سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية- الأنانية والطمع
الأسرة في الإسلام كيان مقدَّس، وهي اللَّبِنَة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني السليم؛ ولهذا أَوْلَى الإسلام بناءها عناية فائقة، وأحاط إنشاءها بأحكام وآداب تكفل أن يكون البناء متماسكاً قويّاً، يحقِّق الغاية الكبرى من وجوده، وعند غياب هذه الآداب ووجود ما يخالفها فإن كثيراً من المشكلات والأزمات تحدث بين الزوجين، فتتعرض الأسرة إلى هزَّات عنيفة ، قد تؤدِّي إلى زعزعة أركانها وانفصام عراها، وأحاول في هذه السلسلة استعراض بعض السلوكيات السلبية التي سادت في بعض الأسر، وأحدثت تمزقًا نفسيًا وعلى إثرها اهتزت العلاقات داخل الأسرة، وفقد الاستقرار والأمان، واليوم نتناول أحد هذه السلوكيات وهو (الأنانية والطمع) .
الأنانية والطمع هما من المشاعر السلبية ومن أكثر السلوكيات التي تهدد نجاح الحياة الزوجية واستقرارها فهما يعنيان اهتماماً مبالغاً بالمصلحة الشخصية على حساب الآخرين لدرجة جعلها مسوغاً لكل الأفعال، ويكونان في شتى الأمور حتى الصغيرة منها فلا يفكر الطرف الأناني إلا في نفسه، ولا ينتبه لشريكه، فضلا عن نكران الجميل والاغترار بالنفس وحب التملك، وتنشأ الأنانية مع الطفولة، إلا أن تغيير هذا السلوك بالرغم من أنه قد يكون صعبًا فهو قد يتبدل مع الوقت لكن ليس في يوم وليلة، فهو يحتاج إلى الصبر والإرادة والقدرة على التحمل وإدراك الطرف الآخر لصعوبة مهمته في تغيير الشريك والوقوف بجانبه قدر الإمكان من خلال إشعاره بالعطاء وقيمته، ثم الحرمان منه لإشعاره بأهمية العطاء وتأثيره في النفس الإنسانية سواء بالأخذ أم بالعطاء.
أثر أنانية الزوجة على وطمعها الحياة الأسرية
الزوجة الأنانية غالباً ما تسعى وراء طموحها ورغباتها وأهدافها الشخصية؛ مما يجعلها لا تضع بيتها وشريكها رقم واحد في حياتها فهي لا تهتم بمشكلات شريكها وهمومه الخاصة وفي ظل إيثار نفسها وطمعها تنزع من قلبه أي مشاعر عطف وحب لها إلى أن ينتهي به الحال إلى البحث عن غيرها، عمن يهتم بشؤونه واحتياجاته، وبالتالي يسهل عليه الانفصال عن الزوجة التي لا تعبأ به ولا بمصالحه؛ فهو يعد نفسه ضحية إهمالها وحباً لذاتها؛ فالزوجة الأنانية تترك أثراً سيئاً، وتخسر الكثير ولا يمكن أن تربح زوجها فهي الخاسرة الوحيدة في العلاقة وبالطبع ستواجه صعوبة في مواصلة الحياة الزوجية؛ فعندما ترهق زوجها بالمطالب المادية دون مراعاة لظروفه، ولا تُحسن اختيار الوقت الذي تطلب فيه رغباتها، أو تبث فيه همومها فالحياة لا يمكن أن تقام على ذاتك ومصالحك فقط .
فأنت -أختاه- أم لزوجك قبل أبنائك، وزوجة وحبيبة وعاشقة لرجل تحصنيه من أي زلل أو خطأ يقع به في حق نفسه وحقك، ومربية لأجيال وصديقة متفهمة ومستشارة ناجحة لعلاج مشكلات أسرتك قبل أن تكوني نفسك فعليك أن تتقي الله في رعيتك .
أنانية وطمع الزوج على الحياة الأسرية
أنانية الرجل وطمعه الشديد أسوأ صفة يمتلكها الرجال؛ فالرجل الأناني الذي يحب نفسه ولا يفكر في غيره يهتم بأموره الخاصة، ويكرم نفسه في الملبس والمظهر ولا يهمه زوجته وأولاده ، الذي يكون خارج البيت بوجه وداخله بوجه آخر، ومن يطلق العنان لعينه بحجة أنه رجل ولا يعيبه شيء، ويتجاهل مشكلات زوجته ولا ينصت لطلباتها الخاصة في الوقت الذي يتحدث عن أموره الشخصية باستفاضة، باحثًا عن راحته وتحقيق رغباته! يتكلم عن نفسه وعن إنجازاته ولا يعرف أصول اللياقة، ولا يهتم بأسرته ولا يسأل عن أحوالهم، ولا يطمئن عليهم عند عودته إلى البيت ليلا، ولا يشرك زوجته أو أبناءه في اتخاذ القرارات المهمة التي قد تخصهما، ويتجاهل آلامهم، ولا يراعي ظروفهم ودائماً ما يكون هدفه من التخطيط هو تحقيق مصالحه الشخصية دون أن يضع في اعتباره إذا كانت تناسب أسرته، وقد يكون طماعاً أيضاً يحب امتلاك كل شيء، وينفق الكثير من الأموال على نفسه، ويخلق مشكلة عندما تقوم زوجته بصرف القليل منها , فهناك الكثير من الرجال ما زالوا يفكرون ويتعاملون مع النساء بمفاهيم أن المرأة تخدم وتطعم وتقوم بأحوال المنزل فقط ولا حق لها؛ حيث اتضح أن 45 % من أسباب الطلاق ترجع إلى طباع الزوج الأناني وأسلوب معاملته السلبي مع الزوجة والأبناء وكل من حوله .
وهنا أقول لهذا الزوج الذي لا يحب إلا نفسه اتق الله واعلم أن الله مطّلع عليك؛ فزوجتك وأبناؤك بحاجة لحنانك وعطفك واهتمامك وإحساسك بهم وإشعارهم بالأمان والاستقرار وتنازل عن رجولتك في بعض الأحيان بما لا يقلل منها، وضع نفسك مكانها هل تحب أن تعامل بهذه الأنانية المفرطة؟ وهل تستطيع التحمل؟
الأنانية والطمع وأثرهما في حياتنا الأسرية
الشخص الأناني يعاني من نفسه قبل معاناة أسرته رغم شعور المحيطين بعكس ذلك ، فهو دائم الطلب وغير قادر على العطاء بطريقة لا إرادية فهو يعلم جيداً أنه قد يؤذي مشاعر الآخرين؛ لذا فهو بحاجة إلى المساعدة والتشجيع على العطاء؛ لأنه عند اختراق الأنانية بيت الزوجية فإن دخان المعارك العائلية يتصاعد وتكون الحياة مهددة بالانهيار، ولاسيما عند وصول الطرف المتضرر لطريق مسدود وشعوره بأن حقه مهضوم، فالبيت الذي أراد الله -سبحانه وتعالى- به السكن والمودة للمرأة والرجل يعيشان فيه بسعادة وهناء عندما يقيم على المصلحة الشخصية غالباً ما يكون مصيره الفشل؛ لأن العلاقة الداخلية فيه قد ازدحمت مسالكها بدوافع الطمع والجشع وتغليب الأنا، وإذا قدر له أن يستمر فإن استمراره سيكون في جو من الملل والكراهية والتكلف، وتشوبه الخلافات كلما تضاربت المصالح والمنافع بين الزوجين، فإذا ما ساد الجو الأسري الرغبة في تحقيق أكبر قدر من المصلحة الشخصية دون مراعاة للأطراف الأخرى ، فإن من شأن ذلك أن يوتر العلاقة، ويدفع بأطرافها للدخول في صراعات مختلفة، فحب الطرف الأناني لذاته ووقوفه الدائم أمام المرآة وتكراره لكلمة (أنا) ! حين يصبح الامتلاك والاستحواذ همه الأوحد! ودائمًا يرى نفسه الأفضل والأجمل. الأذكى .. ومن حوله في المرتبة الأدنى! كلها أسباب تؤدي إلى مشكلات كثيرة، ولاسيما على مستوى العلاقات الزوجية، حتى إنها تؤثر على الأبناء؛ فالطفل يعيش في هذه الحالة في جو ملغوم يهدد طمأنينته، فهو يلتقط بحسه المرهف واقع البيت وما به من صراعات ومصالح شخصية وطمع وراء هدوء ظاهري من الوالدين، وتتراكم في نفسه حالة القلق والضيق والإحباط النفسي إلا أنه غير قادر على البوح بما يعانيه فيسيطر عليه شعور الكآبة والانطوائية والغرق في الهموم الذاتية التي لا يشعر بها الآباء ، فحدة الأنانية والطمع تفرض نفسها على السلوكيات والتصرفات فلا يرى الشخص غير نفسه ومصلحته الذاتية دون أن يعلم أن هذه السلوكيات ستقضي على بيته وزواجه وتدمره .
التعامل مع الطرف الأناني
ينصح الخبراء عند التعامل مع الشخص الأناني في الأسرة بعدم التساهل معه أو التغاضي عن عيوبه؛ لأن تصرفاته لا تقف عند حد الاستغلال وإهمال الرغبات ولكنها ستؤثر سلباً في تربية الأبناء وإليكم خطوات عدة لكيفية التعامل:
- اكسب وده حتى يمكنك تقديم النصيحة له دون أدنى حساسية؛ فالأناني دائمًا ما يرى نفسه الأجدر والأحق وعلى الناس من حوله أن يخضعوا له .
-الصبر عليه من منطلق أنك شخصية (زوج أو زوجة) إيجابية تحاول تقديم الفائدة لمن حولها، عكس الشخص الأناني الذي يستبيح لنفسه استغلال الناس وتسخيرهم، وإنكار حقوقهم، وما يستحقون من احترام ومجاملة .
- اذكر أمامه مميزات بعض الأقارب والزملاء من عطاء وكرم ومحبة الغير، وكيف يحترمهم الجميع ويثق بهم.
- وضح له بطريقة غير مباشرة عيب تفخيم الذات والجشع والتفتيش عن العيوب .
- التعامل برفق بدون تحد مع مدح مناطق القوة في شخصيته ومحاولة ترويض القلب على حب الغير والغ من قاموسه ضمير (أنا)، واجعله يعبر بضمير الجمع (نحن)؛ ليعيش مفهوم الأسرة ويحسه بداخله .
- توضيح أثر السلوك الأناني في العلاقة مع الآخرين ، وسر ابتعاد الأصدقاء عنه بطريقة غير جارحة .
- النقاش بصورة غير مباشرة عن أهمية التعاون والمشاركة في نجاح الإنسان، وأن الأخذ والعطاء أساس العلاقات الإنسانية والاجتماعية، وأن سعادة من حولك سوف تنعكس عليك .
- ساعده على تنمية صفة التضحية به؛ كأن يعين محتاجاً أو يتصدق أو يكفل يتيماً وغيرها من الأفعال التي إن بدأ بها تساعده على التخلص من هذا السلوك.
- التعامل بحزم إذا تخطى الحدود اللائقة في كلامه وتعامله معك، ولا تكسر المرآة التي يرى نفسه فيها .
- العطاء بقدر مناسب وثابت حتى يشعر الطرف الأناني بالتعود على هذا المقدار دون إثارة مشكلات يشعر خلالها بأنه افتقد شيئا من الشريك، ولا تتوقع منه امتناناً أو أجراً حتى لا تصاب بالإحباط.
- تفهّم أن الشخص الأناني تُسيطر عليه فكرة أنه يمتلكك لمجرد أنك زوجته أو مجرد أنك زوجها! وأنك تتحول إلى شخص آلي وظيفته الاهتمام بباقي الأسرة متناسيًا مشاعرك ، ومن هنا يأتي دور الزوجة الذكية أو الزوج الذكي، المحب لبيته وأسرته.
لذلك يجب على أي طرفين في العلاقة الزوجية أن يتخلى عن أنانيتهما وطمعهما، ويتعلما حب الغير ومحاولة التواصل والتفاهم معه لتصبح الحياة بينهما حياة زوجية سوية هدفها السعادة والتراضي بين الطرفين، فلابد أن يتفهم كل منهما احتياجات الآخر، وألا تطغى رغبة رب الأسرة على حاجة أفراد أسرته، وأن يتعلم العطاء الذي يجب أن يتوفر بالتبادل بين الزوجين؛ فالطرف الأناني قد يشعر بأن عطاء الطرف الآخر هبة لن تنضب، ويتناسى واجبه نحو الشريك، ويبقى منتظراً المزيد دون أن يرد بمقابل ، ولكن حذار من إثارة المشكلات بشأن هذا الموضوع؛ فاستمرار عطاء الشريك مع اللين في الحديث ومحاولة كسب ثقة الشريك الأناني هي أكثر الطرائق فاعلية في التغلب على الأنانية.
اعداد: إيمان الوكيل