
25-07-2025, 10:23 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الدخان
الحلقة (1237)
صــ 41 الى صــ 50
يقول تعالى ذكره: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) السبع والأرضين وما بينهما من الخلق لعبا. وقوله (مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ) يقول: ما خلقنا السموات والأرض إلا بالحقّ الذي لا يصلح التدبير إلا به.
وإنما يعني بذلك تعالى ذكره التنبيه على صحة البعث والمجازاة، يقول تعالى ذكره: لم نخلق الخلق عبثا بأن نحدثهم فنحييهم ما أردنا، ثم نفنيهم من غير الامتحان بالطاعة والأمر والنهي، وغير مجازاة المطيع على طاعته، والعاصي على المعصية، ولكن خلقنا ذلك لنبتلي من أردنا امتحانه من خلقنا بما شئنا من امتحانه من الأمر والنهي (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) .
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون أن الله خلق ذلك لهم، فهم لا يخافون على ما يأتون من سخط الله عقوبة، ولا يرجون على خير إن فعلوه ثوابا لتكذيبهم بالمعاد.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) }
يقول تعالى ذكره: إن يوم فصل الله القضاء بين خلقه بما أسلفوا في دنياهم من خير أو شرّ يجزي به المحسن بالإحسان، والمسيء بالإساءة (ميقاتهم أجمعين) : يقول: ميقات اجتماعهم أجمعين.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) يوم يُفْصَل فيه بين الناس بأعمالهم.
وقوله (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) يقول: لا يدفع ابن عمّ عن ابن عمّ، ولا صاحب عن صاحبه شيئا من عقوبة الله التي حلَّت بهم من الله (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يقول: ولا ينصر بعضهم بعضا، فيستعيذوا ممن نالهم بعقوبة كما كانوا يفعلونه في الدنيا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) ... الآية، انقطعت الأسباب يومئذ يا ابن آدم، وصار الناس إلى أعمالهم، فمن أصاب يومئذ خيرا سعد به آخر ما عليه، ومن أصاب يومئذ شرّا شقي به آخر ما عليه.
وقوله (إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) اختلف أهل العربية في موضع "مَنْ" في قوله: (إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) فقال بعض نحويي البصرة: إلا من رحم الله، فجعله بدلا من الاسم المضمر في ينصرون، وإن شئت جعلته مبتدأ وأضمرت خبره، يريد به: إلا من رحم الله فيغني عنه. وقال بعض نحويي الكوفة قوله (إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) قال: المؤمنون يشفع بعضهم في بعض، فإن شئت فاجعل "مَنْ" في موضع رفع، كأنك قلت: لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبا على الاستثناء والانقطاع عن أوّل الكلام، يريد: اللهمّ إلا من رحم الله.
وقال آخرون منهم: معناه لا يغني مولى عن مولى شيئا، إلا من أذن الله له أن يشفع; قال: لا يكون بدلا مما في ينصرون، لأن إلا محقق، والأوّل منفيّ، والبدل لا يكون إلا بمعنى الأوّل. قال: وكذلك لا يجوز أن يكون مستأنفا، لأنه لا يستأنف بالاستثناء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون في موضع رفع بمعنى: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا إلا من رحم الله منهم، فإنه يغني عنه بأن يشفع له عند ربه.
وقوله (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) يقول جلّ ثناؤه واصفا نفسه: إن الله هو العزيز في انتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه، وأهل طاعته.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) }
يقول تعالى ذكره: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) التي أخبر أنها تَنْبتُ في أصل الجحيم، التي جعلها طعاما لأهل الجحيم، ثمرها فى الجحيم طعام الآثم في الدنيا بربه، والأثيم: ذو الإثم، والإثم من أثم يأثم فهو أثيم. وعنى به في هذا الموضع: الذي إثمه الكفر بربه دون غيره من الآثام.
وقد حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، أن أبا الدرداء كان يُقرئ رجلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ) فقال: طعام اليتيم، فقال أبو الدرداء: قل إن شجرة الزقوم طعام الفاجر.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الدنيا، لأفسدت على الناس معايشهم" .
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، قال: كان أبو الدرداء يُقْرئ رجلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ) قال: فجعل الرجل يقول: إن شجرة الزقوم طعام اليتيم; قال: فلما أكثر عليه أبو الدرداء، فرآه لا يفهم، قال: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ) قال: أبو جهل.
وقوله (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) يقول تعالى ذكره: إن شجرة الزقوم التي جعل ثمرتها طعام الكافر في جهنم، كالرصاص أو الفضة، أو ما يُذاب فى النار إذا أُذيب بها، فتناهت حرارته، وشدّت حميته في شدّة السواد.
وقد بينَّا معنى المهل فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع من
الشواهد، وذكَر اختلاف أهل التأويل فيه، غير أنا نذكر من أقوال أهل العلم في هذا الموضع ما لم نذكره هناك.
حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس، عن قول الله جلّ ثناؤه (كَالمُهْلِ) قال: كدرديّ الزيت.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) يقول: أسود كمهل الزيت.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرفا، عن عطية بن سعد، عن ابن عباس، في قوله: (كَالمُهْلِ) ماء غليظ كدرديّ الزيت.
حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرفا، عن عطية بن سعد، عن ابن عباس، في قوله (كَالمُهْلِ) قال: كدرديّ الزيت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا خليد، عن الحسن، عن ابن عباس، أنه رأى فضة قد أُذيبت، فقال: هذا المهل.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عمرو بن ميمون عن أبيه، عن عبد الله في قوله: (كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) قال: دخل عبد الله بيت المال، فأخرج بقايا كانت فيه، فأوقد عليها النار حتى تلألأت، قال: أين السائل عن المهل، هذا المهل.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ: وحدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا خالد بن الحارث، عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن ابن مسعود سُئل عن المهل الذي يقولون يوم القيامة شراب أهل النار، وهو على بيت المال،
قال: فدعا بذهب وفضة فأذابهما، فقال: هذا أشبه شيء في الدنيا بالمهل الذي هو لون السماء يوم القيامة، وشراب أهل النار، غير أن ذلك هو أشدّ حرّا من هذا. لفظ الحديث لابن بشار وحديث ابن المثنى نحوه.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الحسن، قال: كان من كلامه أن عبد الله بن مسعود رجل أكرمه الله بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن عمر رضي الله عنه استعمله على بيت المال، قال: فعمد إلى فضة كثيرة مكسرة، فخدّ لها أُخدودا، ثم أمر بحطب جزل فأوقد عليها، حتى إذا امَّاعت وتزبدت وعادت ألوانا، قال: انظروا من بالباب، فأُدخل القوم فقال لهم: هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمُهْل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ) ... الآية، ذُكر لنا أن ابن مسعود أُهديت له سقاية من ذهب وفضة، فأمر بأخدود فخدّت في الأرض، ثم قُذِف فيها من جزل الحطب، ثم قذفت فيها تلك السقاية، حتى إذا أزبدت وانماعت قال لغلامه: ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة، فدعا رهطا، فلما دخلوا قال: أترون هذا؟ قالوا نعم، قال: ما رأينا في الدنيا شبيها للمهل أدنى من الذهب والفضة حين أزبد وانماع.
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن سفيان الأسديّ، قال: أذاب عبد الله بن مسعود فضة، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) قال: كدُرديّ الزيت.
حدثني يحيى بن طلحة قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: (كالمُهْلِ) قال: كدردي الزيت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: ثنا ابن المبارك، قال:
ثنا أبو الصباح، قال: سمعت يزيد بن أبي سمية يقول: سمعت ابن عمر يقول: هل تدرون ما المهل؟ المهل مهل الزيت، يعني آخره.
قال: ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو الصباح الأيلي، عن يزيد بن أبي سمية، عن ابن عمر بمثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن درّاج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: (بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) "كعَكر الزيت، فإذا قرّبه إلى وجهه، سقطت فروة وجهه فيه" .
قال: ثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا رشدين بن سعد، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخُدْريّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
وقوله (فِي الْبُطُونِ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة "تَغْلِي" بالتاء، بمعنى أن شجرة الزقوم تغلي في بطونهم، فأنثوا تغلي لتأنيث الشجرة. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة (يَغْلِي) بمعنى: طعام الأثيم يغلي، أو المهل يغلي، فذكَّره بعضهم لتذكير الطعام، ووجه معناه إلى أن الطعام هو الذي يغلي في بطونهم وبعضهم لتذكير المهل، ووجهه إلى أنه صفة للمهل الذي يغلي.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) يقول: يغلي ذلك في بطون هؤلاء الأشقياء كغلي الماء المحموم، وهو المسخن الذي قد أوقد عليه حتى تناهت شدّة حرّه، وقيل: حميم وهو محموم، لأنه مصروف من مفعول إلى فعيل، كما يقال: قتيل من مقتول.
القول في تأويل قوله تعالى: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ
الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)
يقول تعالى ذكره: (خُذُوهُ) يعني هذا الأثيم بربه، الذي أخبر جلّ ثناؤه أن له شجرة الزقوم طعام (فاعْتلُوهُ) يقول تعالى ذكره: فادفعوه وسوقوه، يقال منه: عتله يعتله عتلا إذا ساقه بالدفع والجذب; ومنه قول الفرزدق:
ليْسَ الكِرَامُ بِنَاحِلِيكَ أبَاهُمُ ... حتى تُرَدّ إلى عَطِيَّةَ تُعْتِلُ (1)
أي تُساق دَفْعا وسحبا.
وقوله (إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) : إلى وسط الجحيم. ومعنى الكلام: يقال يوم القيامة: خذوا هذا الأثيم فسوقوه دفعا في ظهره، وسحبا إلى وسط النار.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (فاعْتلُوهُ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) قال: خذوه فادفعوه.
وفي قوله (فاعْتلُوهُ) لغتان: كسر التاء، وهي قراءة بعض قرّاء أهل المدينة وبعض أهل مكة (2) .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا أنهما لغتان معروفتان في العرب، يقال
(1) البيت في ديوان الفرزدق (طبعة الصاوي بالقاهرة ص 722) وناحليك: معطيك. وموضع الشاهد في البيت قوله "تعتل" . قال في (اللسان: عتل) : وفي التنزيل "خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم" قرأ عاصم وحمزة والكسائي وأبو عمرو "فاعتلوه" بكسر التاء؛ وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب: "فاعتلوه" بضم التاء. قال الأزهري: وهما لغتان فصيحتان. ومعناه: خذوه فاقصفوه كما يقصف الحطب. والعتل: الدفع والإرهاق بالسوق العنيف. اهـ.
(2) لم يذكر الثانية، وهي ضم التاء، وبها قرئ، ولعله اكتفى عن ذلك؛ بما ذكره في السطر الذي بعده.
منه: عتل يعتِل ويعتُل، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال. ثنا سعيد، عن قتادة (إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) : إلى وَسَط النار.
وقوله (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) يقول تعالى ذكره: ثم صبوا على رأس هذا الأثيم من عذاب الحميم، يعني: من الماء المسخن الذي وصفنا صفته، وهو الماء الذي قال الله (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) وقد بيَّنت صفته هنالك.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) }
يقول تعالى ذكره: يقال لهذا الأثيم الشقيّ: ذق هذا العذاب الذي تعذّب به اليوم (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) في قومك (الكَرِيمُ) عليهم.
وذُكر أن هذه الآيات نزلت في أبي جهل بن هشام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) نزلت في عدوّ الله أبي جهل لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأخذه فهزه، ثم قال: أولى لك يا أبا جهل فأولى، ثم أولى لك فأولى، ذق إنك أنت العزيز الكريم، وذلك أنه قال: أيوعدني محمد، والله لأنا أعزّ من مشى بين جبليها. وفيه نزلت (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) وفيه نزلت (كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) وقال قتادة: نزلت في أبي جهل وأصحابه الذين قتل الله تبارك وتعالى يوم بدر (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: نزلت في أبي جهل (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) قال قتادة، قال أبو جهل: ما بين جبليها رجل أعزّ ولا أكرم مني، فقال الله عزّ وجلّ: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) قال: هذا لأبي جهل.
فإن قال قائل: وكيف قيل وهو يهان بالعذاب الذي ذكره الله، ويذلّ بالعتل إلى سواء الجحيم: إنك أنت العزيز الكريم؟ قيل: إن قوله (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) غير وصف من قائل ذلك له بالعزّة والكرم، ولكنه تقريع منه له بما كان يصف به نفسه في الدنيا، وتوبيخ له بذلك على وجه الحكاية، لأنه كان في الدنيا يقول: إنك أنت العزيز الكريم، فقيل له في الآخرة، إذ عذّب بما عُذّب به في النار: ذُق هذا الهوان اليوم، فإنك كنت تزعم إنك أنت العزيز الكريم، وإنك أنت الذليل المهين، فأين الذي كنت تقول وتدّعي من العزّ والكرم، هلا تمتنع من العذاب بعزّتك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى; قال ثنا ابن عجلان عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال كعب: لله ثلاثة أثواب: اتَّزر بالعزّ، وتَسَربل الرحمة، وارتدى الكبرياء تعالى ذكره، فمن تعزّز بغير ما أعزّه الله فذاك الذي يقال: ذق إنك أنت العزيز الكريم، ومن رحم الناس فذاك الذي سربل الله سرباله الذي ينبغي له ومن تكبر فذاك الذي نازع الله رداءه إن الله تعالى ذكره يقول: "لا ينبغي لمن نازعني ردائي أن أدخله الجنة" جلّ وعزّ.
وأجمعت قرّاء الأمصار جميعا على كسر الألف من قوله: (ذُقْ إنَّكَ) على وجه الابتداء. وحكاية قول هذا القائل: إني أنا العزيز الكريم. وقرأ ذلك بعض المتأخرين (ذُقْ أَنَّكَ) بفتح الألف على إعمال قوله (ذُقْ) في قوله: (أنَّكَ) كأنك معنى الكلام عنده: ذق هذا القول الذي قلته في الدنيا.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا كسر الألف من (إنَّكَ) على المعنى الذي ذكرت لقارئه، لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وشذوذ ما خالفه، (1) وكفى دليلا على خطأ قراءة خلافها، ما مضت عليه الأئمة من المتقدمين والمتأخرين، مع بُعدها من الصحة في المعنى وفراقها تأويل أهل التأويل.
وقوله (إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) يقول تعالى ذكره: يقال له: إنَّ هذا العذاب الذي تعذّب به اليوم، هو العذاب الذي كنتم في الدنيا تَشُكُّون، فتختصمون فيه، ولا توقنون به فقد لقيتموه، فذوقوه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) }
يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء طاعته، واجتناب معاصيه في موضع إقامة، آمنين في ذلك الموضع مما كان يخاف منه في مقامات الدنيا من الأوصاب والعلل والأنصاب والأحزان.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) فقرأته عامة قرّاء المدينة (فِي مُقَامٍ أَمِينٍ) بضم الميم، بمعنى: في إقامة أمين من الظعن (2) . وقرأته عامة قرّاء المصرين: الكوفة والبصرة (في مَقامٍ) بفتح الميم على المعنى الذي وصفنا، وتوجيها إلى أنهم في مكان وموضع أمين.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1) قوله وشذوذ ما خالفه، هذا غير صحيح لأن الإمام الكسائي قرأ بفتح الهمز، وهي قراءة سبعية متواترة مشهورة وليست شاذة
(2) ما فوق الخط ليس في الأصل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|