
25-07-2025, 11:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأحقاف
الحلقة (1245)
صــ 121 الى صــ 130
قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس الأشعريّ، عن أبيه، قال: أي بنيّ لو شهدتنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ونحن مع نبينا إذا أصابتنا السماء، حسبت أن ريحنا ريح الضأن، إنما كان لباسنا الصوف.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) ... إلى آخر الآية، ثم قرأ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) وقرأ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) وقرأ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ... إلى آخر الآية، وقال: هؤلاء الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ) ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار (أَذْهَبْتُمْ) بغير استفهام، سوى أبي جعفر القارئ، فإنه قرأه بالاستفهام، والعرب تستفهم بالتوبيخ، وتترك الاستفهام فيه، فتقول: أذهبت ففعلت كذا وكذا، وذهبت ففعلت وفعلت. وأعجب القراءتين إليّ ترك الاستفهام فيه، لإجماع الحجة من القرّاء عليه، ولأنه أفصح اللغتين.
وقوله (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) يقول تعالى ذكره: يقال لهم: فاليوم أيها الكافرون الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا تجزون: أي تثابون عذاب الهون، يعني عذاب الهوان، وذلك عذاب النار الذي يهينهم. كما حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى;
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (عَذَابَ الْهُونِ) قال: الهوان (بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) يقول: بما كنتم تتكبرون في الدنيا على ظهر الأرض على ربكم، فتأبون أن تخلصوا له العبادة، وأن تذعنوا لأمره ونهيه بغير الحقّ، أي بغير ما أباح لكم ربكم، وأذن لكم به (وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) يقول: بما كنتم فيها تخالفون طاعته فتعصونه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: واذكر يا محمد لقومك الرّادّين عليك ما جئتهم به من الحقّ هودا أخا عاد، فإن الله بعثك إليهم كالذي بعثه إلى عاد، فخوّفهم أن يحلّ بهم من نقمة الله على كفرهم ما حلّ بهم إذ كذّبوا رسولنا هودًا إليهم، إذ أنذر قومه عادا بالأحقاف. والأحقاف: جمع حقف وهو من الرمل ما استطال، ولم يبلغ أن يكون جبلا وإياه عنى الأعشى:
فَباتَ إلى أرْطاةِ حِقْفٍ تَلُفُّهُ ... خَرِيقُ شَمالٍ يَتْرُكُ الوَجْهَ أقْتَما (1)
واختلف أهل التأويل في الموضع الذي به هذه الأحقاف، فقال بعضهم: هي جبل بالشام.
(1) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعة القاهرة 295) وفي روايته: "يلوذ" في موضع "فبات" : من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي، أو قيس بن معد يكرب، والضمير في فبات راجع إلى الثور الوحشي الذي شبه به ناقته، في أبيات سابقة. والأرطي: شجر ضخم ينبت في الرمل. واحدته: أرطأة. ما اعوج وانعطف، وجمعه: أحقاف. وهو موضع الشاهد في البيت. والخريق: الريح الشديدة الهبوب. والشمال: ريح باردة تهب من ناحية الشام. يقول: يلجأ هذا الثور إلى أرطأة في منعرج رمل، تعصف من حوله ريح شمالية هوجاء، فتترك وجهه أغبر قاتمًا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) قال: الأحقاف: جبل بالشام.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) جبل يسمى الأحقاف.
وقال آخرون: بل هي واد بين عُمان ومهرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) قال: فقال: الأحقاف الذي أنذر هود قومه واد بين عمان ومهرة.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت منازل عاد وجماعتهم، حيث بعث الله إليهم هودا الأحقاف: الرمل فيما بين عُمان إلى حَضْرَمَوْتَ، فاليمن كله، وكانوا مع ذلك قد فشَوْا في الأرض كلها، قهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله.
وقال آخرون: هي أرض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الأحقاف: الأرض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) قال: حشاف أو كلمة تشبهها، قال أبو موسى: يقولون مستحشف.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) حِشاف من حِسْمَى.
وقال آخرون: هي رمال مُشْرفة على البحر بالشِّحْر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتاده، قوله (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) ذُكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشِّحْر.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) قال: بلغَنَا أنهم كانوا على أرض يقال لها الشحر، مشرفين على البحر، وكانوا أهل رمل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن عبد الله، عن قتادة، أنه قال: كان مساكن عاد بالشِّحْر.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: أن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادا أنذرهم أخوهم هود بالأحقاف، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة، كما قال العَجَّاج:
بات إلى أرْطاةِ حقْف أحْقَفا (1)
(1) لم أجد البيت في ديوان العجاج المطبوع. والذي في (اللسان: حقف) : واحقوقف الرمل: إذا طال واعوج. واحقوقف الهلال: اعوج. وكل ما طال واعوج فقد احقوقف، كظهر البعير، وشخص القمر، قال العجاج: ناج طواه الأين مما وجفا ... طي الليالي زلفا فزلفا
* سماوة الهلال حتى احقوقفا *
والمؤلف ساق هذا البيت شاهدًا على أن الأحقاف: الرمال المستطيلة المشرفة، كما قال العجاج: "بات ... إلخ" . وأصله من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 222) قال: "إذ أنذر قومه بالأحقاف" : أحقاف الرمال. قال العجاج ... البيت. أقول: ولست على يقين من صحة هذا الشاهد، فإن أكثر ألفاظه من ألفاظ الشاهد الذي قبله، فلعله اضطرب في أفواه الرواة وتداخل مع سابقه.
وكما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ) قال: الأحقاف: الرمل الذي يكون كهيئة الجبل تدعوه العرب الحقف، ولا يكون أحقافا إلا من الرمل، قال: وأخو عاد هود. وجائز أن يكون ذلك جبلا بالشأم. وجائز أن يكون واديا بين عمان وحضرموت. وجائز أن يكون الشحر وليس في العلم به أداء فرض، ولا في الجهل به تضييع واجب، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة.
وقوله (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ) يقول تعالى ذكره: وقد مضت الرسل بإنذار أممها (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يعني: من قبل هود ومن خلفه، يعني: ومن بعد هود. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ بَعْدِهِ) ، (أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ) يقول: لا تشركوا مع الله شيئا في عبادتكم إياه، ولكن أخلصوا له العبادة، وأفردوا له الألوهة، إنه لا إله غيره، وكانوا فيما ذُكر أهل أوثان يعبدونها من دون الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ) قال: لن يبعث الله رسولا إلا بأن يعبد الله.
وقوله (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: إني أخاف عليكم أيها القوم بعبادتكم غير الله عذاب الله في يوم عظيم وذلك يوم يعظم هوله، وهو يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) }
يقول تعالى ذكره: قالت عاد لهود، إذ قال لهم لا تعبدوا إلا الله: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، أجئتنا يا هود لتصرفنا عن عبادة آلهتنا إلى عبادة ما تدعونا إليه، وإلى اتباعك على قولك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا) قال: لتزيلنا، وقرأ (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا) قال: تضلنا وتزيلنا وتأفكنا (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا) من العذاب على عبادتنا ما نعبد من الآلهة (إِنْ كُنْتُ) من أهل الصدق في قوله وعداته.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) }
يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه عاد: (إِنَّمَا الْعِلْمُ) بوقت مجيء ما أعدكم به من عذاب الله على كفركم به عند الله، لا أعلم من ذلك إلا ما علمني (وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ) يقول: وإنما أنا رسول إليكم من الله، مبلغ أبلغكم عنه ما أرسلني به من الرسالة (وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) مواضع حظوظ أنفسكم، فلا تعرفون ما عليها من المضرّة بعبادتكم غير الله، وفي استعجال عذابه.
القول في تأويل قوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)
يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه، فرأوه سحابا عارضا في ناحية من نواحي السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) والعرب تسمي السحاب الذي يُرَى في بعض أقطار السماء عشيا، ثم يصبح من الغد قد استوى، وحبا بعضه إلى بعض عارضا، وذلك لعرضه في بعض أرجاء السماء حين نشأ، كما قال الأعشى:
يا من يَرَى عارضا قَدْ بِتُّ أرْمُقُهُ ... كأنَّمَا الْبَرْقُ في حافاتِهِ الشُّعَلُ (1)
(قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) ظنا منهم برؤيتهم إياه أن غيثا قد أتاهم يَحيون به، فقالوا: هذا الذي كان هودٌ يعدنا، وهو الغيث.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) ... الآية، وذُكر لنا أنهم حبس عنهم المطر زمانا، فلما رأوا العذاب مقبلا (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) . وذُكر لنا أنهم قالوا: كذب هود كذب هود; فلما خرج نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الله فشامه، قال: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ساق الله السحابة السوداء التي اختار قَيْلُ ابن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى تخرج عليهم من واد لهم يقال له المغيث، فلما رأوها استبشروا (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ
(1) البيت لأعشى بن قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعه القاهرة 57) وفي روايته: "أرقبه" في موضع "أرمقه" ، وهما بمعنى أنظر إليه. واليت شاهد على أن معنى العارض السحاب المعترض في السماء. قال في (اللسان: عرض) والعارض: السحاب الذي يعترض في أفق السماء. وفي التنزيل في قصة قوم عاد: "فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا" أي قالوا: هذا الذي وعدنا به سحاب فيه الغيث. أهـ. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: (الورقة 222) والعارض من السحاب: الذي يرى في قطر من أقطار السماء من العشى، ثم يصبح وقد حبا حتى استوى.
مُمْطِرُنَا) : يقول الله عزّ وجلّ: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
وقوله (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هود لقومه لما قالوا له عند رؤيتهم عارض العذاب، قد عرض لهم في السماء هذا عارض ممطرنا نحيا به، ما هو بعارض غيث، ولكنه عارض عذاب لكم، بل هو ما استعجلتم به: أي هو العذاب الذي استعجلتم به، فقلتم: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) والريح مكرّرة على ما في قوله (هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) كأنه قيل: بل هو ريح فيها عذاب أليم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: كان هود جلدا في قومه، وإنه كان قاعدا في قومه، فجاء سحاب مكفهرّ، (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا فَقَالَ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال: فجاءت ريح فجعلت تلقي الفسطاط، وتجيء بالرجل الغائب فتلقيه.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال سليمان، ثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: لقد كانت الريح تحمل الظعينة فترفعها حتى تُرى كأنها جرادة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) ... إلى آخر الآية، قال: هي الريح إذا أثارت سحابا، (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) ، فقال نبيهم: بل ريح فيها عذاب أليم.
القول في تأويل قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) }
وقوله (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) : يقول تعالى ذكره: تخرّب كل شيء، وترمي بعضه على بعض فتهلكه، كما قال جرير
وكانَ لَكُمْ كَبَكْرِ ثَمُود لَمَّا ... رَغا ظُهْرًا فَدَمَّرَهُمْ دَمارًا (1)
يعني بقوله: دمرهم: ألقى بعضهم على بعض صَرْعى هَلكَى.
وإنما عنى بقوله (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) مما أرسلت بهلاكه، لأنها لم تدمر هودا ومن كان آمن به.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق، عن زائدة، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما أرسل الله على عادٍ من الريح إلا قدر خاتمي هذا، فنزع خاتمه.
وقوله (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ) يقول: فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا، فلا يُرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة (لا تَرَى إلا مَساكِنَهُمْ) بالتاء نصبا، بمعنى: فأصبحوا لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة (لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ) بالياء في (يُرى) ، ورفع المساكن، بمعنى: ما وصفت قبل أنه لا
(1) البيت ليس لجرير كما ورد في الأصل، وإنما هو للفرذدق، من قصيدة في ديوانه يرد بها على جرير ويناقضه وهي في ديوانه (طبعة الصاوي 442) ، وأول القصيدة: جَرَّ المُخْزِيات عَلَى كُلَيْبٍ ... جرير ثم ما منع الذمارًا
وكانَ لَهُمْ كَبَكْرِ ثَمُودَ لَمَّا ... رَغا ظُهْرا فَدَمَّرَهُمْ دَمارًا
أي جلب على قومه الدمار والخراب
يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم.
وروى الحسن البصري (لا تُرَى) بالتاء، وبأيّ القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل المدينة والكوفة قرأ ذلك القارئ فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قُرئ قوله (يُرى) بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قرئ قوله: "ترى" بالتاء وفتحها، وأما التي حُكيت عن الحسن، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة، وإنما قبحت لأن العرب تذكِّر الأفعال التي قبل إلا وإن كانت الأسماء التي بعدها أسماء إناث، فتقول: ما قام إلا أختك، ما جاءني إلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما جاءتني إلا جاريتك، وذلك أن المحذوف قبل إلا أحد، أو شيء واحد، وشيء يذكر فعلهما العرب، وإن عنى بهما المؤنث، فتقول: إن جاءك منهنّ أحد فأكرمه، ولا يقولون: إن جاءتك، وكان الفرّاء يجيزها على الاستكراه، ويذكر أن المفضل أنشده:
وَنارُنا لَمْ تُرَ نارًا مِثْلُها ... قَدْ عَلِمَتْ ذاكَ مَعَدّ أكْرَمَا (1)
فأنث فعل مثل لأنه للنار، قال: وأجود الكلام أن تقول: ما رئي مثلها.
وقوله (كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) يقول تعالى ذكره: كما جزينا عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا، فأهلكناهم بعذابنا، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا، إذ تمادوا في غيهم وطَغَوا على ربهم.
القول في تأويل قوله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا
(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 301) استشهد به عند قوله تعالى: "فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم" فقال إنها قرئت بالتاء أو بالياء مضمومة (مع بناء الفعل للمجهول) . ووصف القراءة بالتاء المضمومة بأن فيها قبحًا؛ قال: لأن العرب إذا جعلت فعل المؤنث قبل إلا ذكروه، فقالوا: لم يقم إلا جاريتك، وما قام إلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما قامت إلا جاريتك، وذلك أن المتروك (المستثنى منه) أحد أو شيء، فأحد إذا كانت لمؤنث أو مذكر فعلها مذكر؛ ألا ترى أنك تقول: إن قام أحد منهن فاضربه، ولا تقول: إن قامت إلا مستكرها، وهو على ذلك جائز؛ قال: أنشدني المفضل: "ونارنا ... البيت" . فأنت فعل مؤنث، لأنه للنار؛ وأجود الكلام أن تقول: ما رؤى مثلها. قلت: وقوله "أكرما" نعت لنارا.
أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|