
07-08-2025, 02:44 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,382
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
الحديث 26: «كل سُلامى من الناس عليه صدقة»
عناصر الخطبة:
• رواية الحديث. • المعنى الإجمالي للحديث. • المستفادات من الحديث والربط بالواقع. الخطبة الأولى: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"[1].
عباد الله،هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى اتخاذ أسباب الائتلاف والمحبة، من عدل وإصلاح بين المتخاصمين، وتعاون في أمور الدين والدنيا، وحفظ اللسان إلا من طيب الكلام، وإزالة الأذى عن طريق المسلمين.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
1- الإكثار من شكر الله على نعمة الخلق والإيجاد:قال صلى الله عليه وسلم: " كل سُلامى من الناس عليه صدقة ". والسُّلاميات: هي عظام الجسد ومفاصله التي يتركب منها الإنسان، وعددها 360 عظمًا ومفصلًا، ولولاها لما استطاع الإنسان القيام ولا التحرُّك، ولا يقدر هذه النعمة إلا من فقدها؛ كالمقعدين أو المصاب بالشلل، أو أصحاب أمراض المفاصل أو كسور العظام وغيرهم. ونبهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة شكر هذه النعمة بالتصدُّق عليها في كل يوم، وهذا من نوع الشكر المستحب، فصدقة النفل مستحبة، وشكرها تبع لها، كما أن صدقة الواجب واجبة وشكرها واجب، وشكرها يكون بإخراج زكاة المال.
ونبَّهنا الله عز وجل إلى هذا النوع من الشكر (شكر نعمة الخلق) في كتابه بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 6، 7]، وقوله: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 8، 9].
2-أنواع الصدقات:ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أنواع الصدقات على سبيل التمثيل لا الحصر، والتي- إن فعلها العبد في يومه- يكون من الشاكرين والمتصدِّقين على سُلاميات جسده؛ ومنها:
1- الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل:قال صلى الله عليه وسلم: "يعدل بين الاثنين صدقة". والعدل بين المتخاصمين صدقة يتعدى نفعها للغير، وقد اعتبر الله التناجي لأجل الإصلاح من خير النجوى؛ قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وهذا كمن يصلح بين زوجين متخاصمين، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، أو الصلح بين طائفتين من المؤمنين اختصما في أمر ما بالعدل؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ﴾ [الحجرات: 9، 10].
2- التعاون:قال صلى الله عليه وسلم: "ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة". فإذا أعنت الرجل على ركوب السيارة أو الحافلة، أو حملت مريضًا للنوم على سريره، أو ركوب سيارة الإسعاف، أو أعنت إنسانًا على رفع أمتعته الثقيلة على دابته أو سيارته، أو غير ذلك من أوجه التعاون، فهذا يعتبر صدقة، وينمي روح الجماعة والتضامن والأخوة بين المسلمين فتنتشر المحبة بينهم؛ قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].
فاللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمك، المصلحين بين الأحبة، المتعاونين على البر والتقوى، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
من أنواع الصدقات كذلك الواردة في الحديث:
الكلمة الطيبة: قال صلى الله عليه وسلم: "والكلمة الطيبة صدقة"؛ كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق من الأربعين: "إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ"[2].
وإلقاء التحية وردها كلمة طيبة، وكل كلمة تدخل بها السرور على الناس، وقول: (شكرًا) لمن قدم إليك معروفًا، وغيرها. قال تعالى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10].
المشي إلى المسجد لأجل الصلاة:قال صلى الله عليه وسلم: "وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة". ففي هذا ترغيب في صلاة الجُمَع والجماعات، وحضور دروس العلم بالمساجد. وكلما بعدت الدار عن المسجد كثر الأجر نتيجة كثرة المشقة والخطى. ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إلى بَيْتٍ مَن بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِن فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إحْدَاهُما تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً" [3].
إماطة الأذى عن الطريق:قال صلى الله عليه وسلم: "ويميط الأذى عن الطريق صدقة". والإماطة: إزالة كل ما يؤذي الناس؛ كشوك أو حجر أو مسمار أو زجاج أو غصن شجرة متدلٍّ على الطريق، أو نجاسة أو ملء حفرة، أو وضع علامة للدلالة على خطر ما، وغيرها. قال صلى الله عليه وسلم: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ"[4].
فاجتهدوا- إخواني- في المنافسة في الخيرات، وأكثروا من العمل الصالح يكن لكم ذخرًا بين يدي ربكم. فاللهم وفقنا للخير واجعلنا هداةً مهتدين. آمين. (تتمة الدعاء).
[1] رواه البخاري، رقم: 2989. ومسلم، رقم: 1009.
[2] رواه مسلم، رقم: 1006.
[3] رواه مسلم، رقم: 666.
[4] رواه مسلم، رقم: 35.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|