
27-07-2025, 06:23 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النازعات
الحلقة (1381)
صــ 191 الى صــ200
وقوله: (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) يقول: النفخة الثانية.
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) يقول: تتبع الآخرة الأولى، والراجفة: النفخة الأولى، والرادفة: النفخة الآخرة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) قال: هما النفختان: أما الأولى فتميت الأحياء، وأما الثانية فتُحيي الموتى، ثم تلا الحسن: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) قال: هما الصيحتان، أما الأولى فتُميت كل شيء بإذن الله، وأما الأخرى فتُحيي كل شيء بإذن الله، إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "بَيْنَهُما أرْبَعُونَ" قال أصحابه: والله ما زادنا على ذلك. وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يُبْعَثُ فِي تِلْك الأرْبَعِينَ مَطَرٌ يُقال لَهُ الْحَياةُ، حتى تَطِيبَ الأرْضُ وتَهْتَزَّ، وتَنْبُتَ أجْسادُ النَّاسِ نَباتَ البَقْل، ثُمَّ تُنْفَخُ الثَّانِيَةُ، فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ" .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد ابن أبي زياد عن رجل، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الصور، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصور؟ قال: "قَرْنٌ" . قال: فكيف هو؟ قال: "قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ: الأولى نَفْخَةُ الفَزَع، والثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْق، والثَّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ إلا مَنْ شاء الله، ويأمر الله فيدِيمُها، ويطوّلها، ولا يفتر، وهي التي تقول: ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فَوَاق فيسير الله الجبال، فتكون سَرابًا، وتُرَجّ الأرضُ بأهلها رجًّا، وهي التي يقول: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) " .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبيد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبيّ، عن أبيه، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَوْمَ
تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) فقال: "جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه" .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) : النفخة الأولى (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) : النفخة الأخرى.
وقال آخرون: في ذلك ما حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) قال: ترجف الأرض والجبال، وهي الزلزلة وقوله: (الرَّادِفَةُ) قال: هو قوله: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) (فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً) .
وقال آخرون: ترجف الأرض، والرادفة: الساعة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) الأرض، وفي قوله: (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) قال: الرادفة: الساعة.
واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) فقال بعض نحويِّي البصرة: قوله (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) : قسم والله أعلم على (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) وإن شئت جعلتها على (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) وهو كما قال الله وشاء أن يكون في كل هذا، وفي كلّ الأمور. وقال بعض نحويي الكُوفة: جواب القسم في النازعات: ما تُرِك لمعرفة السامعين بالمعنى، كأنه لو ظهر كان لَتُبْعَثُنّ ولتحاسبنّ. قال: ويدل على ذلك (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) . ألا ترى أنه كالجواب لقوله: (لَتُبْعَثُنَّ) إذ قال: (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) ، وقال آخر منهم نحو هذا، غير أنه قال: لا يجوز حذف اللام في جواب اليمين، لأنها إذا حذفت لم يُعرف موضعها، وذلك أنها تلي كلّ كلام.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن جواب القسم في هذا الموضع مما استغني عنه بدلالة الكلام، فترك ذكره.
وقوله: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) يقول تعالى ذكره: قلوب خَلْقٍ من خلقه يومئذ، خائفة من عظيم الهول النازل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) يقول: خائفة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَاجِفَةٌ) : خائفة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في (وَاجِفَةٌ) قال: خائفة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) يقول: خائفة، وجفت مما عاينت يومئذ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) قال: الواجفة: الخائفة.
وقوله: (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) يقول: أبصار أصحابها ذليلة مما قد علاها من الكآبة والحزن من الخوف والرعب الذي قد نزل بهم من عظيم هول ذلك اليوم.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) قال: خاشعة للذلّ الذي قد نزل بها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) يقول: ذليلة.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) } .
يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المكذّبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون من بعد الموت: أئنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات، فراجعون أحياء كما كنا قبل هلاكنا، وقبل مماتنا، وهو من قولهم: رجع فلان على حافرته: إذا
رجع من حيث جاء؛ ومنه قول الشاعر:
أحافِرَةً عَلى صَلَعٍ وشَيْبٍ ... مَعاذَ اللهِ مِنْ سَفَهٍ وطَيْشٍ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (الْحَافِرَةِ) يقول: الحياة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) يقول: أئنا لنحيا بعد موتنا، ونبعث من مكاننا هذا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يقول: (أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فِي الْحَافِرَةِ) قال: أي مردودون خَلقا جديدا.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس أو محمد بن كعب القُرَظيّ (أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) قال: في الحياة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ (أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) قال: في الحياة.
وقال آخرون: الحافرة: الأرض المحفورة التي حُفرت فيها قبورهم، فجعلوا ذلك نظير قوله: (مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ) . يعني مدفوق، وقالوا: الحافرة بمعنى المحفورة، ومعنى الكلام عندهم: أئنا لمردودون في قبورنا أمواتا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح،
(1) انظر ما مضى آنفًا لحديث رقم: 151.
عن مجاهد، قوله: (الْحَافِرَةِ) قال: الأرض: نبعث خلقا جديدا، قال: البعث.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) قال: الأرض، نبعث خلقا جديدا.
وقال آخرون: الحافرة: النار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: (أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) قال: الحافرة: النار، وقرأ قول الله (تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ) قال: ما أكثر أسماءها، هي النار، وهي الجحيم، وهي سَقَرُ، وهي جهنم، وهي الهاوية، وهي الحافرة، وهي لَظَى، وهي الحُطَمة.
وقوله: (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) اختلفت القرّاء قي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والحجاز والبصرة (نَخِرَةً) بمعنى: بالية. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (ناخِرَةً) بألف، بمعنى: أنها مجوّفة تنخَر الرياح في جوفها إذا مرّت بها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الناخرة والنخرة سواء في المعنى، بمنزلة الطامع والطمِع، والباخل والبَخِل؛ وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا (نَخِرَةً) ، بغير ألف، بمعنى: بالية، غير أن رءوس الآي قبلها وبعدها جاءت بالألف، فأعجب إليّ لذلك أن تُلْحق ناخرة بها ليتفق هو وسائر رءوس الآيات، لولا ذلك كان أعجب القراءتين إليّ حذف الألف منها.
* ذكر من قال (نَخِرَةً) : بالية:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) فالنخرة: الفانية البالية.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (عِظَامًا نَخِرَةً) قال: مرفوتة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا) تكذيبا بالبعث (نَاخِرَةً) بالية. قالوا: (تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ) يقول جلّ ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذّبين بالبعث، قالوا: تلك: يعنون تلك الرجعة أحياء بعد الممات، إذًا:
يعنون الآن، كرّة: يعنون رجعة، خاسرة: يعنون غابنة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ) : أي رجعة خاسرة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ) قال: وأيّ كرّة أخسر منها، أُحيوا ثم صاروا إلى النار، فكانت كرّة سوء.
وقوله: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، ونَفخة تنفخ في الصور، وذلك هو الزجرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) قال: صيحة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) قال: الزجرة: النفخة في الصور.
وقوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) يقول تعالى ذكره: فإذا هؤلاء المكذبون بالبعث المتعجبون من إحياء الله إياهم من بعد مماتهم، تكذيبا منهم بذلك بالساهرة، يعني بظهر الأرض، والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة، وأراهم سموا ذلك بها، لأن فيه نوم الحيوان وسهرها، فوصف بصفة ما فيه؛ ومنه قول أُميَّة بن أبي الصَّلْت:
وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ ... وَمَا فاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقِيمُ (1)
(1) ديوانه القصيدة: 15 / 32. وسيد كندة هو حجر أبو امرئ القيس. ورب معد: حذيفة بن بدر، كما يقول شارح ديوانه، وأنا في شك منه، فإن حذيفة بن بدر قتل بالهباءة. ولبيد يذكر خبتًا وعرعرًا، وهما موضعان غيره.
ومنه قول أخي نهم يوم ذي قار لفرسه:
أَقْدِمْ "مِحاجُ" إنها الأساوِرَه ... وَلا يَهُولَنَّكَ رِجْلٌ نادِرَهْ ... فإنَّمَا قَصْرُكَ تُرْبُ السَّاهِرَهْ ... ثُمَّ تَعُودُ بَعْدَها فِي الْحَافِرَهْ ... مِنْ بَعْدِ ما كُنْتَ عِظاما ناخِرَهْ (1)
واختلف أهل التأويل في معناها، فقال بعضهم مثل الذي قلنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: على الأرض، قال: فذكر شعرا قاله أُمية بن أبي الصلت، فقال:
عِنْدَنا صَيْدُ بَحْرٍ وصَيْدُ ساهِرَةٍ (2)
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا أبو محصن، عن حصين، عن عكرِمة، في قوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: الساهرة: الأرض، أما سمعت: لهم صيد بحر، وصيد ساهرة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
(1) ديوانه: 89، والمخصص 7: 154. الطريف والطارف: المال المستحدث، خلاف التليد والتالد: وهو العتيق الذي ولد عندك.
(2) ديوانه: 25. سلأ السمن يسلؤه: طبخه وعالجه فأذاب زبده. والسلاء، بكسر السين: السمن. وحقن اللبن في الوطب، والماء في السقاء: حبسه فيه وعبأه. رب نحى السمن يربه: دهنه بالرب، وهو دبس كل ثمرة، وكانوا يدهنون أديم النحى بالرب حتى يمتنوه ويصلحوه، فتطيب رائحته، ويمنع السمن أن يرشح، من غير أن يفسد طعمه أو ريحه. وإذا لم يفعلوا ذلك بالنحى فسد السمن. وأديم مربوب: جدا قد أصلح بالرب. يقول: فعلوا فعل هذه الحمقاء، ففسد ما جهدوا في تدبيره وعمله.
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) يعني: الأرض.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرِمة، في قوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: فإذا هم على وجه الأرض، قال: أو لم تسمعوا ما قال أُمية بن أبي الصلت لهم:
وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ ...
حدثنا عمارة بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عمارة، عن عكرمة، في قوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: فإذا هم على وجه الأرض، قال أمية:
وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ ...
حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) فإذا هم على وجه الأرض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بِالسَّاهِرَةِ) قال: المكان المستوي.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما تباعد البعث في أعين القوم قال الله: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) يقول: فإذا هم بأعلى الأرض بعد ما كانوا في جوفها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (بِالسَّاهِرَةِ) قال: فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض والأرض، الساهرة، قال: فإذا هم يخرجون.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة وأبي الهيثم، عن سعيد بن جُبير (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: بالأرض.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جُبير، مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن عكرمة، مثله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) : وجه الأرض.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: الساهرة ظهر الأرض فوق ظهرها.
وقال آخرون: الساهرة: اسم مكان من الأرض بعينه معروف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثني الوليد بن مسلم، عن عثمان بن أبي العاتكة، قوله: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: بالصُّقْع الذي بين جبل حسان وجبل أريحاء، يمدّه الله كيف يشاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: أرض بالشام.
وقال آخرون: هو جبل بعينه معروف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الحسن بن بلال، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا أبو سنان، عن وهب بن منبه، قال في قول الله: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: الساهرة: جبل إلى جنب بيت المقدس.
وقال آخرون: هي جهنم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان العقيلي، قال: ثني سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) قال: في جهنم.
القول في تأويل قوله تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) } .
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدّس، يعني بالمقدّس: المطهر المبارك. وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى، فأغنى عن إعادته في هذا
الموضع، وكذلك بيَّنَّا معنى قوله: (طُوًى) وما قال فيه أهل التأويل، غير أنا نذكر بعض ذلك هاهنا.
وقد اختلف أهل التأويل في قوله: (طُوى) فقال بعضهم: هو اسم الوادي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (طُوًى) اسم الوادي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) قال: اسم المقدّس طوى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) كنا نحدّث أنه قدّس مرّتين، واسم الوادي طُوًى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: طأ الأرض حافيا.
* ذكر بعض من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) قال: طأ الأرض بقدمك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أن الوادي قدّس طوى: أي مرّتين، وقد بيَّنا ذلك كله ووجوهه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقرأ ذلك الحسن بكسر الطاء، وقال: بُثَّتْ فيه البركة والتقديس مرّتين. حدثنا بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة (طُوًى) بالضمّ ولم يجرّوه وقرأ ذلك بعض أهل الشأم والكوفة (طُوًى) بضمّ الطاء والتنوين.
وقوله: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) يقول تعالى ذكره: نادى موسى ربُّه: أن اذهب إلى فرعون، فحذفت "أن" إذ كان النداء قولا فكأنه قيل لموسى قال ربه: اذهب إلى فرعون. وقوله: (إِنَّهُ طَغَى) يقول: عتا وتجاوز حدّه في العدوان، والتكبر على ربه.
وقوله: (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى) يقول: فقل له: هل لك إلى أن تتطهَّر من دنس الكفر، وتؤمِن بربك؟
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|