| 
 
26-07-2025, 12:00 AM
 | 
| 
|  | قلم ذهبي مميز |  | 
تاريخ التسجيل: Feb 2019 مكان الإقامة: مصر الجنس :   
المشاركات: 164,770
 
الدولة :        |  | 
| 
 رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد 
 
   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآنالإمام محمد بن جرير الطبري
 الجزء الثانى والعشرون
 تَفْسِيرِ سُّورَةِ الجاثية
 الحلقة (1241)
 صــ 81 الى صــ 90
 
 يقول  تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهؤلاء المشركين  المكذّبين بالبعث، القائلين لك ائتنا بآبائنا إن كنت صادقا: الله أيها  المشركون يحييكم ما شاء أن يحييكم في الدنيا، ثم يميتكم فيها إذا شاء، ثم  يجمعكم إلى يوم القيامة، يعني أنه يجمعكم جميعا أوّلكم وآخركم، وصغيركم  وكبيركم (إلى يوم القيامة) يقول: ليوم القيامة، يعني أنه يجمعكم جميعا أحياء ليوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) يقول: لا شكّ فيه، يقول: فلا تشكوا في ذلك، فإن الأمر كما وصفت لكم (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يقول: ولكن أكثر الناس الذين هم أهل تكذيب بالبعث، لا يعلمون حقيقة ذلك، وأن الله محييهم من بعد مماتهم.
 القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) }
 يقول تعالى ذكره:  ولله سلطان السموات السبع والأرض، دون ما تدعون له شريكا، وتعبدونه من  دونه، والذي تدعونه من دونه من الآلهة والأنداد في مُلكه وسلطانه، جارٍ  عليه حكمه، فكيف يكون ما كان كذلك له شريكا، أم كيف تعبدونه، وتتركون عبادة  مالككم، ومالك ما تعبدونه من دونه (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء الساعة التي يُنْشِر الله فيها الموتى من قبورهم، ويجمعهم لموقف العرض (يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)  : يقول: يغبن فيها الذين أبطلوا في الدنيا في أقوالهم ودعواهم لله شريكا،  وعبادتهم آلهة دونه بأن يفوز بمنازلهم من الجنة المحقون، ويبدّلوا بها  منازل من النار كانت للمحقين.
 فجعلت لهم بمنازلهم من الجنة، ذلك هو الخسران المبين.
 القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) }
 يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد يوم تقوم الساعة أهل كل ملة ودين جاثية: يقول: مجتمعة مستوفزة على ركبها من هول ذلك اليوم.
 كما حدثني محمد  بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا  الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) قال على الركب مستوفِزِين.
 حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) قال: هذا يوم القيامة جاثية على ركبهم.
 حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) يقول: على الركب عند الحساب.
 وقوله (كل أمة تدعى إلى كتابها) يقول: كل أهل ملة ودين تُدعى إلى كتابها الذي أملت على حفظتها.
 كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) يعلمون أنه ستدعى أُمة قبل أُمة، وقوم قبل قوم، ورجل قبل رجل. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يُمَثَّلُ  لِكُلِّ أُمَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ حَجَرٍ،  أَوْ وَثَنٍ أَوْ خَشَبَةٍ، أَوْ دَابَّةٍ، ثُمَّ يُقَالُ: مَنْ كَانَ  يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَتَكُونُ، أوْ تُجْعَلُ تِلْكَ  الأوْثَانُ قَادَةً إِلَى النَّارِ حَتَّى تَقْذِفَهُمْ فِيهَا، فَتَبْقَى  أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ،  فَيَقُولُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا  نَعْبُدُ اللَّهَ وَعُزَيْرًا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ، فَيُقَالُ لَهَا:  أَمَّا عُزَيْرٌ فَلَيْسَ مِنْكُمْ وَلَسْتُمْ مِنْهُ، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ  ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيَنْطَلِقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ مُكُوثًا، ثُمَّ  يُدْعَى بِالنَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟  فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ اللَّهَ وَالْمَسِيحَ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ  فَيُقَالُ: أَمَّا عِيسَى فَلَيْسَ مِنْكُمْ وَلَسْتُمْ مِنْهُ،  فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيَنْطَلِقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ  مُكُوثًا، وَتَبْقَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،  فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا  نَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا فَارَقْنَا هَؤُلاءِ فِي الدُّنْيَا  مَخَافَةَ يَوْمِنَا هَذَا، فَيُؤْذَنُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي السُّجُودِ،  فَيَسْجُدُ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَيْنَ كُلِّ مُؤْمِنٍ مُنَافِقٌ، فَيَقْسُو"
 ظَهْرُ  الْمُنَافِقُ عَنِ السُّجُودِ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ سُجُودَ الْمُؤْمِنِينَ  عَلَيْهِ تَوْبِيخًا وَصَغَارًا وَحَسْرَةً وَنَدَامَةً "."
 حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الزهريّ، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة، قال: "قال الناس: يا رسول الله هل نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:" هَلْ تُضَامُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّّهِ، قَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟"  قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللًّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ  يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ  الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ،  وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى  هَذِهِ الأمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمْ رَبُّهُمْ فِي  صُورَةٍ، وَيُضْرَبُ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى  اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَأَكُونُ أَوَّلَ  مَنْ يُجِيزُ، وَدَعْوَةُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ،  اللَّهُمَّ سَلِّمْ وَبِهَا كَلالِيبُ كَشَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ  رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ  أَحَدٌ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلا اللَّهُ وَيَخْطَفُ النَّاسَ  بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ  الْمُخَرْدِلُ ثُمَّ يَنْجُو" ، ثم ذكر الحديث بطوله.
 وقوله (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)  يقول تعالى ذكره: كلّ أُمة تُدعى إلى كتابها، يقال لها: اليوم تجزون: أي  تثابون وتعطون أجور ما كنتم في الدنيا من جزاء الأعمال تعملون بالإحسان  الإحسانَ، وبالإساءة جزاءها.
 القول في تأويل قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) }
 يقول تعالى ذكره: لكلّ أمة دعيت في القيامة إلى كتابها الذي أملت على
 حفظتها في الدنيا (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فلا تجزعوا من ثوابناكم على ذلك، فإنكم ينطق عليكم إن أنكرتموه بالحق فاقرءوه (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول: إنا كنا نستكتب حفظتنا أعمالكم، فتثبتها في الكتب وتكتبها.
 وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
 * ذكر من قال ذلك:
 حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن عطاء بن مقسم، عن ابن عباس (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) قال: هو أمّ الكتاب فيه أعمال بني آدم (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال: نعم، الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم.
 حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يعقوب القمي، قال: ثني أخي عيسى بن عبد الله بن ثابت الثُّمالي، عن ابن عباس، قال: "إن  الله خلق النون وهي الدواة، وخلق القلم، فقال: اكتب، قال: ما أكتب، قال:  اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول، برّ أو فجور، أو رزق مقسوم،  حلال أو حرام، ثم ألزم كلّ شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا، ومقامه فيها  كم، وخروجه منه كيف، ثم جعل على العباد حفظة، وعلى الكتاب خزانا، فالحفظة  ينسخون كلّ يوم من الخزان عمل ذلك اليوم، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر،  وانقضى الأجل، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم، فتقول لهم الخزنة:  ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا، فترجع الحفظة، فيجدونهم قد ماتوا، قال: فقال  ابن عباس: ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل" .
 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) قال: الكتاب: الذكر (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال: نستنسخ الأعمال.
 وقال آخرون في ذلك ما حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا النضر بن
 إسماعيل،  عن أبي سنان الشيبانيّ، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي عبد الرحمن السلميّ،  عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن لله ملائكة ينزلون في كل يوم  بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم.
 وقوله (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ)  يقول تعالى ذكره: فأما الذين آمنوا بالله في الدنيا فوحدوه، ولم يشركوا به  شيئا، وعملوا الصالحات: يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما  نهاهم الله عنه (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) يعني في جنته برحمته.
 وقوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)  يقول: دخولهم في رحمة الله يومئذ هو الظفر بما كانوا يطلبونه، وإدراك ما  كانوا يسعون في الدنيا له، المبين غايتهم فيها، أنه هو الفوز.
 القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) }
 يقول تعالى ذكره:  وأما الذين جحدوا وحدانية الله، وأبوا إفراده في الدنيا بالألوهة، فيقال  لهم: ألم تكن آياتي في الدنيا تُتلى عليكم.
 فإن قال قائل: أوليست أمَّا تجاب بالفاء، فأين هي؟ فإن الجواب أن يقال: هي الفاء التي في قوله (أَفَلَمْ)  . وإنما وجه الكلام في العربية لو نطق به على بيانه، وأصله أن يقال: وأما  الذين كفروا، فألم تكن آياتي تتلى عليكم، لأن معنى الكلام: وأما الذين  كفروا فيقال لهم ألم، فموضع الفاء في ابتداء المحذوف الذي هو مطلوب في  الكلام، فلما حُذفت يقال: وجاءت ألف استفهام، حكمها أن تكون مبتدأة بها،  ابتدئ بها، وجعلت الفاء بعدها.
 وقد تُسقط العرب الفاء التي هي جواب "أما" في مثل هذا الموضع أحيانا إذا أسقطوا الفعل الذي هو في محل جواب أمَّا كما قال جلّ ثناؤه (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ  أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فحذفت الفاء، إذ كان الفعل الذي هو في  جواب أمَّا محذوفا، وهو فيقال، وذلك أن معنى الكلام: فأما الذين اسودّت  وجوههم فيقال لهم: أكفرتم، فلما أسقطت، يقال الذي به تتصل الفاء سقطت الفاء  التي هي جواب أمَّا.
 وقوله (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) يقول: فاستكبرتم عن استماعها والإيمان بها (وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ) يقول: وكنتم قوما تكسبون الآثام والكفر بالله، ولا تصدّقون بمعاد، ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب.
 القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا  قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ  مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ  بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) }
 يقول تعالى ذكره: ويقال لهم حينئذ: (وَإِذَا قِيلَ لَكُمُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ) الذي وعد عباده، أنه محييهم من بعد مماتهم، وباعثهم من قبورهم (حَقٌّ وَالسَّاعَةُ) التي أخبرهم أنه يقيمها لحشرهم، وجمعهم للحساب والثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية، آتية (لا رَيْبَ فِيهَا) يقول: لا شكَ فيها، يعني في الساعة، والهاء في قوله (فِيهَا) من ذكر الساعة. ومعنى الكلام: والساعة لا ريب في قيامها، فاتقوا الله وآمنوا بالله ورسوله، واعملوا لما ينجيكم من عقاب الله فيها (قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) تكذيبا منكم بوعد الله جلّ ثناؤه، وردًا لخبره، وإنكارًا لقُدرته على إحيائكم من بعد مماتكم.
 وقوله (إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا) يقول: وقلتم ما نظنّ أن الساعة آتية إلا ظنا (وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) أنها جائية، ولا أنها كائنة.
 واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا) فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة و (السَّاعَةُ) رفعا على الابتداء. وقرأته
 عامة قرّاء الكوفة "وَالسَّاعَةَ" نصبا عطفا بها على قوله (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) .
 والصواب من القول  في ذلك عندنا، أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار صحيحتا المخرج في  العربية متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
 القول في تأويل قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) }
 يقول تعالى ذكره:  وبدا لهؤلاء الذين كانوا في الدنيا يكفرون بآيات الله سيئات ما عملوا في  الدنيا من الأعمال، يقول: ظهر لهم هنالك قبائحها وشرارها لما قرءوا كتب  أعمالهم التي كانت الحفظة تنسخها في الدنيا (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)  يقول: وحاق بهم من عذاب الله حينئذ ما كانوا به يستهزئون إذ قيل لهم: إن  الله مُحِلُّهُ بمن كذب به على سيئات ما في الدنيا عملوا من الأعمال.
 القول في تأويل قوله تعالى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) }
 يقول تعالى ذكره: وقيل لهؤلاء الكفرة الذين وصف صفتهم: اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم العمل للقاء ربكم يومكم هذا.
 كما حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ) نترككم. وقوله (وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ) يقول: ومأواكم التي تأوون إليها نار جهنم، (وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) يقول: وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب الله، ولا منتصر ينتصر لكم ممن يعذّبكم، فيستنقذ لكم منه.
 القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكُمْ  بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ  الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ  يُسْتَعْتَبُونَ (35) }
 يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا الذي حلّ بكم من عذاب الله اليوم (بِأَنَّكُمْ) في الدنيا (اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) ، وهي حججه وأدلته وآي كتابه التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم (هُزُوًا) يعني سخرية تسخرون منها (وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) يقول: وخدعتكم زينة الحياة الدنيا. فآثرتموها على العمل لما ينجيكم اليوم من عذاب الله، يقول تعالى ذكره: (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا مِنَ النَّارِ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) يقول: ولا هم يردّون إلى الدنيا ليتوبوا ويراجعوا الإنابة مما عوقبوا عليه.
 القول في تأويل قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) }
 يقول تعالى ذكره (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ)  على نِعمه وأياديه عند خلقه، فإياه فاحمدوا أيها الناس، فإن كلّ ما بكم من  نعمة فمنه دون ما تعبدون من دونه من آلهة ووثن، ودون ما تتخذونه من دونه  ربا، وتشركون به معه (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ) يقول: مالك السموات السبع، ومالك الأرضين السبع و (رَبِّ الْعَالَمِينَ)  يقول: مالك جميع ما فيهنّ من أصناف الخلق، وله الكبرياء في السموات والأرض  يقول: وله العظمة والسلطان في السموات والأرض دون ما سواه من الآلهة  والأنداد (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في نقمته من أعدائه، القاهر كل ما دونه، ولا يقهره شيء (الْحَكِيمُ) في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء كيف شاء، والله أعلم.
 آخر تفسير سورة الجاثية
 
   
 
__________________  سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك  فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى. 
 |