
26-07-2025, 07:19 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,470
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القمر
الحلقة (1293)
صــ 601 الى صــ610
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) : أي من مضى.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن، عن يزيد النحويّ، عن عكرِمة (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) يقول: أكفاركم يا معشر قريش خير من أولئكم الذين مضوا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) يقول: أكفاركم خير من الكفار الذين عذبناهم على معاصي الله، وهؤلاء الكفار خير من أولئك. وقال (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) استنفاها.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال. ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) يقول: ليس كفاركم خيرا من قوم نوح وقوم لوط.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) قال: كفار هذه الأمة.
وقوله (أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) يقول جلّ ثناؤه: أم لكم براءة من عقاب الله معشر قريش، أن تصيبكم بكفركم بما جاءكم به الوحي من الله في الزبر، وهي الكتب.
كما حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا
أبو عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (الزُّبُرِ) يقول: الكتب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) في كتاب الله براءة مما تخافون.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة (أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) يعني في الكتب.
وقوله (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) يقول تعالى ذكره: أيقول هؤلاء الكفار من قريش: نحن جميع منتصر ممن قصدنا بسوء ومكروه، وأراد حربنا وتفريق جمعنا، فقال الله جلّ ثناؤه: سيهزم الجمع يعني جمع كفار قريش (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) يقول: ويولون أدبارهم المؤمنين بالله عن انهزامهم عنه. وقيل: الدبر فوحد والمراد به الجمع كما يقال ضربنا منهم الرأس: أي ضربنا منهم الرءوس: إذ كان الواحد يؤدي عن معنى جمعه، ثم إن الله تعالى ذكره صدّق وعده المؤمنين به فهزم المشركين به من قريش يوم بدر وولوهم الدُّبر.
كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أيوب قال: لا أعلمه إلا عن عكرمة أن عمر قال لما نزلت (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) جعلت أقول: أيّ جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يثب في الدرع ويقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) .
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قال: يوم بدر.
قال ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، قوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) يعني جمع بدر (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) ... الآية ذُكر لنا أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال يوم بدر
"هزموا وولوا الدبر" .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قال: هذا يوم بدر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن عكرِمة، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "كان يثب في الدرع ويقول: هُزِمَ الجَمْعُ وَوَلَّوُا الدُّبُرَ" .
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قال: كان ذلك يوم بدر. قال: قالوا نحن جمع منتصر، قال: فنزلت هذه الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) }
يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنهم لا يبعثون بعد مماتهم (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) للبعث والعقاب (وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) عليهم من الهزيمة التي يهزمونها عند التقائهم مع المؤمنين ببدر.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عمرو بن مرّة، عن شهر بن حوشب، قال: إن هذه الآية نزلت بهلاك إنما موعدهم الساعة، ثم قرأ (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) ... إلى قوله (وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) .
وقوله (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) يقول تعالى ذكره: إن المجرمين في ذهاب عن الحقّ، وأخذ على غير هدى (وَسُعُرٍ) يقول: في احتراق من شدّة العناء والنصب في الباطل.
كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) قال: في عناء.
وقوله (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ) يقول تعالى ذكره: يوم يُسحب هؤلاء المجرمون في النار على وجوههم. وقد تأوّل بعضهم قوله (فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ) إلى النار. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله (يَوْمَ يُسْحَبُونَ إِلَى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ) .
وقوله (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) يقول تعالى ذكره: يوم يُسحبون في النار على وجوههم، يقال لهم: ذوقوا مَسَّ سقَر، وترك ذكر "يقال لهم" استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره.
فإن قال قائل: كيف يُذاق مسّ سقر، أوَله طعم فيُذاق؟ فإن ذلك مختلف فيه; فقال بعضهم: قيل ذلك كذلك على مجاز الكلام، كما يقال: كيف وجدت طعم الضرب وهو مجاز؟ وقال آخر: ذلك كما يقال: وجدتُ مسّ الحمى يُراد به أوّل ما نالني منها، وكذلك وجدت طعم عفوك. وأما سَقَرُ فإنها اسم باب من أبواب جهنم (1) وترك إجراؤها لأنها اسم لمؤنث معرفة.
وقوله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه، وفي هذا بيان، أن الله جلّ ثناؤه، توعد هؤلاء المجرمين على تكذيبهم في القدر مع كفرهم به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا هشام بن سعد، عن أبي ثابت، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن ابن
(1) الذي في كتب اللغة، أنها اسم جهنم.
عباس أنه كان يقول: إني أجد في كتاب الله قوما يسحبون في النار على وجوههم، يقال لهم (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) لأنهم كانوا يكذّبون بالقَدَرِ، وإني لا أراهم، فلا أدري أشيء كان قبلنا، أم شيء فيما بقي.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن زياد بن إسماعيل السَّهْمِيّ، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي هريرة أن مشركي قريش خاصمت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في القَدَر، فأنزل الله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى وأبو كُرَيب، قالوا: ثنا وكيع بن الجرّاح، قال: ثنا سفيان، عن زياد بن إسماعيل السَّهميّ، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزوميّ، عن أبي هريرة، قال: جاء مشركو قريش إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخاصمونه في القَدَرِ، فنزلت (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزوميّ، عن أبى هريرة، بنحوه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلَميّ، قال: ولما نزلت هذه الآية (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) قال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه، أو في شيء قد فرغ منه؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلقَ لَهُ، سنُيسِّرُهُ للْيُسْرَى، وَسَنُيَسِّرُهُ للعُسْرَى "."
حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا خصيف، قال: سمعت محمد بن كعب القرظيّ يقول: لما تكلم الناس في القَدَرِ نظرت، فإذا هذه الآية أنزلت فيهم (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) ... إلى قوله (خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم ويزيد بن هارون، قالا ثنا سفيان، عن سالم، عن محمد بن كعب، قال: ما نزلت هذه الآية إلا تعبيرا لأهل القدر (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) .
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سالم بن أبي حفصة، عن محمد بن كعب القُرَظي (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) قال: نزلت تعييرا لأهل القَدَرِ.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل السَّهمي، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزوميّ، عن أبي هريرة، قال: جاء مشركو قريش إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخاصمونه في القدر، فنزلت (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) .
قال: ثنا مهران، عن حازم، عن أسامة، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ مثله.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) قال: خلق الله الخلق كلهم بقدر، وخلق لهم الخير والشرّ بقدر، فخير الخير السعادة، وشرّ الشرّ الشقاء، بئس الشرّ الشقاء.
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) فقال بعض نحويي البصرة: نصب كلّ شيء في لغة من قال: عبد الله ضربته; قال: وهي في كلام العرب كثير. قال: وقد رفعت كلّ في لغة من رفع، ورفعت على وجه آخر. قال (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) فجعل خلقناه من صفة الشيء; وقال غيره: إنما نصب كل لأن قوله خلقناه فعل، لقوله (إِنَّا) ، وهو أولى بالتقديم إليه من المفعول، فلذلك اختير النصب، وليس قيل عبد الله في قوله: عبد الله ضربته شيء هو أولى بالفعل، وكذلك إنا طعامك، أكلناه الاختيارُ النصب لأنك تريد: إنا أكلنا طعامك الأكل، أولى بأنا من الطعام. قال: وأما قول من قال: خلقناه وصف للشيء فبعيد، لأن المعنى: إنا خلقناه كلّ شيء بقدر، وهذا القول الثاني أولى بالصواب عندي من الأوّل للعلل التي ذكرت لصاحبها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) }
يقول تعالى ذكره: وما أمرنا للشيء إذا أمرناه وأردنا أن نكوّنه إلا قولة واحدة: كن فيكون، لا مراجعة فيها ولا مرادّة (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) يقول جلّ ثناؤه: فيوجد ما أمرناه وقلنا له: كن كسرعة اللمح بالبصر لا يُبطئ ولا يتأخر، يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذّبوا رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الأمم السالفة والقرون الخالية، على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله، وتكذيب رسله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من مُتَّعِظ بذلك منزجر ينزجر به.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: أشياعكم من أهل الكفر من الأمم الماضية، يقول: فهل من أحد يتذكر.
وقوله: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) يقول تعالى ذكره: وكل شيء فعله أشياعكم الذين مضوا قبلكم معشر كفَّار قريش في الزُّبر، يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة عليهم. وقد يحتمل أن يكون مرادا به في أمّ الكتاب.
كما حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فِي الزُّبُرِ) قال: الكُتب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) قال: في الكتاب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) }
يقول تعالى ذكره: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الأشياء (مُسْتَطَرٌ) يقول: مُثْبَت في الكتاب مكتوب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) يقول: مكتوب، "فإذا أراد الله أن ينزل كتابا نَسَخَتْهُ السَّفَرةُ. قوله: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) قال: مكتوب."
حدثنا بشر، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن عمران بن حُدَير، عن عكرِمة، قال: مكتوب في كلّ سطر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (مُسْتَطَرٌ) قال: محفوظ مكتوب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) أي محفوظ.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول (مُسْتَطَرٌ) قال: مكتوب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) قال: مكتوب، وقرأ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
وقرأ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) إنما هو مفتعل من سطرت: إذا كتبت سطرا.
وقوله: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في بساتين يوم القيامة، وأنهار، ووحد النهر في اللفظ ومعناه الجمع، كما وحد الدّبر، ومعناه الإدبار في قوله: (يُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وقد قيل: إن معنى ذلك: إن المتقين في سعة يوم القيامة وضياء، فوجهوا معنى قوله: (وَنَهَرٍ) إلى معنى النهار. وزعم الفرّاء انه سمع بعض العرب ينشد:
إنْ تَكُ لَيْلِيًّا فإنيّ نَهِرْ ... متى أتى الصُّبْحُ فَلا أنْتَظِر (1)
وقوله "نهر" على هذا التأويل مصدر من قولهم: نهرت أنهر نهرا. وعنى بقوله: "فإني نهر" : أي إني لصاحب نهار: أي لست بصاحب ليلة.
وقوله: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) يقول: في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) يقول: عند ذي مُلك مقتدر على ما يشاء، وهو الله ذو القوّة المتين، تبارك وتعالى.
آخر تفسير سورة اقتربت الساعة
(1) البيت: من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 319) عند قوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونهر) قال: في ضياء وسعة وسمعت بعض العرب ينشد: "إن تك ليليا ... البيت" أ. هـ. وفي (اللسان: نهر) : ورجل نهر: صاحب نهار، على النسب، كما قالوا: عمل وطعم، قال: * لست بليلي ولكني نهر *
قال سيبويه: قوله: "بليلي" يدل أن نهر: على النسب، حتى كأنه قال: "نهاري" . ورجل نهر: أي صاحب نهار، بغير فيه. قال: الأزهري. وسمعت العرب تنشد: "إن تك ليليا ... بيت الشاهد" . قال: ومعنى نهر: أي صاحب نهار، لست بصاحب ليل. وهذا الرجز أورده الجوهري: * إن كنت ليليا فإني نهر *
قال ابن بري: البيت مغير. قال: وصوابه: لَسْتُ بلَيْلِيّ وَلكِنِّي نَهِرْ ... لا أدْلُج اللَّيْلَ وَلَكِنْ أبْتَكِرْ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|