
27-07-2025, 07:45 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ التكوير
الحلقة (1388)
صــ 261 الى صــ270
حدثنا بشر، قال: ثنا خالد بن عبد الله الواسطي، قال: ثنا مغيرة، عن إبراهيم (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) ببخيل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) قال: ما يضنّ عليكم بما يعلم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) قال: إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا، فبذله وعلَّمه ودعا إليه، والله ما ضنّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قال: في قراءتنا بمتهم، ومن قرأها (بِضَنِينٍ) يقول: ببخيل.
حدثنا مهران، عن سفيان (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) قال: ببخيل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) الغيب: القرآن، لم يضنّ به على أحد من الناس أدّاه وبلَّغه، بعث الله به الروح الأمين جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدّى جبريل ما استودعه الله إلى محمد، وأدّى محمد ما استودعه الله وجبريل إلى العباد، ليس أحد منهم ضَنَّ، ولا كَتَم، ولا تَخَرَّص.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك بالظاء، وتأوّله على ما ذكرنا من أهل التأويل.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه قرأ: (بظَنينٍ) قال: ليس بمتهم.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلَّى، عن سعيد بن جُبير أنه كان يقرأ هذا الحرف (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) فقلت لسعيد بن جُبير: ما الظنين؟ قال: ليس بمتهم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جُبير أنه قرأ: (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قلت: وما الظنين؟ قال: المتهم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) يقول: ليس بمتهم على ما جاء به، وليس يظنّ بما أوتي.
حدثنا بشر، قال: ثنا خالد بن عبد الله الواسطيّ، قال: ثنا المغيرة، عن إبراهيم (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قال: بمتهم.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن زِرّ (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قال: الغَيب: القرآن. وفي قراءتنا (بِظَنِينٍ) متهم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بِظَنِينٍ) قال: ليس على ما أنزل الله بمتهم.
وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية أن معناه: وما هو على الغيب بضعيف، ولكنه محتمِل له مطيق، ووجهه إلى قول العرب للرجل الضعيف: هو ظَنُون.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك (بِضَنِينٍ) بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها. فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك: تأويل من تأوّله، وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه.
وقوله: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) يقول تعالى ذكره: وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون مطرود، ولكنه كلام الله ووحيه.
وقوله: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) ؟ يقول تعالى ذكره: فأين تذهبون عن هذا القرآن وتعدلون عنه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)
يقول: فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي. وقيل: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) ولم يقل: فإلى أين تذهبون، كما يقال: ذهبت الشأم وذهبت السوق. وحُكي عن العرب سماعا: انطلق به الغَوْرَ، على معنى إلغاء الصفة، وقد ينشد لبعض بني عُقَيل:
تَصِيحُ بِنا حَنِيفةُ إذْ رأتْنا ... وأيَّ الأرْضِ تَذْهَبُ للصَّياح (1)
بمعنى: إلى أيّ الأرض تذهب واستجيز إلغاء الصفة في ذلك للاستعمال.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) } .
يقول تعالى ذكره: (إنْ) هذا القرآن، وقوله: (هُوَ) من ذكر القرآن (إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) يقول: إلا تذكرة وعظة للعالمين من الجنّ والإنس (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) فجعل ذلك تعالى ذكره ذكرا لمن شاء من العالمين أن يستقيم، ولم يجعله ذكرا لجميعهم، فاللام في قوله: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ) إبدال من اللام في للعالمين. وكان معنى الكلام: إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم على سبيل الحقّ فيتبعه، ويؤمن به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،
(1) في المخطوطة: "الملك على الملك" ، وهما سواء.
قوله: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال: يتبع الحقّ.
وقوله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) يقول تعالى ذكره: وما تشاءون أيها الناس الاستقامة على الحقّ، إلا أن يشاء الله ذلك.
وذكر أن السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية، ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى لما نزلت (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، فنزلت: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: لما نزلت هذه الآية (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد، عن سليمان بن موسى، قال: لما نزلت هذه الآية: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل: ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
آخر تفسير سورة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)
تفسير سورة الانفطار
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) } .
يقول تعالى ذكره: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ) انشقَّت، وإذا كواكبها انتثرت منها فتساقطت، (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) يقول: فجَّر بعضها في بعض، فملأ جميعها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في بعض ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس،
في قوله: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) يقول: بعضها في بعض.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) فُجِّر عذبها في مالحها، ومالحها في عذبها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) قال: فجِّر بعضها في بعض، فذهب ماؤها. وقال الكلبي: ملئت.
وقوله: (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) يقول: وإذا القبور أُثيرت فاستخرج من فيها من الموتى أحياء، يقال: بعثر فلان حوض فلان: إذا جعل أسفله أعلاه، يقال: بعثرة وبحثرة: لغتان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) يقول: بُحثت.
وقوله: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) يقول تعالى ذكره: علمت كلّ نفس ما قدّمت لذلك اليوم من عمل صالح ينفعه، وأخرت وراءه من شيء سنَّه فعمل به.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: ثني عن القُرَظي، أنه قال في: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) قال: ما قدّمت مما عملت، وأما ما أخَّرت فالسنة يَسُنها الرجل يُعمل بها من بعده.
وقال آخرون: عُني بذلك ما قدّمت من الفرائض التي أدتها، وما أخَّرت من الفرائض التي ضيعتها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن عكرِمة (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ) قال: ما افترض عليها (وَأَخَّرَتْ) قال: مما افترض عليها.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) قال: تعلم ما قدّمت من طاعة الله، وما أخرت مما أُمِرَت به من حقّ لله عليه لم تعمل به.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) قال: ما قدّمت من خير، وأخَّرت من حق الله عليها لم تعمل به.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، (مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) قال: ما قدمت من طاعة الله وما أخرت من حق الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) قال: ما قدّمت: عملت، وما أخرت: تركت وضيَّعت، وأخرت من العمل الصالح الذي دعاها الله إليه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما قدّمت من خير أو شرّ، وأخَّرت من خير أو شرّ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوّام، عن إبراهيم التيمي، قال: ذكروا عنده هذه الآية (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) قال: أنا مما أخَّرَ الحجاج.
وإنما اخترنا القول الذي ذكرناه، لأن كلّ ما عمل العبد من خير أو شرّ فهو مما قدّمه، وأن ما ضيَّع من حقّ الله عليه وفرّط فيه فلم يعمله، فهو مما قد قدّم من شرّ، وليس ذلك مما أخَّر من العمل، لأن العمل هو ما عمله. فأما ما لم يعمله فإنما هو سيئة قدّمها، فلذلك قلنا: ما أخر: هو ما سنه من سنة حسنة وسيئة، مما إذا عمل به العامل، كان له مثل أجر العامل بها أو وزره.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) } .
يقول تعالى ذكره: يا أيها الإنسان الكافر، أيّ شيء غرّك بربك الكريم، غرّ الإنسانَ به عدوُّه المسلَّط عليه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) شيء ما غرّ ابن آدم هذا العدوّ الشيطان.
وقوله: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ) يقول: الذي خلقك أيها الإنسان فسوّى خلقك (فَعَدَلَكَ) واختلفت القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرَّاء المدينة ومكة والشام والبصرة (فعدّلك) بتشديد الدال، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بتخفيفها، وكأن من قرأ ذلك بالتشديد وجَّه معنى الكلام إلى أنه جعلك معتدلا معدّل الخلق مقوَّما، وكأن الذين قرءوه بالتخفيف، وجَّهوا معنى الكلام إلى صرفك وأمالك إلى أيّ صورة شاء، إما إلى صورة حسنة، وإما إلى صورة قبيحة، أو إلى صورة بعض قراباته.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجبهما إليّ أن أقرأ به قراءة من قَرَأ ذلك بالتشديد، لأن دخول "في" للتعديل أحسن في العربية من دخولها للعدل، ألا ترى أنك تقول: عدّلتك في كذا، وصرفتك إليه، ولا تكاد تقول: عدلتك
إلى كذا وصرفتك فيه، فلذلك اخترت التشديد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك وذكرنا أن قارئي ذلك تأوّلوه، جاءت الرواية عن أهل التأويل أنهم قالوه.
ذكر الرواية بذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) قال: في أيّ شبه أب أو أم أو خال أو عمّ.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل، في قوله: (مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) قال: إن شاء في صورة كلب، وإن شاء في صورة حمار.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) قال: خنزيرا أو حماوا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) قال: إن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير.
حدثني محمد بن سنان القزّاز، قال: ثنا مطهر بن الهيثم، قال: ثنا موسى بن عليّ بن أبي رباح اللَّخمي، قال: ثني أبي، عن جدي، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: "ما وُلِدَ لَك؟" قال: يا رسول الله ما عسَى أن يولد لي، إما غلام، وإما جارية، قال: "فَمَن يُشْبِهُ؟" قال: يا رسول الله من عسى أن يشبه؟ إما أباه، وإما أمه؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم عندها: "مَهْ، لا تَقُولَنَّ هَكَذَا، إنَّ النُّطْفَةَ إذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أحْضَرَ اللهُ كُلَّ نَسَبٍ بَيْنَها وَبَينَ آدَمَ، أما قَرأْتَ هَذِهِ الآيَةَ فِي كتاب الله (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) قال: سَلَكَكَ" .
القول في تأويل قوله تعالى: {كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) } .
يقول تعالى ذكره: ليس الأمر أيها الكافرون كما تقولون من أنكم على الحقّ في عبادتكم غير الله، ولكنكم تكذّبون بالثواب والعقاب، والجزاء والحساب.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) قال أهل التأويل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|