عرض مشاركة واحدة
  #1242  
قديم 25-07-2025, 11:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأحقاف
الحلقة (1242)
صــ 91 الى صــ 100






تفسير سورة الأحقاف
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) }
قد تقدم بياننا في معنى قوله (حم تَنزيلُ الْكِتَابِ) بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ) يقول تعالى ذكره: ما أحدثنا السموات والأرض فأوجدناهما خلقا مصنوعا، وما بينهما من أصناف العالم إلا بالحقّ، يعني: إلا لإقامة الحقّ والعدل في الخلق.
وقوله (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) يقول: وإلا بأجل لكل ذلك معلوم عنده يفنيه إذا هو بلغه، ويعدمه بعد أن كان موجودا بإيجاده إياه.
وقوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) يقول تعالى ذكره: والذين جحدوا وحدانية الله عن إنذار الله إياهم معرضون، لا يتعظون به، ولا يتفكرون فيعتبرون.
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) }
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: أرأيتم أيها القوم الآلهة والأوثان التي تعبدون من دون الله، أروني أيّ شيء خلقوا من الأرض، فإن ربي خلق الأرض كلها، فدعوتموها من أجل خلقها ما خلقت من ذلك آلهة وأربابا، فيكون لكم بذلك في عبادتكم إياها حجة، فإن من حجتي على عبادتي إلهي، وإفرادي له الألوهة، أنه خلق الأرض فابتدعها من غير أصل.
وقوله (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ) يقول تعالى ذكره: أم لآلهتكم التي تعبدونها أيها الناس، شرك مع الله في السموات السبع، فيكون لكم أيضًا بذلك حجة في عبادتكموها، فإن من حجتي على إفرادي العبادة لربي، أنه لا شريك له في خلقها، وأنه المنفرد بخلقها دون كلّ ما سواه.
وقوله (اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا) يقول تعالى ذكره: بكتاب جاء من عند الله من قبل هذا القرآن الذي أُنزل عليّ، بأن ما تعبدون من الآلهة والأوثان خلقوا من الأرض شيئًا، أو أن لهم مع الله شركًا في السموات، فيكون ذلك حجة لكم على عبادتكم إياها، لأنها إذا صحّ لها ذلك صحت لها الشركة في النِّعم التي أنتم فيها، ووجب لها عليكم الشكر، واستحقت منكم الخدمة، لأن ذلك لا يقدر أن يخلقه إلا الله.
وقوله (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) بالألف، بمعنى: أو ائتوني ببقية من علم. ورُوي عن أبي عبد الرحمن السلميّ أنه كان يقرؤه "أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ" ، بمعنى: أو خاصة من علم أوتيتموه، وأوثرتم به على غيركم، والقراءة التي لا أستجيز غيرها (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) بالألف، لإجماع قرّاء الأمصار عليها.
واختلف أهل التأويل في تأويلها، فقال بعضهم: معناه: أو ائتوني بعلم بأن آلهتكم خَلَقت من الأرض شيئا، وأن لها شرك في السموات من قبل الخطّ الذي تخطونه في الأرض، فإنكم معشر العرب أهل عيافة وزجر وكهانة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن آدم، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن صفوان بن سليم، عن أبي سلمة، عن ابن عباس (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: خط كان يخطه العرب في الأرض.
حدثنا أبو كُرَيْب، قال: قال أَبو بكر: يعني ابن عياش: الخط: هو العيافة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو خاصة من علم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتاده (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أو خاصة من علم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أي خاصة من علم.
حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثني أبي، عن الحسين، عن قتادة (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: خاصة من علم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو علم تُشيرونه فتستخرجونه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أثارة شيء يستخرجونه فِطْرة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو تأثرون ذلك علمًا عن أحد ممن قبلكم؟
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أحد يأثر علما.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو ببينة من الأمر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) يقول: ببينة من الأمر.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ببقية من علم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: سُئل أَبو بكر، يعني ابن عياش عن (أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: بقية من علم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: الأثارة: البقية من علم، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وهي مصدر من قول القائل: أثر الشيء أثارة، مثل سمج سماجة، وقبح قباحة، كما قال راعي الإبل:
وذاتِ أثارةٍ أكَلَتْ عَلَيْها ... [نَبَاتًا فِي أكمِتِهِ قَفَارا] (1)
يعني: وذات بقية من شحم، فأما من قرأه (أَوْ أَثَرَةٍ) فإنه جعله أثرة من الأثر،
(1)
هذا بيت من قصيدة للراعي، مدح بها سعد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، عدتها سبعة وخمسون بيتا. وقوله "ذات آثارة" أي رب ناقة ذات سمن. والأثارة، بفتح الهمزة: شحم متصل بشحم آخر، ويقال هي بقية من الشحم العتيق، يقال: سمنت الناقة على أثارة، أي على بقية شحم. وأكمته: غلفه، جمع كمام، وهو جمع كم بكسر الكاف، وهو غطاء النور وغلافه. وقفارًا وقفارة: وصف للنبات: أي رعته خاليًا لها من مزاحمة غيرها في رعيه. وأصله من قولهم طعام قفار: أي أكل بلا إدام. (انظر خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 4: 251) واستشهد بالبيت أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 222) . عند قوله تعالى: "أو أثارة من علم" أي بقية من شحم أكلت عليه. ومن قال: "أثرة" فهو مصدر أثره يأثره: يذكره. وفي (اللسان: أثر) : وأثرة العلم وأثرته وأثارته، بقية منه تؤثر فتذكر. وقال الزجاج أثاره: في معنى علامة. ويجوز أن يكون على معنى بقية من علم ونسب البيت للشماخ.

كما قيل: قترة وغبرة. وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأه (أَوْ أَثْرَةٍ) بسكون الثاء، مثل الرجفة والخطفة، وإذا وجه ذلك إلى ما قلنا فيه من أنه بقية من علم، جاز أن تكون تلك البقية من علم الخط، ومن علم استثير من كُتب الأوّلين، ومن خاصة علم كانوا أوثروا به. وقد رُوي عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في ذلك خبر بأنه تأوّله أنه بمعنى الخط، سنذكره إن شاء الله تعالى، فتأويل الكلام إذن: ائتوني أيها القوم بكتاب من قبل هذا الكتاب، بتحقيق ما سألتكم تحقيقه من الحجة على دعواكم ما تدّعون لآلهتكم، أو ببقية من علم يوصل بها إلى علم صحة ما تقولون من ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) في دعواكم لها ما تدّعون، فإن الدعوى إذا لم يكن معها حجة لم تُغن عن المدّعي شيئًا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) }
يقول تعالى ذكره: وأيّ عبد أضلّ من عبد يدعو من دون الله آلهة لا تستجيب له إلى يوم القيامة: يقول: لا تُجيب دعاءه أبدا، لأنها حجر أو خشب أو نحو ذلك.
وقوله: (وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) يقول تعالى ذكره: وآلهتهم التي يدعونهم عن دعائهم إياهم في غفلة، لأنها لا تسمع ولا تنطق، ولا تعقل. وإنما عنى بوصفها بالغفلة، تمثيلها بالإنسان الساهي عما يقال له، إذ كانت لا تفهم مما يقال لها شيئًا، كما لا يفهم الغافل عن الشيء ما غفل عنه. وإنما هذا توبيخ من الله لهؤلاء المشركين لسوء رأيهم، وقُبح اختيارهم في عبادتهم، من لا يعقل شيئًا ولا يفهم، وتركهم عبادة من جميع ما بهم من نعمته، ومن به استغاثتهم عندما ينزل بهم من الحوائج والمصائب.
وقيل: من لا يستجيب له، فأخرج ذكر الآلهة وهي جماد مخرج ذكر بني آدم، ومن له الاختيار والتمييز،
إذ كانت قد مثلتها عبدتها بالملوك والأمراء التي تخدم في خدمتهم إياها، فأجرى الكلام في ذلك على نحو ما كان جاريًا فيه عندهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) }
يقول تعالى ذكره: وإذا جُمع الناس يوم القيامة لموقف الحساب، كانت هذه الآلهة التي يدعونها في الدنيا لهم أعداء، لأنهم يتبرءون منهم (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) يقول تعالى ذكره: وكانت آلهتهم التي يعبدونها في الدنيا بعبادتهم جاحدين، لأنهم يقولون يوم القيامة: ما أمرناهم بعبادتنا، ولا شعرنا بعبادتهم إيانا، تبرأنا إليك منهم يا ربنا.
وقوله (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ) يقول تعالى ذكره: وإذا يقرأ على هؤلاء المشركين بالله من قومك آياتنا، يعني حججنا التي احتججناها عليهم، فيما أنزلناه من كتابنا على محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (بَيِّنَاتٍ) يعني واضحات نيرات (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ) يقول تعالى ذكره: قال الذين جحدوا وحدانية الله، وكذّبوا رسوله للحقّ لما جاءهم من عند الله، فأنزل على رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) يعنون هذا القرآن خداع يخدعنا، ويأخذ بقلوب من سمعه فعل السحر (مبين) يقول: يُبين لمن تأمله ممن سمعه أنه سحر مبين.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) }
يقول تعالى ذكره: أم يقولون هؤلاء المشركون بالله من قريش، افترى
محمد هذا القرآن، فاختلقه وتخرّصه كذبا، قل لهم يا محمد إن افتريته وتخرّصته على الله كذبا (فَلا تَمْلِكُونَ لِي) يقول: فلا تغنون عني من الله إن عاقبني على افترائي إياه، وتخرّصي عليه شيئًا، ولا تقدرون أن تدفعوا عني سوءا إن أصابني به.
وقوله (هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ) يقول: ربي أعلم من كل شيء سواه بما تقولون بينكم في هذا القرآن والهاء من قوله (تُفِيضُونَ فِيهِ) من ذكر القرآن.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (تُفِيضُونَ فِيهِ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) قال: تقولون.
وقوله (كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) يقول: كفى بالله شاهدا علي وعليكم بما تقولون من تكذبيكم لي فيما جئتكم به من عند الله الغفور الرحيم لهم، بأن لا يعذبهم عليها بعد توبتهم منها.
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لمشركي قومك من قريش (مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) يعني: ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه، قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم; يقال منه: هو بدع في هذا الأمر، وبديع فيه، إذا كان فيه أوّل. ومن البدع قول عديّ بن زيد.
فَلا أنا بِدْعٌ مِنْ حَوَادِث تَعْتَرِي ... رِجَلا عَرَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى وَأَسعد (1)
ومن البديع قول الأحوص:
فَخَرَتْ فانْتَمَتْ فقُلْتُ انْظُرِيني ... ليسَ جَهْلٌ أتَيتُه بِبَدِيع (2)
يعني بأوّل، يقال: هو بدع من قوم أبداع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) يقول: لست بأوّل الرسل.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) قال: يقول: ما كنت أوّل رسول أُرسل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) قال: ما كنت أوّلهم.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا عبد الوهاب بن معاوية، عن أَبي هبيرة،
(1)
البيت لعدي بن زيد (شعراء النصرانية 465) وروايته فيه: فلست بمن يخشى حوادث تعتري ... رجالا فبادوا بعد بؤس وأسعد

وليس فيه شاهد على هذه الرواية؛ وقد استشهد به المؤلف على أنه يقال: هو بدع في هذا الأمر، على معنى ما كنت أول الناس فيه وقوله تعالى: "قل ما كنت بدعا من الرسل" : معناه ما كنت أول من أرسل، قد أرسل قبلي رسل كثير.
(2)
يقول الأحوص: فخرت علي وانتسبت إلى آبائها. فقلت: كفي، وليس جهلك علي ببديع ولا غريب، فقد عهدت مثله من أمثالك في النساء. والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 222 - 1) استشهد به على أن البديع بمعنى البدع، وذلك عند تفسير قوله تعالى: "قل ما كنت بدعا من الرسل" .

قال: سألت قتادة (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) قال: أي قد كانت قبلي رسل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) يقول: أي إن الرسل قد كانت قبلي.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) قال: قد كانت قبله رسل.
وقوله (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: عنى به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقيل له: قل للمؤمنين بك ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، وإلام نصير هنالك، قالوا ثم بين الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وللمؤمنين به حالهم في الآخرة، فقيل له (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) وقال: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) فأنزل الله بعد هذا (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) .
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في حم الأحقاف (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ) فنسختها الآية التي في سورة الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) ... الآية، فخرج نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين نزلت هذه الآية، فبشرهم بأنه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، فقال له رجال من المؤمنين: هنيئا لك يا نبي الله، قد علمنا ما يفعل بك، فماذا يُفعل بنا؟ فأنزل الله عزّ وجلّ في سورة
الأحزاب، فقال (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا) وقال (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ) ... الآية، فبين الله ما يفعل به وبهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ثم درى أو علم من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ذلك ما يفعل به، يقول (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) قال: قد بين له أنه قد غفر من ذنبه ما تقدم وما تأخر.
وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقوله للمشركين من قومه ويعلم أنه لا يدري إلام يصير أمره وأمرهم في الدنيا، أيصير أمره معهم أن يقتلوه أو يخرجوه من بينهم، أو يؤمنوا به فيتبعوه، وأمرهم إلى الهلاك، كما أهلكت الأمم المكذّبة رسلها من قبلهم أو إلى التصديق له فيما جاءهم به من عند الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو بكر الهذليّ، عن الحسن، في قوله (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) فقال: أما في الآخرة فمعاذ الله، قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل، ولكن قال: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي أو أُقتل كما قُتلت الأنبياء من قبلي، ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم، أمتي المكذّبة، أم أمتي المصدّقة، أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفا، أم مخسوف بها خسفا، ثم أوحي إليه: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) يقول أحطت لك بالعرب
أن لا يقتلوك، فعرف أنه لا يُقتل.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]