
26-07-2025, 07:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القمر
الحلقة (1291)
صــ 581 الى صــ590
وقوله (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) يقول جلّ ثناؤه: تجري السفينة التي حملنا نوحا فيها بمرأى منا ومنظر.
وذُكر عن سفيان في تأويل ذلك ما حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) يقول: بأمرنا (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) .
اختلف أهل التأويل في تأويله: فقال بعضهم: تأويله فعلنا ذلك ثوابا لمن كان كُفر فيه، بمعنى: كفر بالله فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) قال: كَفَر بالله.
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) قال: لمن كان كفر فيه.
ووجه آخرون معنى (مَنْ) إلى معنى (ما) في هذا الموضع، وقالوا: معنى الكلام: جزاء لما كان كَفَر من أيادي الله ونعمه عند الذين أهلكهم وغرّقهم من قوم نوح.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) قال: لمن كان كفر نعم الله، وكفر بأياديه وآلائه ورسله وكتبه، فإن ذلك جزاء له.
والصواب من القول من ذلك عندي ما قاله مجاهد، وهو أن معناه: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيونا، فغرّقنا قوم نوح، ونجينا نوحا عقابا من الله وثوابا للذي جُحد وكُفر، لأن معنى الكفر: الجحود، والذي جحد ألوهته ووحدانيته قوم نوح، فقال بعضهم لبعض (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) ومن ذهب به إلى هذا التأويل كانت من الله، كأنه قيل: عوقبوا للَّه ولكفرهم به. ولو وجَّه مُوَجَّه إلى أنها مراد بها نوح والمؤمنون به كان مذهبا، فيكون معنى الكلام حينئذ، فعلنا ذلك جزاء لنوح ولمن كان معه في الفلك، كأنه قيل: غرقناهم لنوح ولصنيعهم بنوح ما صنعوا من كفرهم به.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) }
يقول تعالى ذكره: ولقد تركنا السفينة التي حملنا فيها نوحا ومن كان معه آية، يعني عِبْرة وعظة لمن بعد قوم نوح من الأمم ليعتبروا ويتعظوا، فينتهوا عن أن يسلكوا مسلكهم في الكفر بالله، وتكذيب رسله، فيصيبهم مثل ما أصابهم من العقوبة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: أبقاها الله بباقَردى من أرض الجزيرة، عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرا، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً) قال: ألقى الله سفينة نوح على الجوديّ حتى أدركها أوائل هذه الأمة.
قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن مجاهد، أن الله حين غرّق الأرض، جعلت الجبال تشمخ، فتواضع الجوديّ، فرفعه الله على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه.
وقوله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من ذي تذكر يتذكر ما قد فعلنا بهذه الأمة التي كفرت بربها، وعصت رسوله نوحا، وكذبته فيما أتاهم به عن ربهم من النصيحة، فيعتبر بهم، ويحذر أن يَحل به من عذاب الله بكفره بربه، وتكذيبه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، مثل الذي حلّ بهم، فينيب إلى التوبة، ويراجع الطاعة. وأصل مدّكر: مفتعل من ذكر، اجتمعت فاء الفعل، وهي ذال، وتاء وهي بعد الذال، فصيرتا دالا مشدّدة، وكذلك تفعل العرب فيما كان أوّله ذالا يتبعها تاء الافتعال يجعلونهما جميعا دالا مشدّدة، فيقولون: ادّكرت ادكارًا، وإنما هو اذتكرت اذتكارا، وفهل من مذتكر، ولكن قيل: ادكرت ومدّكر لما قد وصفت، قد ذُكر عن بعض بني أسد أنهم يقولون في ذلك مذّكر، فيقلبون الدال ويعتبرون الدال والتاء ذالا مشددة، وذُكر عن الأسود بن يزيد أنه قال: قلت لعبد الله بن مسعود: فهل من مدّكر، أو مذّكر، فقال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُذَّكر) يعنى بذال مشددة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: المدّكر: الذي يتذكر، وفي كلام العرب: المذكر: المتذكر.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: فهل من مذّكر.
وقوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) يقول تعالى ذكره: فكيف كان عذابي لهؤلاء الذين كفروا بربهم من قوم نوح، وكذّبوا رسوله نوحا، إذ تمادوا في غيهم وضلالهم، وكيف كان إنذاري بما فعلت بهم من العقوبة التي أحللت بهم بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رسوله نوحا، صلوات الله عليه، وهو إنذار لمن كفر من
قومه من قريش، وتحذير منه لهم، أن يحلّ بهم على تماديهم في غيهم، مثل الذي حلّ بقوم نوح من العذاب.
وقوله (وَنَذَرَ) يعني: وإنذاري، وهو مصدر.
وقوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) يقول تعالى ذكره: ولقد سهَّلنا القرآن، بيَّناه وفصلناه للذكر، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ، وهوّناه.
كما حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) قال: هوّناه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) قال: يسَّرنا: بيَّنا.
وقوله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر.
وقد قال بعضهم في تأويل ذلك: هل من طالب علم أو خير فيُعان عليه، وذلك قريب المعنى مما قلناه، ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه على طاهره.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من طالب خير يُعان عليه.
حدثنا الحسين بن عليّ الصُّدائيّ، قال: ثنا يعقوب، قال: ثني الحارث بن عبيد الإياديّ قال: سمعت قتادة يقول في قول الله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: هل من طالب خير يُعان عليه.
حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة أو أيوب بن سويد أو كلاهما، عن ابن شَوْذَب، عن مطر، في قوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: هل من طالب علم فيعان عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) }
يقول تعالى ذكره: كذّبت أيضا عاد نبيهم هودا صلى الله عليه وسلم فيما أتاهم به عن الله، كالذي كذّبت قوم نوح، وكالذي كذّبتم مَعْشر قريش نبيكم محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى جميع رسله، (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) يقول: فانظروا معشر كفرة قريش بالله كيف كان عذابي إياهم، وعقابي لهم على كفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله هودا وإنذاري بفعلي بهم ما فعلت من سلك طرائقهم، وكانوا على مثل ما كانوا عليه من التمادي في الغيّ والضلالة.
وقوله (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) يقول تعالى ذكره: إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحا صرصرا، وهي الشديدة العصوف في برد، التي لصوتها صرير، وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل: صرّ، فقيل منه: صرصر، كما قيل: فكبكبوا فيها، من فكبوا، ونَهْنَهْتَ من نَهَهْتَ.
وبنحو الذي قلتا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (رِيحًا صَرْصَرًا) قال: ريحا باردة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) والصَّرصر: الباردة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: الصَّرصر: الباردة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (رِيحًا صَرْصَرًا) باردة.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (رِيحًا صَرْصَرًا) قال: شديد ة، والصرصر: الباردة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (رِيحًا صَرْصَرًا) قال: الصرصر: الشديدة.
وقوله (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) يقول: في يوم شرّ وشؤم لهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: النَّحْس: الشؤم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) قال النحس: الشرّ (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) في يوم شرّ.
وقد تأوّل ذلك آخرون بمعنى شديد، ومن تأوّل ذلك كذلك فإنه يجعله من صفة اليوم، ومن جعله من صفة اليوم، فإنه ينبغي أن يكون قراءته بتنوين اليوم، وكسر الحاء من النحْس، فيكون (فِي يَوْمٍ نَحِسٍ) كما قال جلّ ثناؤه (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) ولا أعلم أحدا قرأ ذلك كذلك في هذا الموضع، غير أن الرواية التي ذكرت في تأويل ذلك عمن ذكرت عنه على ما وصفنا تدلّ على أن ذلك كان قراءة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني
أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) قال: أيام شداد.
وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) يوم شديد.
وقوله (مُسَتَمِرٍّ) يقول: في يوم شرّ وشؤم، استمرّ بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافي بهم جهنم.
كما حدثنا بشر، قال:. ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) يستمرّ بهم إلى نار جهنم.
وقوله (تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) يقول: تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رءوسهم، فتندقّ رقابهم، وتبين من أجسامهم.
كما حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة شَماليَّا، منهم ستة من أشدّ عاد وأجسمها، منهم عمرو بن الحُلَيِّ والحارث بن شداد والهلقام وابنا تيقن وخَلَجان بن أسعد، فأدلجوا العيال في شعب بين جبلين، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردّوا الريح عمن بالشِّعب من العِيال، فجعلت الريح تخفقُهم رجلا رجلا فقالت امرأة من عاد:
ذَهَبَ الدَّهْرُ بعَمْرِو بْ ... نِ حُلَيٍّ والهَنيَّاتِ ... ثُمَّ بالحارِثِ والهِلْ ... قامِ طَلاعِ الثَّنيَّاتِ ... وَالَّذِي سَدَّ عَلَيْنا الرّ ... يحَ أيَّامَ البَلِيَّاتِ (1)
حدثنا العباس بن الوليد البيروتي، قال: أخبرني أبي، قال: ثني إسماعيل بن عياش، عن محمد بن إسحاق قال: لما هبَّت الريح قام سبعة من عاد، فقالوا: نردّ الريح، فأتوا فم الشعب الذي يأتي منه الريح، فوقفوا عليه، فجعلت
(1) هذه الأبيات لامرأة من عاد قوم هود عليه السلام (هامش القرطبي 17: 136) . وقد ذكر المؤلف الأبيات في قصة عاد حينما سلط الله عليهم الريح. والله أعلم بمن قالها وبمن رواها. وقوله (علينا) . زيادة لإصلاح الوزن، وهي ساقطة من الأصل.
الريح تهبّ، فتدخل تحت واحد واحد، فتقتلعه من الأرض فترمي به على رأسه، فتندقّ رقبته، ففعلت ذلك بستة منهم، وتركتهم كما قال الله (أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) وبقي الخلجان فأتى هودا فقال: يا هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتيّ؟ قال: تلك ملائكة ربي، قال: ما لي إن أسلمت؟ قال: تَسْلَم، قال: أيُقيدني ربك إن أسلمت من هؤلاء؟ فقال: ويلك أرأيت ملكا يقيد جنوده؟ فقال: وعزّته لو فعل ما رضيت. قال: ثم مال إلى جانب الجبل، فأخذ بركن منه فهزّه، فاهتز في يده، ثم جعل يقول:
لَمْ يَبْقَ إلا الخَلَجانُ نَفْسُهُ ... يا لَكَ مِنْ دَهانِي أمْسُهُ ... بِثابِتِ الوَطْءِ شَدِيدٍ وَطْسُهُ ... لَوْ لَمْ يَجِئْني جِئْتُهُ أحُسُّهُ (1)
قال: ثم هبت الريح فألحقته بأصحابه.
حدثني محمد بن إبراهيم، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا نوح بن قيس، قال: ثنا محمد بن سيف، عن الحسن، قال: لما أقبلت الريح قام إليها قوم عاد، فأخذ بعضهم بأيدي بعض كما تفعل الأعاجم، وغمزوا أقدامهم في الأرض وقالوا: يا هود من يزيل أقدامنا عن الأرض إن كنت صادقا، فأرسل الله عليهم الريح فصيرتهم كأنهم أعجاز نخل مُنْقَعر.
حدثني محمد بن إبراهيم، قال: ثنا مسلم، قال: ثنا نوح بن قيس، قال: ثنا أشعث بن جابر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة، لو اجتمع عليها خمس مئة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يحملوها، وإن كان الرجل منهم ليغمز قدمه في الأرض، فتدخل في الأرض، وقال: كأنهم أعجاز نخل; ومعنى الكلام: فيتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر، فترك ذكر فيتركهم استغناء بدلالة الكلام
(1) وهذان البيتان من الأشعار التي رواها أهل القصص في قصة هلاك عاد قوم هود بالريح. وقد أوردها الثعلبي المفسر في كتابه قصص الأنبياء المشهور بعرائس المجالس ص 64 من طبعة الحلبي أ. هـ.
عليه. وقيل: إنما شبههم بأعجاز نخل منقعر، لأن رءوسهم كانت تبين من أجسامهم، فتذهب لذلك رِقابهم، وتبقى أجسادهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن هلال بن خباب عن مجاهد، في قوله (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) قال: سقطت رءوسهم كأمثال الأخبية، وتفرّدت، أو وتَفَرّقت أعناقهم وقال "أبو جعفر: أنا أشك" ، فشبهها بأعجاز نخل منقعر.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) قال: هم قوم عاد حين صرعتهم الريح، فكأنهم فلق نخل منقعر (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) يقول تعالى ذكره: فانظروا يا معشر كفار قريش، كيف كان عذابي قوم عاد، إذ كفروا بربهم، وكذّبوا رسوله، فإن ذلك سنة الله في أمثالهم، وكيف كان إنذاري بهم مَنْ أنذرت.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) }
يقول تعالى ذكره: ولقد سهلنا القرآن وهوّناه لمن أراد التذكر به والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من متعظ ومنزجر بآياته.
وقوله (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) يقول تعالى ذكره: كذّبت ثمود قوم صالح بنذر الله التي أتتهم من عنده، فقالوا تكذيبا منهم لصالح رسول ربهم: أبشرا منا نتبعه نحن الجماعة الكبيرة وهو واحد؟.
وقوله (إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) يقول: قالوا: إنا إذًا باتباعنا صالحا
إن اتبعناه وهو بشر منا واحد لفي ضلال: يعنون: لفي ذهاب عن الصواب وأخذ على غير استقامة وسُعُر: يعنون بالسُّعُر: جمع سَعير.
وكان قتادة يقول: عني بالسُّعُر: العناء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) : في عناء وعذاب.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) قال: ضلال وعناء.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ (26) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل مكذّبي رسوله صالح صلى الله عليه وسلم من قومه ثمود: أألقي عليه الذكر من بيننا، يعنون بذلك: أنزل الوحي وخصّ بالنبوّة من بيننا وهو واحد منا، إنكارا منهم أن يكون الله يُرسل رسولا من بني آدم.
وقوله (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) يقول: قالوا: ما ذلك كذلك، بل هو كذّاب أشر، يعنون بالأشر: المَرِح ذا التجبر والكبرياء، والمَرِح من النشاط.
وقد حدثني الحسن بن محمد بن سعيد القرشيّ، قال: قلت لعبد الرحمن بن أبي حماد: ما الكذّاب الأشر؟ قال: الذي لا يبالي ما قال، وبكسر الشين من الأشر وتخفيف الراء قرأت قراء الأمصار. وذُكر عن مجاهد أنه كان يقرأه: (كَذَّابٌ أَشُرٌ) بضم الشين وتخفيف الراء، وذلك في الكلام نظير الحذِر والحذُر والعَجِل والعَجُل.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا، ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|