
26-07-2025, 03:57 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,225
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الذاريات
الحلقة (1276)
صــ 431 الى صــ 440
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) يقول: بعذر مبين.
وقوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) يقول: فأدبر فرعون كما أرسلنا إليه موسى بقومه من جنده وأصحابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) يقول لقومه، أو بقومه، أنا أشكّ.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) قال: بعضده وأصحابه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) غلب عدوّ الله على قومه.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله تبارك وتعالى (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) قال: بجموعه التي معه، وقرأ (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قال: إلى قوة من الناس إلى ركن أجاهدكم به; قال: وفرعون وجنوده ومن معه ركنه; قال: وما كان مع لوط مؤمن واحد; قال: وعرض عليهم أن يُنكحهم بناته رجاء أن يكون له منهم عضد يعينه، أو يدفع عنه، وقرأ (هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) قال: يريد النكاح، فأبوا عليه، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) . أصل الركن: الجانب والناحية التي يعتمد عليها ويقوى بها.
وقوله (وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) يقول: وقال لموسى: هو ساحر يسحر عيون الناس، أو مجنون، به جنة. وكان معمر بن المثنى يقول: "أو" في هذا الموضع بمعنى الواو التي للموالاة، لأنهم قد قالوهما جميعا له، وأنشد في ذلك بيت جرير الخطفي:
أثَعْلَبَة الفَوَارِس أوْ رِيَاحا ... عَدَلَتْ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشابا (1)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) }
يقول تعالى ذكره: فأخذنا فرعون وجنوده بالغضب منا والأسف (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) يقول فألقيناهم في البحر، فغرقناهم فيه (وَهُوَ مُلِيمٌ) يقول: وفرعون مليم، والمليم: هو الذي قد أتى مَا يُلام عليه من الفعل.
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) : أي مليم في نعمة الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) قال: مليم في عباد الله. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله (فأخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) }
(1) البيت لجرير بن الخطفي. من قصيدة له يهجو بها الراعي النميري (ديوانه طبعة الصاوي 66) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 227 - 1) عند قوله تعالى: (وقالوا ساحر أو مجنون) : أو هاهنا في موضع الواو التي للموالاة (العطف) لأنه قد قالوهما جميعا له قال جرير: "أثعلبة ... البيت" طهية كسمية: حي من تميم نسبوا إلى أمهم. والخشاب: بنو رزام بن مالك، وربيعة وكعب بن مالك، وحنظلة.
يقول تعالى ذكره (وَفِي عَادٍ) أيضا، وما فعلنا بهم لهم آية وعبرة (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) يعني بالريح العقيم: التي لا تلقح الشجر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: الريح العقيم: الريح الشديدة التي لا تُلْقح شيئا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: لا تلقح الشجر، ولا تثير السحاب.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، هذا الريح العقيم، قال: ليس فيها رحمة ولا نبات، ولا تلقح نباتا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان أبو داود، قال: أخبرنا شعبة، عن شاس، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: لا تلقح.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا شيخ من أهل خراسان من الأزد، ويكنى أبا ساسان، قال: سألت الضحاك بن مزاحم، عن قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: الريح التي ليس فيها بركة ولا تلقح الشجر.
حدثنا محمد بن عبد الله الهلاليّ، قال: ثنا أبو عليّ الحنفيّ، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) الجنوب.
حدثنا أحمد بن الفرج، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن يقول: العقيم: يعني: الجنوب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) إن من الريح عقيما وعذابا حين ترسل لا تلقح شيئا، ومن الريح رحمة يثير الله تبارك وتعالى بها السحاب، وينزل بها الغيث. وذُكر لنا أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: "نُصِرْتُ بالصبَا وأُهْلكَتْ عادٌ بالدَّبُور" .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس، بمثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: الريح التي لا تنبت.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) : التي لا تلقح شيئا.
حدثني ابن حمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) : التي لا تنبت شيئا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال: إن الله تبارك وتعالى يُرسل الريح بُشرا بين يدي رحمته، فيحيي به الأصل والشجر، وهذه لا تلقح ولا تحيى، هي عقيم ليس فيها من الخير شيء، إنما هي عذاب لا تلقح شيئا، وهذه تلقح، وقرأ (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) . وقوله: (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) والرميم في كلام العرب: ما يبس من نبات الأرض وديس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قال: كالشيء الهالك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (كَالرَّمِيمِ) قال: كالشيء الهالك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كَالرَّمِيمِ) : رميم الشجر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قال: كرميم الشجر.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) }
يقول تعالى ذكره: وفي ثمود أيضا لهم عبرة ومتعظ، إذ قال لهم ربهم، يقول: فتكبروا عن أمر ربهم وعلوا استكبارا عن طاعة الله.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَعَتَوْا) قال: علوا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) قال: العاتي: العاصي التارك لأمر الله.
وقوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب فجأة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) وهم ينتظرون، وذلك أن ثمود وعدت العذاب قبل نزوله بهم بثلاثة أيام وجعل لنزوله عليهم علامات في تلك الثلاثة، فظهرت العلامات التي جعلت لهم الدالة على نزولها في تلك الأيام، فأصبحوا في اليوم الرابع موقنين بأن العذاب بهم نازل، ينتظرون حلوله بهم. وقرأت قراء الأمصار خلا الكسائي (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) بالألف. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ ذلك (فأَخَذَتْهُمُ الصَّعْقَةُ) بغير ألف.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، عن عمرو بن ميمون الأودي، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ (فأَخَذَتْهُمُ الصَّعْقَةُ) ، وكذلك قرأ الكسائيّ: وبالألف نقرأ الصاعقة لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) }
يقول تعالى ذكره: فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله، ولا قدروا على نهوض به.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ) يقول: ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ) قال: من نهوض.
وكان بعض أهل العربية يقول: معنى قوله (فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ) : فما قاموا بها، قال: لو كانت فما استطاعوا من إقامة، لكان صوابا، وطرح الألف منها كقوله (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا) .
وقوله (وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) يقول: وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلت بهم.
وكان قتادة يقول في تأويل ذلك: ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) قال: ما كانت عندهم من قوة يمتنعون بها من الله عزّ وجلّ.
وقوله (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَقَوْمَ نُوحٍ) نصبا. ولنصب ذلك وجوه: أحدها: أن يكون القوم عطفا على الهاء والميم في قوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) إذ كان كلّ عذاب مهلك تسميه العرب صاعقة، فيكون معنى الكلام حينئذ: فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح من قبل. والثاني: أن يكون منصوبا بمعنى الكلام، إذ كان فيما مضى من أخبار الأمم قبل دلالة على المراد من الكلام، وأن معناه: أهلكنا هذه الأمم، وأهلكنا قوم نوح من قبل. والثالث: أن يضمر له فعلا ناصبًا، فيكون معنى الكلام: واذكر لهم قوم نوح، كما قال (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) ونحو ذلك، بمعنى أخبرهم واذكر لهم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة (وَقَوْمِ نُوحٍ) بخفض القوم على معنى: وفي قوم نوح عطفا بالقوم على موسى في قوله (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ) .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وتأويل ذلك في قراءة من قرأه خفضا وفي قوم نوح لهم أيضا عبرة، إذ أهلكناهم من قبل ثمود لما كذّبوا رسولنا نوحا (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) يقول: إنهم كانوا مخالفين أمر الله، خارجين عن طاعته.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) }
يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفا بقوة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) يقول: بقوة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (بِأَيْدٍ) قال: بقوة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) : أي بقوّة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور أنه قال في هذه الآية (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) قال: بقوة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) قال: بقوة.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) قال: بقوة.
وقوله (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) يقول: لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه. ومنه قوله (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) [البقرة: 236] يراد به
القويّ.
وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قال: أوسعها جلّ جلاله.
وقوله (وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا) يقول تعالى ذكره: والأرض جعلناها فراشا للخلق (فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) يقول: فنعم الماهدون لهم نحن.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) }
يقول تعالى ذكره: وخلقنا من كل شيء خلقنا زوجين، وترك (خَلَقْنا) الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها.
واختلف في معنى (خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) فقال بعضهم: عنى به: ومن كلّ شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة، ونحو ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال مجاهد، في قوله (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال: الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجنّ.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاريُّ، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال: الشمس والقمر.
وقال آخرون: عنى بالزوجين: الذكر والأنثى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال: ذكرًا وأنثى، ذاك الزوجان، وقرأ (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) . قال: امرأته.
وأولى القولين في ذلك قول مجاهد، وهو أن الله تبارك وتعالى، خلق لكلّ ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه، فكلّ واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين. وإنما نبه جلّ ثناؤه بذلك من قوله على قُدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه، إذ كلّ ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين، ولا تصلح للتبريد، وكالثلج الذي شأنه التبريد، ولا يصلح للتسخين، فلا يجوز أن يوصف بالكمال، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كلّ ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة.
وقوله (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يقول: لتذكروا وتعتبروا بذلك، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه، وابتداع زوجين من كلّ شيء لا ما لا يقدر على ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) }
يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) يقول: إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه، وأخوّفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم الذي قصّ عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة.
وقوله (مُبِينٌ) يقول: يبين لكم نذارته.
وقوله (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) يقول جل ثناؤه: ولا تجعلوا أيها الناس مع معبودكم الذي خلقكم معبودًا آخر سواه، فإنه لا معبود تصلح له العبادة غيره (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) يقول: إني لكم أيها الناس نذير من عقابه على عبادتكم إلها غيره، مبين قد أبان لكم النذارة.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) }
يقول تعالى ذكره: كما كذبت قريش نبيها محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الأمم المكذّبة رسلها، الذين أحلّ الله بهم نقمته، كقوم نوح وعاد وثمود، وفرعون وقومه، ما أتى هؤلاء القوم الذين ذكرناهم من قبلهم، يعني من قبل قريش قوم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون، كما قالت قريش لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|