
25-07-2025, 05:29 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ غافر
الحلقة (1206)
صــ 381 الى صــ 390
يَقُولُ الله: (يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ) "."
فعلى هذا التأويل معنى الكلام: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضا من فزع نفخة الفزع.
وقرأ ذلك آخرون: "يَوْمَ التَّنَادِّ" بتشديد الدال، بمعنى: التفاعل من النَّدّ، وذلك إذا هربوا فنَدُّوا في الأرض، كما تَنِدّ الإبل: إذا شَرَدَت على أربابها.
* ذكر من قال ذلك، وذكر المعنى الذي قَصَد بقراءته ذلك كذلك.
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: إذا كان يوم القيامة، أمر الله السماء الدنيا فتشقَّقت بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفوا صفا دون صف، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض نَدُّوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا السبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قول الله: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) وذلك قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) وقوله: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) وذلك قوله: (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) .
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (يَوْمَ التَّنَادِ) قال: تَنِدون ورُوِي عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك: "يَوْمَ التَّنَادِي" بإثبات الياء وتخفيف الدال.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وهو تخفيف الدال وبغير إثبات الياء، وذلك أن ذلك هو القراءة التي عليها الحجة مجمعة من قرّاء الأمصار، وغير جائز خلافها فيما جاءت به نقلا. فإذا كان ذلك هو
الصواب، فمعنى الكلام: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضا، إما من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان الله، وفظاعة ما غشيهم من كرب ذلك اليوم، وإما لتذكير بعضُهم بعضا إنجاز إلله إياهم الوعد الذي وعدهم في الدنيا، واستغاثة من بعضهم ببعض، مما لقي من عظيم البلاء فيه.
وقوله: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) فتأويله على التأويل الذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَوْمَ يُوَلُّونَ هارِبينَ فِي الأرْضِ حِذَارَ عَذَابِ اللهِ وَعِقابِهِ عِنْدَ مُعَايَنَتِهم جَهَنَّمَ" .
وتأويله على التأويل الذي قاله قَتادة في معنى (يَوْمَ التَّنَادِ) : يوم تولُّون مُنْصَرِفِينَ عن موقف الحساب إلى جهنم.
وبنحو ذلك روي الخبر عنه، وعمن قال نحو مقالته في معنى (يَوْمَ التَّنَادِ) .
* ذكر من قال ذلك.
حدثنا بشر، قال. ثنا يزيد، قال. ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) : أي منطَلقا بكم إلى النار.
وأولى القولين في ذلك بالصواب، القول الذي رُوي عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وإن كان الذي قاله قتادة في ذلك غير بعيد من الحقّ، وبه قال جماعه من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال. ثنا أبو عاصم، قال. ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) قال: فارّين غير معجزين.
وقوله: (مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ) يقول: ما لكم من الله مانع يمنعكم، وناصر ينصركم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال. ثنا سعيد، عن قتادة (مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ) : أي من ناصر.
وقوله: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) يقول: ومن يخذله الله فلم يوفّقه لرشده، فما له من موفّق يوفّقه له.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) }
يقول تعالى ذكره: ولقد جاءكم يوسف بن يعقوب يا قوم من قبل موسى بالواضحات من حجج الله.
كما حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ) قال: قبل موسى.
وقوله: (فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ) يقول: فلم تزالوا مرتابين فيما أتاكم به يوسف من عند ربكم غير موقني القلوب بحقيقته (حَتَّى إِذَا هَلَكَ) يقول: حتى إذا مات يوسف قلتم أيها القوم: لن يبعث الله من بعد يوسف إليكم رسولا بالدعاء إلى الحقّ (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) يقول: هكذا يصد الله عن إصابة الحقّ وقصد السبيل من هو كافر به مرتاب، شاكّ فى حقيقة أخبار رسله.
القول في تأويل قوله تعالى: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ
بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) فقوله "الذين" مردود على "من" في قوله (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) . وتأويل الكلام: كذلك يضلّ الله أهل الإسراف والغلوّ في ضلالهم بكفرهم باقله، واجترائهم على معاصيه، المرتابين في أخبار رسله، الذين يخاصمون في حججه التي أتتهم بها رسله ليدحضوها بالباطل من الحُجَج (بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) يقول: بغير حجة أتتهم من عند ربهم يدفعون بها حقيقة الحُجَج التي أتتهم بها الرسل; و "الذين" إذا كان معنى الكلام ما ذكرنا في موضع نصب ردًّا على "مَن" .
وقوله: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ) يقول: كبر ذلك الجدال الذي يجادلونه في آيات الله مقتا عند الله، (وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله; وإنما نصب قوله: (مَقْتا) لما في قوله (كَبُرَ) من ضمير الجدال، وهو نظير قوله: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) فنصب كلمة من نصبها، لأنه جعل في قوله: (كَبُرَتْ) ضمير قولهم: (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) وأما من لم يضمر ذلك فإنه رفع الكلمة.
وقوله: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) يقول: كما طبع الله على قلوب المسرفين الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر على الله أن يوحده، ويصدّق رسله. جبار: يعني متعظم عن اتباع الحقّ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار، خلا أبي عمرو بن العلاء، على: (كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) بإضافة القلب إلى المتكبر، بمعنى الخبر عن أن الله طبع على قلوب المتكبرين كلها; ومن كان ذلك قراءته، كان قوله "جبار" . من نعت "متكبر" . وقد روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ
ذلك "كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ على قَلْبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" .
حدثني بذلك ابن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن هارون أنه كذلك في حرف ابن مسعود، وهذا الذي ذُكر عن ابن مسعود من قراءته يحقق قراءة من قرأ ذلك بإضافة قلب إلى المتكبر، لأن تقديم "كل" قبل القلب وتأخيرها بعده لا يغير المعنى، بل معنى ذلك في الحالتين واحد. وقد حُكي عن بعض العرب سماعا: هو يرجِّل شعره يوم كلّ جمعة، يعني: كلّ يوم جمعة. وأما أبو عمرو فقرأ ذلك بتنوين القلب وترك إضافته إلى متكبر، وجعل المتكبر والجبار من صفة القلب.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بإضافة القلب إلى المتكبر، لأن التكبر فعل الفاعل بقلبه، كما أن القاتل إذا قتل قتيلا وإن كان قتله بيده، فإن الفعل مضاف إليه، وإنما القلب جارحة من جوارح المتكبر. وإن كان بها التكبر، فإن الفعل إلى فاعله مضاف، نظير الذي قلنا في القتل، وذلك وإن كان كما قلنا، فإن الأخرى غير مدفوعة، لأن العرب لا تمنع أن تقول: بطشت يد فلان، ورأت عيناه كذا، وفهم قلبه، فتضيف الأفعال إلى الجوارح، وإن كانت في الحقيقة لأصحابها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ (37) }
يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لما وعظه المؤمن من آله بما وعظه به وزجره عن قتل موسى نبيّ الله وحذره من بأس الله على قيله أقتله ما حذره لوزيره وزير السوء هامان: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ) يعني بناء.
وقد بيَّنا معنى الصرح فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
(لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ) اختلف أهل التأويل في معنى الأسباب في هذا الموضع، فقال بعضهم: أسباب السموات: طرقها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا عبد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السديّ، عن أبي صالح (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) قال: طرق السموات.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) قال: طُرُق السموات.
وقال آخرون: عني بأسباب السموات: أبواب السموات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا) وكان أول من بنى بهذا الآجر وطبخه (لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) : أي أبواب السموات.
وقال آخرون: بل عُنِي به مَنزل السماء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) قال: مَنزل السماء.
وقد بيَّنا فيما مضى قبل، أن السبب: هو كل ما تسبب به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل وسلم وطريق وغير ذلك.
فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسيب بها إلى رؤية إله موسى، طرقا كانت تلك الأسباب منها،
أو أبوابا، أو منازل، أو غير ذلك.
وقوله: (فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) اختلف القرّاء في قراءة قوله: (فَأَطَّلِعَ) فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: "فَأَطَّلِعُ" بضم العين: ردًا على قوله: (أَبْلُغُ الأسْبَابَ) وعطفا به عليه. وذكر عن حميد الأعرج أنه قرأ (فَأَطَّلِعَ) نصبا جوابا للعلي، وقد ذكر الفرّاء أن بعض العرب أنشده:
عَلَّ صُرُوفَ الدَّهْرِ أوْ دُولاتِها ... يُدِلْنَنا اللَّمَّةَ مِنْ لَمَّاتِها فَتَسْتَرِيحَ النَّفْسُ مِنْ زَفَرَاتِهَا (1)
فنصب فتستريح على أنها جواب للعلّ.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الرفع في ذلك، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقوله: (وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا) يقول: وإني لأظنّ موسى كاذبا فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا.
وقوله: (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) يقول الله تعالى ذكره: وهكذا
(1) هذه أبيات من مشطور الرجز. قال الفراء في معاني القرآن (228 مصورة الجامعة) وقوله "لعلي أبلغ الأسباب فأطلع" بالرفع، يرده على قوله "أبلغ" . ومن جعله جوابا "للعلي" نصبه. وقد قرأ به بعض القراء، قال: وأنشدني بعض العرب: "عل صروف الدهر.... الأبيات" ، فنصب على الجواب بلعل. والرجز لم يعلم قائله. وعل: لغة في لعل. والدولات: جمع دولة في المال. وبالفتح في الحرب. وقيل هما واحد. ويدلننا: من الإدالة، وهي الغلبة. والملة، بالفتح: الشدة. وهي مفعول ثان ليدلننا. والشاهد في "فتستريح" حيث نصب في جواب لعل، الذي هو أداة الترجي. قاله الفراء. وهو الصحيح، لثبوت ذلك في القرآن: "لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى" . والزفرات جمع زفرة، وهي المرة من الزفر، وهو أن يملأ الرجل صدره هواء، بالشهيق، ثم يزفر به أي يخرجه ويرمى به، وذلك عند الغم الحزن. والأصل: تحريك الفاء في الجمع، على نحو سجدة وسجدات. وسكن هنا للضرورة.
زين الله لفرعون حين عتا عليه وتمرّد، قبيحَ عمله، حتى سوّلت له نفسه بلوغ أسباب السموات، ليطلع إلى إله موسى.
وقوله: (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة: (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) بضم الصاد، على وجه ما لم يُسَمّ فاعله.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) قال: فُعِل ذلك به، زين له سوء عمله، وصُدَّ عن السبيل.
وقرا ذلك حميد وأبو عمرو وعامة قرّاء البصرة "وَصَدَّ" بفتح الصاد، بمعنى: وأعرض فرعون عن سبيل الله التي ابتُعث بها موسى استكبارا.
والصواب من القول فى ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ) يقول تعالى ذكره: وما احتيال فرعون الذي يحتال للاطلاع إلى إله موسى، إلا في خسار وذهاب مال وغبن، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها على الصرح باطلا ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده، فذلك هو الخسار والتباب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ) يقول: في خُسران.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا،، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فِي تَبَابٍ) قال: خسار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ) : أي في ضلال وخسار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ) قال: التَّباب والضَّلال واحد.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن المؤمن بالله من آل فرعون (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ) من قوم فرعون لقومه: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) يقول: إن اتبعتموني فقبلتم مني ما أقول لكم، بينت لكم طريق الصواب الذي ترشدون إذا أخذتم فيه وسلكتموه وذلك هو دين الله الذي ابتعث به موسى. يقول: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ) يقول لقومه: ما هذه الحياة الدنيا العاجلة التي عجلت لكم في هذه الدار إلا متاع تستمتعون بها إلى أجل أنتم بالغوه، ثم تموتون وتزول عنكم (وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) يقول: وإن الدار الآخرة، وهي دار القرار التي تستقرّون فيها فلا تموتون ولا تزول عنكم، يقول: فلها فاعملوا، وإياها فاطلبوا.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) استقرت الجنة بأهلها، واستقرّت النار بأهلها.
القول في تأويل قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى
إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
يقول: من عمل بمعصية الله في هذه الحياة الدنيا، فلا يجزيه الله في الآخرة إلا سيئة مثلها، وذلك أن يعاقبه بها; (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) يقول: ومن عمل بطاعة الله فى الدنيا، وائتمر لأمره، وانتهى فيها عما نهاه عنه من رجل أو امرأة، وهو مؤمن بالله (فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) يقول: فالذين يعملون ذلك من عباد الله يدخلون في الآخرة الجنة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا) أي شركا، "السيئة عند قتادة شرك" (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا) ، أي خيرا (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) .
وقوله: (يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) يقول: يرزقهم الله في الجنة من ثمارها، وما فيها من نعيمها ولذاتها بغير حساب.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: لا والله ما هناكم مكيال ولا ميزان.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لقومه من الكفرة: (مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ) من عذاب الله وعقوبته بالإيمان به، واتباع رسوله موسى،
وتصديقه فيما جاءكم به من عند ربه (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) يقول: وتدعونني إلى عمل أهل النار.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|