
26-07-2025, 04:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الطور
الحلقة (1280)
صــ 471 الى صــ 480
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) فقرأ ذلك عامه قرّاء المدينة (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) على التوحيد بإيمان (أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) على الجمع، وقرأته قراء الكوفة (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) كلتيهما بإفراد. وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) .
والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قراءة الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الآباء، يعني بقوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) : وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفَّيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلا منا عليهم. والألت في كلام العرب: النقص والبخس، وفيه لغة أخرى، ولم يقرأ بها أحد نعلمه، ومن الألت قول الشاعر:
أبْلغْ بني ثُعَل عَنَّي مُغلغَلَةً ... جَهْدَ الرّسالة لا ألْتا ولا كَذبا (1)
يعني: لا نُقصان ولا زيادة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 313 - 314) قال: وقوله: "وما ألتناهم" الألت: النقص. وفيه لغة أخرى: "وما ألتناهم من عملهم من شيء" . وكذلك هي في قراءة عبد الله (ابن مسعود) وأبي بن كعب، قال الشاعر: "أبلغ بني ثعل ... البيت" . يقول: لا نقصان ولا زيادة. وقال الآخر (نسبه أبو عبيدة إلى رؤبة) : وليلة ذات ندى سريت ... ولم يلتني عن سراها ليت
والليت هاهنا: لم يثنني عنها نقص بي، ولا عجز عنها. وفي (اللسان: ليت) : "ولاته عن وجهه يليته ويلوته لوتا: أي حبسه عن وجهه وصرفه. قال الراجز:" وليلة ذات ندى ... البيتين " أ. هـ. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: "وما ألتناهم" : أي ما نقصناهم ولا حبسنا منه شيئا أ. هـ."
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: ما نقصناهم.
حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن ابن عباس قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: ما نقصناهم.
وحدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا موسى بن بشر، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة عن (1) عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: وما نقصناهم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: ما نقصنا الآباء للأبناء.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما نقصنا الآباء للأبناء، (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) قال: وما نقصناهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: نقصناهم.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا.
(1) في المطبوعة: عن سماعة بن عمر بن مرة. تحريف.
قال ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، مثله.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) قال: وما ظلمناهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شيء.
حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: وما ظلمناهم.
وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) يقول: وما ظلمناهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ) قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء: لم ننتقصهم فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الأعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الأعمال (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار، وأدخلهم برحمته، والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم.
وقوله: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يقول: كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ (23) }
يقول تعالى ذكره: وأمددنا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله، واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجنة، بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان.
وقوله: (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا) يقول: يتعاطون فيها كأس الشراب، ويتداولونها بينهم، كما قال الأخطل:
نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاح الشَّمول وقَدْ ... صَاحَ الدَّجاجُ وحَانَتْ وَقْعَةُ السَّاري (1)
وقوله (لا لَغْوٌ فِيهَا) يقول: لا باطل في الجنة، والهاء في قوله "فيها" من ذكر الكأس، ويكون المعنى لما فيها الشراب بمعنى: أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم، واللغو: الباطل.
وقوله: (وَلا تَأْثِيمٌ) يقول: ولا فعل فيها يُؤْثم صاحبه. وقيل: عنى بالتأثيم: الكذب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا) يقول: لا باطل فيها.
وقوله: (وَلا تَأْثِيمٌ) يقول: لا كذب.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا) قال: لا يستبون (وَلا تَأْثِيمٌ) يقول: ولا يؤثمون.
حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا
(1) البيت للأخطل وهو من شواهد أبي عبيدة في معاني القرآن (الورقة 229) قال: "يتنازعون فيها كأسا" : يتعاطون أي يتداولون قال الأخطل: "نازعته ... البيت" أ. هـ. وفي (اللسان: نزع) : ومنازعة الكأس: معاطاتها؛ قال الله عز وجل (يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم) : أي يتعاطون. والأصل فيه: يتجاذبون، ويقال: نازعني فلان بنانه: أي صافحني. والمنازعة المصافحة؛ قال الراعي: ينُازِعْنَنا رَخْصَ البنانِ كأنَّمَا ... يُنَنازِعْننا هُدّابَ رَيْطٍ مُعَضّدٍ
المنازعة: المجاذبة في الأعيان والمعاني أ. هـ.
لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) : أي لا لغو فيها ولا باطل، إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان.
وحدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتاده، في قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) قال: ليس فيها لغو ولا باطل، إنما كان اللغو والباطل في الدنيا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة (لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ) بالرفع والتنوين على وجه الخبر، على أنه ليس في الكأس لغو ولا تأثيم. وقرأه بعض قرّاء البصرة (لا لَغْوَ فيها وَلا تَأْثِيَمَ) نصبا غير منوّن على وجه التبرئة.
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كان الرفع والتنوين أعجب القراءتين إليّ لكثرة القراءة بها، وأنها أصحّ المعنيين.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) }
يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في الجنة غلمان لهم، كأنهم لؤلؤ في بياضه وصفائه مكنون، يعني: مصون في كنّ، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه. وإنما عنى بذلك أن هؤلاء الغلمان يطوفون على هؤلاء المؤمنين في الجنة بكئوس الشراب التي وصف جل ثناؤه صفتها.
وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) ذُكر لنا أن رجلا قال: يا نبيّ الله هذا الخادم، فكيف المخدوم؟ قال: "والذي نفس محمد ييده، إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" .
وحدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) قال: بلغني أنه قيل: يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ، فكيف المخدوم؟ قال: "والَّذي نَفْسِي بِيَدهِ إنَّ فَضْل ما بَيْنَهُمَا كفَضْل القَمَر لَيْلَة البَدر على النجوم" .
وقوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) . . . الآية، يقول تعالى ذكره: وأقبل بعض هؤلاء المؤمنين في الجنة على بعض، يسأل بعضهم بعضا. وقد قيل: إن ذلك يكون منهم عند البعث من قبورهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) قال: إذا بعثوا في النفخة الثانية.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) }
يقول تعالى ذكره: قال بعضهم لبعض: إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مُشفقين خائفين من عذاب الله وجلين أن يعذبنا ربنا اليوم (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) بفضله (وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) يعني: عذاب النار، يعني فنجَّانا من النار، وأدخلنا الجنة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (عَذَابَ السَّمُومِ) قال: عذاب النار.
وقوله: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) يقول: إنا كنا في الدنيا من قبل يومنا هذا ندعوه: نعبده مخلصا له الدين، لا نشرك به شيئا (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) يعني: اللطيف بعباده.
كما حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) يقول: اللطيف.
وقوله: (الرَّحِيمِ) يقول: الرحيم بخلقه أن يعذّبهم بعد توبتهم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) فقرأته عامة قراء المدينة "أَنَّهُ" بفتح الألف، بمعنى: إنا كنا من قبل ندعوه لأنه البرّ، أو بأنه هو البرّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالكسر على الابتداء.
والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذكر يا محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم، وعظهم بنعم الله عندهم (فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) يقول فلست بنعمة الله عليك بكاهن تتكهن، ولا مجنون له رئيّ يخبر عنه قومه ما أخبره به، ولكنك رسول الله، والله لا يخذلك، ولكنه 478.
وقوله: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) يقول جلّ ثناؤه: بل يقول المشركون يا محمد لك: هو شاعر نتربص به حوادث الدهر، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا. وقال بعضهم: هو الموت.
ذكر من قال: عنى بقوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) : حوادث الدهر:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: حوادث الدهر.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد (رَيْبَ الْمَنُونِ) حوادث الدهر.
ذكر من قال: عنى به الموت: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) يقول: الموت.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: يتربصون به الموت.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: قال ذلك قائلون من الناس: تربصوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت يكفيكموه، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: هو الموت، نتربص به الموت، كما مات شاعر بني فلان، وشاعر بني فلان.
وحدثني سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثني أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك من قولهم: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) الموت، وقال الشاعر:
تَرَبَّصْ بِها رَيْبَ المَنُونِ لَعَلَّهَا ... سَيَهْلِكُ عَنْها بَعْلها أو "تُسَرَّحُ" (1)
وقال آخرون: معنى ذلك: ريب الدنيا، وقالوا: المنون: الموت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان (رَيْبَ الْمَنُونِ) قال: ريب الدنيا، والمنون: الموت.
وقوله: (قُلْ تَرَبَّصُوا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك: إنك شاعر نتربص بك ريب المنون، تربصوا: أي انتظروا وتمهلوا فيّ ريب المنون، فإني معكم من المتربصين بكم، حتى يأتي أمر الله فيكم.
(1) وضعنا كلمة "تسرح" في قافية البيت في مكان "شحيح" التي جاءت في الأصل خطأ، فاختل بها معنى البيت ووزنه. على أن رواية الشطر الثاني كله في اللسان: ربص. وفي تفسير الشوكاني (5: 96) وفي البحر المحيط لأبي حيان (8: 151) والقرطبي (17: 72) مختلفة عن رواية المؤلف. وهو: * تطلق يوما أو يموت حليلها *
والسراح والتسريح: هو الطلاق، وفي التنزيل: "فسرحوهن سراحا جميلا" . ومعنى التربص: الانتظار. وتربص به: انتظر به خيرا أو شرا. وتربص به الشيء: كذلك. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 314) "نتربص به ريب المنون" : أوجاع الدهر، فيشغل عنكم، ويتفرق أصحابه؛ أو عمر آبائه، فإنا قد عرفنا أعمارهم أ. هـ.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) }
يقول تعالى ذكره: أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: هو شاعر، وأن ما جاء به شعر (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) يقول جلّ ثناؤه: ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قد طغوا على ربهم، فتجاوزوا ما أذن لهم، وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا) قال: كانوا يعّون في الجاهلية أهل الأحلام، فقال الله: أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدوا أصناما بُكما صما، ويتركوا عبادة الله، فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم، ولم تكن عقولهم في دينهم، لم تنفعهم أحلامهم، وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يتأوَّل قوله (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) : بل تأمرهم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) أيضا قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، في قوله (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قال: بل هم قوم طاغون.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قال: بل هم قوم طاغون.
وقوله (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: تقوّل محمد هذا القرآن وتخلَّقه.
وقوله (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) يقول جلّ ثناؤه: كذبوا فيما قالوا من ذلك، بل لا يؤمنون فيصدّقوا بالحقّ الذي جاءهم من عند ربهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|