
24-07-2025, 12:56 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ العنكبوت
الحلقة (1118)
صــ 51 لى صــ 60
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن إدريس الأودي، عن الحكم، عن مجاهد (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) قال: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يخطّ بيمينه، ولا يقرأ كتابا، فنزلت هذه الآية.
وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله: (إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ) قالوا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ) إذن لقالوا: إنما هذا شيء تعلَّمه محمد صلى الله عليه وسلم وكتبه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (إذًا لارْتابَ المُبْطِلُون) قال: قريش.
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ (49) }
اختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) فقال بعضهم: عنى به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: معنى الكلام: بل وجود أهل الكتاب في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ، وأنه أمّي، آيات بينات في صدورهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال: كان الله تعالى أنزل في شأن محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل لأهل العلم، وعلمه لهم، وجعله لهم آية، فقال لهم: إن آية نبوّته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتابا، ولا يخطه بيمينه، وهي الآيات البينات.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ) قال: كان نبي الله لا يكتب
ولا يقرأ، وكذلك جعل الله نعته في التوراة والإنجيل، أنه نبيّ أمّي لا يقرأ ولا يكتب، وهي الآية البينة في صدور الذين أوتوا العلم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من أهل الكتاب، صدّقوا بمحمد ونعته ونبوّته.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ) قال: أنزل الله شأن محمد في التوراة والإنجيل لأهل العلم، بل هو آية بينة في صدور الذين أوتوا العلم، يقول: النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: عنى بذلك القرآن، وقالوا: معنى الكلام: بل هذا القرآن آيات بيِّنات في صدور الذين أوتوا العلم، من المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، يعني المؤمنين.
وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابا، ولا تخطه بيمينك، آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.
وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالآية؛ لأن قوله: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بين خبرين من أخبار الله عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو بأن يكون خبرًا عنه، أولى من أن يكون خبرا عن الكتاب الذي قد انقضى الخبر عنه قبل.
وقوله: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ) يقول تعالى ذكره: ما يجحد نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وأدلته، ويُنكر العلم الذي يعلم من كتب الله، التي أنزلها على أنبيائه، ببعث محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ومبعثه إلا الظالمون، يعني: الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله عزّ وجلّ.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) }
يقول تعالى ذكره: وقالت المشركون من قريش: هلا أنزل على محمد آية من ربه، تكون حجة لله علينا، كما جعلت الناقة لصالح، والمائدة آية لعيسى، قل يا محمد: إنما الآيات عند الله، لا يقدر على الإتيان بها غيره (وَإنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) وإنما أنا نذير لكم، أنذركم بأس الله وعقابه على كفركم برسوله. وما جاءكم به من عند ربكم (مُبِينٌ) يقول: قد أبان لكم إنذاره.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) }
يقول تعالى ذكره: أولم يكف هؤلاء المشركين يا محمد، القائلين: لولا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية من ربه، من الآيات والحجج (أنَّا أنزلْنا عَلَيْكَ) هذا (الكِتابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) يقول: يُقرأ عليهم، (إنَّ فِي ذلكَ لَرَحْمَةٌ) يقول: إن في هذا الكتاب الذي أنزلنا عليهم لرحمة للمؤمنين به وذكرى يتذكرون بما فيه من عبرة وعظة.
وذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتسخوا شيئا من بعض كتب أهل الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة أن ناسا من المسلمين أتوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بكتب، قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما أن نظر فيها ألقاها، ثم قال: "كفى بها حماقة قوم -أو ضلالة قوم- أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم، إلى ما جاء به غير نبيهم، إلى قوم غيرهم" ، فنزلت: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، للقائلين لك: لولا أنزل عليك آية من ربك، الجاحدين بآياتنا من قومك: كفى الله يا هؤلاء بيني
وبينكم، شاهدا لي وعليّ؛ لأنه يعلم المحقّ منا من المبطل، ويعلم ما في السموات وما في الأرض، لا يخفى عليه شيء فيهما، وهو المجازي كل فريق منا بما هو أهله، المحق على ثباته على الحقّ، والمبطل على باطله بما هو أهله، (وَالَّذِينَ آمَنُوا بالْبَاطِلِ) يقول: صدقوا بالشرك، فأقرّوا به وكفروا به، يقول: وجحدوا الله (أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ) يقول:: هم المغبونون في صفقتهم.
وبنحو الذي قلنا في قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بالْبَاطِلِ) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بالْبَاطِلِ) : الشرك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) }
يقول تعالى ذكره: ويستعجلك يا محمد هؤلاء القائلون من قومك: لولا أنزل عليه آية من ربه بالعذاب ويقولون: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ) ولولا أجل سميته لهم فلا أهلكهم حتى يستوفوه ويبلغوه، لجاءهم العذاب عاجلا. وقوله: (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يقول: وليأتينهم العذاب فجأة، وهم لا يشعرون بوقت مجيئه قبل مجيئه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ) قال: قال ناس من جهلة هذه الأمة (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) }
يقول تعالى ذكره: يستعجلكَ يا محمد هؤلاء المشركون بمجيء العذاب ونزوله بهم، والنار بهم محيطة، لم يبق إلا أن يدخلوها. وقيل: إن ذلك هو البحر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت عكرمة يقول في هذه الآية (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) قال: البحر.
أخبرنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة، مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) }
يقول تعالى ذكره: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) يوم يغشى الكافرين العذاب، من فوقهم في جهنم، ومن تحت أرجلهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) : أي في النار.
وقوله: (وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول جلّ ثناؤه: ويقول الله لهم: ذوقوا ما كنتم تعملون في الدنيا من معاصي الله، وما يسخطه فيها. وبالياء في (وَيقُولُ ذُوقُوا) قرأت عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر، وأبي عمرو، فإنهما قرآ ذلك بالنون: (وَنَقُولُ) . والقراءة التي هي القراءة عندنا بالياء، لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) }
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا عبادي الذين وحَّدوني، وآمنوا بي، وبرسولي محمد صلى الله عليه وسلم (إنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ) .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أريد من الخبر عن سعة الأرض، فقال بعضهم: أريد بذلك أنها لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحلّ لكم المُقام فيه، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله، فلم تقدروا على تغييره، فاهرُبوا منه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير في قوله: (إنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ) قال: إذا عُمِل فيها بالمعاصي، فاخرج منها.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن سعيد بن جُبير، في قوله: (إنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ) قال: إذا عمل فيها بالمعاصي، فاخرج منها.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن رجل، عن سعيد بن جُبَير قال: اهرُبوا؛ فإن أرضي واسعة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن منصور، عن عطاء قال: إذا أمِرتم بالمعاصي فاهربوا، فإن أرضي واسعة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن عطاء (إنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ) قال: مجانبة أهل المعاصي.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (إنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ) ، فهاجروا وجاهدوا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) فقلت: يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين، فقال: نعم.
وقال آخرون: معنى ذلك: إن ما أخرج من أرضي لكم من الرزق واسع لكم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني زيد بن الحباب، عن شدّاد بن سعيد بن مالك أبي طلحة الراسبي، عن غَيْلان بن جرير المِعْولي، عن مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير العامري في قول الله: (إنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ) : قال: إن رزقي لكم واسع.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حُباب، عن شدّاد، عن غَيلان بن جرير، عن مُطَرِّف بن الشِّخِّير (إنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ) قال: رزقي لكم واسع.
وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: معنى ذلك: إن أرضي واسعة، فاهربوا ممن منعكم من العمل بطاعتي؛ لدلالة قوله: (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) على ذلك، وأن ذلك هو أظهر معنييه، وذلك أن الأرض إذا وصفها بِسعَة، فالغالب من وصفه إياها بذلك لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب.
وقوله: (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) يقول: فأخلصوا لي عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا من خلقي.
القول في تأويل قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) }
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب نبيه: هاجِرُوا من أرض الشرك، من مكة إلى أرض الإسلام المدينة، فإن أرضي واسعة، فاصبروا على عبادتي، وأخلِصوا طاعتي، فإنكم ميتون وصائرون إليّ؛ لأن كل نفس حية ذائقة الموت، ثم إلينا بعد الموت تُرَدّون، ثم أخبرهم جلّ ثناؤه عما أعدّ للصابرين منهم على طاعته من كرامته عنده، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، يعني: صدقوا الله ورسوله فيما جاء به من عند الله، (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول: وعملوا بما أمرهم الله فأطاعوه فيه، وانتهوا عما نهاهم عنه (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا) يقول: لننزلنهم من الجنة عَلالي.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض الكوفيين: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) بالباء، وقرأته عامة قرّاء الكوفة بالثاء (لَنَثْوِيَنَّهُمْ) .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن قوله: (لَنُبِّوَئَّنُهْم) من بوأته منزلا أي أنزلته، وكذلك لنثوينهم، إنما هو من أثويته مسكنا، إذا أنزلته منزلا من الثواء، وهو المقام.
وقوله: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) يقول: تجري من تحت أشجارها الأنهار (خَالِدِينَ فِيهَا) يقول: ماكثين فيها إلى غير نهاية، (نِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ) يقول: نعم جزاء العاملين بطاعة الله هذه الغرفُ التي يُثْوِيهُمُوها الله في جنَاته، تجرى من تحتها الأنهار، الذين صبروا على أذى المشركين في الدنيا، وما كانوا يَلْقون منهم، وعلى العمل بطاعة الله وما يرضيه، وجهاد أعدائه (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) في أرزاقهم وجهاد أعدائهم، فلا يَنْكُلون عنهم، ثقة منهم بأن الله مُعْلِي كلمته، ومُوهِن كيد الكافرين، وأن ما قُسِم لهم
من الرزق فلن يَفُوتَهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) }
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: هاجروا وجاهدوا في الله أيها المؤمنون أعداءه، ولا تخافوا عيلة ولا إقتارا، فكم من دابة ذات حاجة إلى غذاء ومطعم ومشرب (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) ، يعني: غذاءها لا تحمله، فترفعه في يومها لغدها لعجزها عن ذلك (اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) يوما بيوم (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم: نخشى بفراقنا أوطاننا العَيْلة (العَلِيمُ) ما في أنفسكم، وما إليه صائر أمركم، وأمر عدوّكم، من إذلال الله إياهم، ونُصرتكم عليهم، وغير ذلك من أموركم، لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ) قال: الطيرُ والبهائم لا تحمل الرزق.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران، عن أبي مُجَلِّز في هذه الآية (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) قال: من الدوابّ ما لا يستطيع أن يدّخر لغد، يُوَفَّق لرزقه كلّ يوم حتى يموت.
حدثنا ابن وكيع قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عليّ بن الأقمر (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) قال: لا تدخر شيئا لغد.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) }
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله، من خلق السموات والأرض فَسَوّاهن، وسخَّر الشمس والقمر لعباده، يجريان دائبين لمصالح خلق الله، ليقولنّ: الذي خلق ذلك وفَعَلَه الله. (فَأنَّى يُؤْفَكُونَ) يقول جلّ ثناؤه:
فأنى يُصْرفون عمن صنع ذلك، فيعدلون عن إخلاص العبادة له.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَأنَّى يُؤْفَكُونَ) : أي يعدلون.
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) }
يقول تعالى ذكره: الله يوسع من رزقه لمن يشاء من خلقه، ويضيق فيُقتِّر لمن يشاء منهم، يقول: فأرزاقكم وقسمتها بينكم أيها الناس بيدي، دون كل أحد سواي، أبسط لمن شئت منها، وأقتر على من شئت، فلا يخلفنكم عن الهجرة وجهاد عدوّكم خوف العيلة (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يقول: إن الله عليم بمصالحكم، ومن لا يصلُح له إلا البسط في الرزق، ومن لا يصلح له إلا التقتير عليه، وهو عالم بذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك من نزل من السماء ماء، وهو المطر الذي ينزله الله من السحاب (فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ) يقول: فأحيا بالماء الذي نزل من السماء الأرض، وإحياؤها: إنباته النبات فيها (مِنْ بَعْدِ مَوْتها) من بعد جدوبها وقحوطها.
وقوله: (لَيَقُولُنَّ اللهَ) يقول: ليقولنّ الذي فعل ذلك الله، الذي له عبادة كل شيء.
وقوله: (قُلِ الحَمْدُ لِلهِ) يقول: وإذا قالوا ذلك، فقل: الحمد لله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) يقول: بل أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعقلون ما لهم فيه النفع من أمر دينهم، وما فيه الضرّ، فهم لجهلهم يحسبون أنهم لعبادتهم الآلهة دون الله، ينالون بها عند الله زُلْفة وقربة، ولا يعلمون أنهم بذلك هالكون، مستوجبون الخلود في النار.
القول في تأويل قوله تعالى: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ
وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
يقول تعالى ذكره: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) التي يتمتع منها هؤلاء المشركون (إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) يقول: إلا تعليل النفوس بما تلتذّ به، ثم هو مُنْقَضٍ عن قريب، لا بقاء له ولا دوام (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) يقول: وإن الدار الآخرة لفيها الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) حياة لا موت فيها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قالا ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد، قوله: (لَهِيَ الحَيَوانُ) قال: لا موتَ فيها.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) يقول: باقية.
وقوله: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يقول: لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ذلك كذلك، لقَصَّروا عن تكذيبهم بالله، وإشراكهم غيره في عبادته، ولكنهم لا يعلمون ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) }
يقول تعالى ذكره: فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه (دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) يقول: أخلصوا لله عند الشدّة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ) يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلَّمهم، فصاروا إلى البرّ، إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم، ويدعون الآلهة والأوثان معه أربابا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) فالخلق كلهم يقرّون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|