تحت العشرين -1271
الفرقان
                                         
رجولة الشباب بين المظهر والمضمون
 اعلموا يا  شباب أن الرجولة الحقيقية تعني القوة والمروءة والكمال، وقد وصف الله بذلك  الوصف أشرف الخلق فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ  رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى}، وهي صفة أهل الوفاء مع  الله الذين باعوا نفوسهم لربهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا  مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم  مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا}.
          وصفة أهل المساجد الذين لم تشغلهم العوارض عن الذكر والآخرة  {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ  وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ  فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، فالرجولة وصف يمس الروح والنفس والخلق  أكثر مما يمس البدن والظاهر؛ فرب إنسان أوتي قوة في الجسم وصحة في البدن  يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب رجل قعيد البدن وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال؛  فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، فابحث عن الجوهر ودع عنك المظهر؛ فإن  أكثر الناس تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها، فمن يُجلّونه ويقدرونه ليس  بالضرورة أهلا للإجلال والتوقير، ومن يحتقرونه ويزدرونه قد يكون من أولياء  الله وعباده الصالحين، وقد ثبت عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أنه قال: مر  رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما تقولون في هذا؟»  قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. قال: ثم  سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: «ما تقولون في هذا؟» قالوا: حري إن  خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع، فقال رسول الله - صلى  الله عليه وسلم -: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا»، وعن أبي هريرة أن رسول  الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على  الله لأبره».    مفاهيم غير صحيحة عن الرجولة
 كثيرون هؤلاء الذين يحبون أن  يُمدحوا بوصف الرجولة ولكن لا يسعفهم رصيدهم منها فيلجؤون إلى أساليب ترقع  لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل، ومن هذه الأساليب: - محاولات إثبات الذات التي غالبًا ما يلجأ إليها الشاب المراهق، فيصرّ  على رأيه ويتمسك به بشدة حتى تغدو مخالفة الآخرين مطلبا بحد ذاته ظنا منه  أن هذه هي الرجولة.
 
- التصلب في غير موطنه، والتمسك بالرأي وإن كان خطأ، والتشبث بالمواقف  والإصرار عليها وإن كانت على الباطل ظنا أن الرجولة ألا يعود الرجل في  كلامه وألا يتخلى عن مواقفه.
 
- القسوة اعتقادًا أن الرفق ليس من صفات الرجولة وأن الرجل ينبغي أن يكون صلب العود شديدا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار.
 
من مقومات الرجولة
 إن الرجولة نعت كريم لا يستحقه الإنسان حتى يستكمل مقوماته ويتصف بمواصفاته، ومن هذه المقومات:  1- الإرادة وضبط النفس: أول ميدان تتجلى فيه الرجولة أن ينتصر الإنسان على  نفسه الأمارة بالسوء؛ فالرجل الحق هو الذي تدعوه نفسه للمعصية فيأبى ،  وتبدو أمامه الفتنة فلا يستجيب لها.  2- علو الهمة: وهي أن يعمل على الوصول إلى الكمال الممكن في العلم والعمل؛  فالهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من  الأعمال.  3- النخوة والعزة والإباء: الرجال هم أهل الشجاعة والنخوة والإباء، فقد ربى  الإسلام أبناءه على الشجاعة والعزة والحمية، وهذب معانيها في نفوس أتباعه  وضبطها فهي ليست مجرد ميدان للفخر والخيلاء.  4- الوفاء: الوفاء من شيم الرجال، التي يمدحون بها، ومن أمثلة وفاء النبي -  صلى الله عليه وسلم - موقفه يوم الهجرة وإبقاء علي - رضي الله عنه - لرد  الأمانات إلى أهلها.    قالوا عن الرجولة
   - الرجولة: صدق في العهود، ووفاء بالوعود، وثبات على الطريق، قال الله  -تعالى-: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ  عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا  بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (الأحزاب:23).
 
- الرجولة: هي تحمُّلُ المسؤولية، والنصح في الله، والدفاع عن أولياء  الله قال الله -تعالى-: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى  قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ  فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} (القصص:20).
 
- الرجولة: صمودٌ أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات، قال الله  -تعالى-: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ  اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا  تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور: 37).
 
- الرجولة: رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءةٌ وشهامةٌ، وتعاون وتضامن،  قال -تعالى-: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ  رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (القصص:24).
 
الواجب على جميع الشباب
         قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: الواجب على جميع الشباب  طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والسير على منهاجه والاستقامة على  طريقه، قولا وعملا وعقيدة ومحبته محبة خاصة صادقة فوق محبة النفس والأهل  والأولاد والناس أجمعين، فبذلك يفلح العبد غاية الفلاح وينجو في الدنيا  والآخرة، وتكون له السعادة والعاقبة الحميدة الأبدية كما قال -تعالى-:  {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ  الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157).    من معالم الـرجولة
          قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: إنَّ شهود الصَّلاة مع  الجماعة في بيوت الله ومساجد المسلمين كما أمر بذلك ربُّ العالمين، وكما  أمر بذلك رسوله الكَريم - صلى الله عليه وسلم - شعيرةٌ عظيمَةٌ من شعائر  الإسلام ومَعلَمٌ عظيمٌ من معالم الرُّجولة، نعم إنَّه معلَمٌ عظيم من  معالم الرُّجولة بتبيان ربِّ العالمين ؛ قال الله -تعالى-: {فِي بُيُوتٍ  أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ  فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ  وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} (النُّور) ، فأين هذه  الرُّجولة ممَّن يتخلَّف عن الصَّلاة مع الجماعة أو يهون من شأنها ويقلِّل  من مكانتها؟!.    الرجولة في القرآن والسُنَّة
        الذي يتتبع معنى الرجولة في القرآن الكريم والسُنَّة النبويَّة،  يعلم أن أعظم من تتحقق فيهم سمات الرجولة الحقة هم الذين يستضيئون بنور  الإيمان ويحققون عبادة الرحمن، ويلتزمون التقوى في صغير حياتهم وكبيرها كما  قال -تعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وعندما  سُئل - صلى الله عليه وسلم -: «من أكرم الناس؟ قال:أتقاهم لله».    الشباب رجال الغد
         اعلموا يا شباب أنكم رجال الغد، وآباء المستقبل، وعليكم مهمة تربية  الأجيال القادمة، وإليكم تؤول قيادة الأمة في مختلف مجالاتها، وفي صلاحكم  صلاح للأمة، ولقد كان أكثر حملة الإسلام الأوائل في أول زمن البعثة من  الشباب فهذا علي - رضي الله عنه - لم يكن تجاوز العاشرة، وكذلك بقية العشرة  -رضي الله عنهم- كانوا شبابًا، وجماعة كثيرة من أصحاب النبي - صلى الله  عليه وسلم - كانوا شبابًا، قام عليهم الدين، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم  الله ونصرهم .    حال الشباب في العهد النبوي
        من الصور الرائعة لحال الشباب في العهد النبوي ما رواه أبو سليمان  مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن شبَبَة  متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  رحيمًا رفيقًا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألَنَا عمن تركنا من أهلنا،  فأخبرناه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم،  وعلموهم ومروهم، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا  حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم».