
28-07-2025, 11:12 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة :
|
|
رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي
الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الاول
صـــ 121 الى صـــ 130
(13)
قال (ومن استيقن بالتيمم فهو على تيممه حتى يستيقن بالحدث أو بوجود الماء) للأصل الذي قدمناه في الوضوء أن اليقين لا يزول بالشك
قال (وإذا أراد التيمم فتمعك في التراب ودلك بذلك جسده كله فإن كان أصاب التراب وجهه وذراعيه وكفيه أجزأه) لأنه أتى بالواجب وزاد عليه وقد بينا فيه حديث عمار - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كان يكفيك ضربتان» يعني ضربة للوجه وضربة للذراعين على ما عرف.
قال (وإن بدأ بذراعيه في التيمم أو مكث بعد تيمم وجهه ساعة ثم تيمم على ذراعيه أجزأه) لأنه بدل عن الوضوء وقد بينا أن الترتيب والموالاة في الوضوء مسنون لا يمنع تركه الجواز فكذلك في التيمم.
قال (وإذا تيمم جنب أو حائض من مكان ثم وضع آخر يده على ذلك المكان فتيمم به أجزأه) لأن الصعيد الباقي في المكان بعد تيمم الأول نظير الماء الباقي في الإناء بعد وضوء الأول واغتساله به فيكون طهورا في حق الثاني كذا هذا.
قال (وإذا تيمم وهو مقطوع اليدين من المرفقين فعليه مسح موضع القطع من المرفق عندنا) خلافا لزفر - رحمه الله تعالى - بناء على أن المرفق يدخل في فرض الطهارة عندنا خلافا لزفر - رحمه الله تعالى - ثم موضع القطع صار باديا في حقه فهو نظير الكف في حق من هو صحيح اليدين فعليه مسحه في التيمم وإن كان القطع من فوق لم يكن عليه مسحه؛ لأن موضع الطهارة من يده فائت فإن ما فوق المرفق ليس بموضع الطهارة.
قال (وإذا تيمم وفي رحله ماء لا يعلم به بأن كان نسيه بعد ما وضعه أو وضعه بعض أهله فصلاته بالتيمم جائزة) عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا تجوز عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قال؛ لأن الماء في السفر من أهم الأشياء عند المسافر فقد نسي ما لا ينسى عادة فلا يعتبر نسيانه كما لو كان الماء على ظهره أو معلقا في عنقه فنسيه لا يعتبر نسيانه ولأن جواز التيمم عند عدم الماء وهو واجد للماء لكونه في رحله فإن رحله في يده فلا يجزئه التيمم كالمكفر بالصوم إذا نسي الرقبة في ملكه لا يجزئه لهذا. وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى احتجا في الكتاب
وقالا بأن الله تعالى لم يكلفه إلا علمه ومعنى هذا التكليف بحسب الوسع وليس في وسعه استعمال الماء قبل علمه به وإذا لم يكن مخاطبا باستعماله فوجوده كعدمه كالمريض ومن يخاف العطش على نفسه تقديره أنه عدم آلة الوصول إلى الماء وهو العلم به فكان نظير الواقف على شفير البئر وليس معه آلة الاستسقاء ففرضه التيمم بخلاف الرقبة فالمعتبر هناك ملكها حتى لو عرض إنسان عليه الرقبة كان له أن لا يقبل ويكفر بالصوم، وبالنسيان لم ينعدم ملكه، وهنا المعتبر القدرة على استعمال الماء حتى لو عرض إنسان عليه الماء لا يجزئه التيمم وبالنسيان زالت هذه القدرة فجاز تيممه وهو بخلاف ما إذا كان عالما به وظن أنه قد نفذ؛ لأن القدرة على الاستعمال ثابتة بعلمه فلا ينعدم بظنه وعليه التفتيش فإذا لم يفعل لا يجزئه التيمم بخلاف ما نحن فيه على ما بينا.
قال (وإذا كان به جدري أو جراحات في بعض جسده فإن كان محدثا فالمعتبر أعضاء الوضوء) فإن كان أكثره صحيحا فعليه الوضوء في الصحيح، وإن كان أكثره مجروحا فعليه التيمم دون غسل الصحيح منه وإن كان جنبا فالعبرة بجميع الجسد فإن كان أكثره مجروحا تيمم وصلى عندنا. وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يلزمه الغسل فيما هو صحيح في الوجوه جميعا؛ لأن سقوط الغسل عما هو مجروح لضرورة الضرر في إصابة الماء والثياب والضرورة تتقدر بقدرها.
(ولنا) أن الأقل تابع للأكثر «فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المجدور كان يكفيه التيمم» وأحد لا يقول أنه يغسل ما بين كل جدريين فدل على أن العبرة للأكثر وإذا كان الأكثر مجروحا فكأن الكل مجروح وقد بينا أنه لا يجمع بين الأصل والبدل على سبيل رفو أحدهما بالآخر فإذا كان الأكثر مجروحا لم يكن له بد من التيمم فسقط فرض الغسل لهذا.
قال (وإن أجنب الصحيح في المصر فخاف أن يقتله البرد إن اغتسل فإنه يتيمم) في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - كالمسافر إذا خاف ذلك وعندهما يجزئه ذلك في السفر ولا يجزئه في المصر قالا: لأن السفر يتحقق فيه خوف الهلاك من البرد فإنه لا يجد ماء سخينا ولا ثوبا يتدفأ به ولا مكانا يأويه وأما المصر لا يعدم أحد هذه الأشياء إلا نادرا ولا عبرة بالنادر ولهذا لم يجعل عدم الماء في المصر مجوزا للتيمم بخلاف خارج المصر وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: المسافر يجوز له التيمم مع وجود الماء لخوف الهلاك من البرد فإذا تحقق ذلك في حق المقيم كان هو كالمسافر؛ لأن معنى الحرج من استعمال الماء ثابت فيهما ولأن من جاز له التيمم مع وجود الماء فالمصر والسفر له سواء كالمريض
وأما المحبوس في السجن فإن كان في موضع نظيف وهو لا يجد الماء كان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول إن كان خارج المصر صلى بالتيمم وإن كان في المصر لم يصل وهو قول زفر - رضي الله تعالى عنه - ثم رجع فقال يصلي ثم يعيد وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وجه قوله الأول أن عدم الماء في المصر غير معتبر شرعا حتى لا يسقط عنه الفرض بالتيمم ويلزمه الإعادة فلم يكن التيمم طهورا له ولا صلاة إلا بطهور. وجه قوله الآخر أن عدم الماء في المصر إنما لا يعتبر؛ لأنه لا يكون إلا نادرا فأما في السجن فعدم الماء ليس بنادر فكان معتبرا فأمر بالصلاة بالتيمم لعجزه عن الماء فأما الإعادة ففي القياس لا يلزمه وهو رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - كما لو كان في السفر وفي الاستحسان يعيد؛ لأن عدم الماء كان لمعنى من العباد ووجوب الصلاة عليه بالطهارة لحق الله تعالى فلا يسقط بما هو من عمل العباد بخلاف المسافر فإن هناك جواز التيمم لعدم الماء لا للحبس فلا صنع للعباد فيه فهو نظير المقيد إذا صلى قاعدا تلزمه الإعادة إذا رفع القيد عنه بخلاف المريض.
وإن كان محبوسا في مكان قذر لا يجد صعيدا طيبا ولا ماء يتوضأ به فإنه لا يصلي في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - يصلي بالإيماء تشبها بالمصلين واختلفت الروايات عن محمد - رحمه الله تعالى - فذكر في الزيادات ونسخ أبي حفص - رحمه الله تعالى - من الأصل كقول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وفي نسخ أبي سليمان - رحمه الله تعالى - ذكر قوله كقول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - ووجهه أن العاقل المسلم لا يجوز أن يمضي عليه وقت الصلاة وهو لا يتشبه بالمصلين فيه بحسب الإمكان والتكليف إنما يتثبت بحسب وسعه، ووجه قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن الصلاة بغير طهور معصية ولا يحصل التشبه بالمصلين فيما هو معصية وقد تقدم نظيره. ومن نظائره الهارب من العدو ماشيا والمشتغل بالقتال في حال المسايفة والسابح في البحر بعد ما انكسرت السفينة عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يصلون بالإيماء تشبها ثم يعيدون. وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يصلون؛ لأن مع العمل من القتال والسباحة والمشي لا تكون الصلاة قربة وفي الحديث «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق» لكونه كان مشغولا بالقتال فدل أنه لا يصلي في هذه الحالة.
قال (مسافر جنب غسل فرجه ووجهه وذراعيه ورأسه ثم أهراق الماء فتيمم وافتتح الصلاة ثم قهقه فيها ووجد الماء فعليه أن يغسل وجهه وذراعيه ويمسح برأسه ويغسل
ما بقي من بعض جسده) لأن شروعه في الصلاة قد صح بالتيمم، والقهقهة في الصلاة لو طرأ على غسل الأعضاء نقض طهارته فيها، فكذلك إذا طرأ على غسل بعض الأعضاء بمنزلة سائر الأحداث وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في الإملاء قال القهقهة في الصلاة ناقض للطهارة التي بها شرع في الصلاة وشروعه في الصلاة هنا بالتيمم لا بغسل وجهه وذراعيه ولا تنتقض بالقهقهة طهارته في الوجه والذراعين ولا يلزمه إعادة الغسل فيهما كما لا يلزمه إعادة الغسل فيما غسل من جسده سوى أعضاء الوضوء.
قال (جنب اغتسل فبقي على بدنه لمعة لم يصبها فإنه يتيمم ويصلي) لأن زوال الجنابة معتبر ثبوتها حكما فكما لا يتحقق ثبوتها في بعض البدن دون البعض فكذلك لا يتحقق زوالها ما بقي شيء لم يصبه الماء، فإن وجد الماء بعد ذلك غسل ذلك الموضع؛ لأنه قدر على ما يطهره ولا يتيمم؛ لأنه طاهر عن الحدث فإن كان أحدث قبل غسل ذلك الموضع فالمسألة على أوجه إن كان الماء الذي وجده يكفيه للمعة والوضوء غسل اللمعة ليخرج من الجنابة ثم يتوضأ؛ لأنه محدث معه ما يوضئه، وإن كان لواحد منهما يتيمم للحدث وتيممه للجنابة باق ولكنه يستعمل ذلك الماء في اللمعة لتقليل الجنابة وإن كان يكفيه للمعة دون الوضوء غسل به اللمعة ليخرج من الجنابة ثم يتيمم للحدث، وإن كان يكفيه للوضوء دون اللمعة توضأ به وتيممه للجنابة باق، وإن كان يكفيه لكل واحد منهما على الانفراد غسل به اللمعة لتزول به الجنابة فإن حكمها أغلظ من الحدث حتى يمنع الجنب من القراءة دون المحدث ثم يتيمم للحدث فإن بدأ بالتيمم للحدث أجزأه في رواية كتاب الصلاة ولم يجزه في رواية الزيادات وقيل ما ذكر في الزيادات قول محمد - رحمه الله تعالى -. ووجهه أنه تيمم ومعه ماء يكفيه للوضوء فلا يعتبر تيممه وما ذكر في الأصل قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - ووجهه أن الماء مستحق للمعة فهو كالمعدوم في حق الحدث كالمستحق للعطش، وشبه هذا بسؤر الحمار في أنه يجمع المسافر بين التوضؤ به والتيمم والأولى أنه يبدأ بالوضوء به فإن بدأ بالتيمم أجزأه فكذلك هنا.
قال (متيمم افتتح الصلاة ثم وجد سؤر حمار مضى على صلاته فإذا فرغ توضأ به وأعاد الصلاة) لأن سؤر الحمار مشكوك في طهارته وشروعه في الصلاة قد صح فلا ينتقض بالشك فلهذا يتم الصلاة ثم يتوضأ به ويعيد احتياطا لجواز أن يكون سؤر الحمار طاهرا.
قال (ولو وجد نبيذ التمر في خلال الصلاة فكذلك) عند محمد - رحمه الله تعالى - يتم صلاته ثم يتوضأ به ويعيد
لأنه كسؤر الحمار عنده وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يتم صلاته ولا يعيد؛ لأن النبيذ عنده ليس بطهور وعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - يقطع صلاته؛ لأن نبيذ التمر بمنزلة الماء عنده في حال عدم الماء فتنتقض صلاته بوجوده فيتوضأ به ويستقبل وإن وجد سؤر الحمار والنبيذ جميعا فعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - تفسد صلاته فيتوضأ بهما ثم يستقبل؛ لأن سؤر الحمار إن كان طاهرا فالنبيذ معه ليس بطهور فلهذا توضأ بهما وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يمضي في صلاته فإذا فرغ توضأ بهما وأعاد الصلاة احتياطا.
[فصل في ذكر المسائل المعدودة لأبي حنيفة]
- رحمه الله تعالى - إذا فرغ المصلي من تشهده ولم يسلم حتى انقضى وقت مسحه أو وجد في خفه شيئا فنزعه فانتقض به مسحه فسدت صلاته في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -. وكذلك المتيمم إذا وجد الماء ومصلي الجمعة إذا خرج وقتها ومصلي الفجر إذا طلعت عليه الشمس والعاري إذا وجد ثوبا والأمي إذا تعلم القراءة والقارئ إذا استخلف أميا والمومئ إذا قدر على الركوع والسجود والمصلي إذا تذكر الفائتة وصاحب الجرح السائل إذا برئ جرحه أو ذهب وقته وكذلك المستحاضة ومصلي الفائتة إذا تغيرت الشمس.
وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قد مضت في جميع ذلك وخرج بها عنها وجازت عنه. فمن أصحابنا من قال هذه المسائل تبتني على أصل وهو أن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رحمه الله - وعندهما ليس بفرض واحتجاجهما بحديث عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا رفع المصلي رأسه من آخر سجدة وقعد قدر التشهد فقد تمت صلاته» ولأنه بالاتفاق لو تكلم أو قهقه أو أحدث متعمدا أو حادث المرأة الرجل في هذه الحالة لم تفسد الصلاة ولو بقي عليه شيء من فرائض الصلاة لفسدت في هذه الأمور كما تفسد قبل القعدة ولأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن هذه عبادة لها تحريم وتحليل فلا يخرج منها على وجه التمام إلا بصنعه كالحج وتقريره أن بعد التشهد لو أراد استدامة التحريمة إلى خروج الوقت أو إلى دخول صلاة أخرى منع منه ولو لم يبق عليه شيء من الصلاة لم يمنع من ذلك، وتأويل الحديث أي قارب التمام كما قال من وقف بعرفة فقد تم حجه أي قارب التمام، والكلام والحدث العمد والمحاذاة والقهقهة صنع من جهته (فإن قيل) فنزع الخف أيضا صنعه.
(قلنا) هو
صنع غير قاطع حتى أن غاسل الرجلين لو فعله في خلال الصلاة لا يضره ولهذا قيل تأويله إن كان الخف واسع الساق لا يحتاج في نزعه إلى المعالجة فإن كان يحتاج إلى ذلك فصلاته تامة بالاتفاق (فإن قيل) فالاستخلاف أيضا صنعه (قلنا) نعم ولكنه صنع غير مفسد بدليل أنه لو استخلف القارئ في خلال الصلاة لم يضره ولكن هذا ليس بقوي لاستحالة أن يقال يتأدى فرض الصلاة بالكلام والحدث العمد ولو كان الخروج بصنع المصلي فرضا لاختص بما هو قربة كالخروج من الحج ولكن الصحيح لأبي حنيفة أن التحريمة باقية بعد الفراغ من التشهد، واعتراض المغير للفرض في هذه الحالة كاعتراضه في خلال الصلاة بدليل أن المسافر لو نوى الإقامة في هذه الحالة يتغير فرضه كما لو نوى الإقامة في خلال الصلاة وهذه العوارض مغيرة للفرض بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير والقهقهة والحدث العمد والمحاذاة مبطل لا مغير (فإن قيل) فطلوع الشمس في خلال الفجر مبطل لا مغير وقد جعلتموه على الاختلاف.
(قلنا) لا كذلك بل هو مغير للصلاة من الفرض إلى النفل فإنه لا يصير خارجا به من التحريمة، وجميع ما بينا فيما إذا اعترض قبل السلام، كذلك في سجود السهو أو بعد ما سلم قبل أن يتشهد أو بعد التشهد وقبل أن يسلم؛ لأن التحريمة باقية فإن عرض له شيء من ذلك بعد ما سلم قبل أن يسجد للسهو فصلاته تامة.
أما عندهما فلا شك وعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأنه بالسلام يخرج من التحريمة ولهذا لا يتغير فرض المسافر بنية الإقامة في هذه الحالة وكذلك إن كان يسلم إحدى التسليمتين؛ لأن انقطاع التحريمة يحصل بتسليمة واحدة وهذا كله بناء على قولنا، فأما عند الشافعي - رحمه الله تعالى - تفسد صلاته بالكلام والحدث العمد والعوارض المفسدة في هذه الحالة؛ لأن الخروج بالسلام عنده من فرائض الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - «وتحليلها التسليم» فكما أن التحريم من الصلاة مختص بما هو قربة فكذلك التحليل.
(ولنا) حديث «ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علمه التشهد قال له إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد» ولأن التسليم خطاب منه للناس حتى لو باشره في خلال الصلاة عمدا تفسد صلاته وما يكون من أركان الصلاة لا يكون مفسدا للصلاة وتبين بهذا أن المراد بقوله «- صلى الله عليه وسلم - وتحليلها التسليم» الإذن بانقضائها فإن من تحرم للصلاة فكأنه غاب عن الناس لا يكلمهم ولا يكلمونه وعند التسليم يصير كالعائد إليهم فلهذا يسلم
عليهم لا أن التسليم من أركان الصلاة ولو عرض له شيء من ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد أعاد الصلاة؛ لأن القعدة من الأركان لما روينا من حديث ابن مسعود،. وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن القدر المفروض من القعدة ما يأتي فيه بكلمة الشهادتين والأصح أن المفروض قدر ما يتمكن فيه من قراءة التشهد إلى قوله عبده ورسوله فالتشهد إذا أطلق يفهم منه هذا.
وفي الإملاء عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول أولا في الأمي يتعلم السورة في خلال الصلاة أنه يقرأ ويبني كالقاعد يقدر علي القيام ثم رجع عن ذلك وقال إن صلاة الأمي ضرورة محضة حتى لا يجوز ترك القراءة مع القدرة في النفل والفرض فهو قياس المومئ يقدر على الركوع والسجود والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب الأذان]
الأذان في اللغة الإعلام ومنه قوله تعالى {وأذان من الله ورسوله} [التوبة: 3] الآية، وتكلموا في سبب ثبوته فروى أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن علقمة بن مرثد عن أبي بردة عن أبيه قال «مر أنصاري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فرآه حزينا وكان الرجل ذا طعام فرجع إلى بيته واهتم لحزنه - صلى الله عليه وسلم - فلم يتناول الطعام ولكنه نام فأتاه آت فقال أتعلم حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مم ذا هو من هذا الناقوس فمره فليعلم بلالا الأذان» وذكره إلى آخره والمشهور «أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة كان يؤخر الصلاة تارة ويعجلها أخرى فاستشار الصحابة في علامة يعرفون بها وقت أدائه الصلاة لكي لا تفوتهم الجماعة فقال بعضهم: ننصب علامة حتى إذا رآها الناس أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك، وأشار بعضهم بضرب الناقوس فكرهه لأجل النصارى، وبعضهم بالنفخ في الشبور فكرهه لأجل اليهود، وبعضهم بالبوق فكرهه لأجل المجوس فتفرقوا قبل أن يجتمعوا على شيء قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري: فبت لا يأخذني النوم وكنت بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا نزل من السماء وعليه ثوبان أخضران وفي يده شبه الناقوس فقلت: أتبيعني هذا؟ فقال: ما تصنع به؟ فقلت: نضربه عند صلاتنا. فقال: ألا أدلك على ما هو خير من هذا؟
فقلت: نعم فقام على حذم حائط مستقبل القبلة فأذن ثم مكث هنيهة ثم قام فقال مثل مقالته الأولى وزاد في آخره قد قامت الصلاة مرتين فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته بذلك فقال: رؤيا صدق، أو قال: حق ألقها على بلال فإنه أمد صوتا منك فألقيتها عليه فقام على سطح أرملة كان أعلى السطوح بالمدينة وجعل يؤذن فجاء عمر - رضي الله تعالى عنه - في إزار وهو يهرول ويقول لقد طاف بي الليلة ما طاف بعبد الله إلا أنه قد سبقني فقال - صلى الله عليه وسلم - هذا أثبت». وروي أن سبعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين رأوا تلك الرؤيا في ليلة واحدة. وكان أبو حفص محمد بن علي ينكر هذا ويقول تعمدون إلى ما هو من معالم الدين فتقولون ثبت بالرؤيا كلا ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أسري به إلى المسجد الأقصى وجمع له النبيون أذن ملك وأقام فصلى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل نزل به جبريل - عليه الصلاة والسلام - حتى قال كثير بن مرة أذن جبريل في السماء فسمعه عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ولا منافاة بين هذه الأسباب فيجعل كأن ذلك كان.
ثم يختلفون في الأذان في ثلاثة مواضع: (أحدها) في الترجيع فإنه ليس من سنة الأذان عندنا خلافا للشافعي - رحمه الله تعالى - (وصفته) أن يأتي بكلمة - الشهادتين مرتين يخفض بهما صوته ثم يرجع فيأتي بهما مرتين أخريين يرفع بهما صوته واحتج الشافعي - رحمه الله تعالى - بحديث أبي محذورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ولا يكون تسع عشرة كلمة إلا بالترجيع وروي أنه أمر بالترجيع نصا وجعل كلمة الشهادتين قياس التكبير فكما أنه يأتي بلفظة التكبير أربع مرات فكذلك كلمة الشهادتين.
(ولنا) حديث عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - فهو الأصل وليس فيه ذكر الترجيع ولأن المقصود من الأذان قوله حي على الصلاة حي على الفلاح ولا ترجيع في هاتين الكلمتين ففيما سواهما أولى.
وأما لفظ التكبير فدليلنا فإن ذكر التكبير مرتين لما كان بصوت واحد فهو كلمة واحدة فأما حديث أبي محذورة قلنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتكرار حالة التعليم ليحسن تعلمه وهو كان عادته فيما يعلم أصحابه فظن أنه أمره بالترجيع. وقيل «إن أبا محذورة كان مؤذن مكة فلما انتهى إلى ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفض صوته استحياء من أهل مكة لأنهم لم
يعهدوا ذكر اسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم جهرا ففرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذنه وأمره أن يعود فيرفع صوته ليكون تأديبا له».
(والثاني) في التكبير (عندنا أربع مرات وعند مالك - رحمه الله تعالى - مرتين) وهو رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قاسه بكلمة الشهادتين يأتي بهما مرتين.
(ولنا) حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي محذورة - رضي الله تعالى عنهما - في الأذان تسع عشرة كلمة ولن يكون ذلك إذا كان التكبير مرتين ثم قد بينا أن كل تكبيرتين بصوت واحد فكأنهما كلمة واحدة فيأتي بهما مرتين كما يأتي بالشهادتين.
(والثالث) أن آخر الآذان لا إله إلا الله وعلى قول أهل المدينة لا إله إلا الله والله أكبر فاعتبروا آخره بأوله ويروون فيه حديثا ولكنه شاذ فيما تعم به البلوى والاعتماد في مثله على المشهور وهو حديث عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - على ما توارثه الناس إلى يومنا هذا.
قال (وينبغي للمؤذن أن يستقبل القبلة في أذانه حتى إذا انتهى إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يمينا وشمالا وقدماه مكانهما) ولأن الأذان مناجاة ومناداة ففي حالة المناجاة يستقبل القبلة وعند المناداة يستقبل من ينادي لأنه يخاطبه بذلك كما في الصلاة يستقبل القبلة فإذا انتهى إلى السلام حول وجهه يمينا وشمالا
لأنه يخاطب الناس بذلك فإذا فرغ من الصلاة والفلاح حول وجهه إلى القبلة لأنه عاد إلى المناجاة
قال (والإقامة مثنى مثنى كالأذان عندنا) وقال الشافعي - رحمه الله: الإقامة فرادى فرادى إلا قوله قد قامت الصلاة فإنها مرتان واستدل بحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» ولأن الأذان للإعلام فمع التكرار أبلغ في الإعلام والإقامة لإقامة الصلاة فالإفراد بها أعجل لإقامة الصلاة فهو أولى
(ولنا) حديث عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - فهو الأصل كما بينا. ومر علي بمؤذن يوتر الإقامة فقال: اشفعها لا أم لك ولأنه أحد الأذانين وهو مختص بقوله قد قامت الصلاة فلو كان من سنته الإفراد لكان أولى به هذه الكلمة.
وحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - معناه أمر بلالا أن يؤذن بصوتين ويقيم بصوت واحد بدليل ما روي عن إبراهيم قال: أول من أفرد الإقامة معاوية - رضي الله تعالى عنه - وقال مجاهد - رضي الله تعالى عنه: كانت الإقامة مثنى كالأذان حتى استخفه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم (وقال) مالك - رحمه الله تعالى - يفرد وقد قامت الصلاة أيضا
ويروي فيه حديثا عن سعد القرظي ولكنه شاذ فيما تعم به
البلوى والشاذ هي مسألة لا تكون حجة.
قال (ويجعل أصبعيه في أذنيه عند أذانه) «لقوله - صلى الله عليه وسلم - لبلال إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أندى لصوتك» وقال أبو جحيفة رأيت بلالا يؤذن في صومعته يتبع فاه هاهنا وها هنا وأصبعاه في أذنيه. وإن لم يفعل لم يضره لأن المقصود وهو الإعلام حاصل.
قال (وإن استدار في صومعته لم يضره) لأنه ربما لا يحصل المقصود بتحويل الوجه يمينا وشمالا بدون الاستدارة لتباعد جوانب المحلة فالاستدارة للمبالغة في الإعلام
قال (ولا يثوب في شيء من الصلاة إلا في الفجر) وكان التثويب الأول في الفجر بعد الأذان الصلاة خير من النوم مرتين فأحدث الناس هذا التثويب وهو حسن.
أما معنى التثويب لغة فالرجوع ومنه سمي الثواب لأن منفعة عمله تعود إليه ويقال ثاب إلى المريض نفسه إذا برأ فهو عود إلى الإعلام بعد الإعلام الأول بدليل ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص كحصاص الحمار فإذا فرغ رجع فإذا ثوب أدبر فإذا فرغ رجع فإذا أقام أدبر فإذا فرغ رجع وجعل يوسوس إلى المصلي أنه كم صلى».
فهذا دليل على أن التثويب بعد الأذان، وكان التثويب الأول الصلاة خير من النوم لما روي أن بلالا - رضي الله تعالى عنه - أذن لصلاة الفجر ثم جاء إلى باب حجرة عائشة - رضي الله تعالى عنها - فقال الصلاة يا رسول الله فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - الرسول نائم فقال بلال الصلاة خير من النوم فلما انتبه أخبرته عائشة - رضي الله تعالى عنها - بذلك فاستحسنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(قوله) فأحدث الناس هذا التثويب إشارة إلى تثويب أهل الكوفة فإنهم ألحقوا الصلاة خير من النوم بالأذان وجعلوا التثويب بين الأذان والإقامة حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين.
قال (والتثويب في كل بلدة ما يتعارفونه إما بالتنحنح أو بقوله الصلاة الصلاة أو بقوله قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) لأنه للمبالغة في الإعلام فإنما يحصل ذلك بما يتعارفونه.
قال (ولا تثويب إلا في صلاة الفجر) لما روي أن عليا - رضي الله تعالى عنه - رأى مؤذنا يثوب في العشاء فقال أخرجوا هذا المبتدع من المسجد
ولحديث مجاهد - رضي الله تعالى عنه - قال دخلت مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - مسجدا نصلي فيه الظهر فسمع المؤذن يثوب فغضب وقال قم حتى نخرج من عند
هذا المبتدع فما كان التثويب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في صلاة الفجر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|