عرض مشاركة واحدة
  #1134  
قديم 24-07-2025, 03:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأحزاب
الحلقة (1133)
صــ 211 لى صــ 210





فمعنى الكلام على هذا التأويل: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين ببعضهم أن يرثوهم بالهجرة، وقد يحتمل ظاهر هذا الكلام أن يكون من صلة الأرحام من المؤمنين والمهاجرين، أولى بالميراث، ممن لم يؤمن، ولم يهاجر.
وقوله: (إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: إلا أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن حجَّاج، عن سالم، عن ابن الحنفية (إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) قالوا: يوصي لقرابته من أهل الشرك.
قال: ثنا عبدة، قال: قرأت على ابن أبي عروبة، عن قتادة (إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) قال: للقرابة من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) قال: إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري ويحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة (إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) قال: وصية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني محمد بن عمرو، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما قوله: (إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) فقال: العطاء، فقلت له: المؤمن للكافر بينهما قرابة؟ قال: نعم عطاؤه إياه حباء ووصية له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا أن تمسكوا بالمعروف بينكم بحقّ الإيمان والهجرة والحلف، فتؤتونهم حقهم من النصرة والعقل عنهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) قال: حلفاؤكم الذين والى بينهم النبيّ صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، إمساك بالمعروف والعقل والنصر بينهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن توصوا إلى أوليائكم من المهاجرين وصية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا) يقول: إلا أن توصوا لهم.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: معنى ذلك إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم وبينكم من المهاجرين والأنصار، معروفا من الوصية لهم، والنصرة والعقل عنهم، وما أشبه ذلك، لأن كلّ ذلك من المعروف الذي قد حثّ الله عليه عباده.
وإنما اخترت هذا القول، وقلت: هو أولى بالصواب من قيل من قال: عنى بذلك الوصية للقرابة من أهل الشرك، لأن القريب من المشرك، وإن كان ذا نسب فليس بالمولى، وذلك أن الشرك يقطع ولاية ما بين المؤمن والمشرك، وقد نهى الله المؤمنين أن يتخذوا منهم وليا بقوله: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) وغير جائز أن ينهاهم عن اتخاذهم أولياء، ثم يصفهم جلّ ثناؤه بأنهم لهم أولياء. وموضع "أن" من قوله: (إلا أنْ تَفْعَلُوا) نصب على الاستثناء ومعنى الكلام: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين ليسوا بأولي أرحام منكم معروفا.
وقوله: (كانَ ذلكَ فِي الكِتابِ مَسْطُورًا) يقول: كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، أي في اللوح المحفوظ مسطورا أي مكتوبا، كما قال الراجز:
في الصُّحُفِ الأولى التي كانَ سَطَرْ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (كانَ ذلكَ فِي الكِتابِ مَسْطُورًا) : أي أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.
وقال آخرون: معنى ذلك: كان ذلك في الكتاب مسطورا: لا يرث المشرك المؤمن.
(1)
البيت من مشطور الرجز، وهو للعجاج الراجز، من أرجوزته المطولة التي مدح بها عمر بن عبد الله بن معمر، وقد بعثه عبد الملك لحرب أبي فديك الخارجي، فانتصر عليه. (ديوان العجاج طبع ليبسج سنة 1903 ص 19) . والبيت شاهد على أن معنى سطر: كتب والسطر: الخط والكتابة.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) }
يقول تعالى ذكره: كان ذلك في الكتاب مسطورا، إذ كتبنا كلّ ما هو كائن في الكتاب (وَإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبيِّينَ مِيثاقَهُمْ) كان ذلك أيضا في الكتاب مسطورا، ويعني بالميثاق: العهد، وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى قبل (وَمِنْكَ) يا محمد (وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) يقول: وأخذنا من جميعهم عهدا مؤكدا أن يصدّق بعضهم بعضا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) قال: وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "كُنْتُ أوَّلَ الأنْبِياءِ فِي الخَلْقِ، وآخِرَهُمْ فِي البَعْثِ" ، (وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) ميثاق أخذه الله على النبيين، خصوصا أن يصدّق بعضهم بعضا، وأن يتبع بعضهم بعضا.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: كان قتادة إذا تلا هذه الآية (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) قال: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في أوّل النبيين في الخلق.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) قال: في ظهر آدم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) قال: الميثاق الغليظ: العهد.
القول في تأويل قوله تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) }
يقول تعالى ذكره: أخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم كيما أسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، وما فعل قومهم فيما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة.
وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) قال: المبلغين المؤدّين من الرسل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) قال: المبلغين المؤدّين من الرسل.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أُسامة، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد (لِيَسْأَلَ الصَّادِقينَ عَنْ صدْقِهِمْ) قال: الرسل المؤدّين المبلغين.
وقوله: (وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا) يقول: وأعدّ للكافرين بالله من الأمم عذابا موجعا.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) }
يقول تعالى ذكره: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) التي أنعمها على جماعتكم وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق (إْذ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) : جنود الأحزاب: قريش، وغَطفان، ويهود بني النضير (فأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا) وهي فيما ذكر: ريح الصَّبا.
كما حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، قال: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب: انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الشمال: إن الحرّة لا تسري بالليل، قال: فكانت الريح التي أُرسلت عليهم الصبا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثني الزبير -يعني: ابن عبد الله- قال: ثني ربيح بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد، قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله بلغت القلوب الحناجر، فهل من شيء تقوله؟ قال: "نَعَمْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا" ، فَضَرَبَ اللهُ وُجُوهَ أعْدائِهِ بالرِّيحِ، فهَزَمَهُم اللهُ بالرّيحِ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الله بن عمرو، عن نافع، عن عبد الله، قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون ليلة الخندق في برد شديد وريح، إلى المدينة، فقال: ائتنا بطعام ولحاف قال: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لي وقال: "مَنْ لَقِيتَ مِنْ أصحَابِي فَمُرْهُمْ يَرْجِعُوا" . قال: فذهبت والريح تسفي كل شيء، فجعلت لا ألقى أحدا إلا أمرته بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فما يلوي أحد منهم عنقه؛ قال: وكان معي ترس لي، فكانت الريح تضربه عليّ، وكان فيه حديد، قال: فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي، فأنفذها إلى الأرض.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة: قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال فتى من أهل الكوفة لحُذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا بن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، لحملناه على أعناقنا. قال حُذَيفة: يا بن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله هويا من الليل (1) ثم التفت إلينا فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم؟ يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يرجع أدخله الله الجنة" ، فما قام أحد، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: "مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنا ما فَعَلَ القَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ، يَشْتَرطُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الرَّجْعَةَ، أسألُ الله أنْ يكُونَ رَفِيقي فِي الجَنَّةِ" فما قام رجل من شدّة الخوف، وشدّة الجوع، وشدّة البرد؛ فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني، فقال: "يا حُذيْفَةُ اذْهَبْ فادْخُلْ فِي القَوْمِ فانْظُرْ، وَلا تُحْدِثَنَّ شَيْئا حتى تَأْتينَا" . قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء؛ فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه، فقال حُذَيفة: فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان؛ ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخفّ، واختلفت بنو قريظة، وبلغنا عنهم
(1)
هويا، بهاء مفتوحة أو مضمومة، وياء مشددة، وهو الساعة الممتدة من الليل (اللسان: هوى) .

الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما يطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا تُحدث شيئا حتى تأتيني، لو شئت لقتلته بسهم؛ قال حُذَيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه؛ فلما رآني أدخلني بين رجليه، وطرح عليّ طَرف المِرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه؛ فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غَطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) قال: الأحزاب: عيينة بن بدر، وأبو سفيان، وقريظة.
وقوله: (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا) قال: ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم. وقوله: (وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْها) قال: الملائكة ولم تقاتل يومئذ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) قال: يعني الملائكة، قال: نزلت هذه الآية يوم الأحزاب وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا فخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن تبعه من الناس، حتى نزلوا بعقوة (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عُيينة بن حصن، أحد بني بدر ومن تبعه من الناس حتى نزلوا بعقوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتبت اليهود أبا سفيان وظاهروه، فقال حيث يقول الله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) فبعث الله عليهم الرعب والريح، فذكر لنا أنهم كانوا كلما أوقدوا نارا أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا أن سيد كلّ حيّ يقول: يا بني فلان هلمّ إليّ، حتى إذا اجتمعوا عنده فقال: النجاء النجاء، أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... ) الآية، قال: كان
(1)
العقوة: الساحة وما حول الدار. (عن اللسان: عقا) .

يوم أبي سفيان يوم الأحزاب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، في قول الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) والجنود: قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة.
وقوله: (وكانَ اللَّهُ بِمَا تَعْملُونَ بَصِيرًا) يقول تعالى ذكره: وكان الله بأعمالكم يومئذ، وذلك صبرهم على ما كانوا فيه من الجهد والشدّة، وثباتهم لعدوّهم، وغير ذلك من أعمالهم، بصيرا لا يخفى عليه من ذلك شيء، يحصيه عليهم، ليجزيهم عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا (12) }
يقول تعالى ذكره: وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاءتكم جنود الأحزاب من فوقكم، ومن أسفل منكم. وقيل: إن الذين أتوهم من أسفل منهم، أبو سفيان في قريش ومن معه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) قال عيينة بن بدر (1) في أهل نجد (ومن أسفل منكم) قال أبو سفيان، قال: وواجهتهم قريظة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ذكرت يوم الخندق وقرأت (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) قالت: هو يوم الخندق.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان
(1)
نسبه إلى أبيه الأعلى.

مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير، وعمن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن غيرهم من علمائنا أنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود، منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحُييّ بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع (1) بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجوا حتى قدموا مكة على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقال لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأوّل، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحقّ منه (2) قال: فهم الذين أنزل الله فيهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا ... ) إلى قوله: (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) فلما قالوا ذلك لقريش، سرّهم ما قالوا، ونشطوا لما دعوهم له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من اليهود، حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا فيه، فأجابوهم (3) فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حُذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرّة، ومسعر بن رخيلة بن نُوَيرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان، فيمن تابعه من قومه من أشجع؛ فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة (4) في عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب احد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذّراري والنساء، فرفعوا في الآطام، وخرج عدوّ الله حيي بن أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظيّ، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاهده على ذلك وعاقده، فلما سمع كعب بحييّ بن أخطب، أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ: يا كعب افتح لي، قال: ويحك يا حييّ، إنك امرؤ مشئوم، إني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا؛ قال: ويحك افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلا تخوّفت على جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: يا كعب جئتك بعزّ الدهر، وببحر طمّ، جئتك بقريش على قاداتها وساداتها، حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطَفان على قاداتها وساداتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أُحد، قد عاهدوني وعاقدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال له كعب بن أسد: جئتني والله بذلّ الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، فدعني ومحمدا وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء؛ فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاهم عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان عليه، فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وإلى المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس، أحد بني الأشهل، وهو يومئذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة بن ديلم أخي بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحرث بن الخزرج، وخوات بن جُبَير أخو بني عمرو بن عوف، فقال: "انطلقوا حتى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم، فاجهروا به للناس" فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا (5) من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلا فيه حدّة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة: أي (6) كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند ذلك البلاء، واشتدّ الخوف، وأتاهم عدوّهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظنّ المسلمون كلّ ظنّ، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط، وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله إن بيوتنا لعورة من العدوّ، وذلك عن ملإ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا، وإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار (7) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان قوله: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) فالذين جاءوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم: قريش وغطفان.
وقوله: (وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ) يقول: وحين عدلت الأبصار عن مقرّها، وشخصت طامحة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ) : شخصت.
وقوله: (وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ) يقول: نبت القلوب عن أماكنها من الرعب
(1)
في بعض نسخ السيرة لابن إسحاق، وكنانة بن أبي الحقيق، وليس فيه ابن الربيع.

(2)
كذا في السيرة. (3: 225) طبعة الحلبي. وفي الأصل: منهم.

(3)
في السيرة (الحلبي 3: 26) : فاجتمعوا معهم فيه، وسقط منها قوله: فأجابوهم.

(4)
في السيرة (الحلبي 3: 230) زغابة، بزاي مفتوحة، وغين (وانظر السهيلي 2: 189) .

(5)
في إحدى نسخ السيرة (الحلبي 3: 233) : فيما نالوا ... إلخ.

(6)
كذا في السيرة (الحلبي 3: 233) . وفي الأصل بدون أي.

(7)
في بعض المراجع: والحصا. وكتبها بالألف.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]