
24-07-2025, 08:56 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,593
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ فاطر
الحلقة (1158)
صــ 451 لى صــ 460
وقوله (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى) يقول: وأجرى لكم الشمس والقمر نعمة منه عليكم، ورحمة منه بكم؛ لتعلموا عدد السنين والحساب، وتعرفوا الليل من النهار.
وقوله (كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًى) يقول: كل ذلك يجري لوقت معلوم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى) أجل معلوم، وحد لا يقصر دونه ولا يتعداه.
وقوله (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ) يقول: الذي يفعل هذه الأفعال معبودكم أيها الناس الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو الله ربكم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) أي: هو الذي يفعل هذا.
وقوله (لَهُ الْمُلْكَ) يقول تعالى ذكره: له الملك التام الذي لا شىء إلا وهو في ملكه وسلطانه.
وقوله (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) يقول تعالى ذكره: والذين تعبدون أيها الناس من دون ربكم الذي هذه الصفة التي ذكرها في هذه الآيات الذي له الملك الكامل، الذي لا يشبهه ملك، صفته (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) يقول: ما يملكون قشر نواة فما فوقها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قلنا أهل التأويل
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا عوف عمن حدثه عن ابن عباس في قوله (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) قال: هو جلد النواة.
حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله (مِنْ قِطْمِيرٍ) يقول: الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) يعني: قشر النواة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله (مِنْ قِطْمِيرٍ) قال: لفافة النواة كسحاة البيضة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) والقطمير: القشرة التي على رأس النواة.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال: ثنا مروان بن معاوية، عن جويبر عن بعض أصحابه في قوله (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) قال: هو القِمَع الذي يكون على التمرة.
حدثنا ابن بشار قال: ثنا أبو عامر قال: ثنا مرة عن عطية قال: القطمير: قشر النواة.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) }
قوله (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)
يقول تعالى ذكره: إن تدعوا أيها الناس هؤلاء الآلهة التي تعبدونها من دون الله لا يسمعوا دعاءكم؛ لأنها جماد لا تفهم عنكم ما تقولون (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ) يقول: ولو سمعوا دعاءكم إياهم، وفهموا عنكم أنها قولكم، بأن جعل لهم سمع يسمعون به، ما استجابوا لكم؛ لأنها ليست ناطقة، وليس كل سامع قولا متيسرًا له الجواب عنه، يقول تعالى ذكره للمشركين به الآلهة والأوثان: فكيف تعبدون من دون الله من هذه صفته، وهو لا نفع لكم عنده، ولا قدرة له على ضركم، وتدعون عبادة الذي بيده نفعكم وضركم، وهو الذي خلقكم وأنعم عليكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ) أي: ما قبلوا ذلك عنكم، ولا نفعوكم فيه.
وقوله (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) يقول تعالى ذكره للمشركين من عبدة الأوثان: ويوم القيامة تتبرأ آلهتكم التي تعبدونها من دون الله من أن تكون كانت لله شريكًا في الدنيا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) إياهم ولا يرضون ولا يقرون به.
وقوله (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) يقول تعالى ذكره: ولا يخبرك يا محمد عن آلهة هؤلاء المشركين وما يكون من أمرها وأمر عَبَدَتها يوم القيامة؛ من تبرؤها منهم، وكفرها بهم، مثل ذي خبرة بأمرها وأمرهم، وذلك الخبير هو الله الذي لا يخفى عليه شيء كان أو يكون سبحانه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) والله هو الخبير أنه سيكون هذا منهم يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) }
يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس أنتم أولو الحاجة والفقر إلى ربكم فإياه فاعبدوا، وفي رضاه فسارعوا، يغنكم من فقركم، وتُنْجِح لديه حوائجكم (وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ) عن عبادتكم إياه وعن خدمتكم، وعن غير ذلك من الأشياء؛ منكم ومن غيركم (الْحَمِيدُ) يعني: المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بكم وبغيركم فمنه، فله الحمد والشكر بكل حال.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) }
يقول تعالى ذكره: إن يشأ يهلككم أيها الناس ربكم، لأنه أنشأكم من غير ما حاجة به إليكم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) يقول: ويأت بخلق سواكم يطيعونه ويأتمرون لأمره وينتهون عمَّا نهاهم عنه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أي: ويأت بغيركم.
وقوله (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) يقول: وما إذهابكم والإتيان بخلق سواكم على الله بشديد، بل ذلك عليه يسير سهل، يقول: فاتقوا الله أيها الناس، وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك.
وقوله (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) يقول تعالى ذكره: ولا تحمل آثمة إثم أخرى غيرها (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) يقول تعالى: وإن تسأل ذاتُ ثِقَل من الذنوب من يحمل عنها ذنوبها وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئًا منها ولو كان الذي سألته ذا قرابة من أب أو أخ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) يقول: يكون عليه وزر لا يجد أحدًا يحمل عنه من وزره شيئًا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) كنحو (لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا) إلى ذنوبها (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) أي: قريب القرابة منها، لايحمل من ذنوبها شيئًا، ولا تحمل على غيرها من ذنوبها شيئا (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، ونصب "ذَا قُرْبَى" على تمام "كان" لأن معنى الكلام: ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها. وأنثت
"مثقلة" لأنه ذهب بالكلام إلى النفس، كأنه قيل: وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلى حمل ذنوبها، وإنما قيل كذلك لأن النفس تؤدي عن الذكر والأنثى كما قيل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) يعني بذلك: كل ذكر وأنثى.
وقوله (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنما تنذر يا محمد الذين يخافون عقاب الله يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك، ولكن لإيمانهم بما أتيتهم به، وتصديقهم لك فيما أنباتهم عن الله، فهؤلاء الذين ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قول: (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي: يخشون النار.
وقوله (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) يقول: وأدوا الصلاة المفروضة بحدودها على ما فرضها الله عليهم.
وقوله (وَمَنْ تَزَكَّى فإِنَّمَا يَتَزكَّى لِنَفْسِهِ) يقول تعالى ذكره: ومن يتطهر من دنس الكفر والذنوب بالتوبة إلى الله، والإيمان به، والعمل بطاعته. فإنما يتطهر لنفسه، وذلك أنه يثيبها به رضا الله، والفوز بجنانه، والنجاة من عقابه الذي أعده لأهل الكفر به.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) أي: من يعمل صالحًا فإنما يعمله لنفسه.
وقوله (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) يقول: وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس، مؤمنكم وكافركم، وبركم وفاجركم، وهو مجازٍ جميعكم بما قدم من خير وشر على ما أهل منه.
القول في تأويل قوله تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي
الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ (23)
يقول تعالى ذكره: (وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى) عن دين الله الذي ابتعث به نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (وَالْبَصِيرُ) الذي قد أبصر فيه رشده؛ فاتبع محمدًا وصدقه، وقبل عن الله ما ابتعثه به (وَلا الظُّلُمَاتُ) يقول: وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان (وَلا الظِّلُّ) قيل: ولا الجنة (وَلا الْحَرُورُ) قيل: النار، كأن معناه عندهم: وما تستوي الجنة والنار، والحرور بمنزلة السموم، وهي الرياح الحارة. وذكر أَبو عبيدة معمر بن المثنى، عن رؤبة بن العجاج، أنه كان يقول: الحرور بالليل والسموم بالنهار. وأما أَبو عبيدة فإنه قال: الحرور في هذا الموضع والنهار مع الشمس، وأما الفراء فإنه كان يقول: الحرور يكون بالليل والنهار، والسموم لا يكون بالليل إنما يكون بالنهار.
والقول في ذلك عندى: أن الحرور يكون بالليل والنهار، غير أنه في هذا الموضع بأن يكون كما قال أَبو عبيدة: أشبه مع الشمس لأن الظل إنما يكون في يوم شمس، فذلك يدل على أنه أريد بالحرور: الذي يوجد في حال وجود الظل.
وقوله (وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ) يقول: وما يستوي الأحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله، ومعرفة تنزيل الله، والأموات القلوب لغلبة الكفر عليها، حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه، ولا تعرف الهدى من الضلال، وكل هذه أمثال ضربها الله للمؤمن والإيمان والكافر والكفر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني
أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ ... ) الآية، قال: هو مثل ضربه الله لأهل الطاعة وأهل المعصية؛ يقول: وما يستوي الأعمى والظلمات والحرور ولا الأموات، فهو مثل أهل المعصية، ولا يستوي البصير ولا النور ولا الظل والأحياء، فهو مثل أهل الطاعة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى ... ) الآية، خلقًا فضل بعضه على بعض؛ فأما المؤمن فعبد حي الأثر، حي البصر، حي النية، حي العمل، وأما الكافر فعبد ميت؛ ميت البصر، ميت القلب، ميت العمل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُوَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ) قال: هذا مثل ضربه الله؛ فالمؤمن بصير في دين الله، والكافر أعمى، كما لا يستوي الظل ولا الحرور ولا الأحياء ولا الأموات، فكذلك لا يستوي هذا المؤمن الذي يبصر دينه ولا هذا الأعمى، وقرأ (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) قال: الهدى الذي هداه الله به ونور له، هذا مثل ضربه الله لهذا المؤمن الذي يبصر دينه، وهذا الكافر الأعمى فجعل المؤمن حيًّا وجعل الكافر ميتًا ميت القلب (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) قال: هديناه إلى الإسلام كمن مثله في الظلمات أعمى القلب وهو في الظلمات، أهذا وهذا سواء؟.
واختلف أهل العربية في وجه دخول "لا" مع حرف العطف في قوله (وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ) فقال بعض نحويي البصرة: قال: ولا الظل ولا الحرور، فيشبه أن تكون "لا" زائدة، لأنك لو قلت: لا يستوي عمرو ولا زيد في هذا المعنى لم يجز إلا أن تكون "لا" زائدة، وكان غيره يقول: إذا لم تدخل "لا" مع الواو، فإنما لم تدخل اكتفاء بدخولها في أول الكلام، فإذا أدخلت فإنه يراد بالكلام أن كل واحد منهما لا يساوي صاحبه،
فكان معنى الكلام إذا أعيدت "لا" مع الواو عند صاحب هذا القول لا يساوي الأعمى البصير ولا يساوي البصير الأعمى، فكل واحد منهما لا يساوي صاحبه.
وقوله (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) يقول تعالى ذكره: كما لا يقدر أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده، عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما يسمع.
وقوله (إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به فإن ذلك بيد الله لا بيدك ولا بيد غيرك من الناس؛ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) }
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ) يا محمد (بِالْحَقِّ) وهو الإيمان بالله وشرائع الدين التي افترضها على عباده (بَشِيرًا) يقول: مبشرًا بالجنة من صدقك وقبل منك ما جئت به من عند الله من النصيحة (وَنَذِيرًا) تنذر الناس مَن كذبك ورد عليك ما جئت به من عند الله من النصيحة (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) يقول: وما من أمة من الأمم الدائنة بملة إلا خلا فيها من قبلك نذير ينذرهم بأسنا على كفرهم بالله.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) كل أمة كان لها رسول.
وقوله (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول تعالى ذكره مسليًا نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما يلقى من مشركي قومه من التكذيب: وإن يكذبك يا محمد مشركو قومك فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم الذين جاءتهم رسلهم بالبينات، يقول: بحجج من الله واضحة، وبالزبر يقول: وجاءتهم بالكتب من عند الله.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ) أي: الكتب.
وقوله (بِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) يقول: وجاءهم من الله الكتاب المنير لمن تأمله وتدبره أنه الحق.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) يضعف الشيء وهو واحد.
وقوله (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) يقول تعالى ذكره: ثم أهلكنا الذين جحدوا رسالة رسلنا، وحقيقة ما دعوهم إليه من آياتنا وأصروا على جحودهم (فَكَيْفَ كَانَ نَكِير) يقول: فانظر يا محمد كيف كان تغييري بهم وحلول عقوبتي بهم.
القول في تأويل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|