عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-08-2025, 07:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفهوم الشرك في القرآن الكريم: قراءة تفسيرية موضوعية

كَقَابِضِ مَاءٍ لَمْ تَسِقْهُ أَنَامِلُه[26]


قال مجاهد: "معناه كالرجل العطشان الذي يرى الماء من بعيد، فهو يشير بكفه إلى الماء، ويدعوه بلسانه، فلا يأتيه أبدًا". وقال علي وعطاء: "كالعطشان الجالس على شفير البئر، يمد يده إلى البئر فلا يبلغ قعر البئر إلى الماء، ولا يرتفع إليه الماء، فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء ودعاؤه له، ولا هو يبلغ فاه، كذلك الذين يدعون الأصنام لا ينفعهم دعاؤها، وهي لا تقدر على شيء". وقال ابن عباس: "كالعطشان إذا بسط كفيه في الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء، ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسطًا كفيه. وهو مثل ضربه لخيبة الكفار". وقال الضحاك عن ابن عباس: "وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال، لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى"[27].

وبيَّن شدَّة وهن حالهم مع أوليائهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ أَولِياءَ كَمَثَلِ العَنكَبوتِ اتَّخَذَت بَيتًا وَإِنَّ أَوهَنَ البُيوتِ لَبَيتُ العَنكَبوتِ لَو كانوا يَعلَمونَ [العنكبوت: 41]، فشبه اتخاذ المشركين أولياء من دون الله، بالعنكبوت في ضعفها، اتخذت بيتًا لا يغني عنها شيئًا، وهو أضعف البيوت وأوهنها.


كما ضرب للمشركين مثلًا بديهيًّا من أنفسهم يبرهن على سفاهة دعواهم، قال جل جلاله: ﴿ ضَرَبَ لَكُم مَثَلًا مِن أَنفُسِكُم هَل لَكُم مِن ما مَلَكَت أَيمانُكُم مِن شُرَكاءَ في ما رَزَقناكُم فَأَنتُم فيهِ سَواءٌ تَخافونَهُم كَخيفَتِكُم أَنفُسَكُم كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعقِلونَ [الروم: 28]، فأنكر عليهم بمنطقهم الذي لا يرضوه لأنفسهم من مشاركة مماليكهم لهم في ما رزقهم، وخوفهم أن يرثوهم بعد موتهم، وهذا وإن كان لا يُقبل وهم ليسوا لهم بخالقين ولا رازقين، بل هم عبيد مثلهم، فكيف يرضون لله شريكًا وهو خالق كل شيء وحده لا شريك له! ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَل يَستَوِيانِ مَثَلًا الحَمدُ لِلَّهِ بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمونَ [الزمر: 29]، فشبَّه المشرك بالعبد المملوك لأسيادٍ كُثر، فلا هم يتفقون بينهم على مطلب، ولا هو يرتاح بتلبية مطالبهم، وأنه لا يستوي ومن عرف مطلب سيده الواحد فأدَّاه واطمأن.

وقد دلَّل النص القرآني الكريم على انفراد الله بالخلق، وعجز من سواه التام عن ذلك، فدعا الناس كافة للاستماع لحال ما جُعل له نِدًّا، ليكون هذا النداء بصيرةً للمؤمنين، وحجَّةً على الكافرين، قال جل شأنه: ﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاستَمِعوا لَهُ إِنَّ الَّذينَ تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ لَن يَخلُقوا ذُبابًا وَلَوِ اجتَمَعوا لَهُ وَإِن يَسلُبهُمُ الذُّبابُ شَيئًا لا يَستَنقِذوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطلوبُ [الحج: 73]، فبيَّن عجز من يدعون من دونه على خلق أحقر مخلوق وأقله وهو الذباب[28]، بل وعجزهم عن استرداد ما أخذه منهم، قال ابن عباس: "كانوا يطلون الأصنام بالزعفران، فإذا جف جاء الذباب فاستلب منه". وقال السدي: "كانوا يضعون الطعام بين يدي الأصنام فتقع الذباب عليه فيأكلن منه". وقال ابن زيد: "كانوا يحلون الأصنام باليواقيت واللآلئ وأنواع الجواهر، ويطيبونها بألوان الطيب، فربما تسقط منها واحدة فيأخذها طائر أو ذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها"[29].

كما دلَّل على انفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق والرزق، والإحياء بعد الموت، وقرَّع المشركين بعجز شركائهم عن فعل أيٍّ من ذلك، أو حتى ما دون ذلك من ضرٍ أو نفع، قال جل جلاله: ﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُميتُكُم ثُمَّ يُحييكُم هَل مِن شُرَكائِكُم مَن يَفعَلُ مِن ذلِكُم مِن شَيءٍ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ [الروم: 40][30].

وصف المشركين ومعاملتهم:
حيث عدَّد الذكر الحكيم صفات المشركين في سياق مناقشته لمفهوم الشرك، ليعرفها المؤمن فيَحذر، ويذكر نعمة ربه أن هداه للإيمان الخالص، ويعرفها المشرك فينزجر، ويعود إلى توحيد ربه وحده لا شريك له.

فوصف إعراضهم عن آيات الله الكونية رغم إيمانهم بربوبيته، قال جل ذكره: ﴿ وَكَأَيِّن مِن آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ يَمُرّونَ عَلَيها وَهُم عَنها مُعرِضونَ * وَما يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشرِكونَ [يوسف: 105-106]، فهم يشركون في ألوهيته سبحانه وتعالى. قال مجاهد: "إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره". وقال قتادة: "لا تسأل أحدًا من المشركين: من ربك؟ إلا قال: ربي الله! وهو يشرك في ذلك". وقال ابن زيد: "ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربه، وأن الله خالقه ورازقه، وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم: ﴿ أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبي، تقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"؟ المشركون كانوا يقولون هذا"[31].

ووصف كل مشرك رغب عن ملَّة التوحيد – ملَّة إبراهيم الحنيف – بسفاهة النفس، قال عز وجل: ﴿ وَمَن يَرغَبُ عَن مِلَّةِ إِبراهيمَ إِلّا مَن سَفِهَ نَفسَهُ وَلَقَدِ اصطَفَيناهُ فِي الدُّنيا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحينَ [البقرة: 130]، قال ابن عباس: "﴿ إلا من سفه نفسه من خسر نفسه"، وقال الكلبي: "ضلَّ من قبل نفسه"، وقال أبو عبيدة: "أهلك نفسه"، وقال ابن كيسان والزجاج: "معناه جهل نفسه، والسفاهة: الجهل وضعف الرأي، وكل سفيه جاهل، وذلك أن من عبد غير الله فقد جهل نفسه، لأنه لم يعرف أن الله خلقها"[32].

ووصف فساد عقول المشركين وسقم آرائهم باختيارهم الشرك، وتركِهم الدين الخالص، قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم في ما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ [الزمر: 3]، فهو سبحانه لا يقبل من الدين إلا ما كان خالصًا له لا تشوبه شائبة من شرك أو رياء، ولكن المشركين اتخذوا من دونه أوثانًا أولياءً مظنَّة شفاعتهم لهم عند الله، مع علمهم بأنها لا تملك من الأمر شيئًا، فاستحقوا الضلالة بكذبهم وكفرهم وكانوا أضلَّ الناس، كما وصفهم عز ذكره: ﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّن يَدعو مِن دونِ اللَّهِ مَن لا يَستَجيبُ لَهُ إِلى يَومِ القِيامَةِ وَهُم عَن دُعائِهِم غافِلونَ [الأحقاف: 5]، وهم يحسبون أنهم على الهداية، قال جل جلاله: ﴿ فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ [الأعراف: 30].

كما عيَّرَهم باتخاذهم الهوى إلهً من دون الله، قال عز وجل مخاطبًا نبيَّه: ﴿ أَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنتَ تَكونُ عَلَيهِ وَكيلًا [الفرقان: 43]، فكان الرجل من المشركين يعبد الحجر، فإذا رأى حجرًا آخر أحسن منه رمى به، وأخذ الآخر يعبده، فكان معبوده وإلهه هو ما يتخيَّره لنفسه.

وعاب عليهم مشابهتهم لليهود في شدَّة حرصهم على الحياة وتشبُّثهم بها، قال سبحانه وتعالى:
﴿ وَلَتَجِدَنَّهُم أَحرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا يَوَدُّ أَحَدُهُم لَو يُعَمَّرُ أَلفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحزِحِهِ مِنَ العَذابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصيرٌ بِما يَعمَلونَ [البقرة: 96]، قال ابن عباس: "وذلك أن المشرك لا يرجو بعثًا بعد الموت، فهو يحب طول الحياة؛ وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي، بما ضيَّع مما عنده من العلم"[33].


وقد حذَّرت آيات الذكر الحكيم في مواضع عدَّة من شدَّة كرههم للمؤمنين، فوصفت حسدهم وضيق صدورهم بكل خير ينزل بأهل الإيمان، مشابهين بذلك كَفَرَة أهل الكتاب، قال جل جلاله: ﴿ ما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَلَا المُشرِكينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم وَاللَّهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ [البقرة: 105]، فالله سبحانه وتعالى يختص برحمته من يشاء من عباده، فيهدي من يشاء، ويرزق من يشاء، ويعز من يشاء، وما من خير نازل بعباده إلا وهو فضل منه أنزله بغير استحقاق منهم.

ودلَّلت على كثرة إيذائهم – ومن سبقهم من أهل الكتاب – للمؤمنين في دينهم، قال سبحانه وتعالى واصفًا سخريتهم من المؤمنين: ﴿ وَإِذا مَرّوا بِهِم يَتَغامَزونَ [المطففين: 30]، وقال عز شأنه محذِّرًا عباده المؤمنين من أذاهم: ﴿ لَتُبلَوُنَّ في أَموالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أَذًى كَثيرًا وَإِن تَصبِروا وَتَتَّقوا فَإِنَّ ذلِكَ مِن عَزمِ الأُمورِ [آل عمران: 186]، وأرشدهم في مقابل ذلك للصبر والتقوى فجعلها دعائم القوة التي عزم الله عليها وأمر بها[34]،كما أخبر بأن المشركين – ومن وافقهم من اليهود – هم أشد الناس عداءً للمؤمنين، قال جل جلاله مخاطبًا نبيَّه: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذينَ آمَنُوا اليَهودَ وَالَّذينَ أَشرَكوا وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَوَدَّةً لِلَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهبانًا وَأَنَّهُم لا يَستَكبِرونَ [المائدة: 82][35].

وبيَّن مباعدته بين أهل الإيمان وأهل الشرك بتحريم التناكح بينهم، فهو موطن الخلطة والانجرار إلى النار، رغم ما قد يكون فيه من مصالح وإعجابٍ بحُسنٍ أو عُلو نسب، قال جل جلاله: ﴿ وَلا تَنكِحُوا المُشرِكاتِ حَتّى يُؤمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤمِنَةٌ خَيرٌ مِن مُشرِكَةٍ وَلَو أَعجَبَتكُم وَلا تُنكِحُوا المُشرِكينَ حَتّى يُؤمِنوا وَلَعَبدٌ مُؤمِنٌ خَيرٌ مِن مُشرِكٍ وَلَو أَعجَبَكُم أُولئِكَ يَدعونَ إِلَى النّارِ وَاللَّهُ يَدعو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإِذنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ [البقرة: 221][36] ، وجعل التناكح بينهم وبين الزناة، وحرَّمه على المؤمنين، قال سبحانه وتعالى: ﴿ الزّاني لا يَنكِحُ إِلّا زانِيَةً أَو مُشرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنكِحُها إِلّا زانٍ أَو مُشرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى المُؤمِنينَ [النور: 3].

كما حذَّرت آيات الذكر الحكيم من حُرمة عمارتهم لبيوت الله، قال سبحانه تعالى: ﴿ ما كانَ لِلمُشرِكينَ أَن يَعمُروا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدينَ عَلى أَنفُسِهِم بِالكُفرِ أُولئِكَ حَبِطَت أَعمالُهُم وَفِي النّارِ هُم خالِدونَ [التوبة: 17]، وعمارتها لا تقتصر على تشييدها بناءً، بل تمتد لتشمل التعبد فيها طاعة لله، وهو ما لا ينبغي للمشركين بعد أن أضاعوا الإيمان – الذي هو أصل قبول العمل – وشهدوا على أنفسهم بالكفر. قال ابن عباس: "شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام، وذلك أن كفار قريش كانوا نصبوا أصنامهم خارج البيت الحرام عند القواعد، وكانوا يطوفون بالبيت عراةً، كلما طافوا شوطًا سجدوا لأصنامهم، ولم يزدادوا بذلك من الله تعالى إلا بعدًا"، وقال السدي: "شهادتهم على أنفسهم بالكفر، هو أن النصراني يُسأل من أنت؟ فيقول: أنا نصراني، واليهودي يقول: أنا يهودي، ويقال للمشرك: ما دينك؟ فيقول: مشرك"[37].

وحذَّرت من نَجَسهم وحُرمة اقترابهم من بيت الله الحرام، قال جل جلاله: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عامِهِم هذا وَإِن خِفتُم عَيلَةً فَسَوفَ يُغنيكُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ إِن شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ حَكيمٌ [التوبة: 28]، على اختلافٍ بين أهل التأويل في معنى النَجَس المراد بالآية، مع أن المشركين قد جمعوا بين النجاستين، الحسيَّة والمعنويَّة.

كما دلَّلت على اشمئزازهم القلبي من إفراد الله جل جلاله بالذكر، واستبشارهم بذكر ما دونه مما يعبدون، وذلك لموافقته لأهوائهم. قال جل شأنه:
﴿ وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحدَهُ اشمَأَزَّت قُلوبُ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذينَ مِن دونِهِ إِذا هُم يَستَبشِرونَ [الزمر: 45]، قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: "﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت انقبضت عن التوحيد". وقال قتادة: "استكبرت. وأصل الاشمئزاز النفور والاستكبار"[38].


وبيَّن الذكر الحكيم المنهج القويم في معاملة المشركين، فأمر بقتال من قاتل المسلمين منهم، قال جل جلاله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم وَقاتِلُوا المُشرِكينَ كافَّةً كَما يُقاتِلونَكُم كافَّةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ [التوبة: 36]، مع نهيه عن الاعتداء، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقاتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم وَلا تَعتَدوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ [البقرة: 190]، وحضِّه على البر والقسط في حق من لم يقاتل المسلمين منهم، قال عز وجل: ﴿ لا يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِن دِيارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ [الممتحنة: 8]، بل وأمر بإجارة من استجار المسلمين منهم لسماع كلام الله، قال جل شأنه: ﴿ وَإِن أَحَدٌ مِنَ المُشرِكينَ استَجارَكَ فَأَجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبلِغهُ مَأمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَعلَمونَ [التوبة: 6].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]