عرض مشاركة واحدة
  #1112  
قديم 24-07-2025, 12:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص
الحلقة (1112)
صــ 621 لى صــ 630





وكان بعض أهل العربية من الكوفيين يُنكر هذا الذي قاله هذا القائل، وابتداء إن بعد ما، ويقول: ذلك جائز مع ما ومن، وهو مع ما ومَنْ أجود منه مع الذي، لأن الذي لا يعمل في صلته، ولا تعمل صلته فيه، فلذلك جاز، وصارت الجملة عائد "ما" ، إذ كانت لا تعمل في "ما" ، ولا تعمل "ما" فيها; قال: وحسن مع "ما" و "من" ، لأنهما يكونان بتأويل النكرة إن شئت، والمعرفة إن شئت، فتقول: ضربت رجلا ليقومن، وضربت رجلا إنه لمحسن، فتكون "من" و "ما" تأويل هذا، ومع "الذي" أقبح، لأنه لا يكون بتأويل النكرة.
وقال آخر منهم في قوله: (لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ) : نَوْءُها بالعصبة: أن تُثْقلهم; وقال: المعنى: إن مفاتحه لَتُنِيءُ العصبة: تميلهن من ثقلها، فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بهم، كما قال: (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) قال والمعنى: ائتوني بقطر أفرغ عليه; فإذا حذفت الباء، زدت على الفعل ألفا في أوله; ومثله: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ) معناه: فجاء بها المخاض; وقال: قد قال رجل من أهل العربية: ما إن العصبة تنوء بمفاتحه، فحوّل الفعل إلى المفاتح، كما قال الشاعر:
إنَّ سِرَاجًا لَكَرِيمٌ مَفْخَرُه ... تَحْلَى بهِ العَيْنُ إذَا مَا تَجْهَرُهْ (1)
وهو الذي يحلى بالعين، قال: فإن كان سمع أثرًا بهذا، فهو وجه، وإلا فإن الرجل جهل المعنى، قال: وأنشدني بعض العرب:
(1)
البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة الورقة 242) وقد تقدم الاستشهاد به في (3: 312) من هذا التفسير، على مثل ما استشهد به هنا، مع أبيات أخر. وقلنا في تفسيره هناك: جهرت فلانًا العين تجهره: نظرت إليه فرأته عظيمًا، فحلى هو فيها. هذا هو أصل المعنى، ولكن الشاعر قلب المعنى. فجعل العين تحلى بالمرئي إذا رأته، فهو كالشاهدين اللذين قبله. وقال الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة 24059) في التعليق على قول الله تعالى: (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) : ونوءها بالعصبة أن تثقلهم. والعصبة هاهنا: أربعون رجلا. ومفاتحه: خزائنه. والمعنى: ما إن مفاتحه لتنيء العصبة أي تميلهم من ثقلها؛ فإذا دخلت الباء قلت: تنوء بهم كما قال: (آتوني أفرغ عليه قطرًا) والمعنى: ائتوني بقطر أفرغ عليه. فإذا حذفت الباء رددت في الفعل ألفًا في أوله. ومثله: (فأجاءها المخاض) . معناه: فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربية: إن المعنى: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه فحول الفعل إلى المفاتح، كما قال الشاعر: "إن سراجًا ..." البيت، وهو الذي يحلى بالعين. فإذا كان سمع بهذا أثرًا، فهو وجه، وإلا فإن الرجل جهل المعنى. اه.

حتى إذَا ما الْتَأَمَتْ مَوَاصِلُهْ ... ونَاءَ في شقّ الشَّمالِ كَاهِلُهْ (1)
يعني: الرامي لما أخذ القوس، ونزع مال عليها. قال: ونرى أن قول العرب: ما ساءك، وناءك من ذلك، ومعناه: ما ساءك وأناءك من ذلك، إلا أنه ألقى الألف لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعاما فهنأني ومرأني، ومعناه: إذا أفردت وأمرأني؛ فحذفت منه الألف لما أتبع ما ليس فيه ألف.
وهذا القول الآخر في تأويل قوله: (لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ) أولى بالصواب من الأقوال الأخر، لمعنيين: أحدهما: أنه تأويل موافق لظاهر التنزيل. والثاني: أن الآثار التي ذكرنا عن أهل التأويل بنحو هذا المعنى جاءت، وإن قول من قال: معنى ذلك: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه، إنما هو توجيه منهم إلى أن معناه: ما إن العصبة لتنهض بمفاتحه; وإذا وجه إلى ذلك لم يكن فيه من الدلالة على أنه أريد به الخبر عن كثرة كنوزه، على نحو ما فيه، إذا وجه إلى أن معناه: إن مفاتحه تثقل العصبة وتميلها، لأنه قد تنهض العصبة بالقليل من المفاتح وبالكثير. وإنما قصد جلّ ثناؤه الخبر عن كثرة ذلك، وإذا أريد به الخبر عن كثرته، كان لا شكّ أن الذي قاله مَن ذكرنا قوله، من أن معناه: لتنوء العصبة بمفاتحه، قول لا معنى له، هذا مع خلافه تأويل السلف في ذلك.
وقوله: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) يقول: إذ قال قومه: لا تبغ ولا تَبْطَر فرحا، إن الله لا يحبّ من خلقه الأشِرِين البَطِرين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) يقول: المرحين.
(1)
البيتان مما أنشده بعض العرب، الفراء (انظر معاني القرآن له ص 242، واللسان: ناء) قال الفراء بعد الذي نقلناه من قوله في الشاهد السابق: ولقد أنشدني بعض العرب: حتى إذا ما التأمت مواصله ... وناء في شق الشمال كاهله

يعني: الرامي لما أخذ القوس ونزع، مال على شقه، فذلك نوءه عليها. ونرى أن قول العرب: "ما ساءك وناءك" من ذلك، ومعناه: ساءك وأناءك، إلا أنه ألقى الألف، لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعامًا، فهنأني ومرأني. ومعناه إذا أفردت: وأمرأني فحذفت منه الألف، لما أن أتبع ما لا ألف فيه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) قال: المُتبذِّخين الأشِرين البَطِرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن جابر، قال: سمعت مجاهدا يقول في هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) قال: الأشِرين البَطِرين البَذِخين.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، عن مجاهد، في قوله: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) قال: يعني به البغي.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) قال: المتبذخين الأشرين، الذين لا يشكرون الله فيما أعطاهم.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله; إلا أنه قال: المتبذخين.
حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثني شبابة، قال ثني ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) قال: الأشرين البطرين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتاده، إذ قال له قومه (لا تَفْرَحْ) : أي لا تمرح (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) : أي إن الله لا يحب المرحين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريح، عن مجاهد (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) قال: الأشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله فيما أعطاهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، عن مجاهد، في قوله: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) قال: هو فرح البَغْي.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل قوم قارون له: لا تبغ يا قارون على قومك بكثرة مالك، والتمس فيما آتاك الله من الأموال خيرات الآخرة، بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا وقوله: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) يقول: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) يقول: لا تترك أن تعمل لله في الدنيا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن الأعمش، عن ابن عباس (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال: أن تعمل فيها لآخرتك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا قرة بن خالد، عن عون بن عبد الله (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال: إن قوما يضعونها على غير موضعها. ولا تنس نصيبك من الدنيا: تعمل فيها بطاعة الله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال: العمل بطاعته.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: تعمل في دنياك لآخرتك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال: العمل فيها بطاعة الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدننا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عيسى الجُرَشِيّ، عن مجاهد: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال: أن تعمل في دنياك لآخرتك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن مجاهد، قال: العمل بطاعة الله: نصيبه من الدنيا، الذي يُثاب عليه في الآخرة.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال: لا تنس أن تقدم من دنياك لآخرتك، فإنما تجد في آخرتك ما قدمت في الدنيا، فيما رزقك الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تترك أن تطلب فيها حظك من الرزق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) : قال الحسن: ما أحلّ الله لك منها، فإن لك فيه غنى وكفاية.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن قَتادة: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) قال: طلب الحلال.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن الحسن: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) : قال: قدِّم الفضل، وأمسك ما يبلغك.
القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: الحلال فيها.
وقوله: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) يقول: وأحسن في الدنيا إنفاق مالك الذي آتاكه الله، في وجوهه وسبله، كما أحسن الله إليك، فوسع عليك منه، وبسط لك فيها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) قال: أحسن فيما رزقك الله.
(ولا تبغ الفساد في الأرض) يقول: ولا تلتمس ما حرّم الله عليك من البغي على قومك.
(إِن الله لا يحب المفسدين) يقول: إن الله لا يحبّ بغاة البغي والمعاصي.
القول في تأويل قوله تعالى: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي
أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
يقول تعالى ذكره: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أوتيتُ هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) قال: على خُبْرٍ عندي.
قال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا، وقرأ: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) ... الآية.
وقد قيل: إن معنى قوله: (عِنْدِي) بمعنى: أرى، كأنه قال: إنما أوتيته لفضل علمي، فيما أرى.
وقوله: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) يقول جل ثناؤه: أو لم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه، فاستحقّ بذلك أن يُؤتى ما أُوتي من الكنوز، أن الله قد أهلك من قبله من الأمم من هو أشد منه بطشا، وأكثر جمعا للأموال ; ولو كان الله يؤتي الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده، ولرضاه عنه، لم يكن يهلك من اهلك من أرباب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالا لأن من كان الله عنه راضيا، فمحال أن يهلكه الله، وهو عنه راضٍ، وإنما يهلك من كان عليه ساخطا.
وقوله: (وَلا يُسْأَلُ
عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قيل: إن معنى ذلك أنهم يدخلون النار بغير حساب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا سفيان، عن عمر، عن قَتادة (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قال: يُدْخلون النار بغير حساب.
وقيل: معنى ذلك: أن الملائكة لا تسأل عنهم، لأنهم يعرفونهم بسيماهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) كقوله: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ) زرقا سود الوجوه، والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم.
وقيل معنى ذلك: ولا يسأل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم الله من الأمم الماضية المجرمون فيم أهلكوا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قال: عن ذنوب الذين مضوا فيم أهلكوا؟ فالهاء والميم في قوله: (عَنْ ذُنُوبِهِمُ) على هذا التأويل لمن الذي في قوله: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً) وعلى التأويل الأول الذي قاله مجاهد وقَتادة للمجرمين، وهي بأن تكون من ذكر المجرمين أولى؛ لأن الله تعالى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب، لا مؤمن ولا كافر. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لا معنى لخصوص المجرمين، لو كانت الهاء والميم اللتان في قوله: (عَنْ ذُنُوبِهِمُ) لمن الذي في قوله: (مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً) من دون المؤمنين، يعني لأنه غير مسئول عن ذلك مؤمن ولا كافر، إلا الذين ركبوه واكتسبوه.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) }
يقول تعالى ذكره: فخرج قارون على قومه في زينته، وهي فيما ذكر ثياب الأرجوان.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا طلحة بن عمرو، عن أبي الزبير،
عن جابر (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: في القرمز.
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: في ثياب حمر.
حدثنا ابن وكيع، قال ثنا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: على براذين بيض، عليها سروج الأرجوان، عليهم المعصفرات.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: عليه ثوبان معصفران.
وقال ابن جُرَيج: على بغلة شهباء عليها الأرجوان، وثلاث مائة جارية على البغال الشهب، عليهن ثياب حمر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي ويحيى بن يمان، عن مبارك، عن الحسن (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: في ثياب حمر وصفر.
حدثنا ابن المثني، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع إبراهيم النخعي، قال في هذه الآية (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: في ثياب حمر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم النخعيّ، مثله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم مثله.
حدثنا محمد بن عمرو بن علي المقدمي، قال: ثنا إسماعيل بن حكيم، قال: دخلنا على مالك بن دينار عشية، وإذا هو في ذكر قارون، قال: وإذا رجل من جيرانه عليه ثياب معصفرة، قال: فقال مالك: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: في ثياب مثل ثياب هذا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) : ذكر لنا أنهم خرجوا على أربعة آلاف دابة، عليهم وعلى دوابهم الأرجوان.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال: خرج في سبعين ألفا، عليهم المعصفرات، فيما كان أبي يذكر
لنا.
(قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ) يقول تعالى ذكره: قال الذين يريدون زينة الحياة الدنيا من قوم قارون: يا ليتنا أُعطينا مثل ما أعطي قارون من زينتها (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) يقول: إن قارون لذو نصيب من الدنيا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ (80) }
يقول تعالى ذكره: وقال الذين أوتوا العلم بالله، حين رأوا قارون خارجا عليهم في زينته، للذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون: ويلكم اتقوا الله وأطيعوه، فثواب الله وجزاؤه لمن آمن به وبرسله، وعمل بما جاءت به رسله من صالحات الأعمال في الآخرة، خير مما أوتي قارون من زينته وماله لقارون. وقوله: (وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ) يقول: ولا يلقاها: أي ولا يوفَّق لقيل هذه الكلمة، وهي قوله: (ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) والهاء والألف كناية عن الكلمة. وقال: (إِلا الصَّابِرُونَ) يعني بذلك: الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا، وآثروا ما عند الله من جزيل ثوابه على صالحات الأعمال على لذّات الدنيا وشهواتها، فجدّوا في طاعة الله، ورفضوا الحياة الدنيا.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) }
يقول تعالى ذكره: فخسفنا بقارون وأهل داره. وقيل: وبداره، لأنه ذكر أن موسى إذ أمر الأرض أن تأخذه أمرها بأخذه، وأخذ من كان معه من جلسائه في داره، وكانوا جماعة جلوسا معه، وهم على مثل الذي هو عليه من النفاق والمؤازرة على أذى موسى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، قال: لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى، فصالحه على كلّ ألف دينار دينارا، وكلّ ألف شيء شيئا، أو قال: وكلّ ألف شاة شاة "الطبريّ يشكّ" قال: ثم أتى بيته فحسبه فوجده كثيرا، فجمع بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل، إن موسى قد أمركم بكلّ شيء فأطعتموه، وهو الآن يريد أن يأخذ من أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا وأنت سيدنا، فمرنا بما شئت، فقال: آمركم
أن تجيئوا بفلانة البغي، فتجعلوا لها جعلا فتقذفه بنفسها، فدعوها فجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها، ثم أتى موسى، فقال لموسى: إن بني إسرائيل قد اجتمعوا لتأمرهم ولتنهاهم، فخرج إليهم وهم في براح من الأرض، فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه، ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة، ومن زنى وله امرأة جلدناه حتى يموت، أو رجمناه حتى يموت "الطبري يشكّ" فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة. قال: ادعوها، فإن قالت، فهو كما قالت; فلما جاءت قال لها موسى: يا فلانة، قالت: يا لبيك، قال: أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا وكذبوا، ولكن جعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي; فوثب، فسجد وهو بينهم، فأوحى الله إليه: مُر الأرض بما شئت، قال: يا أرض خذيهم! فأخذتهم إلى أقدامهم. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى حقيهم (1) ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم؛ قال: فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، ويتضرّعون إليه. قال: يا أرض خذيهم، فانطبقت عليهم، فأوحى الله إليه: يا موسى، يقول لك عبادي: يا موسى، يا موسى فلا ترحمهم؟ أما لو إياي دعوا، لوجدوني قريبا مجيبا; قال: فذلك قول الله: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) وكانت زينته أنه خرج على دوابّ شقر عليها سروج حمر، عليهم ثياب مصبغة بالبهرمان (2) .
(قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ) ... إلى قوله: (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) يا محمد (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن المنهال، عن رجل، عن ابن عباس قال: لما أمر الله موسى بالزكاة، قال: رموه بالزنا، فجزع من ذلك، فأرسلوا إلى امرأة كانت قد أعطوها حكمها، على أن ترميه بنفسها; فلما جاءت عظم عليها، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقتِ. قالت: إذ قد استحلفتني، فإني أشهد أنك بريء، وأنك رسول الله، فخرّ ساجدا
(1)
الحقو: معقد الإزار. جمعه: أحق، وأحقاء، وحقي (بشد الياء) وحقاء (اللسان: حقا) .

(2)
البهرمان، بفتح الباء والراء: العصفر أو ضرب منه (اللسان: بهرم) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]