأبي عبيدة: فمضى ورواية الديوان أحسن، لقوله بعده: "ومضى لحاجته" . قال شارح الديوان: ثوى وأثوى بمعنى واحد، أي أقام. وقصر: توانى. وأخلف فلانًا وجد موعده خلفًا (بكسر الخاء) أي مختلفًا يقول: عدل عن سفره، فأقام وتخلف ليلة ليتزود من قتيلة، فمضت الليلة، وأخلفته قتيلة الموعد.
وأجبتكم قبل أن تدعوني.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا) قال: نُودوا: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تَدْعُوني.
حدثني ابن وكيع، قال: ثنا حرملة بن قيس النخعيّ، قال: سمعت هذا الحديث من أبي زُرْعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا) قال: نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر عن سليمان، وسفيان عن سليمان، وحجاج، عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن عليّ بن مدرك، عن أبي زُرْعة بن عمرو، عن أبي هريرة، في قوله: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا) قال: نُودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني، قال: وهو قوله: حين قال موسى (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ) ... الآية.
قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج مثل ذلك.
وقوله: (وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) يقول تعالى ذكره: لم تشهد شيئا من ذلك يا محمد فتعلمه، ولكنا عرفناكه، وأنزلنا إليك، فاقتصصنا ذلك كله عليك في كتابنا، وابتعثناك بما أنزلنا إليك من ذلك رسولا إلى من ابتعثناك إليه من الخلق رحمة منا لك ولهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا) ... الآية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال: كان رحمة من ربك النبوّة.
وقوله: (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) يقول تعالى ذكره: ولكن أرسلناك بهذا الكتاب وهذا الدين لتنذر قوما لم يأتهم من قبلك نذير، وهم العرب الذين بُعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثه الله إليهم رحمة لينذرهم بأسه على عبادتهم الأصنام، وإشراكهم به الأوثان والأنداد.
وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يقول: ليتذكروا خطأ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بربهم، فينيبوا إلى الإقرار لله بالوحدانية، وإفراده بالعبادة دون كلّ ما سواه من الآلهة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد (وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال: الذي أنزلنا عليك من القرآن (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) }
يقول تعالى ذكره: ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلتك يا محمد إليهم، لو حلّ بهم بأسنا، أو أتاهم عذابنا من قبل أن نرسلك إليهم على كفرهم بربهم، واكتسابهم الآثام، واجترامهم المعاصي: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من قبل أن يحلّ بنا سخطك، وينزل بنا عذابك فنتبع أدلتك، وآي كتابك الذي تنزله على رسولك ونكون من المؤمنين بألوهيتك، المصدقين رسولك فيما أمرتنا ونهيتنا، لعاجلناهم العقوبة على شركهم من قبل ما أرسلناك إليهم، ولكنا بعثناك إليهم نذيرا بأسنا على كفرهم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. والمصيبة في هذا الموضع: العذاب والنقمة. ويعني بقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بما اكتسبوا.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) }
يقول تعالى ذكره: فلما جاء هؤلاء الذين لم يأتهم من قبلك يا محمد نذير فبعثناك إليهم نذيرا (الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا) ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الله إليهم، قالوا تمرّدًا على الله، وتماديا في الغيّ: هلا أوتي هذا الذي أرسل إلينا، وهو محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتي موسى بن عمران من الكتاب؟ يقول الله تبارك وتعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لقومك من قريش، القائلين لك (لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى) أو لم يكفر الذين علموا هذه الحجة من اليهود بما أوتي موسى منْ قبلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: يهود تأمر قريشا أن تسأل محمدا مثل ما أوتي موسى، يقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل لقريش يقولوا لهم: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى) قال: اليهود تأمر قريشا، ثم ذكر نحوه "قَالُوا سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا" .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: "وَقَالُوا سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا" بمعنى: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل، وقالوا له ولمحمد صلى الله عليه وسلم في قول بعض المفسرين، وفي قول بعضهم لموسى وهارون عليهما السلام، وفي قول بعضهم: لعيسى ومحمد ساحران تعاونا. وقرأ عامة قرّاء الكوفة: (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) بمعنى: وقالوا للتوراة والفرقان في قول بعض أهل التأويل، وفي قول بعضهم للإنجيل والفُرقان.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على قدر اختلاف القرّاء في قراءته.
* ذكر من قال: عُنِيَ بالساحرين اللذين تظاهرا محمد وموسى صلى الله عليهما:
حدثنا سليمان بن محمد بن معدي كرب الرعيني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة قال: سمعت مسلم بن يسار، يحدّث عن ابن عباس، في قول الله "ساحران تظاهرا" قال: موسى ومحمد.
حدثنا محمد بن المثنى، قال. ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سمعت مسلم بن يسار، قال: سألت ابن عباس، عن هذه الآية "ساحران تظاهرا" قال: موسى ومحمد.
حدثنا ابن المثنى، قال. ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن أبي حمزة، عن مسلم بن يسار، أن ابن عباس، قرأ "سَاحِرَانِ" قال موسى ومحمد عليهما السلام.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن كيسان أبي حمزة، عن مسلم
بن يسار، عن ابن عباس، مثله.
* ومن قال: موسى وهارون عليهما السلام:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله "ساحران تظاهرا" قال يهودُ: لموسى وهارون.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) قول يهودَ لموسى وهارون عليهما السلام.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جُبَيْر وأبي رزين أن أحدهما قرأ: "سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا" ، والآخر: "سِحْرَانِ" . قال: الذي قرأ "سِحْرَانِ" قال: التوراة والإنجيل. وقال: الذي قرأ: "سَاحِرَان" قال: موسى وهارون.
وقال آخرون: عنوا بالساحرين عيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين. قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن، قوله: "سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا" قال عيسى ومحمد، أو قال موسى صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال: عنوا بذلك التوراة والفرقان، ووجه تأويله إلى قراءة من قرأ "سِحْرَانِ تَظَاهَرَا" :
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال ثنى معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: "سِحْرَانِ تَظَاهَرَا" يقول: التوراة والقرآن.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) يعني: التوراة والفرقان.
حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) قال: كتاب موسى، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال: عنوا به التوراة والإنجيل:
حدثنا ابن وكيع، قال ثنا ابن علية، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: كنت إلى جنب ابن عباس وهو يتعوذ بين الركن والمقام، فقلت كيف تقرأ "سِحْرَانِ" ،
أو "ساحِران" ؟ فلم يردّ عليّ شيئا، فقال عكرِمة: ساحران، وظننت أنه لو كره ذلك أنكره عليّ. قال حميد فلقيت عكرِمة بعد ذلك فذكرت ذلك له، وقلت كيف كان يقرؤها؟ قال: كان يقرأ "سِحْرَانِ تَظَاهَرَا" أي: التوراة والإنجيل.
* ذكر من قال: عنوا به الفرقان والإنجيل:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك، أنه قرأ (سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) يعنون الإنجيل والفرقان.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) قالت ذلك أعداء الله اليهود للإنجيل والفرقان، فمن قال "سَاحِرَانِ" فيقول: محمد، وعيسى ابن مريم.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأه (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا) بمعنى: كتاب موسى وهو التوراة، وكتاب عيسى وهو الإنجيل.
وإنما قلنا: ذلك أولى القراءتين بالصواب، لأن الكلام من قبله جرى بذكر الكتاب، وهو قوله: (قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى) والذي يليه من بعده ذكر الكتاب، وهو قوله: (فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ) فالذي بينهما بأن يكون من ذكره أولى وأشبه بأن يكون من ذكر غيره. وإذ كان ذلك هو الأولى بالقراءة، فمعلوم أن معنى الكلام: قل يا محمد، أو لم يكفر هؤلاء اليهود بما أوتي موسى من قبل؟ وقالوا لما أوتي موسى (1) من الكتاب وما أوتيته أنت: سحران تعاونا؟
وقوله: (وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) يقول تعالى ذكره: وقالت اليهود: إنا بكلّ كتاب في الأرض من توراة وإنجيل، وزبور وفرقان كافرون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل، وخالفه فيه مخالفون.
* ذكر من قال مثل الذي قلنا في ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) قالوا: نكفر أيضا بما أوتي محمد.
(1) لعله: لما أوتي عيسى ... إلخ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|