عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-07-2025, 03:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس من قصص القرآن الكريم

دروس من قصص القرآن الكريم …

بين يدي قصة يوسف -عليه السلام-


  • من أول دروس قصة يوسف عليه السلام أن الأنبياء وإن كانوا أكمل الناس خَلقًا وخُلقًا فهم بشر كسائر البشر من حيث جريان أقدار الله عليهم
  • جمع يوسف عليه السلام مع كرم النبوة والاصطفاء كرم النسب الشريف وكرم الأخلاق وسعة الحلم وقوة الصبر والحكمة والعلم
جعل الله -تعالى- القصص في القرآن الكريم ذكرى وعظة، تناسب جميع الأفهام وتدركها كل العقول، كل بحسب علمه وعلى قدر فهمه، وإن مما قصه القرآن علينا من القصص الزاخر بالعبر، قصة نبي الله يوسف -عليه السلام-، وهو الابن الحادي عشر لنبي الله يعقوب -عليه السلام-، وقصته هي القصة الوحيدة التي جاءت في سورة كاملة بالقرآن الكريم سميت باسمه.
قال الله -تعالى-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} (يوسف: 3)، فكل قصص القرآن هو أحسن القصص، وقصة يوسف -عليه السلام- هي أنموذج من أحسن القصص، ثم هي بعد ذلك قد احتوت على عالم كامل من الحكم والعبر والعظات، فاشتملت على أحداث جسام، وعلوم ومعارف وأحوال، تعلقت بأنبياء ومجتمعات وأسر وملوك ونساء ورجال وأطفال، وذلك مما لم يُذكر في أي موضع آخر في غيرها، فهي بذلك قصة ثرية بالدروس على المستوى التربوي، والدعوي، والتشريعي، والاجتماعي، والعقائدي.
أول دروس قصة يوسف
إن من أول دروسها أن الأنبياء بشر كسائر البشر؛ من حيث جريان أقدار الله عليهم؛ فهم وإن كانوا أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً، لكن أقدار الله -تعالى- لا تميزهم عن البشر في شيء خارج حدود وظيفة البلاغ عن الله -تعالى-، فهم يمرضون كما يمرض الناس، ويتعرضون للمحن والأذى أشد مما يتعرض له الناس؛ ولذلك قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث عند الترمذي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - «قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ».
الكريم ابن الكرام
لقد أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يوسف -عليه السلام- في مواضع عدة، منها ما رواه البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام-»، فقد جمع يوسف -عليه السلام- مع كرم النبوة والاصطفاء، كرم النسب الشريف، مع ما قصه الله علينا في شأنه من كرم الأخلاق، وسعة الحلم، وقوة الصبر، والحكمة، والعلم، وغير ذلك من الكمالات.
أهداف ورودها في القرآن
لقد نزلت سورة يوسف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يزال في مكة، فرسمت للمسلمين، من بعيد، ملامح خطة الخلاص والتمكين؛ إذ بينت لهم أن ما يلقونه على أيدي أقربائهم في مكة، قد نال مثله وأشد نبيا كريماً على أيدي إخوته، وكما جعل الله -تعالى- العاقبة ليوسف فسيجعل العاقبة أيضاً لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وكما أتي إخوة يوسف إليه نادمين تائبين، فكذلك سيأتي القريشيون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة تائبين نادمين، بل وكما انتقل كل إخوة يوسف من الشام إلى مصر، فأقاموا بها معه، تحت سلطانه، فكذلك سوف ينتقل الذين آذوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليعيشوا معه في المدينة المنورة، وهكذا حملت سورة يوسف للمسلمين مفاتيح البشرى، وبشريات الفرج؛ حيث بشرت بأن فترة الاضطهاد المكي سيعقبها التمكين، كما حصل مع يوسف -عليه السلام-، من بعد الاسترقاق والسجن.
الحسد لا يغير الأقدار
إذا كانت قصة يوسف -عليه السلام- قد علمتنا أن الحسد يكثر بين الأقران، فإنها علمتنا أيضاً أن الحاسد لا يفلح، وأن الحسد وإن أثر فإنه لا يضر المحسود إلا بما قدره الله وقضاه، وفي النهاية لا يكون إلا ما أراد الله، لا ما أراد الحاسد، فمهما حاول إخوة يوسف القضاء عليه، فإن القدر المقدر له من الرفعة والتمكين جار على مراد الله وترتيبه، وعلى وفق مشيئته، لا مشيئة أحد سواه.
العدل بين الأبناء
لقد كان يعقوب -عليه السلام- عادلاً بين أبنائه؛ فهو رسول من رسل الله لا يليق وصمه بعدم العدل، إنما رأى الحاسدون من أبنائه في عينيه مزيد شفقة وعطف على يوسف وأخيه، لصغرهما، مع حداثة فقدهما لأمهما، فتغلغل الحقد في قلوبهم، ولا سيما مع ما تميز به يوسف -عليه السلام- من مخايل النجابة، وجميل المنظر، وحسن السمت، وكمال الأدب؛ فحرك في نفوسهم الحقد والحسد نحوه، لاستكثارهم نعم الله عليه، وكان قد زاد من تحريك ذلك الشر في نفوسهم وأجَّجَ ناره في قلوبهم، كثرةُ نظر أبيهم إليه، فقد فهموا من ذلك مزيد اهتمامه بيوسف، ومحبته له دونهم، هكذا تصوروا، وهكذا يفعل الحسد بأصحابه؛ لذلك نتعلم وجوب العدل بين الأولاد، ليس فقط في العطايا والمنح المالية، بل في كل شيء، حتى في توزيع النظرات، والابتسامات، والقبلات، ولا ينبغي أن تميز أحدهم على غيره، إلا مع شرحٍ واف وذكرٍ للأسباب والأعذار.
تدمير الأسرة لأجل نظرة
لقد تعلمنا من قصة يوسف -عليه السلام-، أن الحسد بين الإخوة كما يعود بالضرر على الحاسد والمحسود منهم، فإنه يعود بالضرر على الأسرة جميعها، وما كان يطمع إخوة يوسف من وراء جريمتهم النكراء في وراثة ماله، ولا متاعه، ولكن فقط من أجل أن يَخْلوَ لهم وَجْهُ أَبِيهم، {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} (يوسف)، لقد استنتجوا من كثرة نظر أبيهم ليوسف وأخيه أنهما أحب إليه منهم؛ فلذلك قرروا أن يتخلصوا من أخيهم بالقتل أو التغريب، بإلقائه في أرض بعيدة مجهولة، حتى يموت فيها غريبا، والتغريب عقوبة لا تقل عن القتل، بل هو كالقتل، وإن كان في الشكل دونه؛ لذلك قال الشاعر:
حَسَّنُوا القول وقالوا غربة
إنما الغربة للأحرار ذبحٌ
لقد سولت لهم أنفسهم ذلك حتى يُقبل عليهم أبوهم بوجهه ولا يشاركهم في محبته أحد، قالوا {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ}، هكذا حين يسيطر الحقد على القلوب وتقوى بها نيران الحسد؛ فتتحول العقولُ إلى كومة من النفايات الهالكة، والقلوبُ إلى حجارة سوداء متفحمة، فترى الشرَّ خيرا والخير شرا والصغائر كبائر والكبائر صغائر، وتفقد التقدير الصحيح للأمور.
الرؤى محور الأحداث
لقد قص القرآن الكريم علينا طرفاً من قصص نبي الله يوسف -عليه السلام- في طفولته وفي شبابه وفي كهولته، وفي كل ذلك كانت للرؤى دورها البارز في تحولات حياته، وقد بدأ ذلك برؤيا رآها يوسف في نومه وقصها على أبيه، {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} (يوسف)، هنا يتبين لنا أن الرؤيا بوصفها حدثاً لها دور كبير في حياة يوسف -عليه السلام-، فقد بدأ على إثرها كيد إخوته له، وبها تنبأ أبوه له بالتفوق على أقرانه، كما كان للرؤيا بعد ذلك دور أيضاً في إنهاء معاناته وأبيه، وتحولهما من الابتلاء إلى العافية، ومن الصبر على البلاء إلى الصبر على النعمة؛ إذ بدأ التمكين ليوسف برؤيا رآها الملك، على ما سيرد في حينه.
الرؤى دليل صدق المرسلين
الرؤيا هي ما يراه الإنسان في نومه، مما لا مدخل لإرادته فيه، وهي من هذا الباب سر من أسرار النفس البشرية، وهي أحد الدلائل التي يستدل بها على أن الإنسان مركب من روح ومادة، وهو ما يدل على صدق المرسلين، على خلاف ما يراه الملاحدة من أن الإنسان مادة وحسب، فالرؤى من هذه الناحية باب عظيم من أبواب عالم الغيب، والإقرار بها يستلزم الإيمان بالله والملائكة والجن؛ إذ الإلحاد يقوم في ركنه الأساس على إنكار ما وراء الطبيعة، وعلى أن الإنسان هو إله نفسه، والرؤى حيث لا سيطرة للإنسان على ما يراه في نومه دليل على أن هناك قوى أخرى هي التي تسيطر على تلك الصور والأحداث التي يشاهدها في نومه، ثم يراها تتحقق في يقظته.
الحذر لا يمنع القدر
لقد أرشد يعقوبُ يوسفَ -عليهما السلام- ألا يحدث برؤياه إخوته، خوفاً عليه من حسدهم: {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (يوسف: 5)، ولكن الحذر لا يمنع القدر، فها هي ذي الأحداث تسير كما قدرها الله، حَدَّثَ يوسف برؤياه أو لم يُحدِّث، لكنه أدب نبوي، ذكره يعقوب -عليه السلام-، وأيده نبينا - صلى الله عليه وسلم - ففي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث بها إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا، وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها، ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره».


اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]